صفحة الكاتب : محمد الحميداوي

الدكتور مصطفى جواد وجامع براثا
محمد الحميداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يصر جملة من الباحثين ان الصحيح في إطلاق الاسم هو ( بَراثا) لا (بُراثا ) كما اعتاده الكثيرون رغم ان هناك ما يوحي بالخلاف كما سيأتي عن بعض اللغويين .
وليس ضم الباء او فتحتها هو المشكل الأساس في هذا الجامع المبارك بل الامر اعقد وأعمق !
 
يقول الشيخ عباس القمي -قد- في مفاتيح الجنان في معرض حديثه عن فضل هذا المسجد :
:( قد حدثنا في كتاب (هدية الزائر) في فضل هذا المسجد الشريف وقلنا هناك إنّ لهذا المسجد كما يبدو من مجموع هذه الاحاديث فضائل عديدة تكفي إحداها لو حازها مسجد من المساجد أن تُشد إليه الرحال وتطوى المراحل ابتغاء رضوان الله بالصلاة فيه والدّعاء).
المعضلة الكبرى في انه : هل ان هذا الجامع القائم اليوم والذي تحدث عنه المحدث القمي وغيره هو نفسه المذكور في الروايات الشريفة ؟
لقد جزم عدّة باحثين بالنفي !
 
يأتي الدكتور مصطفى جواد في طليعة هولاء اذ قال في هامش ص 262من ترجمة رحلة ابي طالب خان :( ولعله يشير الى حكاية عامية خاصة بمشهد العتيقة العباسي العصر اي مشهد المنطقة المعروف في عصر بني العباس أيضاً وما بعدهم بهذا الاسم كما ذكر ابن عبد الحق في كتابه \"مراصد الاطلاع\" في مادة \"سونايا\" منه وهو المُسمى غلطا في العصر الأخير بجامع براثا مع ان جامع براثا كان في غربه على مسافة غير قليلة وقد زالت آثاره منذ عدّة قرون ،وجامع المنطقة قائم اليوم بين الكاظمية وبغداد وهو الى بغداد اقرب ) .
 
 
ويضيف الدكتور المذكور في موسوعة العتبات المقدسة - قسم الكاظمين ص20(ذكرنا اختلاف المؤرخين والرواة في الموضع الذي صلى فيه الامام علي -ع- واستحم فيه ،وقد ذكرنا تاريخ احد الموضعين وهو براثا ،اما الموضع الثاني فهو مشهد العتيقة ومسجدها وهو المعروف قديما وحديثا باسم \" المنطقة\" ،وكانت قرية تعرف قديما باسم سونايا الآرامي ،قال ابن عبد الحق البغدادي في مراصد الاطلاع :\" سونايا بضم أوله بعد الواو الساكنة وبعد الألف ياء مثناة من تحت والألف مقصورة ،قرية قديمة كانت ببغداد ينسب العنب الأسود اليها الذي يتقدم ويبكر على سائر العنب مجناه ،ولما عمرت بغداد صارت محلة من محالها وهي \" العتيقة\" وبها مشهد لعلي بن ابي طالب - ع- يعرف بمشهد \" المنطقة\" ففي هذا النص تصريح باسم المنطقة المعروف المتعارف حتى في هذه الأيام ،وهو نص يدحض الى أبد الآبدين قول من يسمي مسجد المنطقة \"بجامع براثا\").
 
وعلى نفس المنوال نسج البحاثة المعروف السيد عبد الستار الحسني عندما قال :
\"أمّا الجامِعُ المعروف اليوم بـِ (جامع بَراثا ) ـ والعامة تَضَمَّ الراء - فليس بِهِ و إنَّما أصله ( مشهدُ المنطقة) الذي لا يزالُ كثيرٌ من الناس يُسمّونَهُ بذلك ويدفُنُون موتاهم فيهِ إلى عهدٍ قريبٍ, وكانَ في الموضع المعروف بـِ (العتيقة ) وهي محلّةٌ كانت في الجانب الغربيّ من بغداد ما بينَ طاق الحرّاني إلى باب الشعير وما اتّصل به من شاطىء دجلة, على ما ذكر ياقوتٌ في (معجم البلدان).
ويُوافقُ موضِعُهُ ( يقصد مشهد المنطقة) موضِعَ ما يَسمّى اليومَ غَلَطاً بـِ (جامع بَراثا) على ما دلَّ عليه التحقيق الخططيّ , وَأمّا جامع براثا ومقبرتها فقد دَثَراً منذُ القرن السابع الهجري , كما حكاهُ ياقوتُ الحموي وأبو الفتح الاربليّ في (كشف الغمّة في أحوال الأئمّة) وكان في قبلة الكرخ وليس في هذا الموضع \".
 
