شروط حزب الفضيلة في العملية السياسية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في نهاية شهر آب / أغسطس من عام 2005، كنت في زيارة الى إيران، وكنت اقضي معظم وقتي في منزل الدكتور مصطفى الركابي (أبو سحر). بانتظار ترتيب اجراءات سفري الى بغداد للالتحاق بالعمل في فريق الدكتور إبراهيم الجعفري.

ذات ليلة دخلت منزله فكان معه ضيف عرّفني عليه بأنه الأستاذ كريم اليعقوبي صهر الشيخ محمد اليعقوبي. بعد فترة من الحديث، عرف الضيف أنني في طريقي الى بغداد للعمل مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء، فبادرني بطلب غريب من دون مقدمات.

قال: لقد سمعنا ان الكويت أعطت الدكتور الجعفري (أربعة ملايين دولار) ونريد منك ان تتحدث معه حتى يعطينا منها مليون دولار.
بهذه الطريقة المباشرة، وبهذا الأسلوب المكشوف، أراد صهر الشيخ اليعقوبي وأحد أهم مقربيه، مليون دولار من الجعفري، مشيراً الى ان ذلك سيجعل حزب الفضيلة يدعم الجعفري ويقف معه.

كنت في صدمة الطلب الغريب، أحاول صياغة جملة في ذهني للرد عليه، لكن الدكتور الركابي بادره بنبرة حادة:
ـ كيف يكون ذلك؟ هذه شؤون حكومية وقوانين والتزامات دولة، هل الجعفري رئيس عشيرة حتى يمد يده في جيبه ويعطي الأموال هكذا؟. هذا طلب مخالف لسياقات القانون والدولة والعرف.

لم يأخذ صهر اليعقوبي الكلام على نحو الإدانة، رغم وضوح العبارات ومعناها التي سمعها من الركابي، فعاد يقول:
ـ لكنه حصل على أربعة ملايين دولار، فماذا يفعل بها كلها؟، ليعطنا مليون واحد فقط.
قلت له: إنك تطلب طلباً غريباً، إن صرف الأموال في الدول لا يجري هكذا، إنما وفق صيغ قانونية وإجراءات محددة، وهناك مجلس وزراء ووزارات متخصصة، فالاموال ليست في منزل رئيس الوزراء يتصرف بها حسب رأيه.

انتقل الضيف بالحديث الى شأن آخر بعد ان وجد ان محاولته الأولى فشلت أو بحسب قناعته أن محدثيه لا يستوعبون مقاصده. لكن انتقالته كانت أكثر غرابة من السابقة.

لقد كان يعرف أن الدكتور مصطفى الركابي له علاقات مع مسؤولين وشركات ورجال اعمال إيرانيين، ويبدو ان زيارته لمنزله كانت لهذا الغرض للاستفادة من علاقاته وخبرته، فطرح عليه مشكلة وزارة النفط العراقية، حيث قال السيد (كريم اليعقوبي):
ـ إن وزارة النفط حصلنا عليها بعد مفاوضات مطولة، واخترنا لها الدكتور إبراهيم بحر العلوم، لكن الوزير بحر العلوم لا يتعاون معنا في الحصول على عقود وصفقات، ولذلك قررنا استبداله بشخص آخر يُسهّل اعمالنا، وقد قررنا ذلك وبدأنا بافتعال مشاكل معه حتى نقيله من منصبه.

قاطعه الدكتور الركابي بالقول: إن ترشيحكم للدكتور بحر العلوم لتولي وزارة النفط، لا يعني أن وزارة النفط صارت ملكاً لحزب الفضيلة، وان الوزير صار يعمل عند حزب الفضيلة. فالرجل متخصص في مجال عمله ويلتزم بالأصول والمقررات الإدارية، وهناك مجلس وزراء وصادرات وعائدات ووزارة مالية وشوؤن أخرى.. القضية ليست دكان بقالة يبيع ويقبض ثمن مبيعاته.

والدكتور الركابي معروف بصراحته المباشرة، وشجاعته في الطرح والتعبير عن رأيه ببيان واضح مفهوم لسامعه.

طلب السيد كريم اليعقوبي مشورته حول ما يمكن عمله في هذه الحالة للإستفادة من حصة حزب الفضيلة في التشكيلة الوزارية أي امتلاكها وزارة النفط.

فتحدث له (أبو سحر) عن الطرق القانونية والضوابط والإجراءات المعمول بها حسب خبرته في هذه الإجراءات وتفاصيلها، وعن السياق القانوني والرسمي المألوف بين الشركات والجهات الحكومية فيما يتعلق بإيران، وهي سياقات متعارف عليها في كل الدول باختلاف في التفاصيل. واختتم كلامه بأن أي مشروع تجاري يجب ان يكون ملتزماً وخاضعاً للقانون، ولا حاجة لسلوك الطرق غير القانونية، فهي ستنكشف بالتأكيد ذات يوم وتتعرضون للمساءلة القانونية، بينما الطريق الأصولي يضمن الفائدة المرجوة، وعلى هذا تعمل الشركات في العالم، وان قوة الشركات التجارية في سمعتها ودقتها.

وفيما يشرح الدكتور مصطفى الركابي هذه التفاصيل، كنت ألمح إشراقات الفرحة تتوهج على ملامح السيد (كريم اليعقوبي)، وقد أدركت لحظتها أنه كان يبحث عن الثغرات التي يمكن ان يمرق من خلالها نحو هدفه، وليس الاستفادة من خبرة محدثه والتعرف على سير العمل اصولياً وقانونياً.

انتهى الكلام، فاخرج اليعقوبي هاتفه الجوال من جيبه، واجرى اتصالاً مع بغداد، قال فيه: أوقفوا تأزمكم مع الدكتور بحر العلوم.. لا تطرحوا قضية إخراجه من وزارة النفط الآن.. سأنهي زيارتي واعود بسرعة فقد استجدت عندي أمور مهمة، وسأتوجه الى سماحة الشيخ اليعقوبي مباشرة.

أنهى المكالمة التي كان يكرر فيها التوصية بتجميد المشكلة المفتعلة مع الدكتور بحر العلوم، وبأن عليهم إخبار الشيخ محمد اليعقوبي بأنه سيتوجه للقائه فور عودته. وكان وهج الأمل والتخطيط المخفي قد أغرقه باشراقات المستقبل الواعد، كانت عيناه تبرقان بفرحة الفوز بأمر ثمين. وقد كان ثميناً بالفعل عندما عاد الى العراق.

** ** **
حين يدخل حزب الفضيلة في مفاوضات تشكيل الحكومة أو في تحالفات سياسية، فانه يضع شرط الحصول على مكافأة مالية نقدية بملايين الدولارات، بحسب طبيعة الموضوع محل النقاش. وفي بعض الحالات يعتبرون ان المبلغ المطلوب هو بمثابة أجور الدخول في المفاوضات. قد تبدو الصورة مضحكة او غير معقولة، لكنها حقيقة واقعة حدثت وتحدث وستحدث.

ويستخدم حزب الفضيلة وثيقة (الشروط العشرة) وهي ورقة يجب ان يوقع عليها المسؤول أو الوزير الذي يمنحونه المنصب الحكومي، ومن ضمن هذه الشروط أن يتعهد بتوفير مبالغ مالية محددة بملايين الدولارات حسب طبيعية المنصب، تكون ملكاً صرفاً للحزب، وان يمنحه العقود والصفقات، وما الى ذلك من شروط يتحول فيها المنصب الحكومي الى شركة تابعة لكتلة الفضيلة.

ليست هذه المعلومات خافية عن الكتل السياسية الأخرى، إنها تعرف ذلك فقد جرت المفاوضات والاتفاقات على هذا الأساس.. يعرف ذلك المجلس الأعلى والتيار الصدري ودولة القانون وكتلة المستقلين والقوى السنية والقوى الكردية، تعرف كل هذه الجهات طريقة حزب الفضيلة، لكن لا أحد من القادة أو الأعضاء يكشف ذلك للشعب العراقي، لأن كشف مثل هذه الأمور يعني خيانة عظمى لتحالف المفسدين الذين يحكمون العراق.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/28



كتابة تعليق لموضوع : شروط حزب الفضيلة في العملية السياسية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : مازن علي ، في 2015/10/01 .

كذب ثم كذب حتى يصدقك الناس واسهل طريقة هو الافتراء على خط الشهيد الصدر ومرجعية الشيخ اليعقوبي لان من يفعل ذلك يلاقي دعم من الكثير ممن عادوا هذين العلمين والكاتب انما هو مأجور ويكتب حسب ميعطى له ولو كان صحيحا لنسر الاثباتات لا سرد قصصي لايصدقه الا السذج والحاقدين

• (2) - كتب : محمد الجواد ، في 2015/10/01 .

اقسم لو كان المقال ضد المجلس الاعلى والمواطن لما نشرتموه
ولكننا نعرف سياسة هذا الموقع وعدائه لخط السيد الصدر والشيخ اليعقوبي والتناقض والنفاق في نشر مواضيع ورفض اخرى انا لايمثلني هكذا منبر منافق
ولكننا لكم بالمرصاد
سنقوم بحملة واسعه نحن الشباب وبإعلانات مموله على الفيس بوك لاظهار تناقضات ونفاق هذا الموقع وكواليسه!!!!
اوتحذوا الموضوع وتعدلوا سياسة النشر




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net