شهر محرم بين العِبرة والعَبرة
ثائر الساعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تصدح في الموسم الحسينيِّ حناجر المؤمنين من خطباء المنبر (زاد الله شرفهم) بين ناعٍ على رزء الحسين وبين واعظ ومذكِّر برسالته (روحي فداه)، ويأتي ذلك استجابة للدعوات المقدَّسة التي أطلقها الأئمة (علهيم السلام)، والحثِّ المباشر لشيعتهم على إقامة مجالس البكاء والعويل عليهم، وكذا إحياء أمرهم وذلك بتعلُّم علومهم وتعليمها الناس، فمن تلك الدعوات ماود عن الرضا (ع) : "يَا ابْنَ شَبِيبٍ: إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام )، فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ، وَ قُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُونَ، وَ لَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ" . ومنها أيضا ما ورد عن الصادق (ع): "إنّ تلك المجالسُ أحُبّها أحيوا أمرنا فرحم ألله من أحيا أمرنا فإنّ من جلس مجلسا يُحيى فيه أمرنا لم يمُت قلبه يوم تموت القلوب" .
وتشير الروايات الى أنَّ مسؤولية الخطيب والمنبر كبيرة وعظيمة على صعيد الدعوة الى خطِّ أهل البيت عليهم السلام، ومن ذلك قول الرضا (ع): "رحم الله من أحيا أمرنا . قيل : يابن رسول الله وكيف يحيي أمركم ؟!! قال : يتعلَّم علومنا , ويعلِّمها الناس؛ فإنَّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتَّبعونا" ؛فأناط الإمام اتباع الناس لهم بمعرفة محاسن حديثهم.
ومسؤوليةُ نشر أحاديثهم منوطة اليوم - عملا - بالفقهاء والعلماء وخطباء المنابر المحتكين احتكاكًا مباشرًا مع الناس، فعلاقة الناس بالخطيب أكبر من علاقتهم بأيِّ شخص آخر؛ فهم يجلسون تحت منبره ويستمعون له ما يزيد عن ساعة يوميا فيأخذون بذلك عنه معالم دينهم. حتَّى أنَّك في كثير من الأحيان إذا حاججتهم بقول العالم؛ فسيردون عليك بقول الخطيب، وما ذلك إلَّا لانشدادهم إليه بسبب مايفرضه عليهم بعده الروحيُّ.
والذي يجب علينا جميعا أن نأخذه بعين الاعتبار بوصفنا مبلِّغين وخطباء هو أنَّنا حين نمارس وظيفتنا فنحن نؤدِّي وظيفة شرعيَّة عظيمة، كلَّفنا بها الائمَّة (عليهم السلام)، وعليه يجب فيما يجب، اوَّلا: الإخلاص وصدق النيَّة في العمل؛ فالقول الذي يخرج من القلب يكون مكانه القلب. وثانيا: أن نعمد لبيان رسالة أهل البيت (عليهم السلام) بوجهها المشرق بلا تحريف او إضافة بقصد زيادة التأثُّر بهم، ونقل مالم يصحح عنهم او ما يسيء لهم؛ فهذا أوَّل مايعود بالضرر عليهم، ومنه حذّروا (سلام الله عليهم) ، يقول في هذا الصدد مولانا الرضا (ع) :
" يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ إِنَّ مُخَالِفِينَا وَضَعُوا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِنَا وَ جَعَلُوهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، أَحَدُهَا: الْغُلُوُّ ، وَثَانِيهَا: التَّقْصِيرُ فِي أَمْرِنَا ، وَثَالِثُهَا: التَّصْرِيحُ بِمَثَالِبِ أَعْدَائِنَا. فَإِذَا سَمِعَ النَّاسُ الْغُلُوَّ فِينَا: كَفَّرُوا شِيعَتَنَا وَنَسَبُوهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِرُبُوبِيَّتِنَا، وَ إِذَا سَمِعُوا التَّقْصِيرَ : اعْتَقَدُوهُ فِينَا، وَ إِذَا سَمِعُوا مَثَالِبَ أَعْدَائِنَا بِأَسْمَائِهِمْ : ثَلَبُونَا بِأَسْمَائِنَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}. "
ولعمري، كم سمعت وشاهدت كثيرا من شيعة أهل البيت من بلدان مجاورة وهم يشكون الى العلماء في النجف وكربلاء من الارتدادات السيئة بسبب بعض التصرفات المسيئة التي تنال رموز القوم هنا وهناك فيدفعون هم ثمنا باهضا بسببها،
ثم إنَّ علينا نحن المبلغين أن نقوم بمسح ميدانيٍّ في مناطق التبليغ؛ ليكون الحديث منسجما مع ثقافة الجمهور والمشاكل التي يعانيها؛ لنسهم في مواجهتها وحلِّها، وترك الأحاديث التي لا طائل منها؛ فلعلَّ فتح ملفات لم يكونوا على علم بها قد يسهم في إضلالهم أكثر من هدايتهم!! فضلا عن أنَّ هذا المسح الميدانيَّ يسهل في تحديد اللغة العامَة للخطيب، ومستوى المحاضرة المعرفيِّ؛ فالتبليغ ليس إبرازا للعضلات بقدر ماهو وسيلة للمعالجة، وقد روي عن رسول الله (صلِّى الله عليه وآله وسلَّم) في هذا الصدد أنَّه قال: "إنَّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم".
وإنَّ أشدَّ مايحتاجه الناس في هذا الزمان هو الحفاظ على عقيدتهم، وربطهم بمرجعيَّتهم، وتمسكِّهم بعباداتهم وتعاهدهم لها، ونشر روح المحبَّة والوئام بين أبناء الدين فضلا عن أبناء المذهب الواحد.
آخذين بالحسبان الظرف الاستثنائيّ الذي يمرُّ به بلدنا في محاربة الإرهاب والتكفير، والدعوة المباركة التي أطلقها نائب الإمام المعصوم و ممثِّل الامتداد الطبيعي لولايتهم (سلام الله عليهم)، وبثّ روح الشجاعة والإقدام في نفوس الشباب، وروح الإيثار والبذل في نفوس ذوي السعة -زادهم الله من فضله- ورعاية عوائل شهداء الحشد الشعبي الذين يستحقون منا كلَّ بذل وعطاء؛ فقد ضحَّوا بفلذات أكبادهم من أجل ان نهنأ ويهنأُ ابناؤنا، مستفيدين في ذلك كلِّه من مفردات الثورة الحسينيَّة التي لاتزال أغلب مفرداتها مخفيَّة، أو أنَّها تعرض عرضا مبتسرا ومغلوطا بعمد من هذا وجهل من ذاك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ثائر الساعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat