صفحة الكاتب : راسم المرواني

(نظرية المؤامرة) ... بين (الكسالى) و (المتواطئين)
راسم المرواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حين تنهدم بناية ما ، أو يتهاوى سد ما ، او يحدث زلزال في زمان ما ، او في مكان ما ، فإن أهم من يبدر لتناول الموضوع والتعليق عليه ، هم ثلاثة اصناف من الناس .
 
فالصنف الاول ، هو الصنف الكسول أو الخامل ، والذي يرجئ الحوادث الى (الغيبيات) ، ويلبسها رداء الحكمة والارادة الالهية ، ويضعها في بودقة (القدر) أو (الاستحقاق) ، لكي يستريح من عناء (إعمال العقل) والتفكير ، وهؤلاء هم أحد أسباب تقهقر وتخلف الأمم ، واستلاب قدرتها على التقدم والتطور ومواكبة روح العصر والتغيير والحداثة .
 
أما الصنف الثاني ، فهم (الأذكياء) ، ذوو العقول من المحققين الناشطين الباحثين عن الحقيقة ، والذين يجمعون الاسباب ، ويقرأن النتائج ، لكي يصلوا الى (المسببات) ، سعياً وراء تجنب هذه الاسباب ، وكبح جماح الاخطار المترتبة عليها ، وهؤلاء هم أحد أهم أسباب تقدم الامم وحضارتها ، وهم المعوّل عليهم ليكونوا مفاتيح البحث والتقصي من أجل رسم خطط للمستقبل على وفق خارطة البحث والتشبث بالمنظومة المعرفية .
 
من بين هذين الصنفين ، يبدر صنف ثالث (كسول) أو (متواطئ) مع الاسباب والمسببات ، وهو الصنف الذي يقف بازاء الصنف الثاني ، ويتهمه بالانزياح نحو (نظرية المؤامرة) ، وهذا الصنف ليس لديه مشكلة مع الصنف الاول ، بل من المتوقع ان تكون تفسيرات الصنف الاول (الغيبية) هي من موارد القبول لدى الصنف الثالث ، حتى لو كان هذا الصنف - الثالث - ممن يسخر من الطروحات (الميتافيزيقية) ، أو ممن لا يؤمن - أساساً - بالغيبيات ، ولا يقيم لها وزناً . 
 
 إن مشكلة الصنف الثالث تكمن مع الصنف الثاني ، ومع كل من يحاول تحليل الحوادث وقراءة نتائجها للوصول الى (مقدماتها) ومسبباتها ، وذلك بما يمتلكه الصنف الثالث من شعور (محتاط) بأن قراءة الاحداث ونتائجها ومعرفة اسبابها ومسبباتها ، قد يشكل خطراً على مسيرة وخطوات ومفردات الاجندات السياسية والاقتصادية التي يتوافق معها ، أو يعمل لصالحها ، بما تسببه من (وعي) جديد لدى أفراد المجتمع ، وإحساسه بالخطر الناجم عنها ، مما يحمله على التصدي لهذه الأجندات والمشاريع ، ويفتح جبهة غير مرغوب بها في الصراع من أجل (مصالح الكبار) .
 
ولذلك ، فهم غالباً من المتشدقين بـإرجاء واتهام وإزاحة عمليات التفكير والتحليل والفرز والقراءة والبحث لدى ذوي العقول الواعية الى (نظرية المؤامرة) ، لكي يقوموا بـ (فرملة) الوعي المجتمعي ، ويحيلوا عمليات التحليل والتفكير الى جريمة اخلاقية تسمى بــ الانزياح نحو (نظرية المؤامرة) .
 
فعلى سبيل المثال ، لو اخذنا (top view) لحادثة من الحوادث ، ولتكن مما يحصل بين الحشد الشعبي من جهة ، و (داعش) من جهة ، وتابعنا الطائرات الامريكية وهي (تلقي المساعدات والاغذية والاسلحة على الدواعش بطريق الخطأ) ، ثم تقوم بعمليات (قصف قطعات الحشد الشعبي عن طريق الخطأ) ، فسنجد بأن ردود الافعال تتفاوت بين الاصناف الثلاثة الى مستويات ثلاثة .
 
فالصنف الاول سيقول ان (مشيئة الله وحكمته) اقتضت هذا (الخطأ) ، وأن ما حدث هو (بما كسبت ايدي الناس) ، ثم يبرر فهمه بما يسوقه من الآيات والروايات والاحاديث الداعمة ، والتي من شأنها أن تُخرس المتلقين ، وتضعهم أما طائلة (الخطوط الحمراء) ، لأن مجرد ذكر (حكمة ومشيئة الله) تقتضي الصمت وعدم المناقشة وعدم التفكير ، رغم أنف الايات القرآنية الكثيرة ، والتي تريد من الخلق ان (ينظرون ، ويتفكرون ، ويعقلون) .... ثم يستنتجون . 
 
اما الصنف الثاني فسوف يبدأ بإعمال العقل ، وجمع المعطيات ، ودراسة المقارنة بين المواقف السابقة والحالية ، ويضع الاسئلة ، ويبحث عن الاجوبة ، ويلملم القرائن ، ليصل الى النتائج المتسلسلة التالية :-
- إن الجيش الأمريكي الذي يمتلك تقنيات عسكرية متقدمة جداً ، والتي تمكنه من تحديد أهدافه بدقة متناهية قد تصل إلى البوصة المربعة على الارض ، لا يمكن ان تخطئ اهدافها بشكل متكرر ، وعليه ، فالخطأ (مستبعد) هنا ، وتكرار نفس الخطأ أشد استبعاداً ، وإن تسويق هذه الأفعال على إنها من (الخطأ) فهي محض (خدعة) يراد تسويقها لكي تخفي ورائها حقيقة ، فما هي الحقيقة ؟ 
لو أضفنا لذلك عمليات (العلاج الطبي) التي يتلقاها (الدواعش) في مستشفيات (تل أبيب) ، لانتهينا إلى نتيجة منطقية التقصي ، يمكن أن توصلنا إلى حقيقة أن أمريكا (لا تريد) القضاء على (داعش) ، بل تريد (تمكينه) و (استمراره) ، ولكن لماذا ؟ 
الجواب هو ... ربما لانها تريد استخدام داعش كورقة ضاغطة ، أو قل وسيلة من وسائل (الاساثمار) ، ولكن على من ؟؟ ولماذا ؟ 
والجواب الاستنتاجي هو ... 

ربما من أجل تمكين واستمرار مشروع (الربيع السلفي) الذي يسميه البعض بــ (الربيع العربي) ، والذي اتضحت نتائجة التدميرية على دول المنطقة ، أو ربما لاتخاذ داعش وسيلة من وسائل (الاساءة) إلى الشريعة المحمدية ، وإعطاء صورة (دموية) عن هذه الشريعة لدى المجتمعات المتحضرة ، ولربما اتخذت (داعش) كأداة (تهديد) ضد دول العالم من اجل (ابتزازها) مادياً ، أوكسب مواقفها السياسية . 
 
ومن هنا ، فمن (المنطقي) أن الاحزاب ، والمليشيات ، والحكومات التي تثق بالموقف الامريكي (المعلن) الرافض للارهاب ، والتي تصدق (أكذوبة) مشاركة الجيش الأمريكي في العمليات العسكرية ضد داعش ، فهي إما ان تكون (غبية) أو (منبطحة) أو (عملية) لامريكا .
 
إن خطورة الوعي التحليلي والاستنتاجي لدى الصنف الثاني ، سيجر وراءه الكثير من الاسئلة والنتائج الاخرى التي من شأنها ان تغير الفهم والمواقف لدى المجتمع ، وهنا يأتي دور (المتواطئين) والعملاء الذين يتهمون ذوي الوعي والاستنتاج والتحليل بانهم خاضعون لنظرية المؤامرة ، ليقمعوا استنتاجاتهم ، ويضعوا المجتمع في حالة رفض لهؤلاء المفكرين ، ليضمنوا دعة وكسل المجتمع الضامنة لمرور مشاريع الكبار .
 
اما الكسالى ، فهم لا يعنيهم أمر داعش ولا الحشد الشعبي ، لأن عوائلهم تعيش في دول بعيدة عن داعش ، وارصدتهم تقبع في بنوك ومصارف لا تطالها ايدي داعش .
 
العراق - عاصمة العالم المحتلة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


راسم المرواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/12



كتابة تعليق لموضوع : (نظرية المؤامرة) ... بين (الكسالى) و (المتواطئين)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net