يا أخت هارون! هل صدق القرآن في ذلك ؟
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حوار مع القس (إلياس إسحاق اسكندري) حول شبهة يا أخت هارون .
ملاحظة : يرجى التمعن في قراءة الهوامش فإن فيها التوضيحات المهمة للبحث .
دأب النصارى على إثارة الإشكالات حول بعض آيات القرآن الكريم واعتبار ذلك نقص فيه . ومن ذلك قوله تعالى مخاطبا مريم أم السيد المسيح : ((يا أخت هارون)) . فينطلق النصارى بالعرض والطول مثيرين ضجيجا كبيرا حول هذه الآية التي تدل في نظرهم على جهل من قبل القرآن بنسب السيدة مريم العذراء .
طبعا النصارى يخفون الحقيقة ظنا منهم بأن المسلمين لا يقرؤون الكتاب المقدس ، لأنهم يعتبرونه محرفا وبالتالي فإنه لا فائدة فيه .
في لقائي مع نيافة القس (إلياس إسحاق أسكندري) (1) على هامش المؤتمر بعد أن انتهى من موعظته وجلس للنقاش والإجابة على الأسئلة وقد سأله بعض المسلمين من الأفارقة وغيرهم عدة أسئلة أثارت حفيظة القس فأثار عدة إشكالات و سأل الحضور عدة أسئلة منها على سبيل المثال : من أين عرفتم أن إسم زوجة آدم حواء ؟ ومتى حرف الكتاب المقدس ؟ قبل النبي أو في زمنه أو بعده ، ثم قال بأن القرآن من تأليف محمد وليس كتاب مقدس والدليل أن محمد لم يعرف نسب مريم بنت عمران أم عيسى فنسبها إلى عمران أبو نبي الله موسى وهذا محال لأن بينهما آلاف السنين .
لم يجبه أحد من الحضور . فرفعت يدي وقلت له : يا نيافة القس ماذا تقرؤون في الكتاب المقدس في سفر العدد ؟
فقال لي : وماذا في سفر العدد ؟
قلت له نعم سوف أجيبك واقرأ عليك النص ولكن عليك ومن باب الأمانة الدينية أن تخبرني بالحقيقة التي تعرفونها فيما لو وضعتها بين يديك .
فسكت .
قلت له :أولا أنك مسيحي وأمر مريم أم نبيك عيسى يهمك أكثر من اليهود الذين رموها بالزنا والفاحشة فجاء القرآن فبرأها مما يقولون ووصفها بأحسن الأوصاف وأقدسها . إذن أنا لست في مصاف أعدائك الذين يرمون أم نبيكم بالفاحشة.
الثاني : أن الكتاب المقدس الإنجيل نفسه أخبرنا بأن مريم أخت هارون وموسى وهؤلاء أبناء عمران جميعا(2) يخبرنا الإنجيل عن مريم هذه بأنها كانت نبية هي وأخيها هارون لأن الله كلمهم جميعا وأوحى لهم جميعا فمريم بنت عمران أخت هارون كانت نبية طاهرة لم تتزوج وهي في حالتها هذه تشابه حالة مريم أم السيد المسيح من ناحية الطهارة من الدنس والقدسية حيث كلمها الوحي وكلمها الله ، إضافة إلى ذلك طهارة مريم أخت هارون تأت من حيث أنها لم يدنسها رجل على وصف الكتاب المقدس حيث يصف لنا الكتاب المقدس (3)حالة مريم وأنها من طهارتها أوحى الله لها كما أوحى لأخيها . فيقول على لسانها : (( فتكلمت مريم وهارون فقالا هل كلم الرب موسى وحده ألم يكلمنا نحن أيضا)) وفي نص آخر أكثر وضوحا أن الرب نزل شخصيا واختلى بمريم النبية وأخيها هارون : ((فنزل الرب في عمود سحاب ووقف في باب الخيمة ودعا هارون ومريم فخرجا كلاهما. فقال اسمعا كلامي. إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم اكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي. فما إلى فم وعيانا أتكلم معه لا بالألغاز .وشبه الرب يعاين)) (4) ومريم هذه أكبر من موسى وهي التي أمرتها أمها أن تراقب موسى عندما القته في النيل فقالت لها : ((قصيه)) (5) إضافة إلى نصوص أخرى تقول بأن مريم كانت تعضد أخاها موسى وتقف معه في رسالته .
والآن قل لي يا نيافة الأب . ألا ترى التشابه الكبير بين مريم بنت عمران أخت موسى وهارون ومريم بنت عمران أم السيد المسيح ؟
ومن كل ذلك نفهم أن السيدة مريم العذارء هي من بني إسرائيل وكانت على ديانة موسى عليه السلام وأن الله تعالى شبهها بأخت موسى وهارون وهي أيضا تشترك باسم الأب عمران . فهل في هذا دلالة على أن المقصود بمريم بنت عمران هو التشبيه والإشارة إلى أن مريم أم السيد المسيح هي مثل مريم أخت موسى وهارون أبناء عمران من حيث أنها طاهرة لم تتزوج ، وأن الملاك أو الرب كلمها وأحاطها بالرعاية التامة وتعهدها . أليس زكريا تعهد مريم وهو نبي ، وكذلك هارون تعهد مريم أخته وهو نبي أيضا . يضاف إلى ذلك أن القرآن يخاطب اليهود الذين يعتقدون بطهارة مريم بنت عمران أخت موسى وهارون وأنها نبية طاهرة غير مدنسة فأشار القرآن إلى هذه الناحية مذكرا إياهم بأن مريم أم السيد المسيح هي أيضا من أتباع موسى وأنها من حيث الطهارة تشبه مريمكم أخت هارون .
فسكت القس مليا ثم قال : ولماذا لم يقل القرآن يا أخت موسى ولماذا قال يا أخت هارون ؟ أليست هي أخت موسى أيضا؟
فقلت له : هل تعرف جواب هذا السؤال أو لا ؟
فقال لا أعرف الجواب :
فقلت له : من وجهة نظر كتابكم المقدس فإن اليهود هم الذين قالوا لمريم (يا أخت هارون) لأن هارون عندهم مصدر عار حيث جلب لهم الخزي بصنعه العجل وانحرافه عن دعوة أخيه موسى وتسببه في انحراف بني إسرائيل (6) , ولذلك عندما رأوا مريم تحمل طفلا وهي يهودية من بني إسرائيل نسبوها إلى فعل هارون مشيرين إلى أن فعلها هذا عار على بني إسرائيل .
فسكت المطران ولم يجب وبقى نظره مسمرا على الأرض.
ثم قلت له : وهناك قول يعضد ما نذهب إليه من أن اليهود دأبوا على إطلاق الأسماء حسب فعل الإنسان فكانوا مثلا ينادون بعضهم البعض بأسماء الصالحين من أنبياءهم وعلمائهم مثل يا أخا موسى يا أخا هارون ، مثلما نطلق نحن على أخ عربي فنناديه بـ : يا أخا العرب . علما أن هذه الشبهة ليست جديدة فقد انطلقت مع انطلاق الرسالة الإسلامية حيث أثار إلى ذلك اليهود معتبرينه نقصا في القرآن عندما سألوا المغيرة بن شعبة الذي جاءهم داعية من قبل النبي ص فقالوا له كما ينقل صحيح مسلم : ((عن المغيرة بن شعبة قال: «بعثني رسول الله (ص)إلى أهل نجران فقالوا: أرأيت ما تَقرؤون ( ياأُخْتَ هارُونَ ) ومُوسى قبلَ عيسى بكذا وكذا؟ قال المغيرة: فلم أدر ما أقول، فلما قدمتُ على رسول الله ذكرت ذلك له، فقال: ألم يعلموا أنهم كانوا يُسمُّون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم)).(7)
فقال لي القس : وكيف تثبت أن اليهود كانوا ينادون بعضهم بعض بأسماء صالحيهم أو طالحيهم ؟ فهل هناك دليل من الكتاب المقدس ينسب الناس إلى أنبيائهم وصالحيهم ؟
فقلت له نعم . ألم تقرأ قول الكتاب المقدس : ((كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا وامرأته من بنات هارون واسمها اليصابات)) .(8) وأنت تعلم أن بيّن أليصابات وبين هارون اخو موسى أكثر من ألف سنة ، ولكن الإنجيل استعار اسم هارون وأضفاه على اليصابات . (9)
ثم قلت له : وأليصابات هذه معاصرة لمريم بنت عمران أم عيسى عليهما السلام جميعا . وحدث لها ما حدث لمريم بالضبط حيث أنها كانت عاقر وعمرها كبير، ولكن الله شملها برعايته وأرسل لها ملك عظيم وألقى إليها البشارة فحملت . والكتاب المقدس إنما يورد قصة أليصابات لكي يقطع الحجة على أتباعه في مثل هذه الإشكالات ولذلك فإن القرآن الكريم عندما نسب مريم عليها السلام إلى هارون فهو حكاية عن فعل قومها فيما بينهم ، ولم يخرج هذا القول القرآني أبدا عن قول الإنجيل في أن اليصابات كانت ((امرأته اليصابات من بنات هارون)) مع وجود الفارق الزمن الكبير بينهما . فلماذا تعيبون على القرآن ذلك ولا تعيبونه على كتابكم المقدس .
ثم التفت وقلت له : هناك رأي آخر.هل تعرف السر الكامن وراء قول القرآن لمريم : ((يا أخت هارون)) ؟
قال : لا .
قلت له أنا أخبرك. اليهود كانوا ينتظرون نبي من نسل داود (10). ولما بُعث عيسى نبيا قالوا بأن هذا النبي من نسل داود . ولكن عيسى رفض ذلك وقال لهم في نص واضح لا غبار عليه : ((وقال كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ؟)) (11) نافيا كونه من نسل داود، ولذلك فإن القرآن لما كان مهيمنا وحارسا على الكتب السماوية فإنه ذكر التسمية الصحيحة التي رفضها السيد المسيح عليه السلام فقال : ((يا أخت هارون)) نافيا أن يكون السيد المسيح وأمه من نسل داود ، بل نسبه القرآن إلى أمه فقال تعالى : ((إنما المسيح عيسى بن مريم)). (12)وذلك أن الله تعالى أراد أن يصل نسب المسيح بنبي الله إبراهيم مع أن عيسى ليس له أب ، ولكن الله تعالى جعل نسله متصلا بإبراهيم عن طريق أمه مريم ولذلك قال تعالى : ((ومن ذريته .... وزكريا ويحيى وعيسى )) (13)فمع أن الفارق الزمني الكبير بين إبراهيم عليه السلام وعيسى إلا أن الله تعالى جعله من ذريته نافيا تعالى أن يكون للبعد الزمني أي تغيير في النسب مهما أمتد وتباعد .
انتهى حواري مع نيافة القس وودع كلٌ منا صاحبه واتفقنا على أن نستمر بالمراسلة لأنه سوف يغادر غدا إلى النرويج لأداء مهمته .
أهداف الله تعالى من وراء نسبة عيسى إلى إبراهيم عبر أمه .
ولكن هذا الحوار القصير مع القس جعلني أتأمل في قوله تعالى وأسباب ذكره لنسب عيسى. لأن الله تعالى حكيم ولابد أن تتجلى حكمته في قوله ولابد أن يكون هناك هدف وراء ذكره لهذا النسب الذي كان عن طريق الأم. قادني هذا التأمل إلى إتمام الموضوع عن طريق ربطه بموضوع آخر عنّ لي أثناء الحوار وهو مسألة بنوة الإمامين الهمامين الحسن والحسين عليهما السلام من كونهما أبناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق أمهم الزهراء سلام الله عليها .وهو ما كان مشهورا لدى المسلمين ومنذ الصدر الأول للإسلام ، حيث ورد ذلك على شكل أحاديث وإشارات عن صاحب الرسالة محمد ص كقوله مثلا : هاتوا لي ابني ، وأين ابناي ، وكل نبي ذريته من صلبه وذريتي من صلب علي وهذا ما سوف تقرأه في ثنايا البحث الآتي .
فكيف كان ذلك ؟
من كل ما تقدم نفهم أن حكمة الله تعالى من وراء إنزال مثل هذه الآيات لا يستطيع البشر فهمها يوم نزولها من دون الاستعانة بالنبي ص مفسرا ومبينا لهم بعض الذي يختلفون فيه. هذه الحكمة التي يعرف أسرارها الأنبياء وأوصيائهم لعلها تخفى على عامة الناس لا بل حتى على علمائهم إن لم يأخذوها من منبعها الأصلي فالعلم له حملة (14) قد لا يطيق حمله غيرهم وإنما الناس عيال على هؤلاء أما بقية الناس فيحتاجون إلى مراحل طويلة لفهم بعض النصوص لأن الإنسان كلما تكامل وترقى في المستوى الثقافي والإيماني تكشفت له معان جديدة للقرآن لا يمكن الالتفات إليها في المستويات الواطئة.
فقضية مريم وابنها عيسى عليهما السلام لم يوردها تعالى اعتباطا أو من دون هدف لأن الكتاب من لدن حكيم عليم فهو مليء بالحكمة وحكمته لم تكن وليدة عصر نزوله ، لا بل أن هذه الحكمة حية نابضة بالحياة ما دامت الدنيا قائمة وللحكمة الإلهية مرامي بعيدة قد لا يأت تأويلها إلا بعد زمن ولكن يبقى المعصوم هو المفسر الحقيقي لنصوص القرآن الكريم ومن المعروف لدى الخاص والعام أن كل التفاسير والمفسرين هي عيال على علي بن أبي طالب وآل بيته عليهم السلام.
إذن فالحكمة من وراء إيراد قصة عيسى وأمه هي لربما إشارة إلى ما سوف يلاقيه آل بيت الرسول ص من تشكيك في ماهيتهم من قبل طواغيت زمانهم فذكر تعالى قصة نسب عيسى عليه السلام وانتمائه إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام عبر أمه لأن عيسى ليس له أب وهذا ما حدث حيث أن المسلمين كانوا يعرفون من خلال ما ورد على لسان النبي العظيم (ص) أن الحسن والحسين وسائر أبنائهما هم جميعا أبناء رسول الله ص. وهذا الأمر اقض مضجع الحكام الظلمة من الأمويين و العباسيين وغيرهم الذين كانوا يعتبرون أنفسهم من سلالة النبي ص ولذلك كانت تسمية الأئمة المعصومين وأولادهم بأنهم ـ أولاد رسول الله ـ تؤذيهم كثيرا . ولربما لحادثة المدينة المنورة أبلغ الأثر في بيان المدى الذي وصل إليه عذاب هؤلاء الظلمة.
فمما يُروى أن هارون الرشيد وقف أمام قبر النبي ص وسلم عليه قائلا : السلام عليك يا ابن عم يا رسول الله. وكان مزهوا منتشيا متفاخرا بذلك على من حوله من وجوه القوم وعليتهم. فما كان من الإمام موسى بن جعفر الصادق إلا أن يتقدم ويسلم على النبي قائلا : السلام عليك يا أبة يا رسول الله ص . فاحولت عينا الرشيد الذي لم يسعه إلا أن يقول مداهنا للإمام : هذا هو الفخر يا موسى وعينا الرشيد تدور في وجوه كبار رجالات دولته الذين ما أن سمعوا صوت الإمام الكاظم يقول : السلام عليك يا أبة يا رسول الله إلا وقد علت وجوههم الخشية والهيبة من هذا النسب الرفيع الناصع الشريف المتعلق بالثريا فخرا وشرفا وسموا . ولكن الرشيد بدلا من أن يتصاغر للحقيقة أبى واستكبر وأضمرها للإمام ولم يغمض له جفن حتى نقله إلى بغداد وسأله عن أسباب قوله ذلك وهذا ما سوف نذكره حيث نورد بعض ما حدث من وقائع أشارت إلى عظيم قلق هؤلاء الحكام الظلمة من هذه التسمية الشريفة العالية المضامين ، ومحاولة قتل كل من يتفوه بها أو يصرح بها حتى لو كان الإمام نفسه خصوصا وأن كل القائلين بأن الحسن والحسين هما أبناء رسول الله ص يستدلون على ذلك بآية قرآنية واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار وهي بنوة عيسى لنبي الله إبراهيم عبر مريم وهو مما لا ينكره العقل ولا يجدون له دفعا إلا ذبح وإسكات من يتفوه به .
رجع هارون الرشيد من مكة وما أن استقر به المقام في بغداد حتى أرسل خلف الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام وهو يتميز غيضا من سماع علية القوم ومن فم الإمام بأنه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال هارون العباسي للإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام ) : لِمَ جوّزتم للعامّة و الخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله) و يقولوا لكم : يا بَني رسول الله ! و أنتم بَنو علي ، و إنّما يُنسب المرء إلى أبيه ، و فاطمة إنّما هي وعاء ، و النبي (صلَّى الله عليه و آله ) جدّكم من قِبَل اُمّكم ؟.
فقال الكاظم ( عليه السَّلام ) : يا أمير المؤمنين ! لو أنَّ النبي (صلَّى الله عليه و آله) نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تُجيبه ؟
فقال هارون : سبحان الله ! و لم لا اُجيبه بل أفتخر على العرب و العجم و قريش بذلك.
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : لكنّه لا يخطب إليَّ و لا أُزوجه .
فقال هارون : و لم ؟
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : لأنّه ولدني و لم يلدك .
فقال هارون : أحسنت يا موسى!
ثم قال هارون : كيف قلتم إنّا ذرّية النبي (صلَّى الله عليه و آله) و النبي لم يعقب ، و إنّما العقب للذكر لا للأنثى ، و أنت ولد الابنة و لا يكون لها عقب له .
قال (عليه السَّلام) : أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه ، إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة.
فقال هارون : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ! و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم ، كذا اُنهيَ إليَّ ، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، وأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف و لا و إلاّ تأويله عندكم ، و احتججتم بقوله عَزَّ و جَلَّ : ((مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ )) و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم .
فقال الكاظم ( عليه السَّلام ) : تأذن لي في الجواب ؟
قال هارون : هات .
قال (عليه السَّلام) : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال هارون : ليس لعيسى أب.
قال الكاظم (عليه السَّلام) : إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء (عليهم السَّلام) من طريق مريم (عليها السَّلام) ، و كذلك اُلحقنا بذراري النبي (صلَّى الله عليه و آله) من قبل اُمِّنا فاطمة (عليها السَّلام).
وهكذا أثبت الإمام الكاظم عليه السلام من أن نسبه ممتد إلى رسول الله عن طريق فاطمة ابنته ، ولذلك أورد الآية الآنفة والتي تُشير إلى أن عيسى عليه السلام هو ابن إبراهيم من طرف أمه لأن عيسى لا أب له . فقطع عليه الحجة وأسكته .
وفي حادثة أخرى مماثلة حدثت مع طاغية زمانه الحجاج بن يوسف هذا السفاح الذي لا يهمه من أمر رسول الله ص ولا نسبه ولا يخصه لا من قريب ولا من بعيد بأي خصيصة نراه أيضا تقوم قيامته ولا يقر له قرار عندما سمع يحيى بن معمر يُحدث الناس بأن الحسن والحسين عليهم السلام هما أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فنرى الحجاج يعمد إلى نصب مجلس محاكمة وفي وسط ساحة المحكمة فرش النطع والسيّاف قائم بيده السيف كأنه شعلة نار .
من خلال الواقعة التالية يستطيع حتى القارئ المتواضع الثقافة أن يرى عظيم اضطراب القوم من هذه الرواية وخشيتهم وتعطشهم إلى سفك دم من يرويها أو يأت على ذكرها .
قال الشعبي: كنت بواسط (15) ، وكان يوم عيد الأضحى، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج (16) ، فخطب خطبةً بليغة، فلما انصرف جائني رسوله فأتيته، فوجدته جالساً مستوفزاً، قال: يا شعبي هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحي برجل من أهل العراق، وأحببت أن تسمع قوله، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به.
فقلت: أيها الأمير، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وتضحي بما أمر أن يضحي به، وتفعل فعله، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره.
فقال: يا شعبي، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه، لكذبه على الله وعلى رسوله، وإدخاله الشبهة في الإسلام.
قلت: أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط، وبالسيَّاف فأُحضر، وقال: أحضروا الشيخ، فأتوه به، فإذا هو يحيى بن يعمر(17) ، فأغتممت غماً شديداً، فقلت في نفسي: وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله؟
فقال له الحجاج: أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى: أنا فقيه من فقهاء أهل العراق.
قال: فمن أي فقهك زعمت أن الحسـن والحسـين عليهما السلام من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله .
قال: ما أنا زاعم ذلك، بل قائل بحق.
قال: وبأي حق قلت؟
قال: بكتاب الله عز وجل.
فنظر إليَّ الحجاج، وقال: اسمع ما يقول، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فجعلت أفكر في ذلك، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك.
وفكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى: لعلك تريد قول الله عز وجل: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبناءَنا وَأَبْنَاءَكم وَنِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ على الكاذبينَ ) (18) وأن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
قال الشعبي: فكأنما أهدى لقلبي سروراً، وقلت في نفسي: قد خلص يحيى، وكان الحجاج حافظاً للقرآن.
فقال له يحيى: والله، إنها لحجة في ذلك بليغة، ولكن ليس منها أحتج لما قلت.
فاصفرَّ وجه الحجاج، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال: إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك، فلك عشرة آلاف درهم، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك.
قال: نعم .
قال الشعبي: فغمني قوله فقلت: أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه، ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج: قول الله عزّ وجلّ ( وَمِن ذُرِّيتهِ دَاوُدَ وَسليمانَ ) (19) من عنى بذلك ؟
قال الحجاج: إبراهيم عليه السلام .
قال: فداود وسليمان من ذريته ؟
قال: نعم .
قال يحيى: ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى: (وَأيّوب وَيوسفَ وَموسى وَهارونَ وَكذلِكَ نَجزي المُحسنينَ).(20)
قال يحيى: ومن ؟
قال: ( وَزكريا وَيَحيى وَعِيسى ) (21) .
قال يحيى: ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم عليه السلام، ولا أب له؟
قال: مِن قِبَل أُمّه مريم عليها السلام .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم عليه السلام أم فاطمة عليها السلام من محمد صلى الله عليه وآله؟ وعيسى من إبراهيم، أم الحسن والحسين عليهما السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قال الشعبي: فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال: أطلقوه قبّحه الله ، وادفعوا إليه عشرة الآف درهم لا بارك الله له فيها.
ثمّ أقبل عليَّ فقال: قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه، ودعا بجزور فنحره وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه، وما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً (22).
وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في ذكر هذه الآية واتصال نسب عيسى عليه السلام من طرف أمه بنبي الله إبراهيم عليه السلام مع أن بين إبراهيم وعيس أكثر من أربعة آلاف عام. فالهدف من ذكر نسب عيسى وامتداده إلى إبراهيم عن طريق أمه هو آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتسابهم إلى رسول الله ص عن طريق أمهم الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها فقد قطع تعالى الحجة على العباد حول بنوة الحسن والحسين عليهم السلام وانتسابهم إلى رسول الله ص وأغلق بذلك أفواه المتقولين ولذلك نرى الناس وإلى هذا اليوم يطلقون على السادة من ذرية الحسن والحسين بأنهما أبناء رسول الله ص.
من هذا المعنى يُقال للحسن والحسين سلام الله عليهما أبناء رسول الله ويشمل هذا نسلهم أيضا حيث يمتد هذا النسب إلى يوم القيامة حيث لا يحل لرسول الله ص أن يتزوج من أبناء الحسن والحسين وان امتد النسب وتمادى الزمان ، ونفس الحال بالنسبة إلى عيسى حيث أن نسبه يمتد إلى نبي الله إبراهيم عبر مريم سلام الله عليهم . أليس في ذلك دلالة على عمق الحكمة الإلهية وأن في آيات القرآن حكمة لا تدركها العقول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1- قس مصري زار الدول الاسكندنافية عام (2009) حيث زار السويد وفنلندا وغيرها من أجل اللقاء بالمسيحيين العرب وإلقاء الموعظة عليهم التقيته في صالة اجتماعات بلدية مدينة هلسنكي حيث كان اجتماعه منعقدا هناك ، وتم توجيه الدعوة فيها إلى بعض أئمة المساجد وعامة المسلمين العرب .
2- بحسب الكتاب المقدس فإن مريم هي بنت عمران أبو موسى وهارون : ((واسم امرأة عمرام يوكابد بنت لاوي التي ولدت لعمرام هرون وموسى ومريم آختهما.)) وعمران اصلها بالآرامية عمرام . سفر العدد الاصحاح 26 : 59.
3- سفر العدد الإصحاح 12 الفقرة : 1 ـ9 .
4- سفر العدد الإصحاح 12 : 5.
5- سورة القصص آية 11 : ((وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون)) .ولذلك فإن مريم تعتبر من أحد أهم أسباب المحافظة على موسى وإرجاعه لأمه بعد أن خاضت في النيل المليء بالتماسيح لكي تعرف مصير أخيها الصغير موسى ثم تسللت وبخطورة بالغة إلى قصر الطاغية فرعون وبتسهيل من الله سمعوا كلامها وطلبوا المرضعة التي كانت أمه فخلد القرآن تضحية مريم أخت موسى .
6- عندما أبطأ موسى عن بني إسرائيل في ذهابه إلى جبل الطور أمر هارون بني إسرائيل أن يجمعوا له كل الذهب ليصنع لهم اله يعبدونه وعمل له معبد: ((فقال لهم هرون انزعوا اقراط الذهب التي في اذان نسائكم وبنيكم وبناتكم واتوني بها. فنزع كل الشعب اقراط الذهب التي في اذانهم واتوا بها الى هرون. فاخذ ذلك من ايديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا هذه الهتك يا اسرائيل فلما نظر هرون بنى مذبحا امامه .ونادى هرون وقال غدا عيد للرب)) يعني اليوم الذي صُنع فيه العجل سفر الخروج الاصحاح 32 : 2 .
7- اضافة إلى صحيح مسلم وغيره انظر كافة التفاسير حول تفسير هذه الآية .
8- راجع إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 5 .
9- أوردت للقس قصة أليصابات من الكتاب المقدس ثم قلت له : بالله عليك هل ترى فرقا بين هذا النص وبين النص القرآني ؟؟ طبعا لم يجب أبدا . ثم قلت له : إن مريم كانت على مرمى حجر من اليصابات وكلاهما من بنات هارون ثم ذكرت له النص كاملا وهو كما يلي : ((كان في ايام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا وامراته من بنات هرون واسمها اليصابات. وكانا كلاهما بارين امام الله ولم يكن لهما ولد اذ كانت اليصابات عاقرا وكانا كلاهما متقدمين في ايامهما فظهر له ملاك الرب فلما راه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لان طلبتك قد سمعت وامراتك اليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا فقال زكريا للملاك كيف اعلم هذا لأني انا شيخ وامراتي متقدمة في ايامها. فأجاب الملاك وقال له انا جبرائيل الواقف قدام الله وارسلت لأكلمك وابشرك بهذا. وها انت تكون صامتا ولا تقدر ان تتكلم)) إنجيل لوقا الإصحاح الأول : 5 – 20. . ثم قلت له قل لي بربك أليس هذا مصداق قوله تعالى : (( قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ايام إلا رمزا ))لا ترى أن النص الإنجيلي يقول : ((وها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلم )) والنص القرآني يقول : ((أن لا تكلم الناس ثلاث أيام إلا رمزا))
أليس في ذلك تأكيد على أن القرآن عندما أضاف اسم هارون إلى مريم فهو على دراية كاملة بمجريات ذلك الزمان وتسمياته . وهل خرج ذلك عما موجود عندكم حرفيا في الإنجيل .
10 - النصارى أيضا يرون من أن عيسى عليه السلام هو من نسل داود عن طريق أبيه يوسف النجار ابن خالة مريم . حيث ينسبون عيسى إليه في شجرة نسب عيسى حيث يزعمون بأن يوسف هو رجل مريم والنص كما يلي في إنجيل (يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يُدعى المسيح) . طبعا هنا يتخبط كتبة الأناجيل تخبطا عجيب في هذه المسألة حيث يقدم لنا نصوص اختلطت ما بين كون عيسى حبلت به أمه من الروح القدس وبين أن عيسى هو ابن يوسف النجار . وهذا يدل على قلة إيمانهم بما أنزل الله من آيات بينات بنسب عيسى الذي ينفيه عيسى أيضا كما في النص المتقدم أعلاه والذي ينفي فيه أن يكون ابن داود أي من جهة الأب لأن لا أب له . النص التالي يؤكد لنا هذه الحقيقة من كون يوسف هو من نسل داود وليس مريم : ((ولكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا: «يا يوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك. لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. إنجيل متى الإصحاح 1 : 20))
11 - إنجيل لوقا الإصحاح 20 : 41.
12- سورة النساء آية : 171.
13- سورة الأنعام آية : 82.
14- مثل قوله تعالى : وتعيها أذن واعية . وكذلك قوله تعالى : ومن عنده علم الكتاب . فأمثال هؤلاء لا يمكن للبشر أن يستغني عنهم في فهم الكثير من النصوص القرآنية لأنهم هم حملة القرآن ولن يفترقا حتى يوم القيامة.
