معنى البلاء:
في المختار وهو من البلاء و (البلوى) و (البلآء) واحد، والجمع (البلايا). (وبلاّهُ) جرّبه واختبره ، وبلاّه الله اختبره ، يبلوه (بلآء) بالمدِ وهو يكون بالخير والشر و(أبلاه أبلاء) حسناً و(ابتلاه) أيضاً ، وفي المواهب وكذا الابتلاء يعني الاختبار والامتحان من مادة (بَلي) تأتي بمعنى (الخَلْق) الذي هو ظهور لحمته وسداه وبروز واقعه وحقيقته للناس ولصاحب الثواب، والمراد بها إظهار حقيقة الشيء وواقعه؛ لأنه في الاختبار تظهر حقيقة الشيء وواقعه. ولنبلونكم أي: لنمتحنكم, وفي القاموس المحيط البلاء: هو الغم ، وسمي الغم بلاءً؛ لأنه يبلي الجسم كما يبلى الثوب .
أقسام البلاء
ذكر السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) في كتابه (فقه الأخلاق) الجزء الثاني تقسيماً للبلاء قائلاً :-
إنّ البلاء الذي يمكن للفرد أن يتحمله في الدنيا أما اضطراري، وأما اختياري، وكلاهما ينقسم إلى قسمين :
أولاً : الاضطراري ينقسم إلى :
1ـ ما يتسبب من المؤثرات الخارجية القهرية كالمرض أو الجرح أو الرض نتيجة السقوط مثلاً .
2ـ ما يتسبب من فعل الآخرين وهو في الغالب البلاء الأصعب والأهم ، فإن البشر يؤذي بعضهم البعض لا محالة ما دامت أنفسهم أمارة بالسوء فعلاً ، ومن هنا نسمع بعضنا يدعوا لبعض (كفاك الله شر ابن آدم) فلو استجاب الله هذا الدعاء زال حوالي تسعين بالمائة من مصاعب الدنيا .
وينبغي لنا الإشارة إلى أن هذا الدعاء معروف بدعاء أهل العراق (كفاك الله شر بني آدم), ومن هذا نلاحظ أن تركيز السيد على هذه المعلومة وهو انه أعطى (90% )كنسبة للضرر الذي يمكن أن يحصل من البشر على البشر هو بيان إلى أن أكثر من يؤذي الناس هم الناس أنفسهم لما تعتريهم من حالات البغض والحسد والحقد واتباع الهوى وغيرها من الرذائل والعياذ بالله.
وعلى أي حال، فكلا النوعين من البلاء يجب أمام الله سبحانه أن يواجهه الفرد بالرضا والتسليم, (وهنا أوضح السيد المواجهة من الجهة الشرعية للبلاء وهي وجوب الرضا والتسليم على الفرد أمام الله تعالى وذلك لكي لا يكون العبد في محل الشاك بربه وهو الحكيم والمقدر لما يجري من الأمور)
ثانياً : ينقسم البلاء الاختياري إلى قسمين أيضاً :
1- القسم الأول: من حيث إنه مرة يفيد الآخرين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالحرب الجهادية عند حصول مشروعيتها، وبذل المال في سبيل المصالح الخاصة للآخرين كالتزويج أو المصالح العامة لهم كبناء مستشفى أو مسجد، فإذا أدى الفرد مثل هذه التضحيات راضياً لله (عز وجل) كان سعيداً وشهيداً في الدنيا والآخرة.
2- القسم الثاني: من حيث إنه يفيد به نفسه، وإفادة النفس تكون بما يسمى بالرياضات الروحية التي يتكلفها الإنسان لنفسه كالجوع والعطش والسهر.
والناس في ذلك مختلفون فمنهم من يتحمل الرياضات الشديدة، ومنهم من يعجز عن الضعيفة، وكلها تنتج التكامل الروحي والسمو في عالم المعنى، أحياناً تنتج آثار وضعية غريبة وصفات لصاحبها غير معهودة، وكل ذلك يكون بقهر النفس وإرغامها بالمصاعب.
فإن قلت : كيف يجتمع قهر النفس وإفادة النفس.
قلنا : نعم، النفس تستفيد من قهرها كما قيل.(اقتلوني يا فتاتي إن في قتلي حياتي)
أو نقول: إن ما يقهر ويكبت إنما هو درجة متدنية من النفس؛ لكي تحصل الفوائد الجمّة في درجة عالية منها.
بقي أن نشير إلى أن تَحمّل البلاء الاختياري قد يكون سبباً غالباً لدفع البلاء الاضطراري .
فان الدنيا دار بلاء، ولا يستفيد الفرد في الآخرة إلا من مزيد البلاء في الدنيا فإن لم يكن الفرد مدركاً لأهمية البلاء الاختياري ولزومه له، بل كان سادراً في دنياه لاهياً عن أخراه أتاه البلاء الاضطراري قهراً عليه، من اجل أن يعي واقعه وأن يلتفت إلى خالقه وهذا هو النوع الأغلب من البلاء؛ باعتبار أن أكثر البشر من هذا النوع الذي يكون مستحقاً له.
وأما إذا اختار الفرد لنفسه البلاء الاختياري، بأي واحد من قسميه أو بكلا قسميه، فقد حصل سبب الثواب والتكامل، فلا يبقى هناك حاجة لحصول البلاء الاضطراري فيدفعه الله تعالى عنه.
ومن هنا ورد بالمضمون: من أعرض عن الدنيا أتته الدنيا وهي راغمة، ولا يجمع الله تعالى على الفرد البلائين الاضطراري والاختياري إلا نادراً حين يراه متحملاً صابراً من ناحية ومستحقاً لمزيد من الثواب من ناحية ثانية، وإذا حصلت درجة من الضيق من البلاء الاضطراري أمكن التخفيف من البلاء الاختياري؛ لكي لا تجزع النفس فيرفع الرضا والتسليم ويسقط الثواب، ومن هنا ورد عن بعض الأئمة (سلام الله عليهم) أنه كان إذا اشتد به الحال قلل من النوافل.
نقول بعد هذا انه من يعيش على هذه البسيطة فأنه لا بد أن يلاقي البلاء ولذا جاءت الشريعة الإسلامية منبهة ومبينة للناس ومن باب (الوقاية خير من العلاج) فهي الحارسة للبشر والنافعة لهم لأنها أحكام صادرة من خالق البشر (جل وعلا) حيث خلق البشر ليرحمهم وينعم عليهم, ويرفعهم درجات, كل حسب استحقاقه.
سبحانك ربي من خالق عظيم نسأل التوفيق لمراضيك وتجنبنا معاصيك يارب
F_m1333@yahoo.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat