لن تجد في كلّ الشرائع الإلهيّة أو الدساتير الوضعيّة الحريّة المطلقة في أمرٍ ما، فلابدّ من قيد أو أكثر لكي لا تتعارض حريّتك مع الغير، أو تكون حريّتك على حساب الآخرين، فالحريّات العامة مقيّدة بالحفاظ على الطابع الأصيل للمجتمع، وعدم التصادم مع الأعراف التقليديّة، والقيم الدينيّة السائدة في هذا البلد أو ذاك.
ومن أشدّ الأمور انتهاكاً للقيم والتقاليد السائدة في مجتمعاتنا إطلاق مواقع العهر والدعارة في عالم الأنترنيت، لذا نسمع بين الحين والآخر أخباراً بحجب المواقع الإباحية التي تنشر الرذيلة والانحطاط الخلقي في هذا البلد أو ذاك، فالسلطات الهندية حجبت 857 موقعاً إباحيّاً، وكذلك قضت محكمة القضاء الإداري في مصر بمنع كلّ المواقع الإباحيّة، وجرى مثله في المغرب والأردن وغيرها من الدول العربيّة والإسلامية.
والعراق بتاريخه العريق وشعبه المتحفّظ يرفض انتشار هذه المواقع في ساحته الأنترنيتيّة، ويصرّ على أصحاب الاختصاص حجبها ومنعها بالمرّة، أسوة بالدول العربيّة والإسلامية التي ـ مع الأسف ـ سبقتنا في ذلك، وقد يتشبّث البعض من المختصّين في إدارة المواقع وبثّ الحُزَم الأنترنيتيّة بذرائع واهية من أنّ الحجب سيؤثّر سلباً على أداء سرعة النت، أو شيوع برامج الكسر وفكّ الحجب فلا داعي للحجب أصلاً، أو أنّ هناك سيرفرات خارج سيطرة الجهات المختصّة سيلتجئ إليها المولعون بمتابعة المواقع الإباحيّة بشكل وبآخر، كلّ هذه الذرائع لها أجوبتها وما ينفع بدفعها، ثمّ أنّها لا تبرّر إطلاق هذه المواقع الهدّامة والمسرطنة لجسم المجتمع الإنساني.
وتقول التقارير الطبيّة المتعدّدة أنّ الادمان على المواقع الإباحيّة يسبّب أضراراً بالغة على الصحّة النفسيّة كالاكتئاب والعزلة والتوتّر العصبي والقلق النفسي، إضافة أنّه يتلف أجزاء كبيرة من الدماغ، ويكثر من ظهور الأمراض في الجهاز العصبي، ويسبّب الضعف في عمليّة الإبصار، وكذلك الضعف في الأداء الجنسي، وتزداد كلّ هذه الحالات لدى الملتزمين دينيّاً لأنّهم مضافاً لما تقدّم يعيشون تأنيب الضمير والشعور بالإثم أثناء متابعتهم هذه المواقع لشعورهم بالمعصيّة وهو ما سيرتّب آثاراً سلبية بالغة على النفس لإحساسهم بالازدواجيّة والنفاق الشخصي، واستساغتهم واستهانتهم ـ بعد الإدمان ـ بالمعاصي الأخرى، وهو ما يؤدّي الى الانزلاق الى الحضيض تدريجيّاً.
ولكن يبقى الدور الأبرز على عاتق أولياء الأمور، خصوصاً مع غياب الرقابة الحكوميّة في الوقت الحالي، فإنّ أكثر من استطلاع جرى في الدول العربية يبيّن أنّ حوالي نصف المعتادين على الولوج للمواقع الإباحية لا يتلقون التعليمات من آبائهم في كيفية استخدام الإنترنت، أو تقديم الإيضاحات لهم أنّ للأنترنت جانباً سيئاً في استخداماته، وبيان خطورة هذا الجانب وآثاره المدمّرة على نفوس مستخدميه، أو تطبيق بعض الإعدادات على الأجهزة المستقبلة لإشارة الأنترنت (الراوتر) للحدّ من تشغيل هذه المواقع المسيئة.
وهذا تقصير واضح من قبل الآباء والأمّهات في حقّ أبنائهما، ويُحاسبون عليه ويتأثّمون بسببه، خصوصاً إذا كانا هما السبب في توفّر الأنترنت بين أيديهم، وقد أباح الإسلام للوالدين مراقبة أبنائهما والتجسّس عليهم، ففي سؤال ورد الى مكتب المرجع الأعلى السيد السيستاني: هل يجوز للأب مراقبة الولد أو البنت في فحص موقعه أو جواله ليرى مع من يتحدث صوناً له؟ فكان الجواب: يجوز بمقدار الضرورة فيما يتوقف عليه صيانته من المحرّمات.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat