صفحة الكاتب : د . نبيل ياسين

سرقة التغيير
د . نبيل ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كنت اردت ان اكتب عن تقرير بروكسيل ثم اتاني تقرير، بالانجليزية، عن الجريمة المنظمة في العراق وهو تقرير خطير جدا. وتوالت الاحداث وتسارعت التطورات ولم يعد من الممكن ان اتاخر، رغم انني اردت ان انشر قصائد وان نقرأ شعرا على هذه الصفحة لاستريح واريح من السياسة التي لاتريح ولاترتاح ، وربما انشر قصائدي الاسبوع القادم لاني انظر بعين كليلة الى السرقات ومنها سرقة التغيير. فالجميع يساهمون في سرقة التغيير وجاءوا بناس غير كفوئين وغير مخلصين الا لقادة الاحزاب الذين جاءوا بهم.  بل ان اغلبهم (غيروا) قادتهم حسب تغير مناصب اؤلئك القادة بدل ان يأتوا بالناس المخلصين والذين ضحوا طوال اكثر من عقدين من اجل نظام عادل ووطني
1لا اتمنى اي منصب من المناصب التي ساذكرها. ولكني اقول لو كنت مكان، من باب الافتراض وليس من باب التمني. فانا لا احسد احدا على منصبه ولست بحاجة الى اي منصب لا استطيع تحقيق برنامجي فيه والمساهمة في بناء الدولة التي تخدم المجتمع.
لو كنت مكان نائب رئيس الجمهورية لماطالبت باعادة الاساتذة الذين تركوا العراق بعد 2003 فقط . وانما كنت طالبت بعودة مئات او الاف الكفاءات الاكاديمية والثقافية الوطنية التي اجبرها نظام صدام واعوانه على مغادرة العراق منذ نهاية السبعينات. ولو كنت مكانه لما طالبت بعودة الطلقاء الى الحكم، وانما طالبت ان يعيشوا حياتهم بكرامة وحقوق ومواطنة كاملة وحماية قانونية تحميهم مع من تحميهم من اعضاء المجتمع.ولكنت طلبت مطلبا وطنيا وليس فئويا، ولو كنت مكان نائب رذيس الوزراء لوقفت ادافع عن حقوق العراقيين وليس عن حقوق قائمتي فقط. فالجميع يكرس الفئوية والاقلية و(الثلاثية) العراقية للمكونات او (السيباية) كما يسميها الاخ عادل عبد المهدي في مقالة له.
ولو كنت مكان وزير التعليم العالي لكنت طلبت من الاساتذة الجامعيين في تكريت قضاء سنة دراسية على الاقل في جامعات كربلاء والنجف والعمارة والديوانية والسماوة وبقية محافظات الوسط والجنوب ، ولكنت طلبت من الاساتذة الجامعيين في كربلاء وبابل والديوانية والسماوة وغيرها لقضاء سنة في جامعات الانبار والموصل وتكريت وغيرها لتقليص الفروق الطائفية واعادة التجانس المذهبي على اساس وطني وتعزيز الطابع العلمي للتعليم في العراق. ولكنت دعيت مئات الاساتذة العراقيين الذين مايزالون في الخارج ضحايا لتدهور الاوضاع ،رغم كل عمليات الاجتثاث التي اخذت طابعا سياسيا ومذهبيا وغاب عنها الطابع القانوني والمعيار الحقوقي.ولكنت قد اعدت بناء الجامعات على اساس الكفاءة والمهنية والحداثة منهجا وبناء وخدمات جامعية ولانسيت العراقيين التجارب الماضية وجعلتهم يعيشون حاضرا تعليميا افضل
ولو كنت مكان وزير الخارجية لانتبهت الى ان اغلب الدول الديمقراطية التي عرفها كانت تختار سفراءها ودبلوماسييها المهمين من المثقفين والشعراء والكتاب والمفكرين ولاتعتمد على اعادة انتاج النظام السابق دبلوماسيا خاصة وان موضوع الخبرة نكتة غير مضحكة لاننا نعرف ان  اغلب سفراء صدام كانوا سواق سياراته وافراد حماياته وابناء عموماته وخؤلاته ومن يغضب عليه من كبار البعثيين المدنيين والعسكريين.ولكنت جعلت السفارات العراقية بوابة للدخول الى العراق وليس بوابة للخروج منه.