15- مدينة بناها الحجاج في العراق عام 83 | 84 هـ ، وسميت واسطاً لتوسطها بين البصرة والكوفة والاَهواز وبغداد، فإن بينها وبين كل واحدة من هذه المدن مقداراً واحداً وهو خمسون فرسخاً . التنبيه والاَشراف: ص311 ، وفيات الاَعيان لابن خلكان: ج2 ص50.
16- الحجّاج بن يوسف الثقفي ، اشتهر بولائه للبيت الاَموي ، وبعدائه ونصبه للبيت العلوي، ولد في الطائف سنة 40 هـ ونشأ فيها ، كان والياً من قبل عبد الملك بن مروان وقد أولع في قتل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأخذهم بكل ظنّة وتهمة أمثال قنبر غلام أمير المؤمنين عليه السلام وكميل بن زياد وسعيد بن جبير وأمثالهم ، قال ابن خلكان عنه : وكان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يُسمع بمثلها ، وكان الحجاج يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء وارتكاب أمور لا يُقدم عليها غيره . وكان مرضه بالاَكلة وقعت في بطنه (السرطان)، ودعا الطبيب لينظر إليها ، فأخذ لحماً وعلقه في خيط وسرحه في حلقه وتركه ساعة ثم أخرجه وقد لصق به دود كثير ، وسلّط الله عليه الزمهرير ، فكانت الكوانين تجعل حوله مملؤة ناراً وتدنى منه حتى تحرق جلده وهو لا يحس بها ، وشكى ما يجده إلى الحسن البصري فقال له : قد كنت نهيتك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلحجت ، فقال له : يا حسن ، لا أسألك أن تسأل ان يفرّج عنّي ، ولكني أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي ، واقام الحجاج على هذه الحالة بهذه العلة خمسة عشر يوماً ، توفي في شهر رمضان سنة 95 هـ في مدينة واسط ودفن بها وعُفي قبره . راجع : وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج 2 ص 29 ترجمة رقم : 149 ، سفينة البحار : ج 1 ص 221 ـ 222 .
17 - هو : أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري ، ولد في البصرة ، وهو أحد قرّائها وفقهائها ، كان عالماً بالقرآن الكريم والفقه والحديث والنحو ولغات العرب ، وكان من أوعية العلم وحملة الحجة ، أخذ النحو عن أبي الاَسود الدؤلي ، وحدَّث عن أبي ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وابن عبّاس وغيرهم ، كما حدث عنه جماعة أيضاً ، وكان من الشيعة الاَولى القائلين بتفضيل أهل البيت ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ، وقيل : هو أول من نقّط القرآن قبل أن توجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة ، وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلّف ، طلبه الحجّاج من والي خراسان قتيبة بن مسلم فجيء به إليه ، لأنه يقول أن الحسن والحسين عليهما السلام ذرّية رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد أذهل الحجّاج بصراحته وجرأته في إقامة الحق وازهاق الباطل حتى نصره الله عليه ، كما نفاه الحجاج في سنة 84 هـ لأنه قال له : هل اُلحِنْ ؟ فقال: تلحن لحناً خفياً ، فقال : أجلتك ثلاثاً ، فإن وجدتك بعدُ بأرض العراق قتلتك ؟ ! فخرج ، وأخباره ونوادره كثيرة ، توفي ـ رحمة الله عليه ـ سنة 129 هـ . راجع ترجمته في: وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج 6 ص 173 ـ 176 ، ترجمة رقم : 797 ، معجم الاَدباء للحموي : ج 20 ص 42 ـ 43 ، ترجمة رقم : 23، سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 4 ص 441 ـ 443 ، الاَعلام للزركلي : ج 9 ص 225 ، مستدركات علم رجال الحديث للشاهرودي : ج 8 ص 242 ترجمة رقم : 16298 .
18 - سورة آل عمران آية : 61.
19- سورة الأنعام آية : 84.
20 - سورة الأنعام آية : 84.
21- سورة الأنعام آية : 85.
22 - هذه الواقعة تجدها في المصادر التالية : كنز الفوائد للكراجكي: ج1 ص 357 ـ 360 ، بحار الاَنوار للمجلسي : ج 10 ص 147 ـ 149 ح 1 ، وج 25 ص 243 ـ 246 ح 26 ، وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج 6 ص174، العقد الفريد للاَندلسي : ج 2 ص 48 ـ 49 ، وج 5 ص 281 ، بتفاوت
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat