حول اشكالية تجسيد الانبياء - 5-
عدي عدنان البلداوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عدي عدنان البلداوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الثقافة هي قدرة الفهم والإدراك والاستنتاج المسؤول تجاه الذات وتجاه المجتمع وتجاه التراث وتجاه الحياة والوجود بشكل عام، ونحن في مجتمعاتنا العربية المسلمة لدينا أعدادا من المثقفين الحقيقيين، بمعنى أنهم يمتلكون ثقافة نابعة من فهم صحيح واع للتراث والتاريخ والواقع المعاصر و يبدو ذلك في أعمالهم ونشاطاتهم وكتاباتهم ، إلا أن المشكلة تكمن في أن هؤلاء المثقفين إلى يومنا هذا لا يشكلون إلا قلة، لذا فهم لا يستطيعون أن يشكلوا طبقة اجتماعية فاعلة، يمكنها أداء دورها المطلوب في المجتمع، فتأكيد القرآن والنبي الخاتم على أهمية العلم المرافق لخشية الله، أي بوجود البعد الروحي، يعني أن المسؤولية بعد الأنبياء يتحملها المثقف الحقيقي، أما (العلم للحياة) الذي اعتمده مثقفوا أوربا في القرن السادس عشر، فقد أودى بالعلم تحت هيمنة المادة في القرن الحالي .. هناك عدد من المثقفين المتأثرين بنهضة أوربا يحاولون أن يقلدوا تجربة المثقف الأوربي في بلدانهم، وهنا لابد من الإشارة إلى المفكر الشهيد الدكتور علي شريعتي الذي دعا دوما إلى (العودة إلى الذات) والى الانتباه إلى الفارق بين (المثقف الأصيل والمثقف المقلد)، يقول شريعتي: (مفكرو أوربا اشتروا حرية الجماهير وعظمتها ونضجها وقوتها وثروتها ورفاهيتها وتبلور شخصيتها واشتروا نضج العلم وضحوا في سبيله، اشتروا كل هذه الأمور بأرواحهم وحياتهم وتعرضهم لمحاكم التفتيش ومعاناة أمور بلغت الإلقاء في النار والإحراق والسلخ، كل هذا حدث حتى تشكلت طبقة المفكرين في أوربا، أما في المشرق فقد شكلت على نفس الصورة بأمر من رينيه لابون، وخطط علماء اجتماع غامضين ملحقين بمراكز الاستشراق وحدث أن توصلنا إلى نتيجة عكسية تماما لما توصلت إليه أوربا) ..
إننا في عالمنا العربي الإسلامي، بحاجة إلى أعمال سينمائية ترقى في إنتاجها وأمانتها في نقل أحداث التاريخ مع إضفاء البعد الروحي على شخصية النبي في أحداث الفلم، ما يشد المشاهد إليها، كما شرعت جمهورية إيران الإسلامية في مثل هذه الأعمال ونجحت في ذلك، وبمقارنة بين فلمين عن السيد المسيح، احدهما إنتاج غربي يجسد شخصية النبي، وآخر إيراني يظهر فيه النبي رجلا يملأ وجهه النور، سيرى المشاهد إن النور الذي يملأ وجه الممثل وهو يؤدي دور النبي لا يشكل إعاقة فنية أمام إنتاج الفلم .. بالإضافة إلى ما يعنيه ذلك النور، فهو من جهة يمثل قدسية النبي، ومن جهة أخرى فهو قادم من الماضي عبر أحداث الفلم، وهذا الشعور يقرب المسافات الزمنية بين المشاهد وبين تراثه، أي يفعل حضور البعد الروحي في المشاهد .. أما ما جاء على لسان النبي في القرآن الكريم (انما أنا بشر مثلكم يوحى الي)، فهي ليست كي نتعامل مع شخصية النبي بشكل مجرد أو مجسد، بقدر ما هي لكي لا يغدو ما نتعلمه من نبي تجري على يديه معجزات تدعمها السماء، واقعا تحت تأثير الرهبة أو الإندهاش من قوة تلك المعجزات، والذي قد يزول برحيله، وهذا خلاف ما يتبناه الأنبياء في سعيهم الى تعريف القوة من خلال العقل والحكمة .. لذلك فالنبي بشر مثلنا، إلا أنه يمتلك بعدا روحيا من خلال الوحي، يعلمنا كيفية انتقال ذلك البعد الروحي الينا كي تستمر رسالته السماوية اجتماعيا بعد رحيله وانقطاع الوحي، كي يصبح البعد الروحي حاضرا لدينا من خلال إيماننا، ومن خلال القيم التي تعلمناها من النبي ..
ان حضور البعد الروحي في الإنسان، يمنحه قوة تدعم قدراته البدنية والنفسية والعقلية والعاطفية عندما يشوبها ضعف أو تهددها ضغوطات معينة، بهدف الحفاظ على منظومة الإنسان بعيدا عن الانحدار أو الانهيار اللذان قد يجمدا الحياة ويحيلان الإنسان إلى آلة تحركها مصانع ومشاريع عالمية تدعم اقتصاد من يقف وراءها ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat