إن اهتمام السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) بالقرآن الكريم، ومدى علاقتها الوثيقة التي تربطها به ، ذلك ليس بمستغرب عنها وقد نشأت في بيت الوحي والتنزيل ، فهم أهل القرآن بل هم القرآن الناطق ، وقد جاء في الرّواية الشّريفة «إنّما يعرف القرآن من خوطب به» (بحار الأنوار ج24 ص238)
فالعلاقة بين القرآن وبين السيدة فاطمة ( عليها السلام) من اسمى الكمالات ،حيث ان علاقة المعصوم بالقرآن ليس كعلاقتنا بالقرآن ، علاقة القراءة والحفظ والترتيل والفهم والتفسير، العلاقة بين النور القرآني ونور المعصوم هي أعلى العلاقات وهي أسمى الكمالات .
ومما وصل إلينا في بيان العلاقة الرّصينة بينهما، ما قالته سيّدة النّساء (عليها السلام): «حبّب إليّ من دنياكم ثلاث: تلاوة كتاب الله، والنظر إلى وجه رسول الله، والإنفاق في سبيل الله»(كنز العمّال، للمتّقي الهندي الصّوفي الحنفيّ المتوفّي 975هـ ج1ص582)
و لقد نهجت السيدة الزهراء (عليها السلام) منهج القرآن فأصبح خطها الرسالي قرآني الفكر، فهي الواصفة للقرآن بأنه:
((كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بيِّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائدًا إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيِّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة،…)) (الاحتجاج / الشيخ الطبرسي 1/134).
فكانت الزهراء – روحي فداها – تعيش مع القرآن قلباً وقالباً وفكراً ومنهجاً وروحاً ومؤنساً لها، وهذه العلاقة او الرابطة لم تكن على مستوى عالم الدنيا فحسب بل استمرت علاقتها مع القرآن حتى على مستوى عالم الآخرة؛ وذلك لشدة الترابط والتآصر بينهما فقد أوصت زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يكثر من تلاوة القرآن على قبرها بعد دفنها في قولها:
((إذا أنا متُّ فتولَّ أنت غسلي، وجهزني، وصلِ عليّ، وأنزلني قبري، وألحدني، وسو التراب عليّ، واجلس عند رأسي قبالة وجهي فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الاحياء)) (كشف اللثام / الفاضل الهندي 11/541)
ويحكى أن فاطمة – روحي فداها – تأتي يوم المحشر، ومعها أمها خديجة بنت خويلد حاملةً المحسن، وكذا معها أم أمير المؤمنين فاطمة بنت أسد، وهن صارخات، وفاطمة تترنم بآيات من الذكر الحكيم من ذلك قوله تعالى : {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (الأنبياء: 103)،
وقوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} (آل عمران:30) ، ولهذه الرواية يبكي الإمام الصادق (عليه السلام) حتى تخضل لحيته بالدموع ثم يقول:
((لا قرّت عين لا تبكي عند هذا الذكر. قال: وبكى المفضل بكاءً طويلاً ثم قال: يا مولاي ما في الدموع يا مولاي؟ فقال: ما لا يحصى إذا كان من محق ثمّ قال المفضل: يا مولاي ما تقول في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (التكوير: 8ـ9)
قال: يا مفضل والمَوْءُودَة والله محسن؛ لأنه منّا لا غير فمن قال غير هذا فكذبوه)) (بحار الأنوار 53/23).
ولعل من ثمار علاقة السيدة فاطمة (عليها السلام ) وشغفها بالقرآن أنّ خادمتها فضة كانت حافظة القرآن، ولم تتكلم طوال عشرين سنة بغير القرآن فكانت تعبر عن مقاصدها ليلاً ونهاراً بآيات من التنزيل العزيز
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat