صفحة الكاتب : بهاء الدين الخاقاني

رمضان استنتاج تباريح العشق ونزعات الانسانية
بهاء الدين الخاقاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يا ترى كم لونت الوقائع السماوية لحياة هذا الانسان أو ذاك، الوقائع التي جذبت كل انسان الى شباك الغرام، وأن يكون عابدا على هذا النحو الجارف.
إن رمضان بحث في الجودة الفائقة والروعة المتناهية لإبداع الحرية الانسانية بالشعور بالآخرين جوعا وعطشا وحاجات من جهة ومن جهة اُخرى عبودية لجهة تتم بالارادة المطلقة دون فرض .
.. بعد فترة طويلة من الحياة المشتركة والدراسة والتأمُّل ترك التلاميذ الثلاثة معلمهم ليبدأوا رسالتهم في العالم، وبعد عشر سنوات عاد التلاميذ الثلاثة إلى معلمهم ليخبروه بما جرى معهم ..
فقال الأول بكبرياء: لقد ألّفت كُتُباً كثيرة وبعت آلاف النُسخ.. 
فأجاب المُعلِّم: لقد ملأتَ العالم بالورق.. 
وقال الثاني: لقد وعظتُ في أشهر المراكز.. 
فأجب المعلم: لقد ملأت العالمَ كلاماً.. 
ثم قال الثالث: عرفت الناس محتاجين فسعيت لهم بقضاء الحوائج..
فقال له المعلم : أما أنت فقد وجدتَ سبيل الله عز وجل.
ترى ما سرّ كل هذه الروعة في ترانيم الوله الذي ينتظم والسلوكية التي تتلون أطيافها وعقائدها ومعارفها في توحد موضوع وهو الصيام .
لكل متأمل في الأمر ثمة عناصر تجمع لبيان أمر ما وقد تفنن بأمر، وهام بحبه على نحو يفوق سائر أمور العاشقين، وفي العادة يكون الأمر المحبوب على قدر كبير من جمال الفكرة وجلال الرواء وإمتلاء محكم باليقين حيث يكون كل ذلك ملح الانسانية.
.. كان في زمن ما رجل كريم تقي، وفي أحد الأيام زاره رجل فقير جائع وطلب منه طعاماً، فآواه وجلب له الأكل و الشراب، وبينما كان الفقير يأكل أخذ الغنيّ يُعطيه درساً في الأخلاق والتقوى ومحبة الله عز وجل..
فقال الفقير: دعني من هذا الكلام..لأنه لم يكن عادلاً معي.. 
فما كان من الرجل إلا أن رفع الأكل من أمامه وشتمه وضربه وطرده من البيت، وفي الليل سمع صوتا هاتفا :
: لماذا طردتَ الفقير من بيتك؟..
 فأجاب الرجل: لقد كفر..وأنا دافعتُ عن الله عز وجل وطردتُه. 
: ومَنْ طلب منك ان تدافع عن الله سبحانه وتعالى..فالله عز وجل غاضب منك لأنك لا تعمل بأخلاقه عز وجل أبدا كما تدعي.. فالله الرحمن الرحيم منذ خمسين سنة وهو يحب هذا الشحاذ ويرزقه ويطعمه ويعتني به رغم أنه يستمر في الكفر..أما أنت فلم تتحمله مدّة ساعة واحدة.
وهكذا كان رمضان المتأجج بعشقه مفيدا للشعور ورسم واقعية السلوك لأنه يدل بوضوح تام على صلابة العزم والتصميم والصدق والتألق والتوهج المصاحب للحب والعشق والطهارة في السلوك والتطهير في التوبة وعلى صدق انسانية الانسان المبدع والعاشق أكان أسودا أو أبيضا أو أصفرا أو.
تكمن سيرة كل انسان من تقليب صفحات سجل الهيام والإبداع الشعوري والتفن العقلي ومايحتوي ذلك من حنو وحنين وتوق للأمر مقدس.
.. ربما يهمل قوم مساكينهم وفقراءهم وأيتامهم وأراملهم، فيسمع بذلك أحد العبّاد، فحمل كيسا وذهب إلى الناس ليهديهم، فظهر له إبليس حائلا بينه وبين جهده وهويصيح به: 
: مكانك أيها الرجل..لماذا تريد أن تفرض على الناس عملا ما؟
: لأنهم في ضلال  ..
: ما شأنك بهم ؟ .. دعهم في ضلالهم..
:كيف أدعهم من واجبي أن أهديهم ..
:من واجبك أن تترك الناس أحرارا .. يفعلون ما يحبون..
إنهم ليسوا أحرارا..إنهم يصغون إلى وسوسة الشيطان..وأريدهم أن يصغوا إلى صوت الله..فلا بد لي أن ابذل جهدي كي يهتموا ببعضهم البعض..
فتقاتل العابد وابليس طويلا الى ان انجلت المعركة عن انتصار العابد وقد طرح ابليس على الأرضوجلس على صدره وقال له:
:هل رأيت قوتي فقال له ابليس بصوت مخنوق:
:ما كنت أحسبك بهذه القوة..دعني وافعل ما شئت..
فخلى العابد ابليس فرجع الى بيته واستراح ليلته. 
ففكر ابليس لحظة، فرآى ان القتال والمصارعة مع هذا الرجل لن تتيح له النصر عليه، فليس أقوى من رجل يقاتل من أجل ايمان بفكرة، ولم يجد ابليس غير الحيلة كي يتغلب على العابد، فأخذ يلاطفه بلهجة الناصح المشفق عليه وقال له:
:إني أعارضك خشية عليك ورحمة بك..فانك بالالحاح على الناس بهذه الطريقة ستعرض نفسك لسخط الناس..مالك وهذه المتاعب تجلبها على نفسك..اُترك هذا الأسلوب فلي اُسلوب آخر يجعلك تحصل على مرادك..فانا أجعل لك في كل يوم دينارين تحت وسادتك..الدينار الأول تستعين به على نفقتك والدينار الثاني تساعد به المحتاجين وبذلك تعيش في أمن وسلام وطمأنينة..دون تكليف الناس بأمر ما ودون منة اللؤام منهم..
وأخيرا اتفقا ووضع كل منهما يده في يد الآخروتعاهدا.
انصرف العابد إلى بيته وصار يستيقظ كل صباح ويمد يده ويدسها فيخرج دينارين، وفي ذات صباح دسّ تحت الوسادة فخرجت فارغة، فغضب العابد وأخذ كيسه وذهب لمهمته، فاعترضه ابليس في الطريق وصاح به:
:مكانك يا عابد.. إلى أين أنت ذاهب؟
: إلى الناس أهديهم واُحفزهم لمساندة الناس ..
فقهقه ابليس ساخرا:
: تذهب تهدي الناس لأني قطعت عنك الثمن؟
: كلا كلا.. بل لأزيل الغواية واُضئ مشعل الهداية..
فانقض العابد على ابليس وقبض على قرنه وأمسك بخناقه، وتصارعا وتقاتلا وتضاربا طويلا، وإذا المعركة تنجلي عن سقوط العابد تحت حافر ابليس، ولقد انتصر عليه وجلس على صدره مزهوا مختالا..
 فقال له:أين قوتك أيها العابد؟ ..
فخرج من صدرالعابد المقهور كالحشرجة ..
وهو يقول:كيف تغلبت علي ؟ ..
فقال له:لما غضبت لله غلبتني..ولما غضبت لنفسك غلبتك..ولما قاتلت لايمانك صرعتني..ولما قاتلت لمنفعتك صرعتك.  
ولا يتفرد بنو آدم بالتطلع بمثل هذا العشق الفاتن للسمو وحب روعة الطهارة لحضارة الانسان، فقد كان الحب الأمثل ورمز الجمال فكرة ً تستحوذ على الطبيعة في أجزاءها المتعددة وفاعلياتها المستودعة فيها كفكرة ربانية في فطرتها وما فيها من سنن تجسد معجزة النظام في طبيعتها، لتسحوذ على ألباب العباقرة والمفكرين والعلماء تحسسا بحضارة ربانية وتعقلا من أجل أن تكون وسيلة لصناعة حضارة انسانية خادمة للبشرية .
إن فكرة جمال الجوع بارادة الفرد وحب العطش بحرية المرء وروعة الشعور بالحاجة أيا كانت، ومنها الشهوات عند الانسان نفسه أو الشعور بها في ما يعانيه الآخرون من جوع وعطش وحاجة، من يُتم وفقر وتشرد وجهل ووو .. 
.. تقول الأم تريزا: في إحدى الأمسيات، عندما كنتُ طفلة صغيرة، جاء أحدهم إلى بيتنا وأخبرنا عن عائلة هندوسية فقيرة عندها ثمانية أولاد لم يأكلوا شيئاً منذ أيام، أخذت صحناً من الطعام وذهبت إلى تلك العائلة فرأيت الجوع في عيون الأطفال، إلا أنَّ الأم أخذت الصحن شاكرة فوضعت نصف ما فيه من طعام في صحن آخر وخرجت لتعود بعد قليل والصحن فارغ، فسألتها ما فعلت بالطعام فقالت وهي تُشير إلى باب جيرانهم المسلمين..
:وهم أيضاً لم يأكلوا مثلنا منذ أيام.. 
فرجعت إلى بيتي وقد تعلمت الكثير..تسألوني متى ينتهي الجوع في العالم..وأنا أجيبكم: عندما نبدأ..أنت وأنا بتقاسم ماهو موجود.
الموضوع الرئيسي المقدس في نشيد رمضان السماوي عبر التاريخ، وفي رسم الفكرة وتلوين الحلم وتصوير الانسان من عدمه واِضاءة اليقين من عدمه وترقيم المجريات من عدم أهمالها وتقيم التجربة بضد فوضويتها، وما تعكس دعاية الادعاء أو الرياء أو الحقيقة مقارنة بالذنب أو بالعبث في موازين المعرفة ما بين أن تكون اِعلان الرحمن أو وهم الشيطان ..
.. فقد مرَّ رجلٌ بطفلة صغيرة ترتدي ملابس بالية وتطلب حسنة ..
 فقال في قلبه: لِمَ تسمح بذلك ياربي؟ أرجوك أفعل شيئاً..
وعند المساء جلس يُشاهد الأخبار فرأى صوراً لأطفال يُعانون من الجوع.. فقال في نفسه: ياربي لماذا هذه التعاسة؟ أرجوك افعل شيئاً..
وفي الليل سمع صوتا: إن ربك عزوجل قد فعل شيئاً..لقد صنعك أنت .
وكان قصب السبق عائداً للمفكرين بمختلف مشاربهم ديني وغير ديني، بأهمية الجوع كي يكون انتاجا، وبأهمية العطش كي يكون علما، وبأهمية الحاجة كي تكون أمّ الاكتشاف، هؤلاء الذين حبذوا الحرية في الإنقياد أزاء الحب والجمال وروعة الجسد في جميع مواقفة ومقاماتة لاكتشاف سر الروح المجهولة، كذلك قدروا على إقامة علاقة بين الاشكال التي يشتملها الجسد على نحو مبسط للغاية من روح ونفس وشعور وأحاسيس وعقل.
.. ليقسم أحد الرؤساء، في يوم من الأيام أن يمحو عن الأرض جميع أعدائه ويقضي عليهم قضاءاً مُبرماً، وهكذا انتظرت الأمة انتقام الرئيس من اعدائه وأخذوا يتوقعون شتى التوقعات وماذا سيفعل، وكانت دهشة الجميع عندما رأوه في حديقة القصر مُحاطاً بجميع أعدائه الألداء مُشاركا اياهم الطعام مُبتسماً فرحاً منشرحاً،ولما ذكروه بقسمه الذي قطعه على نفسه أن يمحو أعدائه من وجه الأرض..
قال:لقد وفيت بقسمي فعلاً..فالآن ليس لدي أعداء، لقد جعلتهم أصدقائي.
هكذا حلم أصحاب الأيمان بجمال رمضان وما فيه من حكمة ليس من منطلق الفكر فحسب أو العقيدة بل من منظور الجمال ذاته وجلال النتائج..  
والبعض قد ارتقى ليكون له يوما أو يومين وربما أكثر في الشهر الواحد أو الاسبوع الواحد رمضانا ما كي يعيش الانسانية .
bahaaldeen@hotmail.com
bahaa_ideen@yahoo.com
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بهاء الدين الخاقاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/09/02



كتابة تعليق لموضوع : رمضان استنتاج تباريح العشق ونزعات الانسانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net