صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

ذكرى اليقظة والثورة والنار!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبل خمسة سنوات وفي يوم 17\12\2010 إحترقت روح إنسان إختزن أوجاع وهموم أجيال , فاستفاقت الأمة المًنوّمة من خَدَرها وغفلتها , وحاولت إدراك وعيها والإمساك بعصرها!!

 

وثار الشعب ورددت الحناجر الشبابية , ولأول مرة في تأريخ العرب المعاصر , وبصيغة المضارع , " الشعب يريد إسقاط النظام" , ودوّت كلمة " يريد" , التي حوّلت نداء " إذا الشعب يوما أراد الحياة..." , إلى " الشعب يريد الحياة"!!

 

وإنتصر الشعب التونسي , أول الثائرين , وغادر الرئيس في يوم الجمعة 14\1\2011 , وتفاعل الشعب بنضوج حضاري يستحق الفخر والتقدير والتثمين , وأوجد صيغة ديمقراطية ذات قيمة وطنية حضارية للتعبير عن إرادته وتطلعاته وإشراقات أفكاره , وأسس نبراس القدوة العربية الثورية الناضجة.

 

وقدمت تونس بثورتها الإنسانية الرائعة أمثلة كبرى , عجزت عنها المجتمعات العربية الأخرى بتنظيماتها وأحزابها وخصوصا الدينية منها.

 

ومن أهم الأسباب التي حافظت على توازن السلوك التونسي والعزة الوطنية , أن تونس هي الجمهورية  العربية الوحيدة التي إمتلكت أبا وطنيا , وضع الأسس الصحيحة لمنطلقات وطنية صائبة وصالحة للأجيال.

 

ربما يعترض مَن يعترض , لكن تونس حباها الله بقائد وطني أصيل هو المرحوم الحبيب بو رقيبة , 

وبرغم كل ما يُقال عن فترة حكم الرئيس بن علي , فأنه لم يتصرف مع الزعيم التونسي الراحل بأسلوب غير حضاري , ولم يُعرّضه للهوان والذل , وإنما حافظ على صورته الوطنية الأبوية إلى آخر لحظات حياته , فأبقاه الرمز الوطني الحي في الوعي الجمعي التونسي , وبهذا فأن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي لم تُهِن وتُذِل قادتها!!

 

ومع ما شاب حكم بن علي من سلبيات وإنحرافات وقساوة وشدة أمنية وتعسف وفساد , لكنه بنى تونس وحافظ على المسيرة الوطنية التونسية , وغادر البلاد عندما أدرك بأنه قد فهم الحال وإتضحت أمامه الأحوال , فقال " الآن فهمت" , التي قرنها بالخروج من البلاد بغتة , وما تعرض للذل والهوان , فحافظ على الإرادة الوطنية التونسية مستقيمة شمّاء!!

 

ومن نظرة سلوكية تأريخية , يبدو أن ما يجري في تونس هو الأصوب والأصلح للبلاد والعباد , برغم ما يرافقه من معوقات وعثرات وتحديات وأزمات وإختناقات وضوائق متنوعة , فالأجيال يجب أن تتواصل وتتوالد لا أن تتقاطع وتتناحر , إذا ارادت الغد الأفضل والحاضر الأثمر.

 

وما أنجزته تونس يتوافق مع ما جرى في الدول المعاصرة , التي إنتقلت من نظام حكم فردي أو حزبي إلى ممارسة الصيغ الديمقراطية في الحكم.

 

وجوهر النقلة الواعية الصالحة أن لا يمكن تسليم البلاد للشباب الخالي من الخبرات  , وإنما على الشباب أن يمر بمرحلة التفاعل مع الأجيال الخبيرة بالحكم وإدارة البلاد , ويكتسب الخبرات الكفيلة بتحقيق النقلة النوعية المنسجمة السلسة ما بين الأجيال.

 

ولهذا فأن القول بأن الشباب الذي إنطلق بالثورة لا يشارك في القيادة , قول فيه الكثير من السذاجة والغفلة , لأن العمل بهذا القول يعني تدمير البلاد وترويع العباد , كما حصل في دول عربية أخرى تولى القيادة فيها الجهلاء المعدومون التجارب والخبرات , فأصبحوا يعيشون في وهم السلطة والحكم , فعمّ الفساد وشاع الظلم والقهر وسفك الدماء , والصراعات الطائفية والعرقية والمناطقية المدمرة.

 

وعليه فأن تونس تمضي في المسار الصائب , ولا بد لها أن تعاني وتتكلف حتى تتمكن من الإنطلاق  الواثق في فضاءات العصر الرحيب.

 

وعلى الشباب أن يكون إيجابي المواقف والتطلعات , لا تهكمي الطرح وسلبي الأفكار , وكأنه يريد الإنقضاض على ثورته المنيرة الخضراء , وتحويلها إلى صراعات ما بين الأجيال  , بدعاوى أن الثورة قد خطفتها الأجيال الأخرى , وأن جيل الثورة لا يشارك في الحكم.

إن مثل هذه الدعوات المضللة والطرح الخدّاع يُراد منه إهلاك المجتمعات وتعويق الثورات.

 

وينسى شباب الثورة بأنه سيشارك حتما في السلطة والقيادة , وعليه أن يكتسب الخبرات , ويساهم في البناء والأمن والقوة والصلاح الوطني والإجتماعي , والتنمية الإقتصادية وإبتكار فرص العمل , وتحويل الأفكار إلى مشاريع إقتصادية مربحة , تستوعب العاطلين أو المُعطلين عن العمل.

 

فالثورة طاقة متفجرة وعليها أن تكون ذات رؤية , ولديها أوعية وسبل واضحة لتصريف الطاقات الفائرة  , وإلا فأنها ستتحول إلى شظايا وجمرات متطايرة الشرار في أرجاء المكان والزمان.

 

وتبقى تونس قدوة  ثورية فكرية , تؤسس لمنظومة سلوكية عربية معاصرة للإنطلاق الحضاري الرائد , ومبروك لها العيد الخامس لثورتها المشرقة!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/16



كتابة تعليق لموضوع : ذكرى اليقظة والثورة والنار!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net