وأيدهُ بروحِ القدسِ! من هو الروح القدس؟
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من الناحية الدينية اتفقت المسيحية والاسلام على أن الروح القدس ملكٌ عظيم يرسله الله لتسديد الأنبياء والأوصياء والصالحين من عباده ولكن اليهودية اكتفت بالاشارة إليه على أنه (الروح) (1)، وهو موجود ، لم يصعد منذ أن نزل إلى الأرض مع آدم ليكون معه مسددا ومعلما، وهو ينتقل من جيل إلى آخر وسار مع جميع الانبياء والأوصياء كاهنا ومعلما، فهو الوحيد الذي على الأرض لا يحمل صفات مخلوقاتها وهو الذي أشارت إليه الكتب السماوية ووصفته بأنه (بلا أب، بلا أم، بلا نسب. لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة. هذا يبقى كاهنا إلى الأبد). أي معلّما إلى الأبد.
بالنسبة للروح القدس حسب المفهوم المسيحي فهو قوة روحية قدسية مباركة تتشكل بصور مختلفة وتدخل في اكثر من شخص حتى لو بالملايين حيث تساهلت في ذلك كما نراه في إنجيل يوحنا 20: 22 (( فقال لهم يسوع أيضا: سلام لكم! كما رسلني الآب أرسلكم أنا.ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس.من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت)) في هذا النص ان الروح القدس دخل في التلاميذ الاثنا عشر (الحواريين) واعطاهم قوة غفران الخطايا ومنحهم العصمة من الخطأ وعلّمهم كيف يشفون المرضى ويُخرجون الشياطين وغيرها.
وحسب رأي المسيحية فإن الروح القدس ليس من الملائكة كما في رسالة بطرس الرسول الأولى 1: 12((الذين بشّروكم في الروح القدس المرسل من السماء. التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليه)). فلو كان من الملائكة لما اشتهت الملائكة ان تطلع عليه.
لماذا الروح القدس ليس من الملائكة؟ لانه واحد من ثلاثة يحكمون هذا العالم حسب رسالة يوحنا الرسول الأولى 5: 7((فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الرب، والكلمة، والروح القدس)). فالرب هو الله . والكلمة هو امره النافذ على هذا العالم وكل ما فيه. والروح القدس في مفهومها الأوسع هو الموصل والناقل والحامل لكل ذلك بإذن الله.
في البحار ان دعبل الخزاعي سئل الامام الرضا عليه السلام قال له : (كلما اكون في البيت او في الغرفة اشعر كأن شخصا آخر معي لا أراه . فقال له الامام الرضا : (يا دعبل هذا الروح القدس جعله الله مع شيعتنا يؤيدهم ويُسددهم).(2)
والروح القدس يحمل خصائص كثيرة جدا وله مهمات يؤديها وله سلطة من الله على التصرف بالاشياء كما يقول القرآن الكريم : (( إذ أيدتُك بروح القدس تُكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا وتُبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تُخرج الموتى بإذني)). فكل هذه الامور تجري بإذن الله على يد الروح القدس يعطيها لخاصة أولياءه كما يقول المفسرون : (وأما من اعطي روح القدس فلا يصيبه ما يمنعه عن العلم والمعرفة ، ولا يلهو أي لا يغفل ولا يسهو عن أمر ، ولا يلعب أي لا يرتكب أمرا لا منفعة فيه). وهو يعطي العلم عن طريق الإلهام وكل عالم تنفع علومه الناس وتقف به قدرته عند حد ويعجز عن المواصلة فإن (الإلهام) سوف يُسعفهُ كما أكد على ذلك الكثير من علماء الغرب . فعن أبي عبد الله عليه السلام عندما سأله أسباط قلت : (تُسألون عن الشئ ، فلا يكون عندكم علمه ؟ قال : ربما كان ذلك، قلت : كيف تصنعون ؟ قال : تلقانا به روح القدس). (3)
واما علميا فإن العلماء لهم تفسيراتهم الخاصة حول وجود العلم والمعرفة على الأرض حيث يقولون:بأن اتصالا حدث بين سكان الأرض ومخلوقات ذكية من كواكب أخرى بعيدة في السماء حتى أن الحضارات دوّنت ذلك على مسلاتها وجدرانها حيث تصور الملك او الفرعون جالس وطير نازل عليه من السماء وبين يديه كتاب ومسلة حمورابي تصور لنا الملك وهو يستلم القانون من إله الشمس ، فكل هذه النصوص والروايات تُشير إلى الاتصال بالسماء. ولعل ما جاء في سفر حزقيال خير دليل على ذلك.
فكما اسلفنا فإن الروح القدس قد يكون مع النبي والامام والولي الصالح ومع الفنان والخطيب والسياسي والشاعر ممن تسير أعماله في صالح البشرية فيُسددهم الروح ، فحين انشد حسان بن ثابت قصيدته في هجاء المشركين قال له الني (ص) : ((إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله)). وقد فرّق حسان بن ثابت بين جبرئيل وبين الروح القدس وكان الرسول(ص) يسمع حيث قال : (وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء).
واما في الكتب السماوية فقد اتفقت جميع الكتب على ان الروح القدس ، هو من أمر الله يعطيه لمن يشاء من عباده ولربما يُعطيه إلى مجموعة حيث يُسددها بالكلام والافعال فقد ذكر الله تعالى ذلك بقوله في سورة البقرة آية 87 ((ولقد آتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس)).
وقد حل الروح القدس في زكريا كما يذكر الإنجيل في إنجيل لوقا 1: 67 ((وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس، وتنبأ)).
وحلول الروح القدس على الإنسان إنما يكون بشروط تتوفر فيه وقد جاء القرآن على ذكرها فقال : ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)). فهنا ايد الله هذه المجموعة من الناس بالروح ولكن ضمن الشروط المذكورة.
وفي نص آخر انه يُعلّم الناس كما في إنجيل لوقا 12: 12((لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا)). سفر أعمال الرسل 2: 4.
وفي عصرنا الحالي فإن كل الدول ترمز للروح القدس بـ (الحمامة البيضاء) وهي حمامة السلام التي يُطلقونها في السماء تعبيرا عن السلام الذي يحل على البشرية ، وقد اخذت الدول والناس هذا التقليد من المسيحية حيث ورد في الانجيل أن الروح القدس نزل على السيد المسيح بهيئة حمامة بيضاء فحل عليه السلام ولذلك نراها في كل الكنائس والايقونات وتُزين جدران الكاتدرائيات.(4)
وفي أكثر العقائد فإن الجسد الذي يحل فيه او يُكلمه الروح القدس فإنه لا يُبلى في الأرض ، فلا تأكله الأرض.
إذن من كل ما تقدم فإن الروح القدس خلقٌ عظيم مدجج بكافة الاسلحة العلمية التي يحتاجها البشر وهو لا يعطي ذلك إلا لمن توفرت فيه شروط خاصة مررنا على ذكرها فمن يحل عليه الروح القدس فإنه يمتلك قدرات خاصة يستطيع ان يُحقق بواسطتها أشياء تُبهر البشر وتجعلهم يؤمنون بأن من يقوم بذلك هو شخصٌ غير عادي له ارتباط بقوى سامية كبرى تسددهُ وتُعطيه هذه القدرات وهي قدرات غير محدودة، منها مثلا أحياء الموتى التكلم بعدة السنة وينطقون بمختلف اللغات مثل سُليمان في تكلمه للجن والطير والوحوش ، وقدرات خارقة مثل موسى الذي فلق البحر واخرج الماء من الصخور ، وعيسى الذي شفى الامراض واقام الاموات وسار على الماء وغيرها مما دوّنهُ الأنبياء في كتب عجز البشر أن يأتي بمثلها فقام مع الاسف بتحريفها فحرم نفسه من فيض عطائها.
ومن هنا فقد ورد عن الأئمة المعصومين إلى المسلمين كافة بأن يدعوا إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه بهذا القول الوارد في (دعاء الافتتاح) الذي يقولون فيه : (أللهم وصل على ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر وحفه بملائكتك المقربين وأيده بروح القدس يا رب العالمين)).
والطلب من الله أن يؤيد المهدي عليه السلام بالروح القدس إنما هو لامتلاك هذا الملك العظيم الروح القدس تلك القدرات العلمية والاعجازية الخارقة التي سوف تُعين المصلح الأكبر في مسيرته الإصلاحية على هذه الأرض. او كما نُعبّر في لغة هذا الزمان أن المهدي عج سوف يخرج ومعه قوة كونية خارقة يُهيأها له قادم من أعماق السماء تفوق قدراته قدرات البشر وبواسطتها يملأ الأرض قسطا وعدلا. وسوف يكشف الروح القدس هذا القادم من غياهب السماء عن نفسه على شكل انجازات علمية تقف البشرية مذهولة امامها فتُعزز مصداقية الامام المهدي فتنقاد له البشرية برمتها في أروع تلاحم بين مختلف الاديان والمخلوقات.
المصادر:
1- اكتفت التوراة بذكر (الروح) فقط وهو اشارة إلى الروح القدس حيث جاء في سفر العدد 11: 25 ((فلما حلت عليهم الروح تنبأوا، ولكنهم لم يزيدوا)). ومما يؤيد ذلك أن الإنجيل ذكر هذا النص بحذافيره وبين أن الروح المقصود هو الروح القدس كما في سفر أعمال الرسل 19: 6 ((حل الروح القدس عليهم، فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون)).
2- ويؤيد هذا القول هو ما قاله الامام الرضا عليه السلام لدعبل عندما انشأ قصيدته (مدارس آيات) حيث قال له بعد ان انتهى من قرآتها : (يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين). واما أن دعبل يسمع صوته ولا يراه فقد ورد عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال : قال أبوجعفر الباقر عليه السلام : (إن الاوصياء محدثون يحدثهم روح القدس ولا يرونه). فهو إنما ينفّث في روع الشخص كما قال رسول الله ص في حجة الوداع في خطبة طويلة مخاطبا المسلمين : (إن روح القدس نفث في روعي).والحديث يقول فإذا مات النبي انتقل الروح القدس إلى الامام بعده.
3- بصائر الدرجات : 134.
4- إنجيل لوقا 3: 22 (ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat