أسرار زيارة الأربعين ( الحلقة الرابعة )
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الفرق بين المعسكرين:
إن المشهد النفسي والروحي في واقعة كربلاء المتمثلة في شخصيات المعسكرين، عندما تتمثل للإنسان كشريط مسجل مرئي (فيلم) نشاهده في الخاطرة، وشدة الامتحان النفسي في الجانبين لا سيما مع المراهنة بين الهوى والميول النفسية مع أصل الدين الذي يمثله الحسين(ع) من وجود النبي’ الذي هو أصل الدين الذي أرتد الناس عنه بقتل الحسين(ع) شحن مجمع الرذائل النفسية في المتمثل في معسكر بني أمية وشحن مجمع الفضائل في معسكر أهل البيت^.
وبعبارة أخرى حضيض النفس في المعسكر الآخر، وأوج النفس في معسكر سيد الشهداء، فدوام ذكر هذا المشهد بتفاصيله وبأمثلته الكبيرة التي تتعرض إلى جهات عديدة في النفس البشرية تعطي للإنسان عبرة عن الوقوع في المستنقعات الكثيرة لدى النفس.
السر الثالث: طاعة أولي الأمر أوالمعصية: وهو أن الله عَزَّ وَجَلَّ قرن طاعة رسوله’ بطاعته في عشرات الآيات {أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}([1]) كما أنه في آية من الآيات قرن الله تعالى بطاعته وبطاعة النبي قرن طاعة أولي الأمر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}([2]) وكما بينا في بحوث سابقة أن (الأمر) هو الذي يتنزل في ليلة القدر {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}([3]).
وكما في قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ}([4]).
وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}([5]).
وهذا ـ الأمر ـ نفسه هو الروح الأمري الذي ذكره تعالى في سورة الشورى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}([6]).
فعالم الأمر يعني عالم الإبداع وعالم الملكوت فأولي الامر ليس معناه دائرة صغيرة والتي هي الشؤون العامة السياسية، بل العالم الملكوتي يشمل الأرض وما عليها وبقية عوالم الخلقة، وليس محبوسا ومقتصرا على الشأن السياسي بل يشمل ساحات وميادين وبيئات أخرى كثيرة.
ومن خلال هذا يتضح أن الله تعالى أمر بطاعتهم المطلقة والمقترنة بطاعة الرسول’، وطاعة الرسول’ مقترنة بطاعته سبحانه وتعالى، وهذا يعني أن هناك رديف تبعي لطاعة الله بطاعة الرسول’، ورديف تبعي لطاعة الرسول بطاعة أولي الأمر، وهذه طاعة عظيمة الشأن وهي تستدعي إنقياد تام من الإنسان لأصحاب ولاية الطاعة، بل جعل الله تعالى مودة وقربة النبي’ أجر رسالته {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}([7]).
فهذه معادلات وحلقات واضحة في أن الروح الأمري ينزل على من هم أصحاب القرآن في الكتاب المكنون أو في اللوح المحفوظ وهم المطهرون {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}([8]) وهم أصحاب الكتاب الذي هو الأمر الذي يتنزل ليلة القدر والذي {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}([9]).
فهؤلاء المطهرون الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله’ سوف ينقاد الإنسان إلى طاعتهم وولايتهم عندما يتعرف على المزيد من فضائلهم ومصائبهم بشكل رتيب راتب، وكلما قلت معرفة الإنسان بفضائل أهل البيت^ وبمدى مقاماتهم في المحن والابتلاءات كلما صار انقياده إليهم أقل وبالتالي سوف يعصي الله في عدم الطاعة بالانقياد المطلق.
طاعة أولي الأمر طاعة الدين:
فـ (أطيعوا الله) أي أطيعوا الله في كل الدين، وكذلك إطاعة الرسول’ في كل الدين أعم من القضاء والتشريع وأعم من السلطة التنفيذية، بل في كل الدين بما للدين من سعة التي تعم الدنيا والآخرة.
وبما أن طاعة أولي الأمر مقرونة بطاعة رسول الله’ فأيضاً كذلك أولي الأمر طاعتهم هي طاعة الدين بما للدين من سعة، ومن هنا فلا ينقاد الإنسان إلى مثل هذه الطاعة الشديدة والمهمة إلا إذا عرف المزيد من فضائلهم، ولا ينجذب إليهم إلا بالمزيد من معرفة محنهم ومصائبهم، فكثرة ذكر سيد الشهداء(ع) ومصائبه ومحنه وفضائله ومقاماته توجب جذب الإنسان إليه وبالتالي سوف يطيع الله تعالى ورسوله’ وأمير المؤمنين(ع) والأئمة من ذريته(ع) والذي هو الانقياد للدين كله.
وبقدر ما تنقص معرفة الإنسان بالحسين(ع) وبأهل بيته بقدر ما ينقص انقياده اتجاههم^.
عن عبد العزيز القراطيسي قال: دخلت على أبي عبدالله(ع) فذكرت له شيئاً من أمر الشيعة ومن أقاويلهم، فقال: يا عبد العزيز الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم له عشر مراقي وترتقى منه مرقات بعد مرقات، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية لست على شيء، ولا يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة لست على شيء حتى أنتهى إلى العاشرة قال: وكان سلمان في العاشرة، وأبو ذر في التاسعة، والمقداد في الثامنة، يا عبد العزيز لا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، إذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعاً رفيقاً فافعل، ولا تحملن عليه ما لا يطيقه فتكسره فإنه من كسر مؤمناً فعليه جبره، لأنك إذا ذهبت تحمل الفصيل حمل البازل فسخته([10]).
فإن سلمان رضوان الله عليه انقياده لأمير المؤمنين(ع) أشد من أبي ذر رضوان الله عليه.
إذن هذا المقام الكبير إنما يصل الإنسان إليه بسبب كثرة وشدة ذكره لهم صلوات الله عليهم، وهذا لا يحصل إلا بـ «السلام عليك يا صاحب المصيبة الراتبة» يعني الرتيبة كل ساعة وكل آن وكل يوم وليس كل موسم مثلما نقول الراتبة يعني الراتبة والدئيبة والدؤب.
([1]) سورة المائدة: الآية 92.
([2]) سورة النساء: الآية 59.
([3]) سورة القدر: الآية 4.
([4]) سورة النحل: الآية 2.
([5]) سورة الدخان: الآية 1 ـ 5.
([6]) سورة الشورى: الآية 52.
([7]) سورة الشورى: الآية 23.
([8]) سورة الأحزاب: الآية 33.
([9]) سورة الواقعة: الآية 79.
([10]) الخصال للصدوق: 448.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat