صفحة الكاتب : كريم الانصاري

نحن المساكين حقّاً
كريم الانصاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
  لِمَ لا ؟! فنحن الذين صرفنا العمر الجميل وأذبنا حلو السنين  في ميادين العلم وأروقة الثقافة وفضاءات التحقيق الحوزويّ والأكاديميّ ، متابعين صامدين  ، تجدنا - ياللأسف - لا نعير " الأهمّيّة  الميدانيّة الفاعلة " لمفاهيم : التبادر وعدم صحّة السلب ، الخطاب والتلقّي ، الإرسال والاستقبال ... فأبقيناها على رفوف التنظير يعلو عليها غبار الإهمال والتجيير .. لا ، بل فوق ذلك قد تجدنا نستخدم المؤنة العلميّة والخزين المعرفي استخداماً أنانيّاً - وربما شيطانيّاً - لتبرير أفعالنا وتمريرها على " عوامّ الناس " الذين نظنّ بهم -  سوءاً - المسكنة المعرفية والفقر الثقافي وانعدام الوعي اللازم في تفكيك وفهم المصطلحات الفضفاضة التي نحمّلهم إيّاها كي نشوّش بها أذهانهم ثم نطوّعها ونُخضعها لنوايانا ورغباتنا ، لأجل أن نحصل على إسكاتهم لا أكثر ، أمّا إقناعهم فدونه خرط القتاد .. غافلين أو متغافلين عن كوننا - مدّعي الوعي والعلم - نحن المساكين حقّاً ، نحن المغلوبين على أمرنا ؛ حين نستكثر على الناس - بالجملة - صحّة الفهم وتسجيل الملاحظة والنقد والاعتراض والرفض والغضب والانتفاض ، فلطالما أثبتوا خطأ حساباتنا في حقّ استعداد عقولهم ومنحنيات إدراكهم وبيانات ألبابهم  .
 
وعلى ضوء حساباتنا الناقصة غير الممنهجة فإنّ مشكلتنا غدت نوعيّة  مستفحلة :
 
مشكلتنا أنّنا نمارس المتعة - المشروعة غالباً - ونعيش الحياة الناعمة ونستخدم الإمكانيّات الفارهة ونلتذّ - غالباً- في الحِلّ والترحال ونؤمّن لذواتنا وأهلينا - انطلاقاً من الاستفادة المفرطة لمفهوم " الأقربون أولى بالمعروف " - أفضل الفرص ووسائل الراحة ، ملحقين بهم المعارف والأصدقاء خصوصاً المتملّقين المتزلّفين معسولي اللسان - الذين وردت النصوص الصحيحة بوجوب التخلّص منهم ؛ كونهم يبنون الغشاء السميك الذي يمنع رؤية الحقائق ويفتح باب الاغترار والغطرسة والكِبَر ، السيّئة الصيت ، على أوسع مصراعيها - وكلّ من تتوفّر به الشروط المطلوبة ، تكوينيّة كانت أم غيرها .. لكنّا نحاول - عبر تجيير المؤنة المعرفية والقدرة والنفوذ وحاجة الناس لنا - إقحامَ  التصوّر الذي يُسكِت الآخرين لاغير ، مع يقينٍ في أعماقنا يهتف : أنّنا لن نفلح في الإقناع أبدا .       
 
مشكلتنا أنّنا نعلم يقيناً فناء كلّ شيء إلّا وجهه تبارك وتعالى .. نعلم زوال القدرة والمال والنفوذ والحكم والسلطة والهيمنة يوماً ما ، لكنّا لانفكّر بالغد القريب جدّاً ، حين تحاسبنا الناس قبل حساب ربّ الناس على كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ  سجّلوها علينا وانتظروا بنا هذا اليوم ، يومَ ضعفنا ووهننا كي يقولوا كلمتهم بحرّيّة واقتدار ، الحرّيّة المستلبة منهم اليوم بفعل غلبتنا واستبدادنا وقوّة نفوذنا وحاجتهم الماسّة لنا .
 
مشكلتنا أنّنا نقّادٌ من الطراز الرفيع ، فنرمي هذا وذاك بحصى النقد الدامية أو بحجارة التهم القاسية ، متناسين أنّ بيوتنا من زجاجٍ رقيقٍ كسير ، بل كبيت العنكبوت الحقير ، متجاهلين أنّنا غاطسين من الأخمس حتى الهامة في أخطائنا ونقاط ضعفنا المخجل المثير .
 
مشكلتنا أنّنا كثيراً ما نعملق أعمالنا ونقفّزها حتى الثريا وأعنان السماء وكأنّها فتح الفتوح وغاية النجاح ومنتهى الطموح .. وقد نقزّم أعمال الآخرين فلانمنحها الاستحقاق المنصف والتقييم المطلوب .  
 
مشكلتنا أنّنا نمرّ على مفاهيم النقد والمراجعة وإعادة القراءة والفحص والحفر والاستقراء والمقارنة والتحليل والاستنتاج والتغيير مرورَ الكرام ، بل قد نحسبها اقحامات دخيلة ضالّة مضلّة ، دون أن نعي      أو نعلم تواتر النصّ بها ، آيةً وروايةً وأثرا .
 
مشكلتنا أنّنا نغفل حقيقة كون التاريخ - هذا العلم المصيري الذي لازلنا نعاني من الضعف المفرط  فيه - يميل غالباً إلى ضبط خصائص الخلل والنقص والخطأ أكثر من ميله إلى نقيضها ، ولاسيّما بحقّنا نحن " الروافض " أتباع علي .
 
مشكلتنا .... مشكلتنا أنّنا لانعير أيّة أهمّيّةٍ لما يتبادر في ذهن الناس عنّا ، نتغطرس فوق تلقّيهم عنّا ، نتعالى على قراءتهم لنا ، نستنكف عن متابعة استقبالهم لإرسالنا الخاطىء لهم ، ظنّاً منّا أنّنا نفقه كلّ شيء وهم العوامّ الذين لايفقهون أيّ شيء . 
 
ورغم مشاكلنا هذه وماسواها فعزاؤنا  الذي يضمّد الجراح ويخفّف شدّة الآلام القراح أنّنا ومذ ذاك الحصار القديم حتى هذا الحصار المستديم لازلنا ننمو ونزحف ونرقى  ونتمدّد ببطء وهدوء ؛ لا لشيءٍ سوى لامتلاكنا بعض الجرأة والشفّافيّة في نقد ذواتنا .. سوى لكون البعض منّا استطاع الاقتناع بالخضوع إلى النهج المعرفي  السليم ، فمنح الشطر المعارض من الذات بعض الفرصة والحرّيّة في إبداء النقد والاعتراض والرفض عقب مرحلة تسجيل الملاحظات  المعتضدة بالشاهد والدليل .. سوى لكون البعض النادر منّا قد أدرك عميقاً وفهم صحيحاً محاسن كلام وأفعال وتقريرات آل البيت الكرام عليهم السلام فاتّبعها وشمخ بها في أسمى مقام .. فصار الملجأ والملاذ وصمّام الأمان .   
 
 علينا أن نُبقي الحاجة دوماً إلى المناهج العلميّة الصالحة التي تفتّح أفهامنا نحو صنع الأفكار التي تشقّ الدرب المنير نحو الفوز برضى العقل الجمعي الكبير ، بعيداً عن شهوات الاستبداد الشرّير وعلقم التفرّد المرير .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم الانصاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/19



كتابة تعليق لموضوع : نحن المساكين حقّاً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net