ويستطيل جلباب الليل ويستطيل..
ليتعدّى أطراف النهار ، ويخنق وجه النور ..
والأصيل الخافت الأنفاس يخبئ وجهه بين سحابتين من عتمة..
والغروب يجتاح رقّة السماء...يتوعدني بليل خالي الرقاد، وبنجمٍ متّقد الشغب..
و...يحتلني هذا المساء ..
وقهوة الشوق تذيبني في آناء الوجد ذكرى وشجن..
وناسكة اللحن تُشعل الليل لحنا وطرب...
تفتّش في ملكوت الليل عن أسباب الاحتراق ، ترشّ جبين القلب بماء قوامه الشوق .. وتنادي بــ"أمل حياتي " ،و تتلو على مسامع الروح "عمري ما شفت حنان في حياتي زيّ حنانك".
وكل الخفقات والأنفاس والجوارح والليل والألحان ، كلهم في يقظةٍ ينعمون..وفي قيامٍ وهيامٍ وغرامٍ يَسبحون.
و....تستمرّ..
تستمر قدّيسة الكلام بسكب"أمل حياتي يا حب غالي" حطباً على نيراني المشتعلة... وتستمرّ الأخيلة الكلثوميّة في جرّ عربات الحنين مهرولة في زقاق الروح...ويستمر الصوت الانثويّ بقرع أجراس السمر على طبول ولهي..ينكأ خاصرتي بهمزات امرأة مستحكمة تمنحني لليل نكهة هزيمة..وتقدّمني للذكريات انتصار وجع...
و..تستفزّني..
ويقوى الليل على ضعفي..
"وأمل حياتي " تأخذني اليه، تهددني بذاكرة وقلق، تتفلت رغما عن هدأة الليل نشيجا وضجيج.تقدّ جيوب القصيد ليخرج الكلام ساخنا جدا..تحرق لفافات الحروف ليضيء المعنى في حدقة الروح، وتخفق ، تخفق جدا بقلب يستحلي الغرق.
و..أغرق أنا..!
بليلٍ محدودب الأماني..وبعتمةٍ تبعثر اتجاهاتي،وبأنفاسٍ تحرث سهول روحي... واللحن المستشيط يستلّ شتلات صبري، والمواويل تستفزّ بروق التوق فيّ...تزفّني لرعود الشجن ذكرى لربيع قد تولّى..
و..تقدّ كلثوم مسامعي..
تخلط ملح الوجع بسكر النشوة..والشوق يُسقط القدرة..
فيجيئني صوته كشلال همسٍ خصب الحنين دفّاق الغرام..يجري بين حقول عمري، يغمرني بشلاّلٍ من وداد، وبدفقٍ من حنين ،فأغوص في لجّة الكلام المكتوب بدحنون القلب وحبر المقل الى ما فوق حدود الاستطاعة بكثير..
و..تبقى تلك المستبدّة!
ترتّب ليالي الحب في خيالي ، وتحشو دقائقي بالشوق..فهي؛ والسمر فتنتانِ معلّقتان بأهداب الليل سرّا وخطيئة.
و..أبقى..
أبقى و "أمل حياتي " نناديه ، نستدعي كرم قلبه ، نستنهض الماضي في خوابيه كنزاً من وفاء...ولكن !!!
آآآه يا راحلة:
خانق هذا الشوق المسفوح في صوتك لحناً وقصيد..ففي كل ساقية للروح منك منفى..وفي كل صخب صداع..
فكفاكِ ،وترفّقي .. فما استحليتُ المنام يوماً الاّ وأنتِ حشو وسادتي..فلا تجعليني ضحية لحسن ظني بكِ...
وكفاكِ ...!
كفاكِ تجدّلين سواد الليل من حزني...
وكفاكِ تكحّلين عيون الكون من لوني...
وكفاكِ تتخذينني حطباً لقلق سهرتكِ..
وكفّي عن طرق أبواب قلبه المغلقة بعصا من وترٍ وأشجان، وغادري بــ"أمل حياتي" كما هو غادر..فلا أبقى على الآمال كي أحيا، ولا أخلى سبيلي بعده كي أعيش...
فــ كفّي رجوتكِ. .
واخرجي من أحلامي الموؤودة..
ولا تستنهضي بأنّاتكِ أوجاع قلبي ،ولا تتخذي من ضجيجكِ حيلة الذكرى،
فلم يعد صبري يستهوي التشرد في زقاقكِ،ولم أعد في بهوكِ امرأة التشظّي والوله..وما عاد باستطاعتي انتظار مدّ الشوق الموعود في صوتكِ.. ولا لملمة املٍ منذ أمدٍ قد تشرّد..وما عدت أهوى العيش في ليلتكِ ألف ليلة من شقاء،ولم تعد " أمل حياتي" تستثير فيّ سوى عنقود من آه وحبّات من حنين..
فـ بربكِ يا شقيقة الوداد..!
قد أشقاني الحلم وأعياني الأمل..وغواية تقبع خلف سنديانة وربيع ..وثمّة رشوة في بهاء صوتكِ توسوس لي بذكراه..
فاتركي الروح كي تنام على مرجٍ من النسيان أخضر ،قبل مغيب الشمس ونحول القمر..
ودعيني في سكون الليل بلا صحوٍ ما دمت أعيش،
دعيني على طريقتي كي أعيش..
دعيني بلا حبّ كي أعيش...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat