وهكذا كنت المدللة الوحيده بين أربعة اخوه بين واحد واخر سنتان تقريبا، وكان من المفروض أن أكون "المكفخه" لاخوتي باعتباري الكائن الأضعف وسطهم لكن الأمر لم يكن كذلك... تساؤلات طالما راودتني وانا انظر لتقاسيم وجهي في المراة والخصلات التي تظهر هنا وهناك فأحس أن عمري في هذه الحياة يتسارع نحو الذوبان والتلاشي. ياترى اين ذهبت تلك العائله ومن هو المسؤول؟ ولماذا ؟ اجل لماذا يقتل اثنان بصراع بين جارين لالاف السنين وثالث دفع لمحاربة أكثر من ثلاثين دوله بعضها دول عظمى واخرى شبه عظمى والباقي اما ذيل لهذه الدول أو أجير لقاء ثمن؟ وهذه الوريقات المطويه التي تستقر بين اصابعي والتي ازالت الدفء من جسدي كلما فتحتها وشرعت بالقراءه. أتبكي الان بعد ان لملمت اوصالك ورحلت من دون كلمة وداع. كنت فرحا في رسالتك الأولى "بيني وبين القطب الشمالي عدة كيلومترات وانا فرح لمنظر الجليد الذي حولي والأكثر فرحا عندما اجلس في مقهى على نهر متجمد." ها أنا افتقدتك رغم انك تثيرني لدرجة الانفجار وانا البنت المدللة االتي لو عثرت لهرع الجميع لحملها قبل ان تبكي ليست حبا بها فقط وانما لو بكت لما سكتت الا بعد اكثر من ساعه. أعماقي من اليأس تدنيني واحيانا تبعدني عن عالمي وتحملني على اجنحة طائر خرافي الى اللانهايه لكني افيق على صوت خافت وسط صمت الليل: " أحلام أين أنت؟ انفاسي تضيق هيا اسرعي يا ابنتي. تعالي ."
ورغم انني الومه في اعماقي أحيانا لأفراطه في تدليلي لكني غالبا ما أكون بجانبه قبل ان يناديني. انه انفاسي التي تدخل صدري وتدفيني لكنه افرط في التمييز بيني وبين اخوتي فقد كنت المفضله على الجميع فما طلبت شيئا الا ووجدته بين يدي، وللاسف جعلني هذا السلوك المفرط من ابي اتجاهي لا اتحمل اي رد أو اشاره أو تلميح واصبحت سلبية في نظرتي للاخرين وكلما ازدادت مداراتهم لي، ينتابني احساس بان هذا قليل بحقى وانا استحق المزيد. وهكذا نشأت. فالويل لمن يعاندني او يتأخر في تلبية طلبي أو يحاول ان يبين خطأي او ينتقد تصرفي اتجاهه. وكنت اشعر بالفجوه بيني وبين الاخرين مما زاد من شعوري بالوحده والالم. أنانية أنا اذن.. لا مستحيل . اريد التخلص من ذاتي ولكن من يساعدني؟ لأذهب الى طبيب نفساني يعالجني .
من يخلصني من ذاتي . هل يمكنني استرجاع حجر بعد القاءه في بركة ماء أو وسط تيار متسارع، أو كلمة بعد نطقها والشباب بعد رحيله؟ ولكن لم هذا التشاؤم؟ لأقبل عرض الشركة التي أعمل بها واسافرمن اجل الدورة التطويريه واقضي وقتا قد يكون مفيدا وممتعا.. وهكذا رزمت امتعتي واوصيت زوجة أخي بالاعتناء بوالدي ريثما اعود. وبعد يومين وجدت نفسي في المطار لكن هواجس القلق وعدم الارتياح شتت افكاري واحسست بغليان في اعماقي جعلني حائره وشبه تائهه. نهضت وتوجهت الى كشك قريب داخل صالة الانتظار وابتعت علبة من البسكويت الذي احبه ثم بحثت عن مكان فارغ فلم اجد لكن شابا اشر لي فتوجهت في الحال وجلست حيت تفصلني عنه منضدة صغيره وبلحظات حاولت ان اشغل نفسي حيث تناولت قطعة من البسكويت من المنضده وهممت بالاخري فمد الشاب يده وتناول قطعة واحده بدون استئذان.. يا للوقاحه! الهذا السبب اشار لي بالجلوس قربه . أي انسان هذا .
- ألا ينبغي لك الاستئذان أو التفكير ولو للحظه قبل أن.... قلت ذلك لكنه ابتسم بكل ثقه وانشغل بمكالمة قصيره أثارت استغرابي فقد تحدث بلغة انكليزية رصينه فهمت انه مهندس معماري. تناولت الاخرى فتناول هو أيضا ورمقني بنظره عابره فقررت أن اكلمه بطريقة لن ينساها ابدا لكنه استجاب ثانية لمكالمة اخرى وكان يتحدث بلغة المانية سريعة ومتمكنه حيث فهمت نصفها فقررت ان اتوقف قليلا فتناولت قطعة اخري فكرر تطاوله الوقح. وكررت ذلك لاربع او خمس مرات فاعادها بعدي مباشرة وبكل هدوء ولم يأبه لجسارته أو تبدر عليه بوادر الاعتذار من سلوكه هذا. وقررت ان لا أمد يدي واتناول اخر قطعة بقيت، لكنه التقطها وانشغل يتحدث بلغة لم أفهم الا كلمات معدودات منها وكان الفضل لأحد الخبراء الروس قبل سنتين حيث تعلمت منه بعض الكلمات والجمل لكنه تعلم لغتنا واكتسب صداقتنا وغادر . يا الهي من هذا الرجل الغريب؟
رمقني بنظرة عابره ثم كسرها الى قطعتين . أكل أحداها وقدم لي الأخرى ثم ابتسم ولملم حوائجه وابتعد. ولم اتصور انني ساصادف انسانا بهذه الوقاحه رغم ان هيأته توحي بانه انسان محترم ومتزن. كان محظوظا لانه هرب وتحاشى اي تصرف مني فقد كنت في غاية الارتباك والانفعال. انتابتني رغبه بالبحث عنه ولومه امام كل الحاضرين على تصرفه لكنني فوجئت بنداء صعودنا للطائره ، وبلحظات وجدت نفسي على سلمها ولم اشعر بابتسامة المضيفه التي استقبلتنا بود واحترام ولا بترحاب طاقم الطائره حيث جلست في مكاني قرب النافذه منتظرة اقلاع الطائره. تحسست حقيبتي ثم ربطت حزام الأمان وحاولت الاسترخاء والهدوء لكن قلقا ساورني فقررت ان أفتح حقيبة يدي واضع وثائق السفر داخلها. ياترى مالشيء الغريب في داخلك ؟ يا الهي انها نفس العلبة التي اكلت منها قطع البسكويت. كنت اشاركه علبته وقد تحملني بكل صبر وادب وحكمه. نهضت من مكاني وهرولت نحو باب الطائره لكن المضيفه أوقفتني . لابد ان اراه لابد ان اعتذر له . ما أتعسني من امرأه وما أروع الأسلوب المتحضر الذي عاملني به هذا الرجل؟
- أرجوك دعيني وانتظروني لحظات. أجل لحظات وساعود مسرعة اليكم. لابد أن أخرج. لابد أن أعتذر له واشكره على نبله واحترامه لي رغم اساءتي له... وكان توسلي غير المتوقع واصراري على الخروج قد أثارا استغرابا بين المسافرين، لكن صوتا من وسط الطائره هز اعماقي وجعلني اتسمر في مكاني حائرة خرساء....
- - لا عليك سيدتي.. أنا هنا. اسمحي لي أنت أن أقدم اعتذاري....
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat