صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

هل أمريكا دولة إستعمارية؟
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مقدمة 
من بين الفوائد الكثيرة للإنترنت والنشر الإلكتروني هو التواصل والتفاعل(Interaction) بين الكاتب والقارئ. وبذلك يعرف الكاتب ردود الأفعال عند القراء بشكل مباشر وسريع. وهذا التواصل هو مصدر مهم للكاتب يوحي له بالمزيد من الأفكار والمقالات، ولا أغالي إذا قلت أني محظوظ في هذا الخصوص. 
 
لم يكن لي أي دور في كتابة المقال أدناه عدا هذه المقدمة التوضيحية، فقد وردني كرسالة من صديق متابع لمقالاتي، ونتبادل الآراء عبر الرسائل والمكالمات الهاتفية حول الكثير من المشاكل السياسية التي تعصف بالعراق والعالم. بعث لي هذه الرسالة عن أمريكا ودورها في العالم، طالباً مني إبداء رأيي فيما إذا كنت أوافقه على آرائه هذه أم لا. وبالطبع أني أتفق معه على معظم ما قاله. ورأيت أن هذه الرسالة من الأهمية بحيث تصلح أن تنشر كمقالة بحد ذاتها. وأشكر الصديق على سماحه لي بنشرها لتعميم الفائدة، وبدون ذكر اسمه. 
ولا شك أن هناك كثيرون لا يتفقون معه في كون أمريكا ضد الاستعمار، ولا بد أنهم سيستشهدون بدورها في التآمر على بعض الحكومات التقدمية في العالم الثالث إبان الحرب الباردة، ومن بين ضحاياها، حكومة ثورة 14 تموز الوطنية المجيدة بزعامة الزعيم عبدالكريم قاسم، وقبلها حكومة محمد مصدق في إيران...الخ
وجوابي على هذه الاعتراضات هو، نعم، أن أمريكا تدخلت وبشكل فض عن طريق المؤامرات التي خططتها وكالة مخابراتها (CIA) لدعم القوى الرجعية ضد الحركات التقدمية في العالم الثالث. ولكن كان ذلك إبان الحرب الباردة حيث الصراع بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي، والغربي بزعامة أمريكا. وبعد انهيار المعسكر الشيوعي لصالح الغربي، وخاصة بعد جريمة 11 سبتمبر/أيلول 2001، غيرت أمريكا سياستها لصالح الشعوب المبتلية بالأنظمة الدكتاتورية، ومنها شعبنا العراقي حيث ساعدته على الإطاحة بأبشع نظام دكتاتوري همجي ألا وهو حكم البعث الصدامي الفاشي. أما ما حصل بعد ذلك من تداعيات فهو نتيجة تداخل وتقاطع مصالح جهات خارجية وداخلية تضررت من التغيير الذي حصل في العراق، وشرحناها في عشرات المقالات. أدرج أناه نص الرسالة (المقال).
*******
 
نص الرسالة: 
 
عزيزي عبدالخالق،
ما دمتَ تکتب عن امريکا و دورها الايجابي في العالم، سمحتُ لنفسي ان ارسل لك بعض ملاحظاتي عن امريکا. ارجو ان تقرأها و ابلاغي ان کنت تتفق معي أم لا.
1- أمريکا التي يحلو للبعض ان يسميها زعيمة الاستعمار العالمي، لم تکن لديها في کل تأريخها ولو مستعمرة واحدة. العکس هو الصحيح، إذ أنها ساهمت في تصفية النظام الاستعماري في العالم. قد يقول البعض بأن هاوايي (Hawaii) مستعمرة أمريکية. هاوايي تتکون من مجموعة من الجزر الصغيرة في المحيط الهادي عاصمتها هونولولو. تبتعد بمسافة 3850 کليومتر من کاليفورنيا. کانت تُحکم من قبل عائلة مالکة رجعية متخلفة الي ابعد الحدود، و کانت لأمريکا بعض المصالح الاقتصادية هناک، و خاصة في مجال صناعة السکر. حيث کان لدي الأمريکان عدد کبير من مزارع قصب السکر بحيث کان من الممکن ان تسمي هذە الجزر بشبە مستعمرة أمريکية. في سنة 1893 تم الاطاحة بالنظام الملکي هناک. و في سنة 1900 و حسب رغبة زعمائها الجدد اصبحت هذە الجزر تابعة لأمريکا. و في سنة 1959 اصبحت ولاية من "الولايات المتحدة الأمريکية"، و اصبحت لها کامل الحقوق کاي ولاية امريکية أخري. 
بالمناسبة، أم براک أوباما من هوايي و والدە من کينيا.
 
2- ليست هناک دولة لها پرلمان و شعب حر و حکومتها تعادي أمريکا. نعم قد تحدث خلافات بينها و بين امريکا، و لکن لا تصل الي درجة المعاداة. الدول التي تعادي او تتظاهر بمعاداة امريکا جميعها تُحکم من قبل دکتاتوريين کصدام حسين بالعراق، و القذافي بليبيا، و البشير في السودان، و الاسد في سوريا و خامنئي في ايران وستالين في روسيا. و السبب هو ان الدکتاتور لا يمکنە البقاء في السلطة و تشديد قبضتە علي اعناق شعبە بدون عدو خارجي. اما الرئيس المنتخب فعليە ان يرحل بعد اتمام الفترة القانونية مهما کانت الظروف. لهذا السبب لا يحتاج الرئيس المنتخب الي عدو لکي يحاول ان يخلق لدولتە اعداء. 
3- لذلک، وعبر التاريخ، لم تحدث ولا مرة واحدة حرب بين نظامين ديمقراطيين، فجميع الحروب حدثت بين دکتاتوريات او بين نظام دکتاتوري و آخر ديمقراطي.
4- ان الشعب الأمريکي متکون من عدد کبير من القوميات؛ هنود حمر، انگليز، المان، يهود، عرب، اسپان ...الخ و کذلک من اسود و ابيض و اصفر ...الخ، و من جميع الديانات؛ المسيحية، اليهودية، الاسلام، البوذية ....الخ. و جميعهم يعيشون بسلام و وئام و حقوق جميع افرادە محفوظة ان کان ذلک الفرد مسيحيا متزمتا او ملحدا متطرفا، بشرط ان لا يعتدي علي حقوق الآخرين. ويرجع سبب هذا الوئام و الازدهار و التقدم في جميع المجالات الي نظامهم الديمقراطي الذي يحمي حقوق الجميع و لا يکبت افکاهم.
5- منذ تحررها من الاستعمار البريطاني، امريکا لم تعتدي علي اية دولة. و حتي ساعدت بعض الدول التي تعتبر نفسها عدوة لأمريکا، لتخفيف اثر القهر و المجاعة علي شعوبها. کما حدث مع الاتحاد السوڤێتي في الثلاثينات من قرن الماضي عندما تفشت المجاعة هناک بسبب السياسة الهمجية لستالين. واستمرت هذە المساعدات للاتحاد السوڤيتي حتي الي ما بعد الحرب العالمية الثانية و الي ان احتاج ستالين، لتبرير دکتاتوريتە و همجيتە و بقائە في الحکم، الي توتر جديد في العلاقة مع الغرب. فطلب من کيم ايل سونغ ان يهاجم کوريا الجنوبية، مما دفع بأمريکا و الدول الغربية الديمقراطية الي تکوين حلف عسکري للدفاع عن شعوبها و انظمتها الديمقراطية. وهکذا بدأت الحرب الباردة.
 
6- الي ما قبل حوالي 50 سنة من الآن، کان هناک تمييز عنصري في بعض الولايات الأمريکية. ولکن بفضل وجود النظام الديمقراطي و النمو الحضاري و الاقتصادي تم القضاء تدريجيا علي هذا التخلف الفکري و الغير انساني و خاصة بعد ظهور عدد غير قليل من المثقفين المصلحين بين السود من امثال پۆل روبسن، مارتن لوثر کنگ، و جيسي جاکسن الذين اختاروا النضال السلمي لمعالجة هذە الظاهرة المؤلمة. و يجب ان لا ننسي دور بعض الرياضيين من امثال محمد علي کلاي، و الفنان الکبير مايکل جاکسون، و آخرين من السود الذين کانوا محبوبين من قبل جميع اطياف الشعب الأمريکي في القضاء علي التميز العنصري.
 7- صحيح، أن المانيا و اليابان کانتا دولتين صناعيتين قبل الحرب. إلا إنهما لم تکونا ديمقراطيتين. ولکن بعد أن خسرتا في الحرب العالمية الثانية، اصبحتا دولتين ديمقراطيتين و صناعيتين اکثر من قبل. و صناعات هاتين الدولتين، خاصة في مجال صناعة السيارات، اصبحت تملأ اسواق العالم و تزاحم هذە الصناعات امريکا و اوروپا. أما کوريا الجنوبية التي کانت مستعمرة يابانية و متخلفة الي ابعد الحدود، اضحت دولة صناعية کبري ومستقلة. بينما ليس لدي کوريا الشمالية سوي بعض الصواريخ و القنابل الذرية التي تهدد بها السلام العالمي. و کلها من اجل ماذا؟ من اجل ابقاء دکتاتورهم "المحبوب" من آل کيم ايل سونغ علي دست الحکم.
8- انا اعتقد بان امريکا کانت ترغب بإسقاط صدام مباشرة بعد تحرير الکويت ولكنها توقفت في آخر لحظة لأنها أيقنت بان البديل سوف لا يکون ديمقراطيا و سيٶدي الي حرب اهلية لا نهاية لها بين طوائفها الدينية. ونفس السيناريو يتکرر الآن في سوريا. فأمريکا توقفت عن مساعدة المعارضة لنفس الاسباب. لان البديل قد يکون داعش او جبهة النصرة او کلاهما. و حکام الدول العربية الأخري تدرک هذە الحقيقة و تحاول الاستفادة منها قدر الامکان. حيث تقمع القوي الديمقراطية بجميع الوسائل والاساليب و تعطي بعض المجال لقوي اسوأ منها، کما فعل السادات في مصر. حيث قمع الشعب و فتح المجال للأخوان المسلمين الذين اغتالوە فيما بعد. والسعودية تقوم بنفس الشئ حيث تقمع الشعب و تفتح المجال لقوي اسلامية متطرفة، و تقول لأمريکا و الدول الديمقراطية الأخري؛ عليکم بحمايتي، فبديلي سيکون اسوأ مني. و هذا ما کان يقولە شاه ايران ايضا، ومن بعده حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس.
9- و السيد پوتين يحاول توتير الوضع مع الغرب لکي تکون لە حجة لمحاربة منافسيە السياسيين و إبقاء نفسە و حکومتە الفاسدة في الحکم. حيث انە يحکم روسيا منذ 14 سنة و ليست لديه نية ان يتخلي عنها الي يوم مماتە.
هذه هي أمريكا التي ينطبق عليها المثل العراقي: (مثل السمك، مأكول ومذموم).
ـــــــــــــــــــــــ
رابط مقال ذو صلة
عبدالخالق حسين - لولا أمريكا... 
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=59875

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/17



كتابة تعليق لموضوع : هل أمريكا دولة إستعمارية؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net