الملف العراقي بين "الشرق الأوسط" والـ"DW"
علي عبد الزهرة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في عالم الصحافة والاعلام هناك عدد من المدارس، ولعل الأبرز ما يصطلح عليه "المحترم/ المحترف" و "الصفراء/ المأجور"، في الأول تجد كل مقومات المهنية التي تجعل هدفها الأول رفع مستوى الوعي والادراك لدى المتلقي من خلال تقديم معلومات مهمة ودقيقة ومفيدة في ذات الوقت، بينما النوع الاخر، فهو يعاكس تماما نظيره، ويسعى بالدرجة الأساس الى تمرير اجندة "خبيثة" من خلال بث معلومات ومواد إخبارية تعمل على تضييق دائرة الوعي لدى المتلقي كي يسهل توجيهه بعدة أساليب تستخدمها فيما بعد.
الساحة الإعلامية المحلية يملؤها ضجيج "الأصفر" للدرجة التي انتجت لنا منظومة إعلامية محلية لا تستطيع صناعة رأي عام، ينتشل المجتمع مما هو عليه، او على الأقل يحد من تسليم الأمور بأيادي غير متخصصة، لدرجة ان حتى المؤسسات الصحفية والإعلامية نادرا ما يترأسها صحفي او اعلامي ! الامر الذي جعل المتلقي العراقي يتأثر بشكل مباشر بالخطاب الصحفي/ الإعلامي الإقليمي والدولي، ويثق بهما اكثر من المحلي ويعتمدهما كمصدر غير قابل للتشكيك ، على مدى طويل من الزمن، حتى قبيل السنوات الثلاث الأخيرة التي بدأت فيها "قدسية" عدد من المؤسسات الإعلامية الإقليمية تتأرجح لديه، حينما عملت عدد من المؤسسات الإعلامية الإقليمية العربية "الكبيرة" على الترويج لاخبار غير حقيقية عن تقدم عصابات داعشالاجرامية بعيد سقوط الموصل الى محافظات أخرى وصولا الى بغداد، بحسب ما كانت تنشره تلك المؤسسات، وهو ما نتج عنه سقوط الانبار بسهولة صادمة للجميع، لذا بات المتلقي العراقي يعيد حساباته بهذه المؤسسات، على الرغم من بقاء قدسية الاخبار التي تبثها المؤسسات غير العراقية بشكل عام.
ومن هنا، لم يكن ما قامت به صحيفة الشرق الأوسط السعودية حين نشرت التقرير الاخباري الذي تتهم به شرف نساء مكون الأغلبية في المجتمع العراقي، جزافاً قط، انما اجندة معد لها مسبقاً من اجل اشعال رأي عام محلي مبني على أسس مذهبية طائفية، يحقق اغراضه في كلتا الحالتين؛ الرد الغاضب او التوافق من الطرف الاخر.. نعم فذلك نتيجة حتمية لمعطيات واضحة تتمثل بغياب المؤسسة المهنية المحلية الوطنية الخالصة، وحضور الفكر المعادي للعملية السياسية الجديدة في العراق من قبل الدول الإقليمية وعلى رأسها مالكي تلك الصحيفة الخضراء مظهراً والصفراء اجندة وواقعاً.هذا مثال بسيط يبين "الخبث" الذي أبعد "الشرق الأوسط" عن المهنية الى حضيض التعامل الطائفي مع الملف العراقي، حكومة وشعباً، فهي لا تترك مناسبة الا وكشرت عن انياب مساعيها لتهديم التجربة الديمقراطية في العراق الجديد (وفي نهاية هذه الجملة لا نحتاج الى علامة التعجب، لان الامر امسى منهجاً واضحا في المؤسسات التي يمولها النفط السعودي الساعي الى حرق النسيج الاجتماعي لدى الشعب العراقي).
بينما تتعامل المؤسسات الدولية، باحترافية عالية، نجدها، على سبيل المثال، متجلية في تناول مؤسسة الـ(DW) الألمانية للملف العراقي، فهي تعمل على الترويج الى الخطاب المعتدل ونبذ الكراهية بين مكونات المجتمع العراقي، وتركز على المشتركات بينهم. وكان ابرز ملامح المهنية ان قامت الـ(DW)بارسال كوادر إعلامية متخصصة لزيارة العراق ومؤسساته الإعلامية وعمل شراكات مع عدد منها، لتشخص الوضع مباشرة ونقل صورة حقيقية عن الواقع العراقي وفي ذات الوقت دعم الجيل الجديد من الصحفيين العراقيين.
كنت قد حضرت في السابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، ندوة اقامتها الـ(DW) في بغداد، لمجموعة من الإعلاميين والصحفيين ومدراء القنوات ورؤساء تحرير الصحف فضلا عن أستاذة كليات الاعلام في عدد من الجامعات العراقية، تحت عنوان (البرامج التلفزيونية بين حرية التعبير والمسؤولية الاجتماعية) ، حيث كان هناك حديثاً يرتقي بالمؤسسات العراقية الى الدولية اذا ما تم تطبيق مخرجات الندوة ، التي كانت فضاءً وتجربة توأمة للاعلام العراقي والألماني لا نظير لها، قد نشهد في القريب تطويراً لافتاُ لدى شركاء الـ(DW) وكذلك في المناهج التدريسية لكليات الإعلام العراقية.
وهنا في الوقت الذي لا نحتاج معاتبة "الشرق الأوسط" السعودية على سقوط مهنيتها، فاننا نثمن الجهود الصادقة للـ(DW) الألمانية التي تسعى من خلالها الى رفد الوسط الإعلامي باساليب مهنية متطورة، ومعالجات للمشكلات التي تسببها وسائل الاعلام الطائفية. وكذلك نتسائل هنا: متى تتخلى الزعامات العراقية السياسية و "المقاولاتية" عن التزمت بضرورة ان تكون "المؤسسات الإعلامية" اداة لمهاجمة بعضهم بعض، متى يقرر اصحاب "القرار" انشاء مؤسسة اعلامية او صحفية مهنية وتعمل على صناعة رأي عام يخدم العراق اولا ؟!!
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
علي عبد الزهرة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat