قبسات من نور الزهراء (عليها السّلام)
سناء الربيعي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حتماً ستُصاب بالذهول والاندهاش إذا تأمّلتَ في سيرة هذه المرأة الجليلة وما اختصّت به من مزايا، ولابدّ لك أن تتوقّف عند كلّ محطّة تستعلم وتتعلّم وتستزيد وترتوي من منهلها العذب، فلقد خصّ الله (تبارك وتعالى) الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء بخصائص كثيرة، لا نستطيع حصرها وعدّها بعدد أو نحدّها بمقدار.
فالزهراء (عليها السّلام) هي مخلوقة نورانية محدقة في عرش الله (عزّ وجلّ) قبل خلق الخلق، وكما ورد في كتاب إرشاد القلوب والبحار ومصباح الأنوار: إن الملائكة فزعت - من الظلمة - ودعت الله أن يكشفها عنهم، فخلق الله قنديل أو قناديل من نور الزهراء الزاهر، وعلّقها بالعرش فانكشفت الظلمة، ولذا سمّيت فاطمة الزهراء بالزهراء، وهي أوّل بنت تكلّمت في بطن اُمّها ، وهي أوّل مولودة اُنثى سجدت لله عند ولادتها، وهي الحوراء الإنسيّة، وذرّيتها لا يدخلون النار ولا يموتون كفّاراً، ولم يكن لها كفو من وُلْد آدم إلاّ أسد الله الغالب الإمام عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام).
ونجاة شيعتها بيدها المباركة، وتتجلّي الشفاعة الفاطميّة منها يوم القيامة، وإنّها مجمع النورين النبوي والعلوي، وهي العصمة الكبرى والطهارة العظمى، وهي النسلة الميمونة والمباركة، إذ كان زواجها في السماء قبل الأرض، والله يفتخر بعبادتها على الملائكة، فهي خير نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة.
ويُشمّ منها رائحة الجنّة، وكان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشتاق للقائها فيبدأ بها بعد السفر كما يختم بها حين السفر، وهي الوحيدة التي قبّل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدها، فهي قرّة عينه وثمرة فؤاده، ولم يولِ الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحداً بالحفاوة الشديدة كما كان يصنع معها، وهذه أقواله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مبثوثة في كتب العامة والخاصة في بيان إظهار مكانتها وعظمتها، فهي اُمّ الأئمة الأطهار، وهي أوّل من تدخل الجنّة، وهي وهي ... ولا تكفي المجلّدات لهذه العناوين التي لا تكفي لشرح أحدها المجلّدات.
وتميّزت هذه المرأة الطاهرة بتجرّعها أشدّ البلاء وأقسى أنواع الامتحان، فلقد كانت تتقاسم المصائب التي صاحبت الدعوة الى الإسلام منذ اليوم الأول بينها وبين أبيها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمّها السيدة خديجة (عليها السلام) وبعلها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، فهي معهم في عذابات شعب أبي طالب وكان عمرها إذ ذاك بين السابعة والثامن والعمر، وهي كانت سيدة الفاطميّات في هجرتها الى المدينة المنوّرة، وهي معهم في لهوات الحروب تذبّ عن قيمها ومبادئها وتداوي الجرحى، حتى جاء اليوم الذي فقدت فيه أباها سيد الكائنات لتتزاحم على باب دارها الفتن المظلمات، وكان لفقده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليها الأثر الكبير، ومن ذهولها ودهشتها كانت تسأل أصحاب أبيها (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أطابت نفوسكم أن تحثو على رسول الله التراب» وراحت تقول بصوتها المجلجل:
ماذا على مَن شمَّ تربةَ أحمدٍ ... ألاّ يَشَمّ مدى الزمان غواليا
صُبّتْ عليّ مصائبٌ لو أنها ... صُبّتْ على الأيامِ صِرْنَ لياليا
قد كنتَ لي جبلاً ألوذُ بظلّهِ ... واليومَ تُسْلِمُني إلى أعدائيا
فاليومَ أخشعُ للذليل، وأتقي ... ضيمي، وأدفعُ ظالمي بردائيا
ويُحيطُ القوم بدارها ويجمعوا الحطب حوله، ويصيحُ كبيرهم بنعقات السخرية والاستخفاف بمكانة سيدة نساء الأولين والآخرين، ويُدفع الباب الذي كانت تقف خلفه عليها إذ كانت تناشدهم الله (تبارك وتعالى) وتذكّرهم بالعهود والمواثيق التي قطعوها للرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيُكسر ضلعها ويُسقط جنينها وتُضرب على عينها التي ترى فيها كيف يُقاد زوجها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) بقوّة الحديد والنار إلى البيعة, وهكذا تتوالى غارات القوم عليها ليغتصبوا منها نحلتها أرض (فدك) وما تركه أبوها لها من الميراث.
ثمّ اختتمت حياتها الشريفة وهي في مقتبل حياتها في الثامنة عشر من عمرها، وإن كان قد قصُر عمرها فقد خلُد ذكرها وعلت مرتبتها حتى صارت تضاهي الأنبياء في منزلتها.
وممّا تقدّم وغيره فإنّ الشعور بالتقصير المرير الذي يتحسّسه الجميع منّا إزاء مقام هذه المرأة النورانية السامية يكاد لا ينفكّ عن أنفسنا، فأين نحن من هذه القدوة الصالحة والنهج المستقيم الذي تركته لنا، والسلام عليها يوم كانت نوراً معلّقاً في جنبات العرش والسلام عليها يوم انعقدت نطفتها في هذه الدنيا ويوم وُلدت ويوم ذاقت مرارات زمانها والسلام عليها يوم استشهدت ورحلت عنّا والسلام عليها وهي في عليين مع أبيها وبعلها وبنيها، والسلام عليها يوم تشفع لمحبّيها وتلتقط شيعتها من بين غيرهم كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الردئ.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
سناء الربيعي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat