صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

الجزء الثالث. قميص يوسف . (من الذي راود يوسف عن نفسه ؟)
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بيّنا في الفصل الأول والثاني قصة اختفاء (عمى) يعقوب من الكتاب المقدس والتي جاء على ذكرها القرآن، واثبتنا بالدليل القاطع أن هذه المسألة موجودة في التوراة ولكن تحتاج إلى عناية خاصة لكي يتم اظهارها للقارئ ، وهذا ما فعلناه. 
وفي هذا الجزء سوف نُعالج مسألة (التي راودت يوسف عن نفسه) من هي ؟ هل هي زوجة (العزيز) رئيس شرطة فرعون والمؤتمن على حراسته كما تقول التوراة ، أو شخصا آخر. 
التوراة والقرآن اتفقا على القصة من حيث المضمون إلا أن القرآن كان اكثر وضوحا واختصارا للقصة ،التي امعنت التوراة فيها سردا وتفصيلا مما احدث ارباكا فيها جعل أحداثها تتداخل بشكل شوهها وأضاع حقيقتها . سأورد هنا القصة واضع النصوص وما يقابلها من القرآن ثم نقوم ببيان الاخطاء الكبيرة التي ارتكبتها التوراة .
تقول النصوص : ((وأما يوسف فأنزل إلى مصر، واشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط، رجل مصري فوجد يوسف نعمة في عينيه، وخدمه، فوكله على بيته ودفع إلى يده كل ما كان له. ثم رأت يوسف سيّدة القصر وقالت له اضطجع معي ليس في هذا البيت اعظم مني. فقال يوسف : كيف اصنع هذا الشر العظيم وأخطئُ إلى الله؟ ــ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ــ فأمسكته بثوبه قائلة اضطجع معي فترك ثوبه في يدها وهرب فصرخت بصوت عظيم ونادت اهل بيتها رجلٌ عبراني دخل ليضطجع معي. فسمع سيدهُ فحمى غضبه فأخذ يوسف ووضعه في السجن ــ واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن)). (1) 
الحدث الأهم الذي اختفى من القصة التوراتية هو دليل براءة يوسف . فلم تخبرنا التوراة كيف عرف سيّده (الخصي) بأن يوسف برئ من التهمة الملفقة التي رمته بها زوجته سيّدة القصر؟ 
القرآن جعل القميص دليل إدانه ودليل براءة في حدثين منفصلين. 
في الحدث الأول كان القميص علامة على كذب اخوته حيث أن يعقوب رأى الدم على القميص ولم يره ممزقا فعرف انها مكيدة لأنه لا يوجد ذئب يفترس فريسته ولا يُمزق جلدها او ثيابها.وهذا النص موجود في التوراة ولكن بشكل أفقده معناه أيضا. 
والثاني أن قميص يوسف في القرآن كان دليلا على برائته من تهمة زوجة العزيز ، حيث ان العزيز رأى أن القميص (تمزّق) من الخلف وليس من الامام فعرف أن يوسف كان هاربا من هذا الفعل الشنيع وان زوجته هي التي سحبته من خلفه فتمزق القميص.
هذا النص المهم اختفى من التوراة حيث انها سكتت فلم تخبرنا كيف تم تبرئة يوسف من تهمة التحرش بزوجة العزيز رئيس الشرطة؟ 
قصة التوراة طويلة جدا وحصل فيها خلط أو كذب متعمد والأسباب مجهولة كما هي العادة. 
يقول النص أن الذي اشتراه ووضعهُ في قصره (واشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط). هنا في هذا النص وقعت التوراة في خطأ كبير رأينا كل المفسرين تحاشوا ان يمروا به حيث راجعت اكثر من عشرين تفسيرا مسيحيا فلم اجد تفسير له! وكأنه اعتراف ضمني بأن هذا النص غير صحيح . 
النص يقول فوطيفار خصي فرعون ، والخصي كما هو معروف هو من (استُلّت خصيتيه) ليتم استخدامه في اماكن معينة ، منها : ان يكون في فرقة انشاء السوبرانو الدينية في الكنائس لأن صوته سيبقى طفوليا ناعما يشبه صوت الملائكة ـــ حسب تعبير الكنائس ـــ ويتأخر ظهور الشعر في جسمه. وكذلك استخدام الخصيان في دور الحريم للخدمة والحراسة وتسلية العدد الكبير من نساء شخصيات الدولة ، منعا من حصول الحمل لو جعلوا الحراس رجال كاملين.ولكن من المستحيل ان تقبل المرأة بالزواج من الخصي لأنه لا فائدة فيه من حيث انجاب الاطفال وتكوين الاسرة. 
اضافة إلى ذلك فإن التوراة تصف الخصي بأنه ((الخصي: ها أنا شجرة يابسة. لأنه هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتي، ويختارون ما يسرني، ويتمسكون بعهدي إني أعطيهم أفضل من البنين والبنات)). فالخصي شجرة يابسة والشجرة اليابسة تكون واقفة منتصبة ولكن لا تعطي ثمر ولذلك نرى أن دور الحريم عند الملوك يكثر فيها الخصيان وهذا ما نراه واضحا ايضا في التوراة حيث تقول: ((وليوكل الملك وكلاء في كل بلاد مملكته ليجمعوا كل الفتيات العذارى الحسنات المنظر إلى شوشن القصر، إلى بيت النساء، إلى يد هيجاي خصي الملك حارس النساء، وليعطين أدهان عطرهن)).أو قوله في سفر أستير 1: 10 ((الخصيان السبعة الذين كانوا يخدمون بين يدي الملك أحشويروش)).
وهنا سؤال يطرح نفسه بقوة وهو: إذا كان (فوطيفار) رئيس شرطة فرعون وحرس النساء (خصي) فكيف تقول التوراة انه متزوج ؟ وأن يوسف راود امرأته؟ كيف يكون متزوج وبماذا سوف تنتفع زوجته منه وهو (شجرة يابسة) كما تصفه التوراة نفسها؟ فلا أرى هنا أي حكمة لزواج خصي ، إلا إذا كان يعطي معنى أخر في التوراة ولكن سكوت المفسرين عن بيان ذلك جعل النص غامضا تحيط به الشبهات. 
هذا الخلط هو الذي أضاع دليل براءة يوسف أمام سيّده من تهمة التحرش الجنسي بزوجته حيث تجاهلته التوراة لاسباب غامضة ، ولكن القرآن كعادته في حراسة النصوص المهمة التي تُنزه أنبياءه من امثال هذه التهم الخادشة للحياء والكاسرة لعصمتهم أورد دليل براءة يوسف بتفصيل مختصر جميل ومنها أيضا إضافة إلى مسألة تمزق القميص من الخلف كدليل على البراءة ذكر القرآن قولا لربما يُشير إلى مسألة عقم العزيز والعقيم كما نعلم غير الخصي وهو رجل طبيعي في الزواج إلا أنه محروم من الانجاب وهذا ما رأيناه في تفسير المسلمين لهذا النص حيث قالوا : (أنه كان حصورا) حيث قال على لسان العزيز (أو نتخذهُ ولدا) (4) وبهذا اثبت القرآن أنه مهيمن وحارس أمين. (5)
المصادر. 
1- النص مستلّ من سفر التكوين 39: 1 . وسورة يوسف آية 23. فما. سورة يوسف آية 23
2- سفر إشعياء 56: 3 .
3- سفر أستير 2: 3.
4- انظر كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم جمع واعداد: الأستاذ/ عبد الرحمن بن محمد القماش الذي يقول فيه : يأس العزيز من انجاب زوجته دفعه أن يتخذ يوسف ولدا وامرأته: معناه زوجه، فإن الزوجة يطلق عليها اسم المرأة ويراد منه معنى الزوجة. كان آيسًا من ولادة زوجه. وهذا القول اليق بالقرآن لأن الخصي لايتزوج.بينما رأينا التوراة اطلقت قولها (خصي) ولم تُبين او توضح ما المقصود من الخصي لأن التوراة نفسها تنفي زواج الخصي .
5- وقوله ( ومهيمنا عليه ) عن ابن عباس، أي مؤتمنًا عليه. المهيمن الأمين، قال القرآن أمين على كل كتاب قبله. القرآن أمين على الكتب المتقدمة، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه منها فهو باطل. فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم، الذي أنـزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره؛ فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكمًا عليها كلها. وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة، فقال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر 9).

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/05/05



كتابة تعليق لموضوع : الجزء الثالث. قميص يوسف . (من الذي راود يوسف عن نفسه ؟)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net