صفحة الكاتب : د . محمد تقي جون

ارخنة الثورات العلوية في العصرين الأموي والعباسي
د . محمد تقي جون

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أولا- ثورات العصر الأموي
ثورة الحسين بن علي (ع) (61هـ)
 ثورة الحسين (ع) أول ثورة علوية. وقد سعت إلى تحقيق هدف سماوي هو العودة إلى الإسلام الحق بعد انحرافه على يد معاوية وابنه يزيد. وهي ضرورة لابد منها؛ لان الانحراف يزداد مع الأيام ويجر إلى عواقب أوخم. وبهذا نستطيع قراءة التخطيط والإصرار من الإمام الحسين قبل إرسال الرسائل التي مثلت (شرارة الثورة). وثورة الحسين أكثر الثورات العلوية التصاقاً بالنفوس ومشاعر الحزن، لاتصالها بفاجعة قتل وسبي آل البيت النبوي. ولكن تبقى الحاجة قائمة إلى كتابة نص أصلي للمقتل خال من الإضافات والتفرعات التي أضيفت له؛ لأن المقاتل استندت إلى رواة لا يملكون الوعي الكافي بماهية الثورة الحسينية. وإذا كانت رواية أبي مخنف الأفضل برأي الطبري فهي قاصرة في رسم صورة كاملة لقضية الحسين. 
  إن فهم فلسفة ثورة الحسين ينطلق من أمرين: الأول اعتقاد أهل البيت بحقهم في إمامة الأمة اعتقاداً نهائياً، للحفاظ على تطبيق مبادئ الإسلام، وصيانة المسلمين من الجور والفجور. وهو جليّ في بيان الإمام سبب خروجه: 
 " إنما خرجت اطلب الإصلاح في امة جدي محمد، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"(1). والثاني اشتراط الثورة بوجود الأعوان (الناصر) ويسقط عنهم التكليف دون الحق بعدم وجود الناصر، وهو ما أسسه قول الإمام علي: 
 " لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم وسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها"(2). أي: " إن الغرض تعين ويوجب مع وجود من انتصر له على رفع المنكر ومنع الباطل"(3). وعلى هذا الأساس كان على الحسين وجوب الذهاب إلى الكوفة لا استحبابه بعد ورود الرسائل التي تؤكد انتصارهم له إذا جاءهم.
 ثمة تزيدات وأفكار خاطئة في المقاتل ممكن تأشير بعضها، كالزعم بأن الحسين قال غداة الطف:" إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني"، فهذا القول هو بيت من الشعر للخطيب الشيخ محسن أبو الحب الحائري (ت1305هـ/1888م)(4). 
 كما أضيف إلى دعاء الحسين على أهل الكوفة؛ فرواية أبي مخنف:  " اللهم امسك عنهم قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض. اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي عنهم الولاة أبداً"(5). وروي في مقاتل أخرى متأخرة بإضافة ".. وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبَّرة.. ينتقم لي (وفي أخرى ينتصر لي) ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم"(6). فمع التحفظ في الغيبيات التي على البحث الأكاديمي أن لا يتكئ عليها، فهذا الأمر مغلوط؛ لأنه موزع بين المختار والحجاج فكلاهما ثقفي، فإذا كان المراد المختار فهو لم ينتقم من كل قتلة الحسين، وترك الكثير من (مقاتليه وخاذليه) بل استعان بهم، ودعاء الحسين موجه إلى الكوفيين بلا استثناء. وان كان المراد الحجاج، فهو انتقم من الكوفيين كلهم عدا قتلة الحسين، وبطريقة لا ترضي الله ولا الحسين، فضلا عن كون الحجاج مجرماً ولا يليق بالحسين انتظاره لأخذ حقه!! 
 وظهر في الأحداث اثر لحصان الحسين عند الخوارزمي ولكنه معقول: "واقبل الفرس فوضع ناصيته في دم الحسين، وذهب يركض إلى خيمة النساء وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة، فلما نظرت أخوات الحسين وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه احد رفعن أصواتهن بالصراخ والعويل"(7). ولكنه يصبح أسطوريا عند ابن شهرأشوب فهو يذبّ عن الإمام الحسين بعد سقوطه، ويحامي عنه، ويثب على الفارس فيخبطه عن سرجه ويدوسه حتى قتل أربعين رجلاً(8)، فإذا كان قتلى جيش الكوفة في أصح المرويات ثمانية وثمانين(9)، فيكون الحصان قتل نصفهم تقريباً، وقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه النصف الآخر!! 
 وتضاربت الروايات في أمور جوهرية من الثورة، كالرواية التي تقول باضطرار الإمام إلى ترك مكة، أي انه لو لم يتركها لقبض عليه فيها. فعن لسانه:
 " وأيمُ الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني"(10)، فهو جهل بحقيقة أنَّ الحسين جاء الى العراق برغبة لا قسرا، وان نهوضه كان واجباً عليه مع وجود الناصر. 
 وكالرواية التي تجرد الحسين من واقعيته، وتجعله منفذاً لقدر مبلّغ به سلفاً، فهو لم يسعَ للإصلاح كما صرح، ولا عاصر أحداث القضية، بل عاشها مستسلماً لزمن فائت. وهو إبلاغ الرسول إياه بأنه يقتل في كربلاء:
" كأني وأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً"(11). فهذا القول ذكرته الكتب المتأخرة الشيعية، والحسين دفن بكامل جسده ثم دفن معه الرأس بعد جلبه من الشام، فالذئاب لم تأكل أحشاءه! وفي هذا قال الشريف الرضي:
تَهابُهُ الوَحشُ أَن تَدنو لِمَصرَعِهِ       
وَقَد أَقامَ ثَلاثاً غَيرَ مَقبورِ(12)
 
 
وإذا أنبأ النبي محمد (ص) الإمام الحسين بأنه يقتل في كربلاء، فإن الإمام حتماً سيضع في الحسبان أن الله (جل وعلا) يثبت ويمحو. ويؤيد هذا ما جاء روايةً عن الثائر الشهيد (يحيى بن زيد بن علي) عندما أخبره (متوكل بن هرون) وهو متوجه إلى إيران لإعلان ثورته، في حديث دار بينهما استفسر يحيى فيه عن رأي الإمام جعفر الصادق في خروجه. فأجابه: سمعته يقول: انك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب، فتغير وجه يحيى وقال (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(13) واثقاً من صدق الإمام جعفر الصادق، ومن صدق قول الله، فلعل الله قضى بغير ما أعلم به من خبر مقتله، فجعله ينتصر ويديل من الأمويين. 
  وثمة أمور كثيرة دعت إلى وضع إضافات إلى مقتل الحسين منها: ارتباط مقتل الحسين بمظاهر العزاء والنياحة منذ أمر بها معز الدولة البويهي في عاشر المحرم من سنة (352هـ)(14)، وظهور طبقة من الشعراء والنائحين والنائحات جعلت المقتل باباً للرزق. ويذكر محمد مهدي شمس الدين انه اتسع المجال للتزيد في رواية الأحداث، والتساهل في قبول الروايات التي تؤدي إلى إثارة العاطفة، وقبول استنتاجات بعض الكاتبين في المقتل على أنها وقائع تاريخية(15) وبالمقابل ظهر علماء أجلاء دعوا إلى تنقية المقتل مما لا علاقة له بالثورة الحسينية كالسيد محسن العاملي وآية الله المطهري والسيد عبد الرزاق القرم الذي أنكر وجود أشياء في المقتل مثل (عرس القاسم)؛ لأنَّ القاسم كان وقتها صبياً(16). 
ولابدَّ من توضيح حقيقة مهمة في الثورة الحسينية، وهي إن الحسين جاء يطلب الانتصار وليس الشهادة فقط، كما يوضح ذلك سير الأحداث منذ ترك مكة وحتى آخر ساعة في القتال. ولو انه طلب الشهادة دون النصر لما أرسل مسلماً، ولا فاوض، ولاختار أخصر الطرق إلى الشهادة. وهو ما وجدناه عند حفيده الإمام جعفر الصادق، فقد احرق رسالة أبي سلمة الخلال لأنه لم ير أهل فارس شيعة له، ومن ثمَّ لا يستطيع تحقيق النصر بجند غير مخلصين, ونجد ذلك لدى الثوار العلويين؛ فكلهم ثار بعد الوثوق من الانتصار وليس الشهادة، ربما يشذ عن ذلك التوابون الذين طلبوا الشهادة دون النصر. 
 ولم تحسم المقاتل موقف الحسين بعد علمه بمقتل مسلم بن عقيل؛ فهو بين الإصرار على الاستمرار والتردد في الرجوع. وفي الحقيقة إن سلطة الكوفة لم تترك له الخيار، فقد كانت مهمة الحر حجزه عن الرجوع وحصره والإتيان به إلى حيث أرادوه أن يكون، أي انه علم بمقتل مسلم حين دخل في (الأرض الحرام). ولو فكر الإمام بالقتال لقاتل الحر، ولكنه حتى وقت التقائه بالحر لم يفكر بالقتال منتظراً اليقين الكامل بنفسه. 
 ويكشف حديث الحسين مع أخته زينب في ليلة الانتظار انه لم يضع في نيته الحرب قبل هذه الليلة البتة، فبعد تأففه وهو يعالج سيفه مع رجز قاله وكرره مرتين أو ثلاثا ( يا دهر أفٍ لك من خليل...) سمعته زينب فأقبلت إليه باكية متفجعة فقالت: "بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله استقتلت(17)! نفسي فداك"(18). فأجابها، مبيناً انه حمل بلا رغبة منه على ذلك بقوله متمثلا: " لو تُرك القطا ليلا لنام"(19)، فقالت:" إنما تغصب نفسك اغتصاباً فذاك أطول لحزني وأشجى لقلبي" فراح يعزيها بأقوال كثيرة. فهذا المشهد ممثلا بإعلانه الأسف واعترافه باضطراره إلى الحرب وظهور عويل النساء بعد معرفتهن بان الحرب واقعة لا محالة، ومكاشفة الإمام أصحابه وطلبه منهم المغادرة، كل هذا يدل على انه تفاجأ بتحول الأمور والوصول إلى خيار الحرب، وهو حتماً يفسر جلبه عائلته، وما كان ليعرضها للهوان لو علم بالحرب. 
 
 الرسائل المزورة
 كان معاوية مدركاً خطر الحسين على الدولة الأموية بوصفه المرشح الأقوى من بعده حسب أحد بنود صلحه مع الحسن (يكون الأمر بعده شورى بين المسلمين)(20)، لذا أوصى ابنه قبل موته بالتخلص من الحسين، لأنه سيظل شوكة في عين استقرار دولته وهاجساً مقلقاً له، كما تخلص هو من أتباع الإمام علي المقلقين كالحسن بن علي ومالك الاشتر بـ(السم المعسَّل). فمعاوية يدرك أن الحسين سيخطط! وهذا يتطلب السرعة في إيقافه، بل قتله بوصف القتل الحل الوحيد مع الإصرار الحسيني الثابت. وهذا يعني عدم إهمال الحسين بل السعي إلى تطويقه منذ الأيام الأولى لحكم يزيد.
ونحن واثقون من أن خروج الإمام الحسين من المدينة إلى مكة كان للتخطيط للثورة على يزيد الفاجر. واختار مكة لأنها حصن منيع لا يستطيع يزيد أن يطوله فيها، وهي تعني مهد الإسلام والمركز الستراتيجي للثورة والدولة. وقد اعترف غريمه عبد الله بن الزبير للحسين بأنه في مكة غير مدافع عن الخلافة(21). ويؤكد تخطيط الإمام الفعلي للثورة قول ابن عباس لابن الزبير بعد خروج الحسين من مكة الى العراق: " قد خرج الحسين وخلت لك الحجاز"(22)، أو : " قرّت عينك يا ابن الزبير... هذا الحسين يخرج إلى العراق ويخليك والحجاز"(23) وكان عبد الله بن الزبير يتخذ هو الآخر مكة ويخطط للثورة. وهذا يؤكد أن الحسين كان يخطط للثورة بالفعل. وأكدت وقعة الحرة عام 65هـ ذلك وترجمت جهود الحسين التي تركها في مكة حين غادرها إلى العراق.
فلماذا خرج الإمام الحسين من مكة؟ وهل العراق أفضل من مكة مكاناً للثورة؟ 
نقترح أن يكون يزيد أرسل (رسائل مزورة) الى الحسين ليجتذبه إلى العراق ويوقع به بعد علمه بتخطيطه للثورة، أو تأكده من ذلك، وقد كتبها عن العراقيين دون علمهم، بتواقيع شرفاء الكوفة ورؤسائها. أو انه دجّن بعض أشراف العراقيين لمصلحته فاستكتبهم، لان الحسين قبل المعركة صاح بأشراف الكوفة:
"يا شبث بن رِبعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا لي في القدوم عليكم، قالوا: لم نفعل!"(24). كما أنكر الرسائل الحر بن يزيد الرياحي قائلا للحسين:"والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر!"(25)، وقد عقد ابن زياد لواءً لشبث بن ربعي، وكان معه في القصر عشرون من الأشراف(26)، ووصفهم أبو مخنف كألعوبة بيد يزيد الذي راح يسخِّرهم لاقتياد العراقيين للحرب ضد الحسين كما في قوله: "اشرفوا على الناس فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة، وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة، وأعلموهم وصول الجنود من الشام إليهم"(27). والذي يؤكد أن العراقيين لم يراسلوا الحسين، هو أنهم لم يقاتلوا معه البتة، بينما قاتلوا مع الثوار الباقين وان نكصوا بعدها؛ فقد قاتلوا مع سليمان بن صرد والمختار وزيد وأبي السرايا وبقية الثوار، وذلك لأنهم حشدوا فاستعدوا.
وكانت فكرة الرسائل حمل الحسين على المجيء إلى العراق لأنه في نظر يزيد (ثورة مرتقبة)، ومباغتته خير من الانتظار ليزداد أنصاره وتزداد قوته. ولعل الحسين وضع خطةً أخرى قبل أن تأتي الرسائل. وأرى انه فكّر بالسيطرة على الحجاز (مكة والمدينة) وعزله عن الدولة الأموية لإسقاطه دينياً. ثم الزحف لاحقاً إلى العراق فالشام. وإذا كان هذا الاحتمال صحيحاً فان (الرسائل) كانت خطة استباقية لإلغاء خطة الإمام وجعله يختار العراق نقطة انطلاقه، وهي المنطقة الأضعف، وقد شهد الحسين خذلان العراقيين لأبيه وأخيه أكثر من انتصارهم لهما. وإذا لم يفكر الإمام بهذا الاتجاه، فان يزيد فكر طويلاً فأرسل الرسائل لجلبه إلى العراق فقتله؛ حيث لا ناصر له فالعراق في قبضة الدولة.
 وبهذا الفهم ستكون الرسائل أداة لتحريكه من معقله (مكة). ونستطيع التأكد من ذلك بأن العراقيين لم يتح لهم الاتصال بالحسين والتخطيط عقيب وفاة معاوية وانتقال الحكم ليزيد، بل في هذا الوقت الضيّق والحرج ابتدأت الدولة الأموية تحاصر الحسين لإسقاطه أمام المسلمين بأخذ البيعة منه ليزيد.
 اذاً الرسائل المزورة جعلت الإمام يلغي خطته التي خافها الأمويون منذ معاوية، ويباشر خطة بديلة تحقن الدماء أو تقلل سفكها لذا جلب الإمام معه جيشاً متواضعاً توقعاً للحرب (البسيطة)، وجعل احتماله الأكبر وقوع ثورة شعبية عارمة في العراق بمجرد دخوله، حيث يتم طرد الوالي الأموي، وبعدها يتم الزحف الجاد على الشام في ظل عدم أهلية يزيد والنقمة الشاملة عليه من الأمصار الإسلامية، وثم قتل يزيد والإدالة منه. إلا أن الإمام لم يكن واثقا جداً من العراقيين لذا أرسل ابن عمه مسلماً ليتأكد.
 كان ممكناً حدوث ذلك، فيطرد العراقيون الوالي الأموي، ويتم إعداد جيش جرار من المتطوعين لصد الجيش الشامي الذي ستعده الدولة حتماً، وبعدها الزحف إلى الشام وخلع يزيد وقتله بوصفه الخارج على إمام عصره. كان ممكناً جداً، ولكن الذي أسقط كل تلك الاحتمالات هو أن الرسائل مزورة، وأن العراقيين لا علم لهم بشيء إلا النقمة (المبلوعة). 
 
أهل الكوفة
لم يلق مسلم بن عقيل في الكوفة شعباً ينتظره كما جاء في الرسائل المرسلة، ولم يكونوا بلا إمام كما زعموا فيها، بل وجد دولة وحكومة قوية. وحين اجتمع به نفر من شيعة علي دار بينهم حديث عن سبب مقدمه نستطيع قراءة ذلك في كلام المجتمعين. قال أحدهم لمسلم:
" فإني لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرك منهم!! أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه، لأجيبنكم إذا دعوتم"(28).   وهذا يدلل على أنَّ الموضوع طرح تواً عليهم، إذ يفترض أن الدعوة موجودة، بل هم الذين دعوه. ولو كانت الرسائل حقيقية لوجد مسلم جيشاً بانتظاره لا يعوزه إلا قائده المنتظر.
ووجد مسلم أن المطلوب منه العمل من البدء لتهيئة الكوفيين للحسين ليقودهم إلى النصر! ولم تكن طبيعة مقدمه تتناسب مع هذا؛ فالتهيئة للثورة تتطلب السريَّة، والوقت الطويل، والأموال. ومسلم جاء على ظن أنه سيتولى قيادة العراقيين (الجاهزين) ريثما يأتي الحسين فيقودهم، فدخل مكشوفاً وبعد هنيهة صار مكشوفاً حتى لدى صبيان الكوفة. 
وهنا أدرك مسلم حقيقة أن العراقيين لا يعلمون شيئاً، لذا رفض اقتراح محبيه الذي جاء محاولة يائسة للانتصار، وهو اغتيال أمير الكوفة. فهو يعلم والحال هذه انه حتى إذا أسقط الكوفة فلن يستطيع التهيؤ في وقت قصير لقتال الجيش الشامي. وأخيراً تخلى عنه الذين وعدوه بعدما تحرك يزيد وأميره عبيد الله بن زياد واحكموا القبضة على الكوفة، فقاتل دفاعاً عن النفس بشرذمة لا ناصرة ولا منصورة، بينما كان الكوفيون تحشدهم السلطة لقتال الحسين(29). 
 
قادة حرب يزيد
 تولى قتال الحسين أربعة قياديين، هم كما وصفهم الجاحظ: يزيد (الملك)، وشمر بن ذي الجوشن (الرئيس)، وعبيد الله بن زياد (الأمير) وعمرو بن سعد (قائد الجيش)(30)، وهم بهذا التسلسل في القوة والأثر؛ فابن سعد أضعفهم وهو مفضوح التردد غير واضح الولاء لذا طرده يزيد أخيراً، وهو سطحي في الأحداث وأقربهم إلى السلم لذا التقاه الحسين على انفراد للتفاوض مرارا(31). وكان عبيد الله بن زياد أقوى كرهاً وحرباً ولكنه لا يمثل يزيد، لذا وجدناه قلقاً؛ فانه بادر بقبول الصلح حين عرضه عليه الحسين لذلك قبل بالصلح: "هذا كتاب رجل ناصح لأميره، مشفق على قومه.. نعم قد قبلت"(32). ثم يعترف أنه قتل الحسين بعد وصوله تهديد مباشر من يزيد " أما قتلي الحسين فإنه أشار عليَّ يزيد بقتله أو قتلي، فاخترتُ قتله"(33).
 ويعدُّ الشمر ممثلا ليزيد ومراقباً لسريان الخطة التي وضعها لقتل الحسين، لذا اعترض على قبول ابن زياد الصلح فانبرى قائلا بعنف:" أتقبل هذا وقد نزل بأرضك والى جنبك"(34)؟ ثم اقترح خطة تفاوض سلبية تنسخ وتمسخ الصلح، وقد لقنها الشمر لابن زياد فراح يتبناها لأنها رغبة يزيد وهي " لينزل على حكمك هو وأصحابه، فان عاقبت كنت وليّ العقوبة، وان عفوت كان ذلك لك"(35). لذلك وجدنا عمر يقول للشمر بعدما تلقى من ابن زياد رسالته التي تضمنت خطة الشمر البديلة " أفسدتَ علينا أمراً كنا رجونا أن يصلح، والله لا يستسلم الحسين أبداً"(36)، وهو ما كان فعلا فعندما عرضوا الأمر على الحسين عرف الأمر وتبينه فاستمهلهم إلى الغد ليستعد للقتال وينظر في أحوال عائلته، مردداً:" هيهات منا الذلة"(37). 
 لقد أدرك الحسين في هذه النقطة ما خطط له يزيد، وتبينت الحقيقة كلها، لذا أراد تسريح كل من معه حتى أقاربه في قوله لهم: " إنَّ القوم ليسوا يقصدون غيري، وقد قضيتم ما عليكم فانصرفوا، فأنتم في حل"(38)، ولكن ما كان لهم تركه وما كان له إجبارهم على ذلك.
 
معدمة الطف
ليس من الدقة والصواب إطلاق اسم حرب أو معركة أو وقعة أو أي اسم عسكري على حادثة الطف، فهي بين فئتين مختلتي العدد جداً؛ أفراد (نحو مائة) مقابل آلاف (نحو عشرين ألفاً). وان استقراء النصوص بعمق، يظهر أنها شكل من أشكال الإعدام! فكان أصحاب الحسين يتقدمون إلى المبارزة أو القتل الجبري واحداً تلو الآخر. وكانت المبارزة الطريقة القتالية الوحيدة المفروضة، بدأت بها المعركة وانتهت، فكان الرجل يستأذن الحسين ويودعه ويتقدم. وقد جاء في مقاتل الحسين أن عبد الله بن عمير استأذن الحسين فإذن له(39)، وترد استئذانات من عمرو بن قرظة وحبيب بن مظاهر وآخرين. وجاء عن الصحابي الشيخ أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي "انه لما جاءت (نوبته) استأذن الحسين(40)، وفي تاريخ اليعقوبي: ثم تقدموا رجلا رجلا(41).. وذكر الخوارزمي أن أصحاب الحسين " كانوا يأتونه الرجل بعد الرجل للاستئذان ثم يحمل فيقتل حتى قتلوا عن آخرهم"(42). فالقتال لا يحمل أي معنى لشرف القتال وكرامة الفرسان من جهة الكوفيين، وصار الرجل من أصحاب الإمام يتقدم لموت مضمون وكأنه يعدم وهي النتيجة الحتمية.
وقد أدى إلى هذه الصورة من القتال أمران: الأول رغبة السلطة الكوفية في أسر الإمام (إن أمكن) أو قتله قتلا مشرفاً لها، فرأت من العار عليها أن تطبق بجيشها الكبير على أصحابه القلة، والثاني: عدم إيمان الكوفيين بشرعية قتل الحسين، وهذا جعل جيشهم غير مجمع على قتاله فلم يقاتلوا بروح الجميع. وقد جاء في المقاتل انه مكث طويلا من النهار، ولو شاء الناس أن يقتلوه لقتلوه ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض، ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء(43). لذلك ذهبت سدىً صيحة عمر بن سعد في بداية المعركة " احملوا بأجمعكم إنما هي أكلة واحدة"(44)، وانفرد ابن طاووس بذكر اشتباك للجيشين في البدء(45)، وهو مخالف للمنطق؛ إذ لو وقع هجوم شامل من الكوفيين على أصحاب الحسين لأفنوهم عن آخرهم وما كان بعده قتال.
وكانت خطة جيش الكوفة حمل الحسين على الاستسلام، متخذين إلى ذلك خطوات: الأولى قتل خيول الحسين رشقا بالنبال لشل حركة جماعته وتسهيل تطويقهم، وهكذا تحول أصحاب الحسين كلهم رجَّالة(46). والخطوة الثانية حرق الخيام لأنهم جعلوها خلفيتهم فلم يقدر جيش الكوفة على قتالهم إلا من جهة واحدة، فأرادوا بحرقها أن يحيطوا بهم(47). أما الخطوة الثالثة فكانت الحصار المائي لإضعافهم عطشا، ولو أرادوا إبادتهم لأطبقوا عليهم وأفنوهم دون الحاجة إلى هذه الخطوات، وحين يئسوا منه عملوا على قتله وقتل أصحابه بهذه الطريقة. 
وإذا أضاف الكوفيون، بسبب تفوق أصحاب الحسين (فرسان المصر) في المبارزة، الرمي بالحجارة والرشق بالسهام والهجوم بعدد معقول، فهذا لم يخرج الحادثة عن شكل (البراز) وصفة (المعدمة). وكان استشهاد الإمام الحسين ومن معه في يوم الاثنين 10/ 1/ 61هـ الموافق 11/ 10/ 680م(48). وبعد مصرعه المشرِّف قطع رأسه وحمل مع سبايا أهل بيته إلى الشام.
 
العراقيون والحسين
 أعطت مأساة الطف صورة سلبية عن العراقيين، وشعوراً عميقاً لديهم بالذنب انعكس في لا شعور الشخصية العراقية إلى الآن. ولا أرى أنَّ العراقيين يحملون كل هذا الوزر الذي يذكره التاريخ إذا قرأنا باستيضاح أحداث الطف. 
إن عدم استجابة العراقيين للحسين فيها غرابة حقيقية؛ فهم قاتلوا مع أبيه الإمام علي ونصروه في الجمل، وقاتلوا معه في صفين وقاربوا النصر لولا خدعة المصاحف. ولم يخذله إلا القادة غير المخلصين كابن الأشعث والأشعري. أما جمهور أهل الكوفة فلم يتخلوا عنه. كما قاتل أهل الكوفة بعد الحسين مع التوابين والمختار وأبي السرايا وغيرهم كما سنرى، فلماذا تنكروا للحسين هكذا؟!!
 الجواب: إنَّ يزيد استدرج الإمام الحسين إلى العراق وكان يريد الثورة في مكة، فجاء إلى العراق والعراقيون بلا علم بمقدمه حتى جاء مسلم بن عقيل وأعلمهم. فهم غير مهيئين للثورة بتاتاً، وفي مقابل ذلك كانت السلطة متهيئة ووضعت خطة جاهزة لقتله. وما كان مسلم بقادر على تهيئة الأمور بهذه السرعة، إذا أخذنا بالاعتبار أن تهيئة جيش لثورة في ذلك الوقت يحتاج إلى وقت طويل ومال كثير، كما فعل ذو النفس الزكية وإبراهيم، فإنهما احتاجا إلى (ثلاث عشرة سنة!!) لجمع الأتباع ومن ثم الثورة! فكيف يستطيع مسلم أن يجمع الناس في وقت قصير وهم بلا علم مسبق؟؟ وحين جاء مسلم إلى الكوفة طوقته السلطة ولم تتركه حراً ليجمع الأتباع، ثم قتلته. وبوصول الحسين إلى الكوفة حُبس الرؤساء عن الناس حتى لا يوجهوهم إلى مناصرة الحسين، فكان الناس كالسائر بلا دليل، سوى توجيههم من السلطة لقتل الحسين. 
 ويفهم من خطاب الإمام الحسين إلى الكوفيين قبل الحرب وهو يحاول أن يعرِّفهم بنفسه ومنزلته وإيمانه، والشمر يحاول منعه ويتهمه ويتهم من يسمعه بأنه يعبد الله على حرف(49)، بأنَّ سلطة الكوفة لم تعرّف الناس به، بل موَّهت عليهم بأنه شخص خارج على إمامه ويدَّعي انه الحسين بن علي!! انظر خطاب الإمام للكوفيين:
" ألستُ ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله، وابن وصيه وابن عمه، وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ أوليس جعفر الطيار في الجنة عمي؟ أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ولأخي: أنتما سيدا شباب أهل الجنة؟ فان صدقتموني بما أقول وهو الحق؟ وإن كذبتموني فان فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله، أو أبا سعيد، أو سهل بن سعد، أو زيد بن أرقم... فان كنتم في شك مما أقول أو تشكون في أني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري(50)".
 ويقنعنا تردد جيش الكوفة في الإطباق على الحسين، ثم التردد في قتله عندما سقط بأنَّ الجيش الكوفي كان على فئتين: فئة من أتباع السلطة والمطمَّعين بالمال، كما أشار السيد الحميري:
لم يَدعهُمْ لقتالهِ       
 
إلاّ الجُعالةُ والعطيّهْ(51)
 
وهي الأقل. وفئة أرهبت واقتيدت قوداً فكانت بين التردد والقتال، وهي أغلب أهل الكوفة، وهذه الفئة هي الخاذلة. وهذه الفئة خذلته رهبة لا رغبة وقد ندمت وأنتجت التوابين، كما طالبت كل ثائر علوي بأخذ ثار الحسين من القتلة، وهو دليل على أنهم ليسوا من القتلة. كما نجدها تنصر الثائرين الذين يرفعون شعار الرضا من آل محمد والمقصود بهم الأيمة من ذرية الإمام الحسين. وهذا يلزمنا أن نصحح قراءتنا لأهل الكوفة وتاريخ الكوفة الثوري العلوي.
 
فلسفة الثورة الحسينية 
 تمثل معدمة الطف انتصار الدم على السيف، والحق على الباطل، والمبادئ السماوية على القوة الغاشمة. فكانت الحدث الذي جعل من المستحيل للخلافة الأموية أن تصير شرعية أو تستمر(52). ومثلت الثورة الحسينية في قيامها سابراً لعمق الإسلام في المجتمع العربي والعراقي خاصة، إذ أظهر قتاله والتخاذل عن نصرته ضعف الإسلام في النفوس فعلاً مؤثراً وتناقصه في أدائهم الإسلامي وتحمل عبأه. 
كما أظهرت الثورة الحسينية عدم استكمال المجتمع الإسلامي الإجراءات الفكرية الأساسية للثورة التي تبدأ بالوعي وتتنامى في الإدراك إلى الترجمة بالفعل المسلح، ومن ثمَّ أظهرت عدم أهليته للجهاد والتضحية وإطاعة القائد الذي لا يعوض كالحسين بن علي. وكانت ردة الفعل من أيمة أهل البيت (عليهم السلام) بعد الحسين الالتجاء إلى العلم لمباشرة العمل الجهادي من البداية، والسعي إلى تأهيل المجتمع وصولا إلى خط الثورة الناصرة المنصورة، أو بالأحرى أصبح الأيمة ابتداءً من الإمام السجاد وحتى الإمام المهدي قبل الغيبة منتظرين دون أن يحين زمان (النضوج الثوري) كما يبدو. وهذا جعل الأيمة غير مختارين للثورة لأنها (هدف مؤجل حتى النضوج)، مما جعل ثورة الحسين فريدة بين الثورات العلوية كافة. 
 إنَّ فهم الفلسفة الحسينية يقتضي التفريق بين ثورة الحسين وفاجعة الطف الاليمة، مع إعطاء التقدير والاعتبار للفاجعة. ولكنَّ الكثيرين يدمجونهما ويطغون المأساة على الثورة. يذكر محمد مهدي شمس الدين أنَّ المأتم الحسيني كان هدفه تصوير أحداث الثورة، وابتداءً من احتلال المغول دخله اللطم، فأصبح هدفه الإثارة النفسية والعاطفية(53). وتلا ذلك إضافة الزهد السلبي فلسفةً جعلت من الذكرى الحسينية عملا من أعمال الموت لا عملا من أعمال الحياة، فهي طقس يفيد الإنسان في قبره وليس حافزا يحمله على تغيير واقع حياته البائسة. واعتبرت ثورة الإمام وكأنها عمل قام به الحسين ليمكِّن الناس – عن طريق ترداد قصته وحكايتها بالألفاظ- من دخول الجنة بهذا النوع من النشاط الكلامي"(54). 
 إنَّ الفاجعة تستحق الحزن والبكاء، ولكن الإسراف يبعد عن ماهية الثورة الحسينية، فالحسين اختار مصيره اختياراً لكراهته للذلة، وهو بوصفه إماماً كان عليه الدفاع عن صورة الإسلام ضد السلطة التي تحكم باسم الإسلام ظلماً وعدواناً بأي ثمن. 
والحسين ثورة إسلامية مستمرة، وقائد ينتظر مؤيديه في كل زمان؛ فهو منذ خروجه للإصلاح  في امة جده سنة (61هـ) والى الأبد يثور لهذا الهدف، فثورته لم تنته في وقتها، بل هي قابلة للتفجر ضد يزيد كل عصر. بهذه النظرة يقرؤه المثقفون والقادة والثوار من العالم العربي والمسلم وكل العالم. وهذا جعل القوى الشريرة تحاول محوه من ذاكرة الناس بصورته الجبارة، وجعله في صورة الضحية الذي يستحق البكاء فينتهي تأثيره الثوري وتنطوي ماهيته. وفي هذا المعنى قلت:
حينما غال الحسينَ الطفُّ وقدَّه نصفين فيه السيفُ
فنصفه خبزاً غدا لجائعٍ ونصفه محضَ ضياءٍ يصفو
تبقى لمظلومينَ نصراً واثقاً يزلزل الجناة منه الخوفُ
 
 
وثمة شيء آخر هو إن ثورة الحسين انطلقت من مبادئ الإسلام فهي تمثل المسلمين كافة، فلا يجوز اعتبارها تراثاً مذهبياً للشيعة، وانَّ صبغتها الشيعية جاءت نتيجة عوامل تاريخية(55). بل هي أيضاً لغير المسلمين والموحدين ممن سجل إكباره للقضية الحسينية؛ فهذا غاندي يقول: " تعلمتُ من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر"(56). ونجد الناس في ذكراه وزيارته يأتون من كلِّ حدبٍ وصوب من المعمورة.  
وفي السنة التي ألفتُ فيها كتابي هذا وافى العاشر من المحرم فأمطرت السماء مطراً غزيراً، فأعطاني الحسين بعد 1376 سنة من استشهاده درساً في الإيمان بالله؛ فالحسين مات عطشان ولو شاء الله لأمطرها كما أمطرها هذه السنة فلم يمت الحسين عطشان، ولكنَّ الله لم يمطرها لأمر شاءه وقدَّره وحده. ولم يتزحزح إيمان الحسين بالله، أو يبرم ويضجر وهو يرى عياله يموتون عطشاً في أيام يكون بها مطر، بل هو وعياله آمنوا ورضوا بالمشيئة الإلهية. والحسين بعد هذا أراد أن يعطي درساً في الرضا بقضاء الله وقدره للناس إذا طلبوا شيئاً فحرمهم الله منه، أو كان بالمتيسر أن ينالوه فلم يقسمه الله لهم.  وقد عاتب الشاعر الشعبي المطر لأنه لم ينزل في عاشوراء الطف، وهو يراه ينزل في غيره من الأعوام بقوله:
ثورة التوابين (65هـ)
كانت الدولة الأموية زمن معاوية وابنه يزيد باطشة، وذكريات الطف والحَرَّة تضطر الناقمين إلى السكوت على مضض دون إعلان الثورة. وعقب موت يزيد حدثت فجوة من الحرية انطلقت منها قوى عدة، كانت تنتظر هذه الفرصة الذهبية لقلب الخلافة الأموية وتأسيس خلافتها. 
كان الزبير غير مدافع عن الخلافة حتى أن أهل الشام بايعوه عدا طبرية، وبايعه أهل مصر، فضلا عن الحجاز، وتقبله العراقيون فأصبح ابن مطيع واليه على الكوفة، فكان قاب قوسين أو أدنى من الخلافة. إلا انّه لم ينجح في حسم الموقف لصالحه في (شهر واحد وأحد عشر يوماً)(57) وهي المدة بين موت معاوية الثاني وبين تمكن مروان وانتصاره في مرج راهط. 
وفي هذه المدة القلقة كان العراق يبحث عن قائد، ولم يكن في العراق من طرح اسمه سوى عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد. بايع أهل البصرة ابن زياد ورفضت الكوفة ابن سعد وأثارت موضوع قتله الحسين(58)، وأرسل ابن مطيع عن الزبيريين أميراً، وفي هذه الأثناء تحرَّك التوابون. 
تسارعت الأحداث وكانوا الأبطأ بين المتحركين، ومع قصر مدة الحرية لم يستطع سليمان بن صرد تحقيق هدفه الأول وهو قتل من قتل الحسين(59)، أو (إسقاط الأمويين). فتهاوى هذا الهدف بظهور ابن الزبير القوي ثم سقوطه القوي. وبقيت حركتهم تعبِّئ الموالين " فكانوا يتداعون ويستعدون ويرتؤون"(60) حتى توفي مروان. وفي خلافة عبد الملك فجَّروا ثورتهم أي بعد أكثر من تسعة أشهر وستة عشر يوماً وهي المدة بين موت يزيد وتسلم عبد الملك الخلافة. 
في هذه المرحلة صار هدفهم تبرئة الذمة المجروحة لقعودهم عن نصرة الحسين وخذلانه في الطف، وأطلقوا على أنفسهم (التوابين) أخذا من قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(61)، وسموا أميرهم سليمان بن صرد (أمير التوابين)(62). لقد وقع ابن صرد في حيرة وهو يرى الكوفة يشاركه بها ابن الزبير والمختار الذي ظهر تواً مساعداً لابن الزبير ثم انقلب عليه، وكلاهما سياسي محنَّك، بينما هو صحابي تقي(63) يفكر بعقل رجل الدين لا السياسي. وكان المختار يثبط 
الناس عنه(64) ويتهمه بعدم أهليته للرئاسة في الحرب والسياسة(65)، لأنه يريد أخذ مكانه في قيادة الشيعة. كما ضاق به الزبيريون وودوا التخلص منه ليخلو لهم العراق. وجاء قرار سليمان بن صرد بالتخلي عن الثأر للحسين وخروجه لملاقاة جيش الشام مخيباً للشيعة ونصراً مؤزراً لأعدائه، فقد تركه اثنا عشر ألف وصاروا مع المختار، وظل معه أربعة آلاف فقط(66)، ورحب الزبيريون بخروجه وعرضوا عليه المساعدة والمدد(67)، دفعاً لهذا المارد الشيعي المتحرر إلى الخارج. 
 وكانت وجهة نظره في جداله الشيعة في مسألة أخذ الثأر: إن كُلَّ أو جُلَّ أهل الكوفة مَن لم يكن قتل الحسين فقد قاتله، وقال لهم:" والله لو قاتلتم غداً أهل مصركم ما عدم رجل أن يرى رجلا قتل أخاه وأباه وحميمه أو رجلاً لم يكن يريد قتله"(68)! ورأى أنَّ الثأر الحقيقي للحسين من أهل الشام وعبيد الله بن زياد:" أنا أرى أنه هو الذي قتله"(69). لقد ظنَّ سليمان بن صرد أن عملية الثأر تنفّر الكوفيين. وقد صدق ظنه فأحد أهم أسباب فشل المختار تخلي أهل الكوفة عنه لكثرة من قتل منهم ثأرا من قتلة الحسين. 
وهكذا خرج من الكوفة إلى العراء عند مشارف مدينة (عين الوردة) بين الجزيرة والشام يقاتل بـأربعة آلاف عراقي عشرين ألف أموي(70) ليجعل من حركته (حركة استشهادية فدائية) أو (انتحاراً حربياً) بالمفهوم العسكري.
لقد اجتهدوا في تحقيق شيء واحد فقط هو التكفير عن ذنبهم لقعودهم عن نصرة الحسين في كربلاء. وهو ما ردده ابن صرد قائدهم في المعركة: "إنما أخرجتنا التوبة من ذنوبنا، والطلب بدم ابن بنت نبينا"(71). وكأنه طبق الآية الكريمة (فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ)(72). وهذه الحركة قامت على مبدأ قتل النفس لتبرئتها من دم الحسين بقولهم: " ما لنا من توبة مما فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه"(73). 
لم يدعُ التوابون إلى علوي بعينه ولم يدعوا إلى الرضا من آل محمد، ولكنهم هدفوا إلى إرجاع الأمر إلى آل البيت، وهو ما أكده التفاوض مع قادة عبيد الله بن زياد في (عين الوردة) فقد دعاهم سليمان إلى خلع مروان وتسليم عبيد الله بن زياد، وجعل الأمر في أهل بيت النبي، وتكفل هو بإخراج أصحاب عبد الله بن الزبير من العراق. 
 انتهت حركة التوابين بمقتل قادة الحركة وسحق جيشهم في المعركة عند النخلية، فانحصر جهدهم بحل عقدة الذنب بتخليهم عن نصر الحسين في الطف..
%  % %
 
ثورة المختار بن عبيد الثقفي (66- 67هـ)
كان المختار بن أبي عبيد الثقفي صاحب دهاء في السياسة، وخبرة في الحرب. وقد وظف دهاءه وخبرته الحربية في تحقيق طموحه غير المحدود. فخطط مبكراً لهدفه وسار بخطى وئيدة واثقة. وهدفه البعيد أن يصبح (الخليفة)؛ وحقاً أراد أن يعيد الخلافة في الكوفة ويجعلها عاصمة الحكم الإسلامي مرة أخرى(74)، وما الثأر من (المحلِّين) إلا خطوة أولى إلى هدفه هذا. وإن أكبر نقطة ضعف في ثورة المختار، والتي نعدّها مقياس صدق وأحقية الثائر العلوي، هو الجانب الديني، فالذي يطلب أمر الخلافة مع الإمامة يجب أن يكون ملما بعلوم الدين، والمختار لم يكن له حظ من ذلك فلم يكن له علم بفقه ولا رواية لحديث(74). وكل ما يملكه أداة الرياسة: الدهاء والبطش. 
وكان يعلم بفطرته السياسية أن أمره لا يستقيم إلا بإثنين: الدعوة إلى الرضا من آل محمد، والثأر من قتلة الحسين، فالهاشميون قلوبهم موغرة حقداً على الأمويين وقتلة الحسين وتنتظر آخذ الثأر ليسلموا له قلوبهم النازفة على طبق الولاء، وبالفعل انتظم أمره لانتسابه إلى ابن الحنفية وطلبه دم الحسين(75).
لم يكن تشيع المختار لأهل البيت كاذباً، فقد ورث حب آل البيت من أبيه (أبي عبيد الثقفي). وحين قدم أبوه من الطائف ليقود معركة الجسر - إذ كلفه بها الخليفة عمر بن الخطاب - بقي المختار منقطعاً للهاشميين(76). إلا أن طموحه كان أكبر من اعتقاده وانتمائه، وهو في سبيل تحقيق هدفه لا يتوانى عن فعل أي شيء، فكل شيء تكتيك وخدع لكسب المعركة. فجعله هذا يتبدل باستمرار حسب الطقس السياسي، فلم يوقف له على مذهب(77)؛ فبعد تشيعه الأول صار خارجياً، ثم صار زبيرياً، ثم شيعياً كيسانياً(78). بل صار أموياً إبان صلح معاوية والحسن؛ حين اقترح على والي الكوفة عمه سعد بن مسعود أن يوثق الإمام الحسن ويسلمه لمعاوية، فنهره سعد وطرده(79). 
بعد أفول نجم الأمويين وبروز نجم عبد الله بن الزبير مرشحاً قوياً للخلافة ومؤيداً من الكثيرين عرض خدماته على ابن الزبير. فأرسله إلى الكوفة لمعاونة ابن مطيع وبعد أن جمع مؤيدين له طرد ابن مطيع، وبدأ مشواره الشيعي وطلبه بدم الحسين حتى استقام أمره. وبعدها ترك الجميع وطلب الأمر لنفسه(80). وكان انفلات الوضع بعد موت يزيد الذي أفرز عبد الله بن الزبير في مكة، والتوابين في الكوفة،  قد أفرز أيضاً المختار الثقفي.
 يؤخذ على المختار الارتجالية. ولعه ورثها من أبيه؛ وكان والده أبو عبيد يقود جيوش الفتح إلى كسرى، وأقيم جسر للعبور إلى أرض العدو، فأمر أبو عبيد بقطع الجسر حملاً للمقاتلين على الاستبسال حتى الموت. فلم يلق أمره رضا مسلمة بن أسلم وسليط بن قيس اللذين عينهما الخليفة عمر بن الخطاب للمشورة وأمر أبا عبيدة أن لا يقطع أمراً دونهما. إلا انه أصرَّ، فلما جاءت جيوش كسرى تتقدمها الفيلة خافها الجيش المسلم إذ لا عهد له بمشاهدتها، فانهزموا جميعاً وكان من مات غرقاً بسبب قطع الجسر أكثر ممن قتل بالسيف(81).  وتتجلى ارتجالية المختار في انه لم يضع أسساً دقيقة في عملية أخذ الثأر للحسين، وبتصرفات ظنها تكتيكاً مشروعاً لتحقيق النصر، فكان وراء اتهامه بالكذب والتزيد عليه. 
 فمما أخذ عليه في الأكاذيب: تزويره الكتب عن ابن الحنفية(82)، وإيهامه بأسجاعه(83) بأنه يوحى له(84)، واتخاذه كرسيا قديما بزعم انه للإمام علي وهو بمثابة التابوت لبني إسرائيل(85)، وإرساله الحمام فوق سماء المعركة وقوله لأصحابه: إنها الملائكة تنزل عليكم في صورة حمامات بيض(86)، وغير ذلك مما وصم به وحملهم على اتهامه بشتى الاتهامات كتلقيبه بالكذاب، وهو لقب يوصم به مدعو النبوة(87)، وقد ذهب النووي إلى أن العلماء أجمعوا على أن الرسول (ص) بقوله (إن في ثقيف كذابا ومبيراً) كان يقصد بالكذاب المختار بن أبي عبيد(88). وهذا حديث غيبي ملفق، ولكن المختار هو السبب في هذا التلفيق. 
 وذكر الشهرستاني أن ابن الحنفية تبرأ من المختار أخيراً لما اطلع على ترهاته(89). وعندما أحسَّ عدي بن حاتم الطائي بموته أوصى ألا يصلي عليه المختار وكان مات في زمنه. وعدي من خلص شيعة علي، شهد معه الجمل وفيها فقئت عينه وقتل ابنه، وشهد معه حرب الخوارج وفيها قتل ابن له آخر(90). 
 وذكر البلاذري أن المختار ثبط الناس عن سليمان بن صرد، لأنه عندما قدم الكوفة ودعا إلى الطلب بثأر الحسين لم يجبه أحد وقال له الناس: هذا سليمان شيخ الشيعة وقد أطاعته الشيعة وانقادت له فكان يقول لهم: إنَّ سليمان رجل لا علم له بالحروب وسياسة الرجال وقد جئتكم من قبل المهدي، يعني ابن الحنفية، فلم يزل حتى انشعبت له طائفة(91). ولو صحت نواياه لعمل تحت إمرة سليمان من أجل أهل البيت الذين ادعى نصرتهم.
الثأر للحسين
  أصبح الثأر لشهداء الطف القضية الأولى لدى أهل البيت والشيعة، لذا تصدَّرت أهداف الثورات؛ فرفع شعار الثأر سليمان بن صرد ولم يعمل به، ورفعه زيد بن علي وهو يطلب الإمامة والخلافة دون فعل، ولهذا السبب تبناه المختار بجديَّة. وقد تخلى كثير من الشيعة عن ابن صرد حين رفض إطاعتهم في الثأر من الكوفيين فتقلص عدد أتباعه من (ستة عشر) ألفاً في النخيلة إلى (أربعة) آلاف فقط في المعركة(92). مما اضطره إلى أن ينادي في الكوفة (يا لثارات الحسين)(93). ولكن الكوفيين لم ينهضوا معه لأنه لم يرد الثأر الذي أرادوه. وللسبب نفسه انقادوا للمختار. وموضوع الثأر صعب وشائك؛ فكسب الشيعة يقتضي تصفية قتلة الحسين، وتصفيتهم - وهم رؤساء الأرباع وأشراف القبائل(94) - تجعل المنتقم واتراً للغالبية وتؤلب عليه الرأي العام، فضلا عن أن غالبية أهل الكوفة اشتركوا بدم الحسين قتلة أو مقاتلين. 
 قام المختار باستئجار نوائح على الحسين لكسب مشاعر الشيعة(95)، والبطش والتمثيل بمن اشترك في قتل الحسين وأصحابه بما يشفي صدور الشيعة ولم يكتف بقتلهم. ولكنه أعطى أماناً لنسيبه (عمر بن سعد)(96) قائد جيش ابن زياد ثم نقضه لما أمره ابن الحنفية بذلك، وشفَّع في (حكيم بن الطفيل) الذي ضرب الحسين بسهم(97). وهرب من قبضته مجرمون حقيقيون كمحمد بن الأشعث وشبث بن ربعي (من قادة حرب الحسين) ومرة بن منقذ (قاتل علي بن الحسين) وأسماء بن خارجة (الساعي في قتل مسلم) وعمرو بن الحجاج (مانع الماء عن الحسين). وهرب قاتلون ومقاتلون آخرون من الكوفة إلى البصرة قيل: بلغوا عشرة آلاف(98). وقتل عددا مهولا قيل: سبعين الفاً، من فرسان العرب وشجعانهم وساداتهم وكبرائهم(99) وشرَّد الكثيرين، فكان أن انقلب الهاربون عليه وحاربوه، وتركه الباقون من أصحابه لما تركه في نفوسهم من الذحل على أقربائهم(100).
 ويؤخذ عليه في عملية الثأر اعتماده على أشخاص يذكرون له القتلة فيقتلهم(101)، فوقع تحت أهواء المخبرين، ولو انه تتبعهم  بمسكه ديوان الجيش لكان أكثر دقة. كما قتل على السعاية فأعتق من سعى بمولاه أو قتله فأجرأ العبيد على السادة(102). وكانت من مضاعفات الثأر تخلي العرب عنه، مما ألجأه إلى تجنيد وتقريب الموالي (الحمراء) لتعويض مناصريه، فزاد السخط عليه(103).  وهكذا انحصرت ظاهرة المختار بأخذه الثأر؛ فبه وجد وبه انتهى. 
أثره 
 لم يحدد المختار علوياً ليدعو له سلفاً، بل رضي بمن يقبل أن يكون له غطاءً شرعياً فراسل الإمام علي السجاد فأبى. وجاء في مروج الذهب في ذلك: " كتب المختار كتاباً إلى علي بن الحسين السجاد يريده على أن يبايع له ويقول بإمامته ويظهر دعوته، وأنفذ إليه مالا كثيراً فأبى السجاد أن يقبل ذلك أو إجابته، وسبه على رؤوس الملأ في مسجد النبي (r) واظهر كذبه وفجوره. فلما يئس منه كتب إلى ابن الحنفية بذلك، فأشار عليه علي بن الحسين إلا يجيبه إلى شيء من ذلك، لان الذي يحمله على ذلك اجتذابه لقلوب الناس بهم، وباطنه مخالف لظاهره في الميل إليهم والتولي لهم بالبراءة من أعدائهم، بل هو من أعدائهم لا من أوليائهم(104). 
ثم راسل محمد بن الحنفية الذي ارتضى المختار آخذا لثأر الحسين فقط(105)، ولكن المختار أراد من ابن الحنفية أبعد من قضية الثأر، فساند وأصحابه ابن الحنفية في جداله على الإمامة مع ابن أخيه السجاد(106). 
ويبدو أنه وجد ابن الحنفية ناقص الشرعية؛ فهو ليس بإمام في العلم، ولا هو من أيمة أهل البيت، إذ الإمامة محصورة بأبناء فاطمة (عليهم السلام)، فروّج وأتباعه الكيسانية أن المهدي الموعود هو محمد بن الحنفية، وجاؤوا برسالة منه يسمي نفسه المهدي إلى إبراهيم بن الاشتر وحلفوا على أنها من ابن الحنفية، فوقَّع إبراهيم الشهود عليها ونهض مع المختار(107). فكانت المهدوية ناجعة في كسب شيعة الكوفة.
 أجاد المختار استغلال أدواته المتاحة وتصرف بسرعة مكنته من كسب الوضع له، فحقق ما عجز سليمان بن صرد عن تحقيقه بحله العقد الثلاث: عقدة الكوفيين فكسبهم بثأره للحسين، وعقدة الزبيريين بطرد واليهم (ابن مطيع) واستحواذه على السلطة، وعقدة الأمويين وجيشهم القادم بالانتصار عليهم في (الخازر). غير انه لم يحسم أياً من هذه العقد بشكل نهائي؛ فالكوفيون انتكثوا عليه وتركوه، واستعد له الزبيريون فكان قتله على يد مصعب بن الزبير، أما الأمويون فإذا لم ينتصر مصعب فإنهم سينتصرون عليه، وقد كانت لهم الغلبة الأخيرة على الكوفة.  
 وكان تخلي أهل الكوفة عن المختار بعد تخلي ابن الحنفية عنه، وادراكهم انه يريد السلطة لنفسه لا السعي إلى إقامة حكومة الرضا من آل محمد، وهذا السبب الرئيس في نهايته. والأسباب الثانوية مبالغته في عملية الثأر وقتله على الوشاية والظنة. واستعماله الموالي (الحمراء)، وتخلي إبراهيم ابن الاشتر عنه(108). فحين خرج إلى مصعب كان أهل الكوفة يتسللون عنه لواذاً، حتى لم يبق منهم معه غير سبعة عشر رجلاً(109)، وكانت شرطته المسماة بالخشبية(110) تعدّ بالآلاف. فقاتل بشجاعة فردية متناهية حتى قتل. وتسمى الوقعة التي قتل فيها (يوم المذار)(111)، والمذار منطقة بين البصرة والكوفة.
 ما تبقى من المختار الصورة المشرقة المشرفة للمنتقم للامام الحسين. وقد شفى صدور أهل البيت والشيعة وقتها، وشفى صدور الناس على تقادم الزمان، لما تركته مأساة الطف من عبء كبير على الضمير الإنساني والعراقي خاصة. وعن الإمام جعفر الصادق: ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت، ولا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد الله لن زياد(112). وقد قرأت على ضريحه (رحمه الله) بيتين من الشعر هما:
يا آخذا ثار آل المصطفى كرما ومدركا لبني المختار أوتارا
تخيَّر الله للكرار شيعته فكنت من شيعة الكرار مختارا
% % %                      
 
 ثورة زيد بن علي (121هـ) 
  أراد زيد بن علي نيل الخلافة والإمامة معاً، فهو على دراية بأنَّ الإمامة غير الخلافة. وإذا كان الصحيح أن يتصدى شخصان للأمرين: عالم للإمامة، وسياسي للخلافة، فانه رأى نفسه مؤهلاً ليجمعهما معاً. وكان ينقم على الأمويين ظلمهم، ويأخذ على أخيه الباقر (ع) سكوته على الظلم وجلوسه في بيته. فوجد نفسه أحق بالخلافة من الأمويين لفسادهم، وبالإمامة من أخيه الإمام محمد الباقر (ت 113هـ) وبعده ابن أخيه الإمام جعفر الصادق لقعودهما. ويؤكد طلب زيد الخلافة قول هشام له:" أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟"(113)، وطلبه الإمامة قوله للباقر: " ليس الإمام من أرخى عليه ستره، إنما الإمام من أشهر سيفه"(114). 
 ثار زيد في الكوفة على الرغم من محاولة أمير الكوفة  يوسف بن عمر منعه من دخولها والالتقاء بالشيعة(115). وكان قد وعد الكوفيين بأمرين: الثأر للحسين(116) والدعوة إلى (الرضا من آل محمد)(117) فوعده (مائة ألف) بالنهوض معه. وقد اختلف في هذا الموضوع، ففي جدال بين الإمام علي الرضا والمأمون في الثائر زيد بن علي، قال الرضا مدافعاً عن ثور زيد:" إن زيد بن علي لم يدّع ما ليس له بحق، وانه كان أتقى لله من ذلك، انه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد"(118). وقال المفيد: انه كان يدعو إلى الرضا من آل محمد بحق(119)، وقال القاضي النعمان: إن زيداً أوهم الشيعة بأنه قام بأمر أخيه الباقر وهو يريدها لنفسه(120). 
 وإن قراءة زيد وثورته تظهر أنه عندما ثار غيَّر دعوته من الرضا إلى نفسه. وهذا جعله يصطدم مع الرضا، ومع الشيعة. فقد جادل أخاه الباقر قبل الثورة في أن الإمامة تكون بالقيام وليس القعود فأفحمه الباقر بأن أباه السجاد لم يقم وهو إمام. وجادله أهل الكوفة في الدعوة لنفسه مع وجود الإمام الرضا وكان الإمام المعاصر لوقت ثورته هو جعفر الصادق (ع). فأجاز أن يكون المفضول إماماً والأفضل قائم، فيرجع إليه في الأحكام، ويحكم بحكمه في القضايا وهو رأي المعتزلة وقد تتلمذ لهم(121). وعندها تقلص أتباعه من مئة ألف إلى خمسمائة ثم إلى مائتين ثم إلى ثمانية عشر فقط! فردد في أسف: "سبحان الله فأين الناس؟"(122)، وقال وهو يعدو في شوارع الكوفة : "فعلوها حسينية(123)!!".
والحقيقة انه بعدما أبدل دعوته رفضه الكوفيون أي تركوه، والرفض لغة: الترك(124) ثم تحركت دلالة اللفظة فصار الرافضي كل شيعي يرفض خلافة أبي بكر وعمر. وبعد تخلي أهل الكوفة عنه فشل وقتل. قال الشهرستاني " فرفضوه حتى أتى قدره عليه"(125). ولم يحجــزهم يوسف بن عمر في الجامع منعاً من مساندة زيد بقدر ما هم انحجزوا مطاوعة.
قتل زيد إثر أصابته بسهم في جبينه، وصلب جسده في كناسة بني أسد كما أخبره الإمام الباقر، وأرسل رأسه إلى هشام فصلبه على باب مدينة دمشق، ثم أرسله إلى المدينة. وبقي جسده مصلوباً إلى وفاة هشام ثم أمر به الوليد فأنزل وأحرق(126). 
 تأتي أهمية زيد في انه فتح باب الثورة بعد الحسين بن علي. وتبنت (الزيدية)- الفرقة التي شكلها أتباعه- الأيدلوجية الثورية في بقية العصر الأموي ونصف العصر العباسي، وصار مفهوم الإمامة في الفقه الزيدي مرتبطاً بالثورة. وانقسمت الزيدية إلى ثلاث فرق: البترية والجارودية والسليمانية. والفرق الزيدية تعد زيداً الإمام الخامس فهو بعد زين العابدين. وهي ثاني فرقت شذت عن الإمامية بعد الكيسانية. ويصدّق ثورة زيد أنه على جانب من العلم، فهو راوٍ للحديث حجة فيه(127)، وله آراء أصيلة في الفقه. فلم يكن دعياً في طلب الخلافة ولا طالباً وجه الدنيا. ولكن كان عليه أن لا يختلف مع إمامه الأعلم أخيه الإمام محمد الباقر وابن أخيه الإمام جعفر الصادق المعاصر لوقت ثورته.  
% % %
 
 
ثورة يحيى بن زيد (125هـ) 
 كان يحيى بن زيد امتدادا لأبيه في منهجه واعتقاده بالإمامة والخلافة، وكان قد فرَّ من الكوفة إلى خراسان عقب مقتل أبيه. وقيل إن رجلا من بني أسد نصحه بالذهاب إلى خراسان لأنها لهم شيعة(128). وتتضح نيته الثورية في قوله لنصر بن سيار حين أمره بالتقوى وحذره الفتنة:
" وهل في أمة محمد فتنة أعظم مما أنتم فيه من سفك الدماء وأخذ ما لستم له بأهل؟"(129) وما لبث أن ثار وقتل في الجوزجان مع أصحابه كلهم(130). وقد دعا أبو مسلم الخراساني عند ظهوره كل مدن فارس إلى لبس السواد والنعي والنواح على زيد وابنه يحيى، وتتبع قتلة يحيى حتى قتل به وبزيد ثمانين ألفاً بل يزيد من شيعة معاوية، وبالغ في القتل حتى قتل ممن شارك في قتل يحيى ولد الولد(131). 
 وهو الإمام السادس عند الزيدية، ولم يعقب، وكان حلقة الوصل بين الفرعين الفاطميين: الحسني والحسيني؛ فأغلب الثورات العلوية الحسنية بعد يحيى في العصر العباسي أسست شرعيتها على النظرية الزيدية، وقد زعموا أن يحيى فوَّض الأمر بعده إلى محمد النفس الزكية وإبراهيم(132). مع أن المصادر تؤكد عدم بقاء أحد من أصحاب يحيى لينقل هذه الوصية! ولعلهم روجوا ذلك لمنح الثورات الحسنية الشرعية فالمعروف أن الإمامة مستمرة في ذرية الحسين. 
 ولا نجد أثراً للمهدوية في ثورتي زيد الشهيد وابنه يحيى لأنهما آمنا بأهليتهما للإمامة وإمرة الناس، ووثق الناس بهما، فدعا زيد لنفسه، ومضى يحيى على سنّ أبيه فدعا لنفسه ولم يدعُ للرضا من آل محمد. إلا أن المهدوية عادت للظهور مع أول ثورة في العصر العباسي وهي ثورة محمد وإبراهيم ابني الحسن المحض، واستمرت إلى نهاية الثورات.
 هذه هي الثورات العلوية في العصر الأموي، وهي قليلة العدد بالقياس إلى ثورات العلويين في العصر العباسي، إلا أنها أسست للثورة العلوية وحق العلويين بالخلافة. 
 هذا، ولم نعدّ ثورة (عبد الله بن معاوية بن جعفر الطيار) سنة 127هـ ضمن ثورات العلويين في العصر الأموي، لعبثيتها، وسوء صاحبها. فقد أراد بها مجرد الملك. وذكر الأصفهاني في صفته انه كان سيئ السيرة، رديء المذهب، قتالا، مستظهراً ببطانة السوء، ويرمى بالزندقة. وخاصته ثلاثة أشخاص: زنديق، ومأبون، وملحد. ولم يكن صاحب برنامج تصحيحي إصلاحي؛ فحين سأله أهل مدينة أصطخر على أي شيء نبايع؟ قال: على ما أحببتم وكرهتم(133)! وكان دعا إلى الرضا من آل محمد ثم أبدلها بالدعوة إلى نفسه. 
 ظهر بالكوفة فطرد منها، فقصد إيران واستولى على بعض المدن فيها وأقام بأصبهان، فطرده الأمويون منها، فقصد خراسان وفيها أبو مسلم الخراساني يدعو للعباسيين فسجنه إلى الموت(134). وجماعته (الجناحية) يقولون: إن روح الله دارت في أصلاب الأنبياء والأولياء إلى أن انتهت إلى عبد الله وانه لم يمت وهو المهدي المنتظر(135). 
% % %
 
ثانيا- الثورات العلوية في العصر العباسي
ثورة محمد وإبراهيم ابني المحض
في عام (145هـ) من حكم العباسيين بوشرت الثورات العلوية من قبل الأخوين: محمد ذي النفس الزكية وإبراهيم ابني عبـد الله بن الحسـن بن الحسن بن علي الملقب بـ(المحض). وبالرغم من وجود خصوم آخرين للعباسيين فجروا الثورات كالسفيانيين، وثوار الأقاليم، وأصحاب الحركات القبلية والانفصالية، والخوارج، إلا أن الثورات العلوية كانت أخطر لأنها سعت إلى استئصال البيت العباسي لا الحصول منه على امتيازات ومكاسب معينة كحال أولئك الخصوم. وهكذا استعد كل خليفة عباسي لمواجهة الثورة المرتقبة، ولم تخلُ من الثورة إلا مدد خلفاء أربعة فقط هم: السفاح لكراهيته التعرض للعلويين(136)، والأمين لانشغاله باللهو والمجون، والواثق(137) والمنتصر(138) لتعاطفهما معهم. والعباسيون كانوا أكثر بطشاً بالعلويين من الأمويين، فالعباسيون لم يكتفوا بالبطش بالثائرين، بل بطشوا بالنابهين ومن توقعوا منهم الثورة.  بينما بطش الأمويون بمن ثار عليهم؛ فعندما سُعي بالنفس الزكية إلى مروان بن محمد أوصى عامله أن لا يعرض لمحمد بطلب أو إخافة إلا إذا استظهر حرباً أو شقَّ عصا(139). 
 فجَّر محمد ذو النفس الزكية وأخوه إبراهيم أولى الثورات العلوية بدفع وتوجيه من أبيهما عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي. وهذه الثورة تلغي إمامة الصادق (ع) وتثبت النظرية الزيدية في الإمامة والخلافة، لذا لم ترفع شعار (الرضا من آل محمد). وقد أسست هذه الثورة للزيدية فأغلب الثورات العباسية زيدية. وكل ثائر أراد الاستقلال بنفسه يتبنى النظرية الزيدية، حتى المتنبي الشاعر حين أراد الثورة مهّد لذلك بادعاء النسب الحسني. وقد اتكأت ثورة النفس الزكية في شرعيتها على (المهدوية) فزعم الحسن المحض أن ابنه محمداً هو (المهدي المنتظر)(140). 
كان عبد الله المحض المدبِّر لهذه الثورة. وقد اختار ابنيه: محمداً النفس الزكية وإبراهيم لتنفيذها معاً، وفي مكانين مختلفين (المدينة، والبصرة)، وبوقت واحد. وقد دلَّ ذلك على حنكة وحدس سياسي وعسكري. ولو كان التنفيذ كالتخطيط لنجحت الثورة، غير أن جهود المنصور، وقوة قادته، وقلة خبرة ولدي المحض، وفشل توقيت الثورة كان وراء الفشل.  
أعطي محمد (الأكبر عمراً الأصغر علماً وخبرة) الأهمية، لذا كان الاشتغال عليه أكثر. فادعى أبوه بأنه (المهدي المنتظر) وثقف وروّج وابتدع الأحاديث والأخبار لذلك ليستولي على نفوس وقلوب الهاشميين (العلويين والعباسيين) أولاً، فالمسلمين ثانياً، وبعدها يستحوذ على الخلافة. وهو أول ثائر علوي يدَّعي المهدوية، ليفتح هذا الباب للثوار بعده. وقد اعتقد العلماء والدهماء بمهدوية محمد، وقاتلوا معه بلا شك فيه، قال فقيه ومحدِّث المدينة (عبد الله بن جعفر) " ما خرجت معه وأنا أشك في انه المهدي، لما روي لنا في أمره، فما زلت أرى أنه هو حتى رأيته مقتولاً"(141). 
وفي صراعه المحموم على الخلافة كان المحض - فضلا عن ادعاء المهدوية لابنه - يقوم بجهود تعبوية مختلفة منها انه عقد اجتماعات كثيرة للبيت الهاشمي لمبايعة ابنه محمد بالخلافة، في زمن الأمويين وبعد سقوطهم(142). إلا انه كان متأخراً جداً؛ ففي وقت تحركه كان العباسيون قد وصلوا إلى وقت جني ثمار تخطيطهم الطويل. فحصلوا على سند شرعي عن طريق أبي هاشم كما ذكرنا، وجيَّشوا الجيوش في إيران، وصنعوا الأعوان، ورتبوا كل شيء لإقامة دولتهم.  
وقد أدرك المحض هشاشته عندما أبلغوا إبراهيم الإمام أمامه في إحدى جلساته (الترويجية) بأخذ البيعة له في خراسان واجتماع الجيوش له فخافه وتوقاه(143). وكان السفاح والمنصور قد موَّها على دولتهم المؤسس لها في إيران بمبايعة ذي النفس الزكية خليفة(144)، وفات المحض ذلك.
 ويفهم من عمل المحض أن الخلافة حق بذاته للعلويين سواء مع ظلم الحاكم أو عدله، بينما ثار زيد بسبب ظلم الأمويين. لذا استمر في طلب هذا الحق بعد سقوط الأمويين (الظالمين) لأخذ مكان الخليفة العباسي للأحقية الشرعية وليس لرفع الظلم، لأن العباسيين لم يظهر لهم ظلم بعد، فلم يقتل السفاح أحداً من العلويين، ولا أجرى إلى جليس مكروهاً(145). 
ويقلل من فرصة منح الأحقية والشرعية للمحض، ويجعل سعيه لمجرد السلطة والتفكير بإقامة دولة الشبهات التي تحيط بشخصيته ومنها: 
 * بينما هو يبيّت للأمويين بوصفهم الغاصبين والقتلة للعلويين، إذا به حين يعلم ببيعة أهل خراسان وتجييشهم الجيوش لإبراهيم الإمام، يكتب إلى الخليفة الاموي مروان بن محمد: " إني بريء من إبراهيم وما أحدث"(146)، بدل مؤازرته ضد الأمويين الظلمة. 
 * ادعى زوراً مروجاً ومتكذباً أحاديث نبوية موضوعة وأخباراً مروية ملفقة أن ابنه هو المهدي، وادعاء الإمامة إثم كبير، فضلا عما يمثله من مؤشر انتهازي بغيض. وحين أوضح له الإمام جعفر الصادق أن أمر المهدي لم يحن بعد، كذبه قائلا بجفاء:" لقد علمتَ خلاف ما تقولُ، ولكنه يحملك على ذلك الحسد لابني"(147). 
 * كان المحض يخفي رغبته في حجب أئمة أهل البيت ليظهر أمام الهاشميين والمسلمين بأنه الوريث للنبي والأحق بالخلافة منهم، فكان لهذا السبب يعد الإمام الصادق منافساً له. وبعد تفنيد الإمام الصادق لمهدوية محمد صار يبحث عن سبب وشرعية أخرى لثورة ابنه؛ فزعم أن يحيى بن زيد فوض إليه الأمر قبل مقتله(148)، مع أن المصادر تؤكد عدم بقاء أحد من أصحاب يحيى لينقل هذه الوصية، وانه لم يعقب. 
 * حين أخفى ابنيه على الرغم من إحسان السفاح والمنصور له، أنكر معرفته بمكانهما. وزاد في ذلك الإنكار إلى درجة القسم زوراً، ففي مرة استمر يحلف على ذلك والمنصور يكرر عليه: " لا تفعل يا أبا محمد. لا تفعل يا أبا محمد. لا تفعل يا أبا محمد"(149). 
 ومحمد ذو النفس الزكية ليس له ثقل في السياسة والعسكرية كالمختار، أو في الدين والفقه كزيد. بل لاحظَّ له في العلم مطلقاً، كما انه كان متقاطعاً مع إمام زمانه جعفر الصادق. وهذا يفند خلافته، ويجعل ثورته لغرض الملك، ولو نجح لأقام دولة حسنية تذكر إلى جنب الدولتين: الأموية والعباسية. يروى أن معتزلة أهل البصرة ومنهم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد طالبوا المحض بإظهار ابنه محمد للحوار معه ومعرفة علميته، فاخرج لهم ابنه إبراهيم بدلا منه بعدما شاور ثقاته في الأمر(150) لعلمه عدم أهلية محمد لهذا الاختبار العلمي، فضلا عن حبسة في لسانه(151)، وهي لا تمكنه من القيادة والخلافة. 
وبرغم انضمام رجالات وشخصيات كبيرة إليه كابن عجلان وابن هرمز وعبد الله بن عمر، وابني الإمام الصادق موسى وعبد الله وأبي حنيفة النعمان، إلا أن أكثر من سئل عن سبب خروجه كان يعتذر أو يصفه بالفتنة؛ فحين سأل عيسى بن موسى ابن هرمز الفقيه: أيها الشيخ أما وزعك فقهك عن الخروج مع من خرج؟ فقال: كانت فتنة شملت الناس فشملتنا معهم(152). وحين ولي جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس المدينة بعث إلى ابن عجلان فقيه أهل المدينة، فقال له: أخرجت مع الكذاب؟ (يقصد محمد بن المحض)، وأمر بقطع يده، فلم يتكلم ابن عجلان إلا انه كان يحرك شفتيه بشيء فظُنَّ انه يدعو. فقام إليه فقهاء المدينة فقالوا له: أصلح الله الأمير محمد بن عجلان فقيه أهل المدينة وعابدهم، وإنما شبِّه عليه وظنَّ أنه المهدي(153).
وكان محمد قد ثار في المدينة في أول رجب سنة 145هـ، فاستشار المنصور إسحاق بن مسلم العقيلي فيه فقال له: اجعل لمقاتلته قائداً علوياً، فجعل عيسى بن موسى(154). وكان اختيار محمد المدينة خطأ ستراتيجاً؛ قال ابن الربيع عندما اخبره المنصور بخروج محمد في المدينة: هلك والله وأهلك، خرج والله في غير عدد ولا رجال(155). فقتل محمد في 14 رمضان. وفي أول رمضان(156) ثار إبراهيم في البصرة، وقبل عيد الفطر بثلاثة أيام جاءه نعي أخيه محمد(157). 
استولى إبراهيم على البصرة، وبعدها واسط والأهواز. ثم طلب الكوفة بوصفها عاصمة التشيع فبسقوطها يسقط العباسيون كما قدَّر، فدخلها وهو لا يشك أن أهلها يثبون معه بأبي جعفر، فلما صار فيها لم يجد ناصراً، فلما علم خطأه احتال حتى خرج من الكوفة(158).
 وعندما وصل زحف إبراهيم إلى (باخمرى) وهي على ستة عشر فرسخاً من الكوفة(159) جاءه الجيش العباسي الضخم فكانت المعركة الفاصلة. فانتصر إبراهيم بادئاً وانهزم الجيش العباسي، وقيل لسوء حظ إبراهيم أن النهر حال دون عبور المنهزمين فرجعوا إلى المعركة مضطرين فكان النصر على إبراهيم(160). وكان مقتل إبراهيم لخمس ليال بقين من ذي القعدة(161). 
وفشل هذه الثورة يعود إلى أسباب: منها عدم ثورة الأخوين في يوم واحد كما كان مقرراً، فأتيح للدولة الوقت للقضاء عليهما متفرقين، فالقائد عيسى بن موسى نفسه قضى على محمد ثم توجه إلى إبراهيم. ولم يرفعا شعار الرضا من آل محمد فيكسبوا الشيعة كلهم، وكانت خيبة أمل إبراهيم كبيرة حين اعرض عنه الكوفيون، ولو آزروه لانتصر فعلاً. والأخطاء العسكرية التي أخذت على الأخوين تجعلهما في خط قيادي منخفض واحد. وبعد مقتل محمد ذي النفس الزكية زعمت فرقة (المحمدية) انه المهدي الموعود وانه لم يقتل بل هو حي يقيم في جبل حاجر بنواحي نجد(162). 
 
ثورة الحسين بن علي الخير 
 في نهاية عام (169هـ) في خلافة الهادي، ثار الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ويلقب بالحسين بن علي الخير، في وادي (فخ) وهو على ثلاثة أميال من مكة، بعد تضييق العباسيين على العلويين وشدة سوء الظنّ بهم. يذكر الأصفهاني أن والي المدينة حمل على الطالبيين وأساء إليهم، وأفرط في التحامل عليهم، وطالبهم بالعرض (التفتيش) كل يوم، فكانوا يعرضون في المقصورة، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه ونسيبه(163). وكان الحسين يبيِّت للثورة لهذا السبب، وجعل من قضية جلد الحسن بن محمد وجماعة معه الشرارة للثورة. وكان يدعو في ثورته إلى الرضا من آل محمد(164) وليس لنفسه.
وهذه الثورة تأتي أهميتها في أنها بارومتر أظهر مقدار خوف العباسيين من الثورة العلوية، ومقدار مآسي العلويين من العباسيين، بحيث أنهم صاروا يثورون لنفاد صبرهم، مع قلة إمكاناتهم وضآلة فرص النجاح. فالحسين ثار تعبيراً عن ضيق صدر العلويين بسوء معاملة السلطة.   
 استطاع الحسين السيطرة على مكة وإنقاذ العلويين من المهانة، إلا أن العباسيين مارسوا حقارتهم المضاعفة بتسليط كلبهم الخائن موسى بن عيسى قاتل النفس الزكية وإبراهيم على الحسين، فضلا عن علويين خونة أيضاً. ولقلة إمكانات الحسين وإصابته بسهم انتهت ثورته وكان ذلك يوم التروية سنة تسع وستين ومائة(165). 
أفرزت معركة فخ ضحايا كثراً حتى قال الإمام الجواد (ع) "لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ"(166). وقاتل مع الحسين إدريس ويحيى ابنا عمه الحسن المحض. وبعد مقتله هربا. هرب إدريس إلى المغرب فأقام دولة الأدارسة، وهرب يحيى إلى إيران، وفي عهد هارون الرشيد ثار بالديلم بعدما قوي أمره وانضمت إليه الأمصار والكور، فأرسل له الرشيد الفضل بن يحيى البرمكي ففاوضه وأقنعه بالسلم، وحصل له على كتاب أمان بخط الرشيد(167). ولكنه لما جاء إلى بغداد غدر به وقتله(168). 
 
ثورة أبي السرايا وابن طباطبا 
في عام (199- 200هـ) في عهد المأمون ثار السري بن منصور (أبو السرايا) شراكة مع العلوي (محمد بن إبراهيم ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي) المعروف بابن طباطبا في الكوفة. وأبو السرايا هو صاحب الثورة الحقيقي، المتحكم بالأمر، وإنما جاء بهذا العلوي واجهة شرعية لثورته. 
دعا ابن طباطبا في خطبته لأهل الكوفة إلى (الرضا من آل محمد)(169) لذا تقبلوه ووقفوا إلى جانبه. وكان ابن طباطبا يطمح إلى الثورة ويبحث عن أسباب قوتها. وفي الوقت نفسه كان أبو السرايا مختلفاً مع قائده هرثمة بن أعين لمنعه أرزاقه(170) فالتقيا على غرض مستغلين الفتنة واضطراب الناس بين الأمين والمأمون(171)، واختارا الكوفة للتزود بأسباب القوة ولقربها من عاصمة العباسيين لاختصار الوقت في قلب الحكم العباسي.
وكان احتلال الكوفة من قبل أبي السرايا مشجعاً للثورة من علويين آخرين في البصرة والأهواز ومكة والمدينة واليمن. فثار محمد بن جعفر الصادق الملقب بالديباج في المدينة، وكان يدعو إلى ابن طباطبا بوصفه (الرضا)(172). وثار اتفاقاً معه ابنه علي في الأهواز، يعاونه الحسن بن الحسن بن علي المعروف بابن الأفطس، وزيد بن موسى بن جعفر(173). كما ثار إبراهيم بن موسى بن جعفر في اليمن(174). وقد أقرَّ أبو السرايا هؤلاء على مناطقهم، كما استولى على واسط والبصرة(175).
وبعد هذه الانتصارات تخلص أبو السرايا من ابن طباطبا؛ قيل سمَّه(176). وجاء بعلوي ضعيف هو (محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي) لاستمرار الشرعية. وبايعوه على انه الرضا من آل محمد " وأنت الرضا عندنا"(177). إلا انه لم يحظ برضا الجميع؛ فأعلن محمد بن جعفر الصادق (الديباج) نفسه أميراً للمؤمنين(178) وبايعه الناس، فجعل نفسه (الرضا من آل محمد)(179).
 وبعد الانتصارات الساحقة لأبي السرايا كلف الحسن بن سهل هرثمـة بن أعين لقتاله ولعل أحد أسباب قبوله المهمة تصفية حساب قديم بينه وبين أبي السرايا. ويذكر الأصفهاني أن أبا السرايا لما قارب الانتصار دعا هرثمة الكوفيين إلى التفاوض وانه يرضى بما يرضون، فتراخوا عن القتال. ودعاهم أبو السرايا إلى القتال والتنبه على خديعة (هؤلاء الأعاجم) إلا أن الكوفيين رفضوا، فخطبهم أبو السرايا لاعناً إياهم ساباً لهم. ثم ترك الكوفة لتستسلم لهرثمة. وصار أبو السرايا يتنقل هارباً بين البصرة وواسط والأهواز حتى انتهى إلى خراسان، وهناك قبض عليه وقتل، وحمل العلوي إلى المأمون فسقاه سماً فمات(180). واستسلم  محمد بن جعفر الصادق فنفاه الحسن بن سهل إلى خراسان حيث مات هناك(181). كما قتل ابن الأفطس زمن المأمون(182).
وهذه الثورة أهم وأخطر الثورات العلوية، فقد كادت تقضي على الدولة العباسية لولا تراجع الكوفيين. والثورة أخذت الطابع العسكري ممثلة بأبي السرايا، وكان الجانب الديني فيها ضعيفاً. وأبو السرايا كالمختار مثَّل رجلا طموحاً وظف علوياً واستخدم حق آل البيت الشرعي لخدمة غرضه. وقد سمى أبو السرايا نفسه (داعية آل محمد)(183). وذكر الجاحظ أن أبا السرايا كان من مجانين العرب(184). 
دللت ثورة أبي السرايا على أن الكوفيين ممكن استمالتهم من الزيديين إذا رفع الثائر شعار (الرضا من آل محمد)، فإنهم التفوا حول أبي السرايا لأنَّ ابن طباطبا دعا الى الرضا. وحينما مات ابن طباطبا واختير بديله (محمد بن محمد) على انه هو الرضا تخلى أهل الكوفة عن أبي السرايا فتحطم انتصاره وانتهى إلى الفشل.
وثار في عهد المأمون أيضاً (عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب) في اليمن ورفع شعار (الرضا من آل محمد)، فأرسل المأمون له جيشاً كثيفاً حمله على الاستسلام(185). كما ثار في زمنه (زيد بن موسى) أخو الإمام علي بن موسى الرضا بالبصرة. وجاء في وفيات الأعيان أنه فتك بأهلها، فأرسل إليه المأمون أخاه الإمام علياً الرضا يرده عن ذلك، فجاءه وقال له: ويلك يا زيد، فعلت بالمسلمين بالبصرة ما فعلت، وتزعم أنك ابن فاطمة بنت رسول الله (ص)! والله لأشد الناس عليك رسول الله (ص). يا زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله أن يعطي به، فبلغ كلامه المأمون، فبكى وقال: هكذا ينبغي أن يكون أهل بيت الرسول(186). ويبدو أن كثرة الثورات على المأمون دعته إلى عقد الولاية للإمام الرضا، وهو يضمر الحقد عليه، فلما صفّى تلك الثورات قتل الإمام.
 
ثورة محمد بن القاسم الصوفي 
 في خلافة المعتصم ثار (محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علــي بن الحسين بن علي) الملقب بالصوفي، في الطالقان بإيران سنة (219هـ). وكان يرى رأي الزيدية الجارودية(187) ويقول بالاعتزال(188). وكان قد اجتمع له خلق كثير في مرو، الا انه سرَّحهم بسبب سوء أفعالهم، فقصد الطالقان فثار بها، فوجه إليه المعتصم عبد الله بن طاهر فهزمه بعد وقائع بينهما واستطاع أسره. غير أن المعتصم تغاضى عنه فأمكنه من الهرب. فقيل عاد إلى الطالقان أو انحدر إلى واسط فمات بها، وقيل توارى أيام المعتصم والواثق ثم أخذ أيام المتوكل فحُبس حتى مات، أو دُسَّ له السم فمات(189). 
وواضح أنه دعا إلى نفسه كما ذكر القاضي النعمان المغربي(190)، ولم يدعُ إلى الرضا من آل محمد كما ذكر الطبري(191)؛ لأنه كان زيدياً وفي منطقة زيدية، فليس به حاجة إلى شعار صار يختص بالإمامية. ويرجع فشله إلى اعتماده في ثورته على أخلاط من الناس لا يوثق بأكثرهم، وضعف قيادته العسكرية فهو عالم فقيه زاهد(192)، وعدم تكافؤ إمكاناته مع إمكانات الدولة العباسية.   
 نال القاسم أهمية كبيرة بعد موته؛ يقول المسعودي:" وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية في هذا الوقت، وهو سنة 332هـ (أي بعد موته بـ 113 سنة)، ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمدا لم يمت، وانه حي يرزق، وانه يخرج فيملؤها عدلا كما ملئت جورا، وانه مهدي هذه الأمة. وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم والكثير من كور خراسان(193). ولم يثر غيره في خلافة المعتصم لتعاطفه مع العلويين.
ثورة يحي بن عمر 
كثرت الثورات العلوية في عهد المتوكل لإساءته إلى الأئمة وتسليط شاعره علي بن الجهم عليهم، وتبديد شمل الشيعة، وهدمه قبر الحسين (ص) سنة 235هـ(194). إلا أنها لم تكن ثورات كبيرة ذات أثر. وكانت آخر الثورات المهمة والتي تعاطف معها الشيعة وعامة الناس ثورة (يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب). وكان قد خافه المتوكل حين أراد السفر إلى إيران فرده وحبسه، ثم أطلق فأقام في بغداد. وفي سنة (250هـ) في خلافة المستعين ثار في الكوفة رافعاً شعار (الرضا من آل محمد). وذهب الأشعري إلى انه كان على المذهب الزيدي(195). وقد رأينا أهل الكوفة يتعاونون مع الثائر الزيدي إذا دعا إلى الرضا من آل محمد. واتهم بأن سبب ثورته ضائقة مالية مرت به ودين ركبه ومنعت عنه صلة الدولة، ففي المقاتل انه حلف بالطلاق على انه لم يخرج من اجل المال، بل غضباً لله عزَّ وجلَّ(196). ويرى الشيخ حسين الشاكري أن يحيى خرج بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقسوة والظلم والتعسف الذي كانت تعانيه الأمة أيام المتوكل ومن بعده من الحكام(197).
استطاع يحيى احتلال الكوفة، غير انه لم يثبت أمام جيش العباسيين فقتل في المعركة في منطقة تسمى شاهي. ولم يُرثَ ثائر علوي أكثر مما رثي به يحيى(198)، وحسبه مرثية ابن الرومي الجيمية التي حمَّلها مشاعر الشيعة والناس عامة نحو الشهيد.
ثورات صغيرة
بعد ثورة يحيى بن عمر ظهرت ثورات علوية صغيرة أو خاملة زمن المهتدي والمعتمد والمكتفي. وقد شبههم إمام الفاطميين محمد بن علي بأفراخ نهضت من أعشاشها قبل أن تستوي أجنحتها، فما كان إلا أن نهض كل فرخ نهضة أو نهضتين حتى أخذه الصبيان يتلاعبون به"(199). 
ثورة المتنبي الشاعر
 تعدّ ثورة المتنبي (قبل عام 325هـ باعتقادنا) من الثورات العلوية، إلا أنها أبطلت قبل انفجارها. وكان قد استثمر الحق العلوي للوصول إلى السلطة. غير انه لم يرد مجرد الملك، بل إصلاح أمر البلاد والمسلمين من خلاله، لما رآه من نزول كل شيء إلى الحضيض بسبب خلفاء العباسيين الضعاف وتملك الأعاجم. وفي شعره يعلي العرب لأنه يراهم الأصلح في حكم الأمة، ويهجو الأعاجم. وخلا شعره من مدح العباسيين على الرغم من معاصرته ستة خلفاء منهم. ويؤيد هذا الكلام شعره؛ فقد ملأه مطلع شبابه وهو وقت ثورته حماسة وشحذ همة الشباب ورغبة في القتال. وظل يتربص الفرص بعد خروجه من السجن، وأعلن صراحة لكافور انه يريد مدينة يحكمها، لتكون انطلاقته إلى الدولة. ولم يترك طموحه حتى فرَّ هارباً من مصر وجلاوزة كافور.
حضّر المتنبي للثورة فادعى أولا انه علوي حسني(200) ليكون وفق المذهب الزيدي قائماً بنفسه في الشرعية غير محتاج للدعوة إلى الرضا من آل محمد. وتذكر الروايات انّه تبعه خلق كثير فخرج عليه أمير حمص فأسره وسجنه طويلاً(201) قبل إعلان الثورة. والمتنبي في شعره يؤكد ذلك، فيعترف بنيته في الثورة وانها لم تنفذ واقعاً:
وكن فارقا بين دعوى أردتُ ودعوى فعلتُ بشأو بعيدِ(202)

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد تقي جون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/27



كتابة تعليق لموضوع : ارخنة الثورات العلوية في العصرين الأموي والعباسي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net