العودة بالمجتمع الأنساني إلى منهج الحق القويم مَطلبُ المعصوم/ع/
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
::المُشترَكات القيَميّة بين الإمام الحسين /ع/ والإمام المهدي /عجّلَ ألله فرجه الشريف : وحدة الإرادة : وطموح التحقيق:
__________________________________________
إنّ إصلاح المجتمع الإنساني عامة هو هدف كان كل الأنبياء والأئمة المعصومين /ع/ ينشدونه ويسعون لتحقيقه قدر المُستطاع .
فمقولة الإصلاح هي مقولة قرآنية ونبوية في نفس الوقت وكثيراً ما رددها القرآن الكريم في نصوصه الشريفة .
فالإمام الحسين(ع) تحرك مُصلحا وحاملا لشعار الأنبياء الذي ينصُ على قوله تعالى (( إن اُرِيدُ إلاّ الأصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلتُ وإليه اُنيب )) /88/هود/.
وعند قراءة الحوارية التي دارت بين الحسين(ع) وأخيه (محمد بن الحنفية) والتي ركّزفيها الحسين على ضرورة الإصلاح وتطبيقه ميدانيا حينما قال/ع/.
((إني لم أخرج أشراً ولا بطرا ولا مُفسدا ولاظالما وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي . أُريدُ أن أمرَ بالمعروف وأنهى عن المنكر. فمن قبلني بقبول الحق فألله أولى بالحق ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي ألله بيني وبين القوم بالحق وهو خيرٌ الحاكمين)).
وفي هذا النص الوثائقي من لدن الحسين(ع) يظهر للقارىء الواعي معيارية وقيمية النهضة الحسينية الشريفة والتي تقومت بمقولة إصلاح الأمة وتقويمها بعد الأعوجاج الذي حصل في وقت حكم الأمويين.
وهذه المعيارية القيمية في حركة الحسين (ع) المجتمعية تعنونت بعنوان وملاك قبول الحق والذي هو محور مقدّس يجمع حوله كل مقولات وغايات ألله تعالى في تعاطيه مع عباده في هذه الحياة الدنيا .
وهذا الملاك ( القبول بقبول الحق) يَفتحُ تأسيساً جديدا وأصيلاً قيمياً لم يكن معهودا عند الأنظمة الطاغية في وقت نهضة الحسين(ع) فلذا رسخه الحسين (ع) في حركته ترسيخاً ودعماً لمقولة أبيه الإمام علي(ع) (( إعرِف الحق تَعرِف أهله لايُعرَفُ الحقّ بالرجال )).
هذا من جهة ومن جهة اخرى إنّ ملاكيّة ومعياريّة ( القبول بقبول الحق) تُبعِد الأنسان المُصلِح عن ذاتياته البشرية كمنزلته ودرجته الخاصة حياتيا لذا نجدُ الحسين (ع) كان مُلتفتاً إلتفاتا سديدا وواعيا لما يؤسس نظريا وتطبيقيا لمشروع التغيير ولأجل قطع الطريق أمام خصومه من اتهامه بالتأسيس لشخصه وذاته حيثُ أنه (ع) ((لم يقُل ..فمن قبلني لشرفي ومنزلتي في المسلمين وقرابتي من رسول ألله (ص) وما إلى ذلك ...لم يقُل شيئا من هذا ..إنّ قبوله يجب أن يكون عنده (ع) بقبول الحق فهذا داعٍ من دعاته وحين يقبلُ الناس داعي الحق فإنما يقبلونه لما يحمله إليهم من الحق والخير لا لنفسه)) //1// هذا النصُ مُقتبس من كلام المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه القيّم ( ثورة الحسين) ص140/ .
. إن ّالعودةَ القيميّةَ والمنهجية الواعية بالمجتمع إلى بقعة العدالة وتطبيقاتها تتطلب الأيثار والتضحيّة وإفناء الذات الداعيّة إلى التغيير حتى تكون العودة عودة قوية تكتسبُ في ذاتياتها قبساً من قُداسة وشرافة الإنسان المُضحي ومنهجه القويم .
فهكذا هو حال الحسين(ع) عاد بذاته إلى ربه شهيدا حتى يعود بشهادته بالمجتمع عودا جديدا.
إنّ الإمام الحسين(ع) في عودته وحركته الشريفة هذه كان يعمل وفق قاعدة عرفانيّة راقية تنص على (( أنّ كل شيءٍ يفنى من أجل شيءٍ أخر فإنه يكتسب قيمة بنفس تلك النسبة الفنائية )).
. يعني أنّ عينه وذاته الشريفة ستُفنى في حال شهادته /ع/ وفي نفس الوقت يُولدُ ويوجد بلحاظ ولادة القيم الجديدة التي أسسها (ع).
فشهادة الحسين (ع) هي وجود جديد في فناء شريف ومقدّس وفناء لوجود يعقبه بقاءً للقيمة وثبوتاً واقعيّا للفكرة كبقاء الإنعتاق من ربقة الطاغوت وبقاء العدالة والإحسان في المجتمع.
هكذا كان يفعل الحسين/ع/ ويصنع في عودته بالمجتمع إلى الحق وساحته ومنهاجه.
..إنّ الإمام الحسين(ع) منح وجوه الشريف بالكامل منحا إراديا وإختياريا لله تعالى ولنظام الحق في البشرية في عملية واحدة وسريعة من أجل إيقاء شريعة الأسلام الأصيل وعقدياته الحقة.
ومن الطبيعي أن تسري قُدسيّة ألله تعالى الذي هو أولى بالحق إلى كيانية الحسين (ع) فالإمام الحسين (ع) بصنعه هذا ما عادَ فردا واحدا بل تحول إلى فكرمقدس سرى مفعوله في مديات الزمان والحياة والمجتمع بصورة جليّة.
جعلت من الحسين(ع) مُحرّك قيمي في الميدان وجوديا وباعثاً إلى النهوض بالحق وأهل الحق.
وصيّرت الشهادة الحسينية الشريفة الإمام الحسين (ع) مُعادلاً بل ما يفوق المُعادل القيمي لمفاهيم الحق والعدالة والأصلاح المجتمعية .
ونفس ما قام به الإمام الحسين /ع/ في وقته سيقوم به الإمام المهدي /ع/ ولكن في مجال أوسع وأرحب يُكمِّل ما بدء به الإمام الحسين /ع/ في طرحه لمشروع الأصلاح الإطلاقي فلذا تجد المُشتَرك القيمي والإرادة بين الإمامين الحسين/ع/ والمهدي/ع/ واحد وهو ضرورة تطبيق منهاج ألله تعالى في أرضه وبسطه على عباده فالروايات نصت على أنّ الإمام المهدي/ع/ ((يملأ الأرض قسطا وعدلا مثلما مُلِئت ظُلما وجورا ))
فلاحظوا (لفظة /يملأ / وهي ترمز إلى حقيقة التطبيق الفعلي والبسط لعدل ألله في أرضه بحيث لايبقاء شبراً فيه ظلم ).
وهذا الطموح والهدف الحسيني والمهدوي يتطلب إعداد الظروف الموضوعية والنفسية والسلوكية بين بني الإنسان لتسهيل مهمة تحقيق ذلك.
وأنا أعتقد أنّ فرصة التقبُّل الوجداني والفكري والعقلاني لأطروحة وفكر الإمام المهدي/ع/ في بسط العدل والقضاء على الظلم هي موجودة فطريا عند كل إنسان حيِّ الضمير وقويم العقل .
ونحن لانشك في وجود شرائح بشرية مؤمنة كأتباع مدرسة أهل البيت /ع/ مؤهلة لنصرة الإمام المهدي /ع/ في ظهوره الشريف.
ولكن الأهم هو أن تعمل هذه النخبة البشرية المؤمنة كشيعة أهل البيت/ع/ على توسعة خطابها ووسائلها الأصلاحية إلى الآخرين وبصورة حضارية ومشروعة يقبل بها الإمام المهدي /ع/ أو تُسهِم في تكثير المتعاطفين مع فكره وهدفه المعصوم.
والسلام عليكم ورحمة ألله وبركاته:
هذا المقال مُقتَبس من بحث (( الإمامُ الحُسين يختارُ الشهادة )) قراءة في مشروعية وحقانية الموقف
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat