الجاليات وصراع الأجيال!!
د . صادق السامرائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الجاليات المهاجرة ذات جيلين , الأول مولود في البلد الأم , والجيل الثاني مولود في البلد الأم أو في بلد المهجر ويترعرعان فيه , ويتحقق صراع خفي ما بين هذه الأجيال , يسترعي الوعي والتفاعل السليم , لكي يتحقق التواصل الثقافي المنسجم والمتوافق مع الرؤى المتنوعة.
ومشكلة العوائل المهاجرة أنها ترى بأنها المثالية والصحيحة في تنشأتها لأبنائها , ولا تتقبل النصح والتوجيه , ولا تتفاعل مع الواقع الذي هي فيه , لتعرف ما يعانيه الأبناء والبنات من التحديات وما هي آليات التفاعلات.
ومقاييس التربية تستند على مسلمات لا تصلح للواقع الذي يتفاعل فيه أبناء الجيل الثاني , مما يجعلهم يعيشون في عالمين مختلفين أو متناقضين تماما , ومتقاطعين.
فهم يدخلون البيت وكأنهم قد دخلوا في دولة أخرى , ويخرجون من البيت ويجدون أنفسهم في دولتهم ومجتمعهم وثقافتهم وبين أصدقائهم وصديقاتهم الذين يفكرون ويتفاعلون بأساليب أخرى , لا تتفق وما يتحقق في دولتهم الأخرى (البيت) , مما يضعهم في محنة وصراع داخلي , يتسبب في إنعكاسات سلوكية صعبة , تبدأ العائلة بالمعاناة منها.
ومن الواضح وفقا للأبحاث والدراسات أن المراهقين يتأثرون بالذين من حولهم أكثر من تأثرهم بآبائهم وأمهاتهم , وأن إنتماءهم يكون للبيئة الإجتماعية التي يعيشون فيها , بكل ما فيها من مؤثرات وثقافات وتفاعلات , وليس كما نتوهم لثقافة البيت وما يدور فيه بما لا ينسجم وثقافة المحيط الخارجي والبيئة الثقافية في المدرسة والمحلة.
ويبدأ الصراع في مرحلة المتوسطة والإعدادية خصوصا , أو في سنين الجامعة الأولى , حيث تبدأ الثورة على ثقافة البيت والأبوين , فتجد الأب والأم في مأزق نفسي وشعور بالخيبة والفشل والإحساس بفقدان البنات والأولاد.
وفي الحقيقة أن الجيل الثاني يريد العيش في محيطه , وبناء حاضره ومستقبله وفقا لمعطيات بيئته الثقافية والسلوكية , التي توجب عليه أن يكون متفاعلا ومنسجما ومتوائما معها بكل طاقاته وقدراته لكي يتواصل.
فحاضره ومستقبله هنا!!
فلماذا يسعى الأبوان لأخذ أبنائهم وبناتهم إلى حاضر ومستقبل متصور؟!!
الجيل المهاجر الأول , يحمل ثقافة لا وجود لها اليوم إلا في خياله , لأنه منقطع عن مفردات الثقافة القائمة في بلاد نشأته , التي لا تتفق مع ما يراه ويتصوره ويحسبه صحيحا وسليما.
أي أن الجيل الأول أيضا يعيش محنة الإنقطاع , ويتصرف وفقا لما تمليه عليه امّارات خيالاته المتقاطعة مع واقع الحياة في بلده الأم.
وبمعنى آخر أن الجيل الأول يحاول تربية الجيل الثاني بأساليب ومفردات وهمية , لا رصيد لها من الواقع في الموضعين.
ويتوهم بأنه يمتلك القدرة على مقاومة التذويب , والتأثير الثقافي والمعرفي والسلوكي الحاصل في بيئة الجيل الثاني.
والمشكلة أن الجيل الأول عصي على التوجيه والمطاوعة والتكييف التربوي مع واقع الجيل الثاني , وإنما يميل إلى نوع من التواصل السلوكي الغير مبرر.
فعلى سبيل المثال , الأم التي كانت في بلدها ترتدي آخر موديلات الفساتين , وتظهر بكامل زينتها في المجتمع عندما كانت بأعمار بناتها , تفرض على بناتها إرتداء ملابس تجعلهن يختلفن عن الأخريات , كأن تفرض عليهن الحجاب منذ طفولتهن , وما إرتدت هي في طفولتها وصباها وشبابها حجابا قط!!
وعندما تسألها لماذا هذا الضغط على البنات؟
يكون الجواب يجب أن يكون ذلك , وكأن الدين هو الحجاب وحسب!!
وتبدأ المعاناة والصراعات والتفاعلات المتشنجة بين الأم وبناتها , ولا يمكنك أن تجعل الأم تدرك ضرورات مراعاة مشاعر البنات في بيئة غير بيئتها المتصورة , وحاضر آخر يتفاعلن معه , وإياك إياك التحدث عن التوسط وضرورات فهم معاناة البنات اليومية في المدرسة والمجتمع , لأن ذلك يُحسب عدوانا وإتهاما بعدم كفاءة التربية.
وفي هذا المُحتدم تخسر الأطراف المتناحرة , فالجيل الثاني في وسط يعرف قوانينه ويدري حقوقه , ويعلم أنه صاحب اليد العليا , وعلى والديه الإنصياع لإرادته رغما عنهما , فيحصل ما يحصل من التداعيات والتطورات , التي تجعل الوالدين يعضان أصابع الندم.
وعليه فأن الجيل المهاجر الأول يجب أن يستيقظ ويأخذ الموضوع على محمل الجد , لكي يساهم في تواصل الأجيال , والحفاظ على الثقافة الوطنية والهوية , ونقل معارفه للجيل الثاني بأساليب متفقة والواقع المعاش في بلد المهجر , وإلا فأن الإنقطاع حالة مفروغ منها , وأن الجيل الثاني سيذوب ويغيب , ولن يبقى مما يدل عليه إلا إسمه!!
فهل ستتمكن الجاليات من عقد ندوات تربوية وتجمعات حوارية , لكي تكتشف أفضل سبل التفاعل ما بين الأجيال؟!!
3\1\2015
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . صادق السامرائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat