صفحة الكاتب : صالح الطائي

السماوي وأناشيد سماوية
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بين بساطة وصغر حجم (عيناك دنيا) 1971 وفخامة  (بعيدا عني قريبا منك) 2011 تمتد أربعون قمة من وجع وحنين وشوق دفين ولوعة عطرها من شذى الياسمين، وفي البال شريط ذكريات شاخت أصولها في أعماق النفس كما هي نفوسنا شاخت ونزعت عن هودجها نزق الشباب الجميل. وأورقت فروعها اليانعة في كل الأيام والأشهر والسنين تستفز شوقا للقاء، لتذكرنا بنهارات لا يعيدها التمني، ولذا لن يسمع بما فعله المشيب.
كلما يعدني السماوي بزيارة، أجلس مجترا هذا الشريط ، لحظة بلحظة، ثم تصيبني قشعريرة من خوف كبير، هل أن صورته لا زالت كما كانت بالأمس حينما تقدم نحوي  ممسكا بيد خجولة ديوانه الصغير (عيناك دنيا) ليقدمه لي كأول هدية قيمة أستلمها من كاتب؟ وكأول كتاب تلضى بنار الأسف والحسرة التي أججها الخوف فاستعرت وأكلت كل ما هو جميل من كتبي لكي لا تقع بيد المجرمين وتصبح دليل إدانة عند قوم همج رعاع؟
وكلما أقرأ جديدا للسماوي، أجلس معيدا شريط ذكريات العمر، أقارن ما علق منها في البال ولم تمحه عاديات الزمن، أقارن بين بساطة كلمات (عيناك دنيا)
(أيا أبناء السماوة إن نفسي            تؤمل فيكم الأمل الكبيرا)
وبين فخامة وجزالة وحكمة وصوفية كلمات كبرت مع المعاناة التي عاشها السماوي، فأجد كلمات ليست مثل الكلمات، كلمات نحتت من الماس وعيدان الأبنوس والساج، وبلاطات الحضارة القديمة، وحجارة الزقورة، ومسلة حمورابي، وأزاهير الربيع، وهديل الحمام وتغريد العصافير، وكل دواوين العشق العربي، وأغاني الصوفيين وتهجدات الحكماء وتبتل الدعاة، وضحكات الأطفال، وبكاء الثكالى، وتنهدات العشاق، ونظمت مسبحة بخيوط من جدائل العمر وآهات السنين، ووجع نفس باحثة عن الحقيقة في دنيا تشغلها التفاهة والتيه والغرور والسذاجة والمصلحية. فآمنت أن للتغريد خارج السرب منافع لا يدركها إلا الحكماء، وعرفت أن اللغة تتطور وتنمو كما هو الإنسان، الفرق الوحيد أن هناك من تنمو لغته وثقافته بشكل سليم متطور متناسق بهي تساوقا مع نمو ثقافته ومعارفه، كما هي لدى السماوي، لينتقل من الخطاب المباشر في (عيناك دنيا) إلى دنيا أخرى
أعرف فصل الصيف في مدينتي
من الندى الناضح من ريحان جيدها
ومن قميصها الرقيق
وأعرف الشتاء من وشاحها المخمل
والربيع من رسب الفراشات
تحوم حول ثغرها المخضل بالرحيق

لقد حاولت أن أبقى في أفياء ديوان السماوي الذي بين يدي ولا أفتح جرح الذكريات القديمة المتجددة تماما كما قال 
لا تفتحي بوابة الأمس
أغلقيها واختمي بالشمع نافذة العتاب

ولكني وجدتني مدفوعا بشوق الأربعين، وبآهات السنين لأحلم ولو حلم عصفور

فما الذي يطلبه العصفور
من مملكة البستان
غير النبع
والعنقود والبيدر

لأقول للسماوي الذي صلى للمرة الثالثة بلا وضوء (*) : وما الذي نطلبه نحن الذين تسحرنا الكلمات من ساحر الكلمات غير أحاديث أحلى من بستان وأعذب من فرات وأشهى من عناقيد الكرمة، ومن قبلة غادة، فما أحلى الغواية في دنيا أشعارك! وما أعذب الذوبان في بحور حكمتك وبهاء صورك.
لقد شدني محتوى الديوان الجديد، وأعادني إلى أيام المستنصرية وبداية سبعينات القرن الماضي، أعادني أربعين عاما إلى الوراء لأتذكر سويعات قضيتها مع السماوي قبل أربعين عاما، فوجدت السماوي في أحشاء القلب، طودا شاخا لا يدانى، فهل بعد هذا لعاقل أن يصدق قوله:

أنا يا سيدتي ما زلت
في رحم "التي ليست تسمى"
نطفة تأمل أن يحضنها
صدر وبيت

 


(*) منذ سنتين والسماوي يعدني بزيارة، حتى أنه قال في إحدى المرات: أنه إذا زار العراق ولم يزرني سيكون كمن يصلي من غير وضوء، ولكن الظروف القاهرة، وظروفه الصحية بالذات، كانت تحول بيننا في كل مرة، وكأنها تريد لمعاناتنا أنْ تستمر إلى الأبد، وكأنها لا تدري أن ليس في العمر بقية! 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/03



كتابة تعليق لموضوع : السماوي وأناشيد سماوية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net