صفحة الكاتب : غفار عفراوي

الشهيد الصدر.. تعدد أعداء وصمود أهداف
غفار عفراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
   إن حركة المصلحين على امتداد التأريخ كانت تواجه بالمعارضين الذين لا تتلاءم توجهاتهم مع هذه الحركات الإصلاحية. لذا كان الأنبياء والرسل وبعدهم الأئمة الطاهرين أكثر عرضة لمواقف العداوة والبغضاء وأكثر استهدافا لإجهاض حركاتهم التغييرية وربما كان الأعداء من داخل المؤسسات التي يقودونها. 
وإذا كان السيد محمد محمد صادق الصدر من أولئك الأفذاذ الذين كانوا يهدفون إلى إصلاح الأمة فلابد من أن يكون له أعداء يقفون في الضد من حركته ويسعون إلى إجهاض منجزاته. ويمكن القول ان أهم أعداء السيد هم أربعة أصناف وكالتالي: 
   العدو الأول: الحوزة التقليدية
       إن المنهج التغييري الجديد الذي جاء به الشهيد الصدر الثاني والذي أحدث انقلابا عظيما ومدهشا في الحوزة والمجتمع على حد سواء، لم يحظ بقبول الحوزة الأخرى التي أطلق عليها اسم   ( التقليدية) أو الساكتة  فكانت عدوا غير معلن لحركته ( قدس سره ).
  وقد عشنا وعاش الشعب محنة كبرى ومأساة حزينة بتخلي اغلب المجتهدين في الداخل والخارج عن مشروعهم الإسلامي المتمثل بقيام حكومة إسلامية في العراق بحجة أن الأوان لم يحن وان الناس غير مهيئين لهكذا مشاريع كبرى لا يقوم بها إلا الإمام المنتظر عليه السلام!
 لجأ هؤلاء إلى الأسلوب التقليدي ورفضوا معايشة الشارع والمجتمع والبقاء بعيدا عن كل همومه وآلامه وحتى عذاباته، وأهمها الحروب التي شنها صدام على جيرانه والتي خلفت مئات آلاف القتلى ومئات آلاف الأرامل ومئات آلاف الأيتام، وكذلك عشرات الآلاف من الأسرى والمفقودين والمعوقين، فكانت الحوزة خرساء اتجاه ما يصيب الناس من آلام وفقر وتفشي للجهل والأمية وانعدام الروح الإسلامية والدينية، فلم تقف بوجه مسبب هذه الكوارث بموقف واحد بل انها وقفت بوجه حركة السيد التغييرية وشنت حملاتها العنيفة ضده وضد وكلاءه وطلابه بغية تفريق الناس من حوله بعد ان شاهدوا ان شعبيته تكبر يوما بعد يوم.
  العدو الثاني: الغرب و أمريكا
    وهو العدو الحاضر الغائب أو لنقل المخفي عن الساحة الإعلامية لكن السيد فضحه في أكثر من مناسبة خصوصا في خطب الجمعة حين كان يردد كلا كلا أمريكا، كلا كلا إسرائيل، كلا كلا استكبار. 
كان هذا العدو هو اللاعب الرئيس وهو عنصر الصراع الأكبر الذي أعطى أوامره في النهاية لعميله صدام بضرورة إنهاء صفحة الصدر الثاني - تمهيدا لإسقاط صدام بالطريقة التي جرت في 2003 .
         إن ظهور عدة ثورات ضد الأفكار الغربية والاحتلال والاستعمار الظالم منها ثورة الجزائر على يد عبد القادر الجزائري وثورة المغرب على يد عبد الكريم الخطابي وثورة ليبيا على يد عمر المختار وثورة احمد عرابي في مصر وثورة القسام في فلسطين وثورة التنباك في إيران على يد الميرزا الشيرازي الكبير وصولا إلى ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال البريطاني والتي كانت بقيادة العلماء المسلمين الكبار أمثال السيد الشيرازي والشيخ الخالصي والسيد الحبوبي انتج انسحاب الجيوش البريطانية من العراق ومن ثم البدء بتنصيب عملائهم كرؤساء صوريين للعراق وكان أولهم فيصل بن الحسين بن علي حاكم الحجاز وليس آخرهم صدام .
 بدأت الدول الاستعمارية بأسلوب آخر في احتلال الدول العربية بعد فشلها العسكري نتيجة الثورات التي قامت ضدها، فدست عملاءها في تفاصيل الدولة من قمة الهرم حتى اصغر موظفيها، وبعد أن أحسّت بالخطر المحدق بمصالحها في بلاد المسلمين قامت بتسليم السلطة إلى العملاء الذين رضعوا أهدفها وتربوا في أحضانها وانبهروا بحضارتها وتأثروا بأفكارها ومن ثم نشروا الأحزاب التي لا تمت للإسلام بصلة ولا للروح الدينية بفكر بل إنها نادت بالوطنية والقومية لتتلاعب بمشاعر وعواطف الناس البسطاء. ومن تلك الأحزاب التي ظهرت في فترة الأربعينات حزب البعث العربي الاشتراكي، وهو حزب علماني أسسه رجل غير معروف الأصل والنسب في سوريا وهو ميشيل عفلق.
      العدو الثالث: حزب البعث
أن السبب الرئيسي لجلب حزب البعث من قبل دول الغرب هو لمحاربة الإسلام والتيار الإسلامي الصاعد الذي تخشى منه الدول الاستعمارية على مصالحها. ثم جيء بصدام ليكون على رأس السلطة في العراق بعد ما أبداه من خدمة مستميتة وطاعة عمياء لكل ما وجه إليه من أوامر طبقها حرفيا بل انه زاد عليها من مكنون العقد التي ملئت عقله وقلبه وأماتت ضميره.
 ملء السجون والمعتقلات بجميع فئات المجتمع شباب وشيوخ ونساء وأطفال ومن كافة الفصائل والاتجاهات والمذاهب والقوميات. كما انه عمل ما استطاع لطمس الهوية الإسلامية للعراق بإزالة أي مظهر إسلامي فيه وإلغاء البقية الباقية من التشريعات الإسلامية التي كان يجري العمل بها في بعض شؤون الحياة مثل المواريث والأحوال الشخصية.
أجهز صدام على جميع من يشك بعدم ولاءهم المطلق ( لمبادئ  الحزب والثورة) وتلك كانت احد الجرائم التي يعاقب عليها بأشد أنواع العقوبات التي تصل غالبا إلى الإعدام وبدم بارد. 
ومن بين الوثائق التي وجدت ضمن ملفات الفرق والشعب الحزبية – بعد سقوط النظام - وثيقة تبين أن عناصر الدولة المسؤولة عن امن وسلامة (القائد) والمسماة بـ (عيون القائد) هم من مربي الحمام ( المطيرجية ) وسواق التاكسي والممرضات وموظفي الخدمة وعمال تصليح السيارات وبائعات الهوى. وقد استخدم هؤلاء الأراذل وأصحاب النفوس الضعيفة والذليلة لمراقبة المجاهدين من أتباع ومقلدي ووكلاء السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر الذي وصفه احد التقارير بالخائن! وكان من ضمن أعمال الجواسيس في تلك الفترة تشويه صورة أتباع ووكلاء وطلاب السيد وبالتالي تشويه القضية التي يعملون عليها وبذلك يمكن تحجيم دورها وغلق الأبواب بوجه من يتطلع للحرية والكرامة. في هذا الإطار كان هؤلاء المنبوذون اجتماعيا وثقافيا هم المحاور الأساسية التي ركز عليها النظام في حملته الإيمانية المفاجئة التي أطلقها بقوة واخذ يرفع الشعارات الإسلامية وينادي بأهداف الإسلام.
العدو الرابع:  ازدواجية الفرد العراقي
    إضافة إلى تجبر النظام الحاكم وظلم وسكوت الحوزة الأخرى فان الصعوبة الأخرى التي واجهتها مرجعية التغيير هو المجتمع العراقي الذي سيطرت عليه ( أخلاقية الهزيمة ) وهي نفسها التي سيطرت على المجتمع الذي عاش فترة الإمام الحسين عليه السلام ولم يك بالمستوى ولا الوعي الذي يدرك حركة الإمام ونهضته الكبرى. كانت ازدواجية الشخصية العراقية وروح التراجع والقعود وعدم المواجهة إضافة إلى تهشّم الحالة الإسلامية في نفوس المواطنين وسيطرة اللامبالاة والعبثية والضياع الفكري والتيه والانغماس في الحرام والمحرمات واهتمام الفرد بأموره الشخصية والعائلية  أسبابا كافية لخلق أعداءً متربصين ينتظرون الفرصة السانحة للنيل من المرجعية الناطقة ومن أتباع ومقلدي الشهيد الصدر. فكان بعض أتباع الحوزة (الساكتة) الذين لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم هم اكبر أعداء الحوزة الناطقة فكان الاستهزاء والسخرية من المصلين وكلمات التهكم المثيرة اشد وطأة من بنادق البعثيين ورجال السلطة الموجهة نحو مكان الصلاة كل جمعة. 
ومن بين تلك الكلمات التي اشتهرت ولازال يتذكرها جميع المصلين إطلاق تسمية            ( أصحاب الكواني* ) على المصلين لأنهم كانوا يفترشونها على الأرض لعدم وجود (سجادة صلاة) وهي دلالة على الحالة المادية الفقيرة للمؤمنين الذين اتبعوا السيد في ثورته الإصلاحية.
العلاج
      رأى الشهيد الصدر أن صدام وحزبه قد تحركوا ضد المجتمع العراقي عموما والعنصر الشبابي بوجه خاص لبث الفساد والتخريب العقائدي والديني في نفوسهم لأنهم يريدون مجتمعا فارغا لا يفكر إلا بملء بطنه ولا يعي ما يجري حوله حيث قاموا بنشر بارات الخمور وبيوت الدعارة والفجور والحث على السفور وإفراغ الجوامع والمساجد من المصلين باستخدام الحديد والنار والبطش والتعذيب. حينها كانت المرجعية الدينية تنتهج أسلوب الانتظار مع مقلديها فان جاؤوا إلى النجف أجابتهم عن أسألتهم ونظرت في مشاكلهم وإلا فلا! لذلك وجه السيد خطباء الجمع والوكلاء الشباب من أصحاب القلوب القوية الجريئة إلى المساجد والحسينيات التي أصبحت مليئة بالمصلين ومكتظة بالشباب الرساليين الشغوفين لتعلم أصول وفروع الدين والذين أصبحوا بدورهم مبلغين في مناطقهم ومدنهم يقفون بوجه التخلف والجهل والخوف والقلق. وبعد أن كان صدام مصدرا للخوف والبطش صار هؤلاء الشباب مصدرا لرعب القيادة البعثية وناقوسا يدق ويقلق الطاغية وحزبه الفاشي حين استطاع الصدر العظيم تحويل الروح الانهزامية المترددة القلقة عند الشعب إلى روح متحدية لكل ظالم في العالم مستلهمين كل معاني البطولة والشجاعة من رجل وقف وحده في ميدان الرمي وبصدر مفتوح ليطلق صرخة الحق ويوقظ شعب كان بحاجة إلى منقذ يخلصه من غفوته وسباته العميق فصار مثار حسد وبغض شعوب العالم بما سطره من بطولة وملحمة كبرى ضد طاغية العصر.
صار السيد الصدر الرجل الأول والشخصية الأبرز في حياة الناس التي كانت ولعدة عقود لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم إلا باسم الرئيس القائد المناضل الأوحد والحزب القائد العظيم! وهذا ما دعا أمريكا أن تتخذ قرارا خطيرا بتصفيته وقتله لكي تنفرد – بعد حين – بالعراق فلا يقف بوجهها مرجع ناطق شجاع. وتم إصدار القرار باغتياله تحت صمت المجتمع الدولي والحوزة الصامتة (دوما)!
 
 
 
 
 
 
الاسم : غفار عفراوي
التحصيل الدراسي: بكالوريوس لغة انكليزية
العنوان: محافظة ذي قار
نوع العمل : مقال
اسم العمل : الشهيد الصدر.. تعدد أعداء وصمود أهداف
العنوان الالكتروني
Gaffar70@gmail.com
رقم الهاتف: 07808944570
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


غفار عفراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/20



كتابة تعليق لموضوع : الشهيد الصدر.. تعدد أعداء وصمود أهداف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net