اقول : الظاهر ان القول الذي صار اليه هولاء الباحثون مرده الى احد أمرين :
الاول : عبارة ياقوت الحموي في معجم البلدان والشيخ الاربلي في كشف الغمة وابن عبد الحق البغدادي في مراصد الاطلاع .
الثاني : الاستناد الى التحقيق الخططي الذي ذكره دكتور مصطفى جواد في موسوعة العتبات بعد ذكر خبر ياقوت الحموي عن براثا :( وفي هذا الخبر تمييز من جامع براثا وموضعه ومن موضع العتيقة وسوقها ..... وتعيين الموضع الجامع بانه كان في قبَلّي الكرخ ، وقد ذكرنا تعيين الكرخ سابقا بانه كان بين الشالجية والفلاحات ،فجامع براثا كان غربي هذه المواضع ).
وكلا الأمرين لا يخلو من تأمل :
اولاً: التدافع الحاصل بين كلام ياقوت الحموي ( ت 626ه ) وبين الشيخ الاربلي صاحب كشف الغمة وهو متأخر الوفاة عن الحموي (ت 693ه )، فالحموي يقول في معجم البلدان 362/1
(.........فأما الجامع فأدركت أنا بقايا من حيطانه وقد خربت في عصرنا واستعملت في الأبنية ......)، بينما يقول الشيخ الاربلي في كشف الغمة ج1ص394 :( قلت: أرض براثنا هذه عند باب محول على قدر ميل أو أكثر من ذلك من بغداد، وجامع براثا هناك وهو خراب وحياطنه باقية إلا شئ منها دخلت وصليت فيه وتبركت به).
فكلام ياقوت الحموي ظاهر في خراب تامٍ للمسجد طال حيطانه التي استهلكت في الأبنية ،في حين يؤكد الشيخ الاربلي على بقاء الحيطان بتمامهما اللهم الا شيء يسيرٌ منها يصدق معها الدخول والصلاة والتبرك ،ولو كان الامر على ماذكره الحموي لما ناسبه اي من التعابير التي ذكرها الشيخ ولرأينا نسبة الدخول والصلاة والتبرك الى ارض المسجد دون نفس المسجد .
ثانياً: عوّل المؤرخ الدكتور مصطفى جواد للخروج بنتيجته السالفة على صفي الدين عبد المؤمن البغدادي الحنبلي وكتابه ( مراصد الاطلاع على اسماء الأمكنة والبقاع ) لذا اندفع وبحرارة واضحة نحو القول المتقدم : (وهو نصّ يدحض إلى أبد الآبدين قول من يسمّي مسجد المنطقة بـ \" جامع براثا \")!
بيد ان هذا التعويل ليس بشيء بل هو تسرعٌ مستغرب ٌ من مثل هذا المؤرخ الثبت بعد ان نعرف ان الكتاب والكاتب لا يخلوان من تحفظات :
الاول : ان ( مراصد الاطلاع ) وهو في حقيقته تلخيصٌ واختصارٌ لكتاب ياقوت الحموي المعروف ب( معجم البلدان ) كتابٌ مهم ولا ريب لكن و بالرغم من هذه الأهمية الا ان نسبته لمؤلفه كانت وعلى الدوام موضع ( اشكالية) لدى الباحثين المتقدمين والمتأخرين الذين لم يصلوا فيها الى رأي حاسم !
 
نشر الدكتور نوري عبد الحميد العاني أستاذ قسم التاريخ في كلية الآداب جامعة عمر المختار بحثاً مفصلاً في العدد الاول من مجلة العلوم الانسانية سنة 2003م اسماه ( صفي الدين بن عبد الحق وكتاب \" مراصد الاطلاع\" أشار الى حجم ظلال الشك التي ألقيت على هذا الكتاب ،ومما جاء في هذا البحث متفرقاً:
(........فقد اختلف هولاء الباحثون والنساخ في اسم مؤلف الكتاب ،بعضهم أشار الى انه لمؤلف مجهول ، وفريق آخر نسبه الى ياقوت الحموي صاحب المعجم ، او الى صفي الدين بن عبد الحق البغدادي المتوفي 911ه/ 505م . ومنشأ هذا التباين في الآراء هو ان مؤلف الكتاب لم يضع اسمه عليه ، وعلى الرقم من وجود عدة نسخ مخطوطة في المكتبات العالمية قي الوقت الحاضر فانه لا يمكن القطع بنسبة الكتاب لأي من الثلاثة المذكورين ......
 
وتفحص المستشرق رينو H.J..Renaud طبعة يينبول بعناية ،وخرج بنتيجة تفيد انه وجد على الاقل ثلاث مخطوطات من الكتاب ،واحدة منها فقط لياقوت والثانية لصفي الدين بن عبد الحق ،والثالثة لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي .
.........
..... والامر الذي يزيد في هذه الحيرة ،هو ان نسخ المخطوطات التي تضمها المكتبات العالمية لكتاب المراصد لم يكتب عليها اسم المؤلف صراحة . وان الأسطر الاولى في مقدمتها تشير الى انها لياقوت ،والاسطر الاخيرة تدل - دون أدنى شك - انها لمؤلف آخر ).
الثاني : ان المتمعن في ترجمة ابن عبد الحق البغدادي والذي يشتبه في نسبة كتاب مراصد الاطلاع اليه تستوقفه اكثر من ملاحظة ينبغي له ان يضعها نصب عينيه وهو يروم الاعتماد على كلامه واتخاذه منطلقاً للبت في مسألة حساسة من وزان مسألتنا التي نحن فيها ،ومن ذلك :
1- قوله تلميذه ابن رجب البغدادي في ( الذيل على طبقات الحنابلة - وفيات المائة الثامنة ) :
(..... وَلَهُ رحمه اللَّه أوهام كثيرة فِي تصانيفه ، حَتَّى فِي الفرائض من حيث توجيه المسائل وتعليلها ، رحمه اللَّه تَعَالَى وسامحه)!
2- ان الرجل كان حنبلياً بل ومن متعصبيهم بدليل صلاته القوية بتقي الدين ابن تيمية الحراني ومراسلاته وتلخيصه منهاجه المعروف ب( منهاج السنة ) الذي يرد فيه على العلّامة ابن المطهر الحلي - قد- وفيه تحامل كبيرٌ على الشيعة لا تخطئه عين ،بل كان ابن عبد الحق في مقدمة علماء بغداد الحنابلة الذين انتصروا لابن تيمية ودعموا موقفه السلبي من الزيارة وشد الرحال الى قبور الانبياء والصالحين رغم الفتنة الكبيرة التي احدثها هذا الموقف التيموي في اكثر من بلد سيّما مصر والشام !
فاذا أضفنا الى ذلك موقف الحنابلة التاريخي من جامع بَراثا والذي ربما يكون أهونه ماذكره ابن كثير في حوادث سنة354:(....... ثم تسلطت أهل السنة (يقصد الحنابلة) على الروافض فكبسوا مسجدهم براثا الذي هو عش الروافض، وقتلوا بعض من كان فيه من القومة) عرفنا مقدار التثبت الذي يحتاجه الباحث عند ارادته الاعتماد على نقولات ( خصم مذهبي)!
 
يبدو ان ما ذكرناه قبل قليل كان حاضراً في ذهن الدكتور مصطفى جواد بدليل انه حمل بشدة على ياقوت الحموي لانه سمى مقابر قريش بمقابر باب التبن واعتبر ذلك تسامحاً بل تهاوناً الى الحد الذي قال فيه :
( فقوله ويعرف قبره - يقصد موسى بن جعفر عليه السلام - بمشهد باب التبن جدير بان يضاف اليه \"عند من يريد ان يغمض اسمه من المغمضين ،المدلسين ....)!
الموسوعة ج9ص24
 
 
وكيف لايقول الدكتور ذلك وقد ترجم ابن خلّكان لياقوت الحموي في وفيات الأعيان 126/6: قائلا : « وكان متعصّباً على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وكان قد طالع شيئاً من كتب الخوارج ، فاشتبك في ذهنه منه طرف قوي ، وتوجّه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة ، وقعد في بعض أسواقها ، وناظر بعض من يتعصّب لعلي رضي‌الله‌عنه ، وجرى بينهما كلام أدّى إلى ذكره عليّاً رضي‌الله‌عنه بما لا يسوغ ، فثار الناس عليه ثورة كادوا يقتلونه ، فسلم منهم ، وخرج من دمشق منهزماً بعد أن بلغت القضية إلى والي البلد ، فطلبه ولم يقدر عليه ، ووصل إلى حلب خائفاً يترقّب ...)؟
 
وللتذكير فان من المحققين من يسجل باسم ياقوت الحموي ( براءة اختراع ) فريةٍ خروج الامام المهدي - ع- من سرداب سامراء ،تلك الفرية التي زاد عليها ابن عبد الحق مختصر كتابه كثيراً ( فلو أردنا مقارنة هذا المختصر ـ مراصد الاطلاع ـ مع الأصل ـ معجم البلدان ـ فكم نرى الزيادة والتحوير؟ ، ولا بدع فالرجل حنبلي وهو ليس دون ياقوت الذي عُرف بنُصبه !)، ( فرية السرداب) بحث منشور للمحقق السيد محمد مهدي الخرسان .
 
 
الثالث : ذكر الدكتور مصطفى جواد في موسوعة العتبات المقدسة - قسم الكاظمين ص 21:
(...... بقي- مسجد بَراثا - إلى ما بعد سنة سبعمائة الهجرية.. أي البرهة التي ألّف ابن عبدالحميد الكتاب لأنّه توفّي سنة 739 هـ ، واختصر ابن عبدالحميد كلام ياقوت حول هذا المسجد ـ وقد نقلناه آنفاً. ووهِم مثله في اسم الحاكم العبّاسيّ الّذي هدمه وهو المقتدر بالله ـ كما نقلنا من تاريخ البغدادي ـ لا الراضي بالله. وأفاد ابن عبدالحق أنّ آثار الجامع كانت باقية في القرن الثاني للهجرة، ولكنها آثار لاعمارة قائمة كاملة المرافق المسجدية).
 
يبدو انه يقصد القرن الثامن لا الثاني فان كلامه تلخيص لما تقدم من ابن عبد الحق المتوفى( 739ه) وهو امر واضحٌ ،غير ان كلام الدكتور ظاهر في ان المسجد قد انتهى خبره منذ ايام ابن ابي الحديد المتوفى (655هـ) وان ما تبقى منه في قرن ابن عبد الباقي انما هو مجرد آثار لا غير ،وهو كلام غير دقيق فانه ومضافاً الى ماتقدم من عدم إمكانية الاعتماد على كتاب ( مراصد الاطلاع) قد نص الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني -قد- ( ت 786 ) في موسوعته الفقهية المسماة ب-ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة -ج 3 - الصفحة 118- على بقاء هذا المسجد دون ان يذكر ما يشير الى كونه مجرد آثار وأطلال ،فاستمع الى قوله وهو في صدد تعداد المساجد المعظمة (.....ومنها: مسجد براثا في غربي بغداد، وهو باق إلى الان، رأيته وصليت فيه)!
يذكر الفيروز آبادي ( ت 817ه) في القاموس المحيط ج1 ص162 ان :
بَراثى: ة من نَهَرِ المَلِكِ، أو مَحَلَّةٌ عَتِيقَةٌ بالجانِبِ الغَرْبِيِّ.
وجامعُ بَراثى: م (بِبَغْدادَ).
وتعليقا على هذه العبارة يقول المرتضى الزبيدي صاحب تَاج العَرُوس ( ج5 ص126)،المتوفى ( 1205ه) :
( ..... وجامع براثي، م أي معر وف ببغداد ).
وفي نفس الاتجاه يمضي الشيخ فخر الدين الطريحي ت ( 1085ه) فيذكر في مجمع البحرين - ج 1 - الصفحة 176:
 
(.....و \" براثا \" بالضم: محلة عتيقة بجانب بغداد . و \" مسجد براثى \" معروف هناك، وهو مسجد صلى فيه أمير المؤمنين (ع) لما رجع من قتال أهل النهروان ..).
 
لقد افرد الشيخ محمّد بن الحسن الشهير بالحر العاملي(ت 1104ه) باب خاصاً ذكر فيه بعض الاخبار الدالة على استحباب الصلاة في ( مسجد براثا) ،هذا الامر فعله أيضاً العلامة المجلسي ( ت 1111ه) في موسوعته البحار مضيفاً في ج 99 ص 30 :( ..... هذا المسجد الآن موجود و هو قريب من وسط الطريق من بغداد إلى مشهد الكاظمين (ع) و يستحب الصلاة و طلب الحوائج فيه ......).
وقد جعل الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( ت 1227ه) مسجد براثا من ضمن المساجد التي ينحصر فيها جواز الاعتكاف ( كشف الغطاء ق2ص40) ، ويشير تلميذه المعروف الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام - ج 14 - الصفحة 144 الى فضل هذا المسجد ( الذي صلى فيه عيسى وأمه والخليل وعلي بن أبي طالب (عليهم السلام) يوم أظهر الله له فيه المعجزة الواضحة، والحمد لله الذي وفقنا للصلاة فيه). 
يظهر من هذه النقولات التاريخية ان مسجد براثا ظل و على الدوام واضحاً معروفاً وظاهراً مشهوراً دون ان يتوقف ذلك على كونه مسجداً كامل المرافق المسجدية في جميع الأدوار التاريخية ،سيمّا مع الالتفات الى المبررات الدينية( ذكرها المحدث القمي في المفاتيح ) التي تجعل المحافظة على هذا المسجد أمراً مؤكداً وبدرجة كبيرة لا يحتمل معها ضياع اثره وأشتباه موضعه بالمرة ،فاذا أضيف الى ذلك موقعه العاطفي في الذاكرة الشيعية والتي عززها كثيراً صيرورة هذا المسجد معقلاً من معاقل الشيعة لقرون عديدة تلقى على اثرها هجمات ( حنبلية) وحشية فان الامر يصبح اكثر وضوحاً.
 
الرابع : اعتمد الدكتور مصطفى جواد وغيره من الباحثين على التحقيق الخططي في نفي كون مسجد براثا الموجود اليوم هو نفسه براثا التاريخي بعد ان توصل الى ان محلة الكرخ التاريخية التي ذُكر ان المسجد يقع قبلتها تتمحور بين الشالچية والفلاحات ( فجامع براثا كان في غربيّ هذه المواضع ) ومعلوم ان حصيلة هذا التوصيف الخططي لا ينسجم مع الموقع الجغرافي الحالي لمسجد براثا .
ونحن لا نريد ان نبخس قيمة علم الخطط ولا نهوّن من منجزاته بالكلية بيد ان هذه النتائج تبقى في الاخير وفي مجملها تحت سقف الظنون والحدسيات .
هذا المعنى يذكره الدكتور مصطفى جواد في معرض حديثه عن تحديد مدينة بغداد الدائرية ولو بصورة غير مباشرة عندما يأتي على ذكر اختلاف الخططين في تعيين المدينة المذكورة قائلاً:
 
(اختلف المؤرخون الخططيون في تعيين موقع مدينة المنصور من بغداد الحالية ،فقد زالت آثار المدينة منذ قرون عديدة واندثرت معالمها منذ عصور طويلة ولم يبق من مبانيها وأسوارها وحوائط فصلانها وخندقها ومسناتها وأبوابها الداخلية او ابوابها الخارجية اي أثر كائناً ما كان ..... ولذلك كثر خطأ المعيّنين لأراضيها بالنسبة الى الاراضين الحالية ،واقدم الواهمين في التعيين هو الاستاذ المؤرخ الخططي ( كي لي سترانج ) في خرائطه التي رسمها للجانب الغربي من بغداد ..... وقد قلّد اكثر الباحثين في خطط بغداد الاستاذ لي سترانج في تعيينه هذا فأنزلوها في خرائطهم عن موضعها مئات الأمتار كما فعل هو .
........ وقد كان الاستاذ هرز فلد اقرب المعينين لموقع مدينة السلام من الصواب ،وقد اجتهدنا ان نضعها في خارطتنا في الموضع الذي رأيناه اقرب الى التحديد الصحيح ،ورفعنا موضعها عمّا كان في خرائطنا السابقة ....). تخطيط بغداد في مختلف عصورها ص23- مصطفى جواد واحمد سوسه .
ان هذا الامر لم يبق وقفاً على مدينة ( المنصور) بل تعداه الى دار الخلافة في جهة الرصافة رغم قرب العهد - نسبياً- وكثرة الاثار المنشرة هنا وهناك !
لقد أنكر الدكتور حسن الراوي مُدرّس التأريخ في جامعة ببغداد الفهم السائد بين المؤرخين والذي يؤكد على ان موضع دار الخلافة في المنطقة الواقعة بين خان مَرجان ومنطقة سلطان علي و اختار بدلا عن ذلك مَوْضِعِ وزارة الدفاع القديمة المجاورة لمدينة الطّبّ باعتباره الموقع الصحيح ( يمكن مراجعة بحثه في عدد مجلة المورد العراقية الثاني ضمن المجلد السادس عشر و الصادر بتاريخ 16-2-1987). 
ورغم اعتراف الدكتور الراوي بانه ليس من المختصين في خطط المدن القديمة ولا التحقيق الخططي قديمه وحديثه الا انّه برر لنفسه هذا الاجتهاد استناداً الى النصوص التاريخية القديمة بعد ان أكد أيضاً وبصورة غير مباشرة كون الامر كله يدور في فضاء الاجتهاد عندما قال في مقدمة بحثه :
(... ان تعيين الأماكن القديمة التي ورد ذكرها في كتب التاريخ عن بغداد وتمديد مواقعها في بغداد الحالية ليس بالأمر البين الميسور بل انه من الصعوبة بمكان نظراً لبعد الشقة بين الحاضر والماضي ولزوال معالم تلك المواقع وآثارها كلياً وتغير أسمائها بسبب الدمار والتخريب الذي نال بغداد بسبب الحروب والنكبات والأمراض التي اجتاحتها خلال العصور الماضية فتبدلت معالمها القديمة كلياً لذا ليس من السهل على المحققين والمؤرخين الذين يقدمون على مثل هذا العمل وظروفه غامضة مجهولة ان يتعرفوا مواقع الأمكنة والآثار القديمة التي كانت موجودة ايام العباسيين .....).
 
ولا بد من التأكيد على اننا لسنا في صدد الحكم على نتيجة الدكتور حسن الراوي سلبا او ايجاباً سيّما وانها قد تعرضت للنقد في عدد آخر للمجلة المذكورة وهذه المرة على يدي الباحث السيد عبد الستار الحسني ،الا ان الفكرة التي يجب إيصالها هي ان عدم وجود نتائج حاسمة سمةٌ بارزةٌ في الابحاث الخططية لذا يكون قول الدكتور مصطفى جواد الجزمي (...... ففي هذا النص تصريحٌ باسم المنطقة المعروف المتعارف حتى في هذه الأيام ،وهو نص يدحض الى أبد الآبدين قول من يسمي مسجد المنطقة \"بجامع براثا\") في غير محله على الإطلاق !
 
 بغداد 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحميداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/10/08



كتابة تعليق لموضوع : الدكتور مصطفى جواد وجامع براثا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net