صفحة الكاتب : رائدة جرجيس

مهمة .. في ليلة مطر
رائدة جرجيس
 و يسألونك عن الروح .. قل الروح من أمر ربي.. و ما أوتيتم من العلم إلا قليلًا \" !  سورة الإسراء 
 بدا البرد يجرح وجه الأرض و السماء تبكي بحبات لؤلؤ على خد الزجاج   ، قطعت سيارة الأجرة المسافة من جبل سيد صادق* إلى نقطة التفتيش التي تفصل مدينة الذهب الأسود كركوك  عن السليمانية ورغم طول المسافة إلا أنها لم تشعر بذلك لأنها كانت  تتبادل أطراف الحديث مع سائق السيارة التي استأجرتها ذهابا وإيابا ، حيث دار الحديث عن ولدها الذي تعود الفرار من الجيش وتعودت إعادته خوفا من إعدامه حسب القوانين التي كانت تحكم تلك الفترة خلال الحرب العراقية الإيرانية 
    الغروب يصنع للشمس لثاما أسود ، وهي تحتجب خلف التلال والهضاب ، طلبت من السائق الإسراع ، لكنما دون فائدة ، إذ وصلت السيارة في الوقت الذي أغلق فيه الطريق حتى الصباح ، وعند نقطة التفتيش الفاصلة ، وقفت متحيرة ، إذ كيف تمضي الليلة دون ملاذ أو جوار .. 
اقترح سائق السيارة أن تبيت الليلة بأحد فنادق مدينة السليمانية ، وهو سيوافيها صباحا .. وجدتها فكرة حسنة رغم توجسها وإحساسها بالوحدة . وبما إن الوقت كان متأخرا فهي لم تعثر إلا على غرفة بائسة في احد الفنادق الفقيرة ..ساد الفندق الإهمال والقذارة ، لاحظت هي بعض العيون المتربصة ، خفق فؤادها خوفا ، وبدأ الرعب يسري في أوردتها . 
سالت مسؤول الفندق بلغته الكردية والتي كانت تجيدها بطلاقة  عن المزيد من الأغطية وان يوقظها السابعة والنصف صباحا .. 
  دخلت الغرفة .. تفحصت زواياها .. أحكمت إغلاق النافذة، وأوصدت الباب، وسحبت السرير خلف الباب مباشرة ، ليزيد من إحكام إغلاقه .. ارتمت السرير النتن ، دثرت جسدها بالأغطية الإضافية التي حصلت عليها من إدارة الفندق ، ولم يستقر جسدها المرتعش .. وضعت معطفها الصوف تحتها ليمنحها بعض الدفء والحميمية ..  
 وفي لحظة الصمت الرهيبة .. كانت ترجو جلاء البرد والخوف ، غير ان طارقا أفزعها ، غارت في جوفها الكلمات تريد معرفة الطارق ، نادته بالكردية ( من هناك .. وماذا تريد ؟ ) أجابها صوت من خارج الغرفة ( لعلك تريدين خدمة ما ؟ ) علمت انه احد المتربصين.. رفضت خدمته، وحذرته من الاقتراب مرة أخرى من الباب .. لكن ذلك لا يعني إنها دخلت في مناخ الأمان ..  
   وبين الرغبة الشديدة للنوم .. والبحث عن الدفء .. وبين هاجس الخوف .. أحست إنها في لحظات الوسن ، وطارق آخر ، ولكن هذه المرة عند النافذة .. 
     ألقت نظرة إلى شرفة الغرفة فإذا به ( رشدي ) زوجها الذي فارق الحياة منذ ثلاث سنين يقف في المطر ويسألها بإشارة من يديه أن تفتح النافذة .. 
     وقفت بين الحقيقة والخيال ، تريد ممرا لتصديق المنظر ، ما أحوجها لرشدي الآن ، وسط هذا الكابوس المرعب ، وبين رغبتها بمحام امين ، وفرحتها بالنجاة .. فتحت له النافذة ليدخل الى الغرفة .. انه هو بلحمه ودمه ، كم كانت شغوفة لترتمي بأحضانه ، خلاصا من براثن البرد والخوف .. وكأنه علم بسرها وبرغبتها ، مد يده كانما يمنعها قائلا : 
¬¬¬¬¬ ¬- أنا هنا  في مهمة 
وماهي مهمتك؟! 
قال : 
-         حمايتك..  أرجوك   انسي ألان اني حبيبك وزوجك تعالي واخلدي للنوم 
-         ولكن.. 
-         كيف هو ولدنا وهل وعدك بان لايفر مجددا 
-          كما تعود وتعودنا ولكن كيف أتيت وبهذه السرعة  
رد عليها باقتضاب 
الطائرة المروحية، وأشار بيده نحو النافذة ، ثم أردف 
جولي 
  أريد منك وعدا 
اريد ان تضعي الوسادة بيني وبينك وإياك إياك ان تلمسيني ولا تتكلمي واخلدي للنوم 
  
ضحكت بل قهقت وقالت لك هذا 
وضعت الوسادة بينهما كحاجز بينما وضع وردة الفل على تلك الوسادة 
نظرت نحو وردة الفل ، وخطر ببالها ان الفل لا يحيا الا في الربيع والصيف ، فمن أين جاء بهذه الفلة في هذا البرد القارس ؟، مرة أخرى أدرك ان في بطنها سؤالا تريد البوح به ، وضع اصبعه على شفتيها آمرا أياها بالصمت 
   نامت هي نوما عميقا كانها لم تنم منذ ايام منحها وجوده طمانينة وحبا وهدوء 
في الصباح ، احست بأن شفاها تدغدغ خديها ، كان في نفسها أن تصحو لتحيا طقس تلامس الشفاه ، ولكنها مازالت تحس بالاعياء والتعب ، 
صافحتها نسمة هواء قارسة ، تململت على السرير ، مدت يدها نحو الوسادة ، عيناها مغمضتين ، وقلبها يقض ، تجاوزت يدها الوسادة بحثا عن الجسد الآخر الذي شاركها نوم السرير . لا شيء سوى القماش البارد .  
فتحت عينيها لترى الوسادة ووردة فل تنام بفخر  بحثت عنه في أرجاء الغرفة ولم تجده انتبهت لطرقات عامل  الفندق على باب الغرفة 
ليخبرها إنها الساعة السابعة والنصف صباحا وان السائق في انتظارها 
رجعت بجسدها الى النافذة فرات طيارة مروحية تحلق وفيها رشدي يلوح لها وداعا بالقبل  
  نظرت بيديها تتأمل شذاه ، رفعتهما نحو وجهها غطته بهما ، ثم شمتهما شما عميقا .. 
 قبلت مكانه في الفراش وتنفست عميقا لتستنشق عطره الذي فاح في الغرفة امانا وحنانا واخذت وردة الفل معها  
وردة الفل بقيت معها ثلاثة وعشرين عاما في علبة كرستال فاخرة صنعت خصيصا لها 
وفي يوم وافتها المنية أخذت الوردة بين يديها وماتت 
............................. 
•       سيد صادق مصيف تابع لمحافظة السليمانية شمال العراق 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رائدة جرجيس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/25



كتابة تعليق لموضوع : مهمة .. في ليلة مطر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net