خرق أم انهيار أمني ؟
اياد السماوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عندما يتعرض البلد لهذا الكم من الهجمات المتزامنة والتي شملت أكثر من عشرة مدن عراقية وبمختلف وسائل القتل والتدمير , لا يمكن أن نطلق عليه خرق أمني , بل هو انهيار أمني مأساوي , فالخرق الأمني ممكن أن يحدث في مكان واحد لا في أماكن متعددة من البلد وفي وقت واحد وبوسائل مختلفة .
وهذا الانهيار الأمني المأساوي الذي أودى بحياة 400 مواطن عراقي تقريبا بين قتيل وجريح يستدعي الوقوف عنده ومعرفة أسبابه الحقيقية , وقبل كل شيء معرفة الجهة المسؤولة عن هذا الذي يحدث ؟ ومن هي الجهة تمسك بالملف الأمني ؟ وأين هي هذه الجهة من هذا الانهيار الأمني ؟
والوضع الأمني في أي بلد هو انعكاس للوضع السياسي السائد فيه , فإذا كان الوضع السياسي لبلد ما مستقرا , فبكل تأكيد سينعكس هذا الاستقرار إيجابيا على الوضع الأمني فيه , وبعكسه عندما يكون البلد غير مستقرا سياسيا , فسينعكس ذلك سلبيا وبشكل مباشر على الوضع الأمني فيه .
وبالرغم من مرور ثمانية أعوام على زوال الديكتاتورية في العراق , إلا إن الفساد والفوضى وفقدان الأمن لا زالت تعصف بالبلد بسبب الخلافات وانعدام الثقة بين القوى السياسية التي تحكم البلد , فهذه الأسباب وفرّت مناخا ملائما لقوى الإرهاب والجريمة بأن تنمو وتعشعش في مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية .
وبالرغم من صيحات ومطالبات الشعب العراقي في ضرورة إبعاد الأجهزة الأمنية عن ساحة الصراع السياسي بين الكتل السياسية المتصارعة على الحكم وعدم تسييس هذه الأجهزة , إلا إن هذه الصيحات والمطالبات ذهبت أدراج الرياح في ظل سياسة المحاصصات الطائفية والقومية البغيضة والتي اعتمدتها هذه القوى السياسية كأساس للعملية السياسية الجارية في البلد . وكان من نتاج هذه السياسة المدمرة هو تسييس هذه الأجهزة وفق مبدأ المحاصصة فأصبحت هذه الوزارة من حصة هذا المكون وتلك الوزارة من حصة ذلك المكون , وبالتالي انتقال الصراع الطائفي والقومي إلى مؤسسات ووزارات الدولة ومنها الأجهزة الأمنية المعنية بحفظ الأمن والاستقرار في البلد .
وبالرغم من كل الويلات والمآسي التي عصفت بالبلد نتيجة هذه السياسة المدمرة , إلا أن القوى السياسية التي تمسك بزمام الأمر لا زالت متمسكة بها وترفض التخلي عنها بالرغم من الشعارات الكاذبة التي تطلقها هذه القوى السياسية والمتعلقة برفض هذه المحاصصات اللعينة , والدليل على ذلك هذه الحكومة الفاشلة والفاسدة حكومة الشراكة اللا وطنية . فعندما تكون الحكومة عاجزة عن تسمية وزرائها الأمنيين كل هذه الفترة , فمن الطبيعي والمنطقي أن ينفذ هذا الإرهاب ويستشرس ويفتك بأرواح الناس الأبرياء بهذا الشكل المأساوي .
بالله عليك يا دولة رئيس الوزراء بماذا ينفع استنكاركم أنت ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان لهذه الجريمة المروعة ؟ فهل ستعيد استنكاراتكم هذه الحياة إلى هؤلاء الضحايا الأبرياء ؟ وماذا ستقول لله سبحانه وتعالى وللشعب العراقي باعتبارك المسؤول الأول عن الملف الأمني والقائد العام للقوات المسلحة ؟ ألم تصرح قبل يوم واحد من هذه المأساة المروعة بان وزارتي الدفاع والداخلية أصبحتا تديران نفسهما بنفسهما ؟ متى تنتهي سياسة المحاصصة هذه التي دمرتم البلاد والعباد بها ؟ ومتى تكون جريئا وشجاعا وتعلن لشعبك أنك فشلت في حماية أرواح مواطنيك ؟ وهل نمت ليلتك بضمير بارد ومرتاح يا دولة الرئيس ؟ والله أني لم أذق طعم النوم ولم تفارق مخيلتي أشلاء وأجساد الضحايا التي انتشرت في شوارع ومدن بالعراق يوم أمس , بالرغم من أنني أعيش بعيدا عن الوطن . وهل هذا هو العراق الذي كنّا نطمح إليه يا دولة الرئيس قبل سقوط الديكتاتورية ؟ وهل أنت فعلا مقتنع بكفاءة أجهزتك الأمنية والاستخبارية ؟ ألا يمكن لهذه الدماء الطاهرة التي سكبت في هذا الشهر الفضيل أن تكون سببا للانقلاب على المحاصصات التي جئتم بها للبلد ؟
وبالمناسبة ما هو ردك يا دولة الرئيس على تصريحات الناطق باسم عمليات بغداد الذي ادعى بأنكم كنتم تتوقعون هذه الموجة من التفجيرات ؟ فإذا كان الأمر كذلك فماذا فعلتم من أجل إيقافها ؟ وهل اتخذتم الإجراءات اللازمة لمنع الكارثة ؟
دولة الرئيس اقسم بالله أني لا أحمل أي ضغينة لك أو لحزبك الذي تنتمي إليه وبالعكس فانا من أشد المناصرين لك في حملتك الانتخابية الماضية وقد وصفني البعض بأني بوق من أبواقك , لكن الوطن يا دولة الرئيس أكبر منك ومن حزبك ومن الجميع , ولذلك فأنا لست خائفا أن أقول لك وبصوت عالي , لقد فشلت يا دولة الرئيس في حماية أرواح أبناء شعبك , وفشلت في تحقيق الأمن والاستقرار , وفشلت في تقديم الخدمات لشعبك وفشلت في تحقيق التنمية الاقتصادية وفشلت في إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي العراقي الذي تسببت في تمزيقه أحزابكم الطائفية وفشلت في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وجئتم بأنصاف المتعلمين لإدارة البلد , وأخيرا فشلت بالاحتفاظ بي وبغيري الذين ناصروك وآزروك .
في الختام نقول تغمد الله الشهداء برحمته الواسعة وألهم ذويهم الصبر والسلوان وجعل هذه الدماء الزكية الطاهرة لعنة في الدنيا والآخرة على كل من تسبب في سفكها .
أياد السماوي / الدنمارك
aiad.alsamawi@gmail.com