عالمنا المعاصر يؤكد أن الأصلح هو الأسرع , فهذا قانون الحياة الجديد , فستبقى وتنتصر إذا كنت أسرع في الجري البدني والفكري والنفسي والإجتماعي وبكل ما يتصل بالحياة.
قانون يذكرنا بأن الغزلان الأسرع هي التي تنجو من الضواري التي تطاردها , وفقا لإرادة الغاب الفاعلة في الوجود فوق التراب , فكل مخلوق يصاب بأطرافه ويتعوق جريه , يكون هدفا سهلا للسوابغ المكشرة الأنياب والفاغرة الأفواه.
والغاب قانون أرضي أزلي لم يتغير نهجه وتتبدل طبيعته , لكنه إبتكر أساليب متواكبة مع حركة الحياة لتحقيق أقصى مآربه , فأخذ يرتدي أزياء معاصرة ويتكلم بلغة مخادعة , وإبتدع آليات معقدة تجعل الضحايا تسعى لحتفها بإرادتها , وكأنها منومة أو تستلطف الإنتحار وتتلذذ بسوء المصير.
والكيانات التي نسميها دولا وأوطانا تقوم بذات الدور , وينطبق عليها قانون الغاب بعينه الذي يتحكم بمصير الأحياء في الغابات , وخلاصته أن القوي يأكل الضعيف والمغفل والمريض والمصاب بالغثيان والدوران.
والسرعة قوة والبطؤ ضعف , والأسرع ينتصر على الأبطأ , ويستهدفه دوما لأنه لا يكلف جهدا كبيرا , ولا يستوجب مهارات وخبرات متراكمة , مثلما يكون الهدف سريعا , وعليه فأن الدول المتسارعة في تقدمها وتطورها , تفترس الدول البطيئة في جميع نشاطاتها وتفاعلاتها.
وفي زمنٍ تتسارع فيه الطاقات والقدرات , تكون الدول المتمحنة بماضيها والمعادية لحاضرها والجاهلة بمستقبلها , ضحايا سهلة وأهداف مطلوبة لزيادة سرعة القوى المتسارعة , ذلك أن السرعة بحاجة لطاقة , ولكي تتوفر الطاقة لا بد من تحقيق أعلى درجات الإفتراس , لتخزين أعظم الطاقات اللازمة للوصول إلى أقصى سرعة.
ويمكن المقارنة بموضوعية أكثر , بمثال قطار الصين الفائق السرعة , وقطار أية دولة عربية والذي لم يتجاوز سرعة قطارات الحرب العالمية الثانية , وهذا يعطي تفسيرا جليا عن كيف أن الصين تتنامى قوتها , ودولنا تتصاغر قدراتها , وتتعثر في خطواتها , وتتورط بكل ما فيها وعندها وحولها , وتزداد توحلا في مكانها وزمانها , حتى لتجدها لا تمتلك الأهلية لمغادرة بقعة زمنية غابرة غائرة في متاهات القرون.
وكما هو معروف فأن السرعة تزداد كلما تخفف الجسم المتحرك من حمولته وقيوده , وجرى على سكة منضبطة محكمة تحقق لحركته إنسيابية وقدرة على تنامي تعجيله والحفاظ على توازنه.
وعندما نتأمل واقعنا العربي , يتضح لنا أن قطارات وجودنا لا تسير على سكة , وإنما تهيم في بيداء العثرات ومفازات الأودية والمغارت الدامسة , ولا تسمع فيها ومِن حولها , إلا الهرج والمرج ونداءات الإستغاثة من حنافيش الخيبات والفواجع المتورطة بالدين.
فويل لكل متباطئ مندحسٍ في غياهب ظلمات العصور!!
فهل سنتعلم الجري الحضاري السريع , أم أننا لشدة بطئِنا سنضيع؟!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat