صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

إزعاج المستوطنين جريمة والسكوت عليهم غنيمة
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 إنه منطقٌ أعوجٌ وسلوكٌ أعرجٌ، وسياسة عجيبة غريبة، سيئةٌ مقيتةٌ، لا يفرضها إلا الظالمون، ولا يعمل بها إلا المنحرفون الضالون، ولا يسكت عنها إلا المتآمرون الفاسدون، إنها السياسة التي تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضها بالقوة، وتثبيتها بالإكراه، وتمريرها كعرفٍ وعادةٍ، لتكون مع الأيام أمراً واقعاً، وسياسة ثابتة، تُفرض على الفلسطينيين ويُلزمون باحترامها، ويُحاسبون ويُعاقبون في حال اختراقها أو عدم احترام أصولها، رغم أنها سياسةٌ مخالفةٌ للمنطق ومنافيةٌ للحق، وتتعارض مع القوانين والأنظمة.
 
إذ كيف يُلزم المعتدى عليه باحترام جلاده، وتوقير ظالمه، وتأمين سارقه، وتقدير المعتدي عليه، والتعهد بعدم المساس به أو إيذائه، وعدم إزعاجه وإقلاقه، أو التحريض عليه وتهديده، بل والالتزام بمساعدته وتقديم العون له، وتسهيل حياته والسهر على راحته، والعمل تحت إمرته ومسؤوليته، لبناء بيته وتسييج حديقته وزرع حقله وتشجير بستانه، وهو يعلم أن هذه الأرض كلها تعود لهذا الفلسطيني الأجير عنده، والعامل فيها، الذي يتفطر قلبه حزناً، وتكاد تخرج عيونه من محجريهما أسىً ولوعةً عليها، ولكن العدو لا يأبه بالظلم ولا يردعه الألم، ولا يصده عن غيه الحق أو القانون.
 
يحق للمستوطنين أن يعبروا شوارعنا بسياراتهم الخاصة بسرعةٍ كبيرةٍ ودون الالتفات إلى المارة، ولا يدانون إن صدموا بسياراتهم سياراتٍ فلسطينية عابرة أو متوقفة، بحجة أنهم لا يستطيعون إبطاء السرعة مخافة أن يعتدي عليهم الفلسطينيون بالحجارة، أو أن يعترضوا سياراتهم بالحواجز ويعرضوا حياتهم للخطر.
 
أما إن دهس المستوطنون فلسطينياً وقتلوه أو أصابوه بجراحٍ خطيرة، فإن الفلسطيني هو المخطئ والمدان، وهو المحاسب والذي يجب أن يعاقب إن لم يقتل، إذ كيف يعترض سبيل المستوطنين أو يقف في طريقهم، وقد حدث أن دهس المستوطنون عشرات الفلسطينيين من الأطفال والمسنين والعجزة وعامة المواطنين، وغالباً تتسبب حوادث الدهس في مقتلهم، بل إن منهم من يتعمد قتل الفلسطيني، إذ يدهسونه بسيارتهم عدة مراتٍ حتى يتأكدوا من مقتله، وقد سجلت عدسات وسائل الإعلام إقدام بعض المستوطنين على ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة. 
 
يبرر المستوطنون جرائمهم واعتداءاتهم بأنها دفاعٌ عن النفس، وصدٌ للأخطار المحدقة بهم، وردٌ للظلم عنهم، ويطالبون العالم أن يتفهم ظروفهم، وأن يسكت عن أفعالهم، وأن يساعدهم في تحقيق أهدافهم والوصول إلى غاياتهم، ويحذرون الحكومات من مغبة الانجرار وراء الشكاية الفلسطينية، والاستماع إلى روايتهم الكاذبة، والقبول بمطالبهم الخادعة، فالفلسطينيون في نظرهم غزاةٌ مغتصبون للحق اليهودي، ومحتلون لأرض ممالكهم القديمة، وموطن أنبيائهم المقدسة، وهم الذين يعتدون عليهم فيقذفونهم بالحجارة، ويعترضون سياراتهم العابرة، ويتربصون بعامتهم ويطلقون النار عليهم، ويباغتونهم بالدهس أو الدعس، كما يتصيدون التائهين منهم، والضالين الطريق من أبنائهم، فيقتلونهم ويسلبونهم سلاحهم.
 
المستوطنون الإسرائيليون لا يرتكبون جرائمهم في صمتٍ أو في الخفاء، وإن كان بعضهم يتلثم أثناء تنفيذ جريمتهم، ويخفون وجوههم إلا أنهم يبدون هويتهم، ولا يخافون من شرطةٍ تلاحقهم أو جيشٍ يطاردهم، ولا يتورعون عن المجاهرة بها والتفاخر، بل يرتكبون جرائمهم في وضح النار، وأمام سمع رجال الشرطة وبصرهم، وفي ظل حماية الجيش لهم، الذي يساندهم ويساعدهم، ويستطلع لهم ويحذرهم، وينقض بسرعةٍ على من يعترضهم أو يقاومهم، فيعتقلهم أو يقتلهم، بحجة أنهم يعرضون حياة المستوطنين المعتدين للخطر، علماً أن غالبية المستوطنين يحملون أسلحةً ناريةً، ويهددون بها الفلسطينيون ويستخدمونها ضدهم أحياناً، في حين أن أقصى ما يحمله الفلسطينيون هو الحجر أو القبضات الفارغة إلا من العزم واليقين.
 
لا يتردد جيش العدو عن طرد الفلسطينيين من بيوتهم، وإخراجهم من منازلهم بالقوة، وتدميرها أو هدمها، بينما يعجز عن إخراج المستوطنين من بيوتٍ احتلوها، ومنازل سيطروا عليها، إذ يقدم المستوطنون على اقتحام بيوت الفلسطينيين ويقيمون فيها بعد طرد سكانها منها، ويقومون بإخراج متاعهم وأثاثهم من البيوت، ويلقون بها في عرض الشارع، ووسائل الإعلام تصور وتوثق، وعناصر الشرطة تراقب وتسكت، والجيش يقف غير بعيدٍ يراقب ويتابع، ويتأهب في أي لحظة لمهاجمة أي فلسطيني يحاول دخول بيته بالقوة، أو إعادة أثاثه إلى بيته.
 
ربما العكس من ذلك هو الصحيح، إذ تخاف الحكومات الإسرائيلية على اختلافها من المستوطنين، وتحسب حساب غضبتهم، وتراعي مطالبهم، وتسعي لتلبية رغباتهم، وعدم الوقوف أمام سياستهم، أو الاعتراض على شروطهم، ذلك أنهم يمثلون تكتلاً ضاغطاً، وصوتاً انتخابياً مؤثراً، ولهذا كان العديد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية، يخضعون لشروطهم، وينزلون عند رغباتهم، ويستجيبون لابتزازاتهم، فضلاً عن أن بعضهم متوافقٌ معهم أصلاً، ومنسجمٌ مع برامجهم وسياساتهم فكراً، ويؤيدهم فيما ينوون القيام به فعلاً.
 
تتفاوت اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم من مدينةٍ إلى أخرى، حيث تتجلى أسوأ الاعتداءات وأخطرها في مدينتي القدس والخليل، وفيهما يتواجد أشد المستوطنين تطرفاً وأكثرهم عنفاً، حيث يكثفون من هجماتهم على الفلسطينيين، وتتعدد جرائمهم واعتداءاتهم عليهم قطعاً للطرق واعتراضاً للسيارات والمارة، وإطلاق النار عليهم أو قذفهم بالحجارة، وسلباً للممتلكات، ونهباً للبيوت وتخريباً لها، وفي مناطق أخرى من الضفة الغربية يقومون بزرع البؤر الاستيطانية، وخلع أشجار الزيتون أو حرقها، وإتلاف محاصيلها ومنع أصحابها من الوصول إليها.
 
يشعر المستوطنون والمتدينون وعامة المواطنين الإسرائيليين وجنودهم وزوارهم، وأبناء دينهم من الجنسيات الأخرى، ومن أيدهم في ظلمهم وساندهم في اعتدائهم، أنهم فوق القانون، فلا يخضعون له ولا يحاسبون بموجبه، ولا يعاقبون بمقتضاه ولا يدانون ولا يحاكمون على أساسه، ولا يجوز الشكوى منهم أو الاعتراض عليهم، ولا تجدي مقاومتهم ولا ينفع قتالهم أو الاعتراض على مشيئتهم.
 
لعلهم يستمدون إحساسهم بالفوقية وتمتعهم بالأفضلية، من تعاليم توراتهم وتلمودهم، اللذان ينصان على أنهما شعب الله المختار، وأن ربهم قد باركهم وجعلهم في الأرض سادة، وسخر غيرهم لهم عبيداً يخدمونهم، أو حميراً يركبونهم، ولا ضير في قتلهم، ولا جريمة في سلبهم حياتهم، ولا حرمة في حرمانهم من أطفالهم أو حرقهم في بيوتهم، أو هدمها عليهم فوق رؤوسهم، فربهم يغفر لهم ويجيز قتلهم، بل يأمرهم –بزعمهم- على ذلك، إذ أن أرواحهم أقل منهم درجةً، بل هي نجسةٌ وهي أقرب إلى الحيوانات منزلةً.
 
إنهم إرهابيون، ظلمةٌ وقتلةٌ ومعتدون، ينبغي محاربتهم في كل مكانٍ، ومحاسبتهم على كل جريمة، ومعاقبتهم على كل اعتداء، فما يقومون به يخالف القوانين والأعراف، ويتناقض مع القيم والمبادئ، وعلى العالم الحر أن يقف في وجههم، وأن يضع حداً لتجاوزاتهم، وأن يضرب بيدٍ من حديدٍ على كل من تسول له نفسه التطاول على حياتهم، أو الاعتداء على ممتلكاتهم، وإلا فإنها شريعة الغاب التي تحكمها القوة، وتسودها البلطجة والعربدة، فهل يظنون أن قوةً تنسي الفلسطينيين حقهم، أو أن ظلماً يردعهم عن الدفاع عن وطنهم، أو أن تطرفاً يحملهم على التنازل بذلٍ والخضوع، والتسليم بمهانةٍ والقبول.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/18



كتابة تعليق لموضوع : إزعاج المستوطنين جريمة والسكوت عليهم غنيمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net