متى نستقل بعقولنا ..!؟
عبد الهادي البابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال كاهن اليمن وهو يصف طبائع الشعوب : وأما أهل العراق ..فهم سريعوا الإقبال ..سريعوا الإدبار ..!!
وهذا بالضبط ماذكره عالم الإجتماع العراقي الكبير الدكتور علي الوردي (رحمه الله) ..في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ) خصوصاً الصفحات 240- 246)..!!
ولو إستعرضنا تاريخ المجتمع العراقي منذ عهد الإسلام ..لوجدناه كما قال فيه كاهن اليمن ومن بعده علي الوردي وغيرهم من العلماء والمفكرين ..
فقد إستجابوا لعلي (عليه السلام) في البداية بسرعة عجيبة وقاتلوا معه في الجمل ..وطلبوا منه أن يأتي معهم إلى العراق ويتخذ الكوفة عاصمة له ..ثم ساعدوه وآزروه في حربه مع معاوية وأهل الشام في صفين ..ولكنهم في اللحظات الأخيرة تراجعوا ..وتخاذلوا وإنسحبوا عنه وتركوه مع القلة من أصحابه...بل أجبروه أن يقبل بمعاهدة الصلح مع عدوه الأول معاوية ..! ثم بدأوا يتمردون عليه ..ويتركون مجلسه ..ويشيعون عليه أنواع الإشاعات ...حتى تألم كثيراً منهم وتمنى الموت على البقاء في الحياة معهم ..!!
وكذلك فعلوا مع الحسين ..طلبوه سريعاً بإجمعهم ..وقالوا له : نفديك بأولادنا وأموالنا ورجالنا ..ولكنهم تركوه (سريعاً ) فقاتلوه وقتلوه وأرسلوا رأسه إلى يزيد في الشام ..!
ثم فعلوها مع زيد بن علي ..طلبوه سريعاً ..وتركوه سريعاً ..!!
ثم مع عبدالكريم قاسم ..تظاهروا لإجله ..وأحبوه ..ونقشوا صورته على أواني الشاي والزجاج في البيوت ..وقالوا لإطفالهم بأن صورة الزعيم في القمر ..!! ولكن لما حاصره المتمردون في بناية وزارة الدفاع لم ينصره أحد منهم ..وتركوه إلى مصيره المحتوم .؟.حيث يأس منهم بعد ثلاثة أيام ..وأستسلم لإعدائه حتى لايقصفوا البيوت القريبة من وزارة الدفاع وذهب معهم الى الإذاعة حيث لقي مصيره وحيداً هناك ..!!
ثم هم مع صدام كذلك ..أيضاً أحبوه ورقصوا له في الشوارع والساحات ..وأستجابوا له سريعاً..وكتبوا عنه الشعر والقصائد والغزل ..وذهبت له وفودهم وشيوخهم وعلمائهم ..ولكنهم أدبروا عنه وتركوه بعد ذلك سريعاً ..حتى ألقى الأمريكان عليه القبض في حفرة شمال تكريت بغض النظر عن مساوئه وأخطائه ..!!
ثم جاء التغيير بعد عام 2003 ..والكل خرج للإنتخابات ..حتى العجائز المريضة حملوها بالبطانية وذهبوا بهن إلى مراكز الإنتخابات كي تنتخب ..لإن الإنتخابات أمرت بها الجهات (المقدسة ) ..!!
ولكنهم اليوم لايفكرون بالإنتخابات بتاتاً ..بل ويلعنون تلك اللحظة التي ذهبوا وإنتخبوا فيها سريعاً ..سريعاً .! ..
لماذا ياترى ..هل حقاً هذه طبيعتنا ..هل نحن نبقى أسرى لهذه الشخصية المضطربة المتقلبة ..وإلى متى ..؟؟
يجب أن نبدأ عهداً جديداً من تاريخنا ومن حياتنا ومن علاقتنا بالحكام والمسؤولين وكيف ننتخبهم ونسلمهم رقابنا وأمورنا .....علينا أن لاننساق وراء عواطفنا ..ولاوراء نزعاتنا الدينية والمذهبية ولا وراء أهوائنا العشائرية والقبلية ..!!
لازالت لدينا فرصة تاريخية ونحن في عهد ديمقراطي يسمح لنا بحرية التعبير والإنتخاب ..أن نشطب على كل ماضينا العاطفي وإنسياقنا السريع وراء الرموز دون تدبر ودون تفحص ودون تعقل ..!
لنرجع إلى إستقلالية عقولنا ..نستقل بعقلنا ..ونختار ما تتفق عليه عقولنا الراجحة وليس عواطفنا وأهوائنا التي ضيعتنا طويلاً ..!!
علينا أن ننتخب وطناً ..وإنساناً ..وليس عواطفاً ومذهباً وعشيرة وأهواءاً ..!
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
عبد الهادي البابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat