صفحة الكاتب : د . رافد علاء الخزاعي

قصة قصيرة(حطام امراءة)
د . رافد علاء الخزاعي

حطام امراءة
في يوم اذاري جميل من ايام بغداد بهواء عليل وانسام لطيفة وشمس تكسوها الغيوم جزئيا لتبث شعاعها من خلال الفراغات...

 
لتعطي الوان متعددة من الجمال الرباني نزل من سيارته مصحوبا بحقيبته الصغيرة في كراج النهضة ليشد الرحال الى البصرة لحضور موتمر علمي حول التلوث وزيادة انتشار السرطان في جنوب العراق خصوصا وفي العراق عموما..

 

وحين جلس على مصطبة في ساحة الكراج تسابق سواق التاكسيات عليه ليقولوا له كل منهم هيا معنا اخر راكب  والاخر يقول السيارة مبردة وهكذا يتسابقون على اصطياده, ولكنه اراد ان يجلس لحظة ليعيد ذكرياته مع هذا الكراج وما يحمل له معطيات تاريخية في مراحل حياته على اربعة عقود مضت من عمره الخمسيني, قطع سبيل تفكيره صوت متسول مرتدي يشماغ اسود ووجه احمر ملتحي مع لحية بيضاء وهو يقول له ماسمعه من نفس الشخص قبل عشرين سنة الله يرزقك عمي ساعدنا في حب الله لي مريض في بغداد واني من محافظة بعيدة ونفذ مالدينا من مال ضحكة معه بلطف وقال له عشرين سنة ولم تجمع مايكفي ل مريضك.... ضحك المتسول وقال له يابة انت عتوي عتيك لعد ماتعبر عليك السلفة بوية ساعدني ...ضحك المسافر ودس له الفين دينار قال له اتعلم لقد اعطيتك مثلهن قبل عشرين سنة ولكن كان دينارين يوم كنت طالب وكنت انوي السفر الى اربيل لنفس السبب الذي قلته لي لانك لديك مريض وبحاجة لعالج ههههههه عمي مريضنا مايطيب مرضه مزمن و رزقنا على الاجواد

.....

وتركه المتسول ليتذكر مراحل حياته من خلال كراج النهضة كيف سافر شمالا وجنوبا وشرقا من خلاله تذكر سفرته الاولى الى ميسان وعمره سبع سنوات مع عائلته بسيارة النيرن دك النجف نعم دك النجف وهي سيارة عبارة عن قاطرة ومقطورة فولفو والمقطورة مغلفة بالامنيوم الابيض من الخارج ومغلفة بالفايبر الملون وكراسي مريحة وواسعة على صفين بصورة متوازية 48كرسي ومكتوب عليها صنع في العراق النجف المنطقة الصناعية حجي عباس دوش.......هكذا تخبره ذاكرته المثقوبة.....وسفره المتكرر في الثمانينات من القرن الماضي ولكن في اجواء مزدحمة من الجنود والعسكر وصاحبات القيمر والشاي الجميلات التي كان يتهرب من فطور امه ليفطر عندها بالقيمر والصمون الحار والشاي على الفحم لجمال عينيها الزرقاء الواسعة ووجهاها المقمر فكان يضن ان ابتسامتها المتكررة تكسب لها الزبائن الذين يعشقونها كمحطة قبل السفر عبر سيارات متعددة من الروماني التعبان والريم طك عطية والاسكانيا النص ونص والنيسان اعظم السيارات التي دخلت العراق لما تحمله من هدؤ في النقل واجواء مريحة وتبريد وسعة من الداخل وهكذا كان يسافر شمالا الى اربيل لاكمال دراسته الممتدة على ست سنوات ليحصل على قصة في كل رحلة تحتفظ به ذاكرته المفعمة بالذكريات من رفيق السفر الذي يجلس بجانبه طالبات يحلمن بمستقبل وعريس ويحملن اعباء الغربة والاقسام الداخلية, جنود متعبون اتعبتهم الحروب وقصص الموت المتكرر, ارامل فقدن ازواجهن في ريعان الشباب. اباء مثقلون بالهموم يبحثون عن ابنائهم المفقودين في جبهات القتال, ادباء. شعراء. حالمون لكل سفرة قصة استنطاق وحكمة.

وسفراته الى البصرة بسيارات الجميسي في تسعينات القرن الماضي وبعدها بالدولفين الى ميسان في بداية القرن الحالي ولكن اختار ان يسافر رحلته الى البصره هذه عبر كراج النهضة لانه يريد ان يقضي يوم ورحلة تعيد له ذكرياته وهكذا حجز في المقعد الخلفي من التورن(سيارة خمسة راكب وكانت دوج 2009)وحجزت بجانبه امراءة مرتدية ملابس سوداء وشاح اسود يغطي نصف وجهها وصعد في الصدر(المقعد الامامي) رجل ستيني يرتدي يشامغ وكان السائق اربيعيني صاحب نكته ولسان لطيف وهكذا انطلقت رحلتنا من النهضة بعد ان امرنا السائق بان نصلي على الرسول صلاوة الله وملائكته عليه واله وقراءة سورة الفاتحة وهي متلازمة لكل السواق في الانطلاق للحفظ والشعور بالامان...

وبعد اجتياز الطريق السريع وعبور جسر ديالى الجديد واجتياز السيطرة بعد ساعة من الزمن وهكذا تأففت السيدة التي بجانب المسافر فانبرى يقول لها الله كريم لايصيبنا الاماكتب الله لنا ادارات بوجهها نحوه ليرى عيون تحمل اسى وحزن مزمن بخبرته المتوارثة في قراءة العيون وماخلف العيون ودموع خجلة محصورة بين التراق والجفن ...انها تريد البوح تريد الفضفضة والخجل يشل اللسان عسى ان ترتاح........

هنا انبرى المسافر ليسال السائق عن الامان الان في الطريق..اجاب السائق بسرعة عمي الله لايعيد الايام الماضية لان هنا في المدائن والصويرة كانت ساحة قتل وكم من اخواني السواق وركابهم قتلوا وخطفوا وبقوا في عداد المجهولين... والحمدلله الان خير حتى في الليل السفر متاح ,انبرت هي و قالت رغم الامان ولكن الناس بعدها غير مرتاحة وهنا امسكت راسها ليسحب من حقيبته الصغيرة حبتين ادول وقنية ماء ويقدمها لها ......

 

ضحكت وقالت كيف عرفت اني كنت اريد حب وجع راس......

اجابها بضحكتة اني اقراء الاسرار ليثير فضولها وحتى يقضي الطريق بقصة عسى ان تقلل الفراغ الزماني للرحلة وليضيف الى ذاكرته الممتلئة قصة اخرى......

 

وقال لها مسرعا انت تشكين من الم وجرح نفسي مزمن يخبئه دموع عينيك المحبوسة....

 

هنا تنزع وشاحها ليبان وجه ابيض مشؤؤب بحنطية جنوبية وخدود ممتلئة..... لتقول وكيف ان كان الحل مستحيل........

 

اجابها ان الزمن يفرض علينا خيارات وقيود تحددنا في سجن روحي....

 

وقالت له كيف عرفت اني سجينة......

 

قال لها ان سجن الروح يظهر على الوجه ويقراء مابين العيون........

 

اجابته اني تزوجت بارادة اهلي منذ كان عمري خمسة عشر سنة قتلوا طموحي شبابي في زوج لايقيم للمراءة اعتبار زوج متصابي ورزقت بولد وبنت ......والدي شخص سلطوي ديكتاتوري.........

 

سالته يوما اني حلمت حلما اني كنت نائمة واني غرقت في نهر وكان هنالك صياد يحاول انقاذي وعندما شاهد الحلقة في خنصري الايسر نزعها ورماها في النهر واخرجني من النهر....

 

اجابني والدي لو تومتين ماتطلقين.....وهكذا قتل خياراتي وبقيت حبيسة رغم اني لااعيش كزوجة.....

 

هنا توقف سائقنا وقال لنرتاح قليلا في هذا المطعم.......فدعوتها الى الغذاء .....

 

قالت لاانا لااتغذى الان......المهم اتيت لها بكوب من الشاي وعلبة من البسكت ....

 

وتركتها لاادي لصلاة الظهر والعصر قصرا...........

 

وعدنا للنطلق الى االبصرة الفيحاء ونودع مرقد علي الشرقي من بعيد ونعبر ميسان من خلال عمارتها الجميلة لارائها كما تركتها قبل تسع سنوات لاتغيير فقط صبغ بعض البنايات وانس متعبين في الشوراع....

فانبرت لتسالني ماهو حلي ياقارى الاسرار......

 

قلت لها انت سجينة وستبقين روح سجينة في تابوهات الدين والاعراف والعائلة.....

 

ان تحرر الروح يودي بك الى طرق متلاطمة...........

 

هنا اجابتني بدموع قد نزلت على خديها.......

 

هل ابقى حطام امراءة....

 

هل ابقى شبح مسجون في جسد ميت يسير على الارض......

 

انه القدر في تلاطمات الخيارات.....

 

هنا لاحت لنا البصرة مدينة حزينة

 

مدينة حزينة كما تركتها حطام مدينة وجوه متعيه باهتة البشرة

 

شوارعها حطام وارض جرداء صبخة

 

انه روح مدينة مسجونة في حطام

 

فاجبتها كما للمراءة حطام للمدن ايضا حطام

والتغير يبداء منا  حتى تتغير المدن ويتغير الانسان

الارادة.....الحرية......المطالبة بالحق  هو الخلاص

و ألآ تبقين كالمدن محطمة ومقيدة باسيجة الكونكريت

الدكتور رافد علاء الخزاعي- نيسان 2009


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رافد علاء الخزاعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/30



كتابة تعليق لموضوع : قصة قصيرة(حطام امراءة)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net