ولو كنت مكان وزير التخطيط لكنت شكلت فرقا(لاتقولوا لجانا فاللجان كثيرة ولاعمل لها) لبحث كل موارد العراق البشرية والمادية، وبحث جوانب الخراب المتزايدة ومنه التجاوز على الاراضي الزراعية. فقد تجولت  في بعض نواحي واقضية زراعية فوجدت ان القصور زرعت مكان الشلب، والدواوين زرعت مكان الحنطة، وان التجاوز على قوانين الاراضي الزراعية صار افة جديدة تهدد الزراعة كالجراد.ولكنت جعلت التخطيط مركزيا لضمان عدم التجاوز وصناعة هوية عراقية.
ولو كنت مكان وزير الزراعة لعملت على حفر الف محطة ارتوازية وقمت بحملة تشجير لزراعة خمسين مليون شجرة على الاقل، مثمرة وغير مثمرة، في كل العراق وسيقول ومن اين آتي لها بالماء واقول ان ثروة العراق من المياه الجوفية تسرقها بعض دول الجوار ايضا فالسعودية انشأت على سبيل المثال 500 محطة ارتوازية تسحب مياه الفرات الجوفية التي تشترك السعودية بحصة فيها مثل النفط، فالنفط يوجد حيث يوجد الماء ،ولكن التجاوز شئ والحصة شئ آخر.ولكنت استدعيت الخبير المائي العراقي صاحب الربيعي من السويد واسندت له مهمة متابعة موضوع المياه بعد ان اصدر اكثر من عشرة كتب عن قضايا المياه في العراق والشرق الاوسط ولكنه عاد من العراق بعد زيارة له في 2004 والتقى وزير الموارد المائية آنذاك الذي لم يقدر كفاءته واختصاصه وخبرته.ولكنت طلبت منه جرد كل الخبراء العراقيين في هذا المجال تمهيدا لعودتهم والمساهمة في حفظ وتطوير الثروة المائية في العراق واعادة طبع كتبه حول حروب المياه في الشرق الاوسط ومشكلة مياه حوض دجلة والفرات والمياه الجوفية وغيرها. ولكنت اعدت العراق الى عصر (الصناعة) الزراعية ولجعلت منه ارض السواد مرة اخرى حيث الفلاح يصر على ان يبقى فلاحا لكي يغتني ولايذهب الى سلك الشرطة او الجيش ليعيش.
ولو كنت وزيرا للصحة لدعوت شركة من الشركات التي تضع انظمة النظام الصحي، خاصة النظام الصحي البريطاني والفرنسي، لتضع لنا نظاما صحيا لصحة المواطن العراقي ينهي التوسلات البائسة للناس من اجل ارسالهم للعلاج خارج العراق ويضمن لهم صحة وكرامة وحقا، ولكنت شددت الرقابات على الادوية وعلى سلوك الاطباء ومهنيتهم وقسمهم بقسم ابوقراط الطبي وجعلت الاطباء في خدمة المرضى وليس العكس.
ولو كنت وزيرا للنقل او امينا للعاصمة او محافظا  لدعوت شركات خططت ونفذت وسائط النقل في لندن وباريس وطوكيو ونيويورك وجعلت الناس يقطعون المسافات الطويلة بوقت اقل وبراحة تامة وبآمان مشهود وبنظافة تليق بالبشر.ولاعدت ، على الاقل، الاف الكيلومترات من سكك الحديد التي كانت تربط العراق من الجهات الاربع ومع اوروبا ايضا.ولجعلت المحطات من جديد مظهرا من مظاهر المدن الحديثة.ولدينا في العراق اليوم اكثر من جيل لم يركب القطار واكثر من جيل لم يدخل قاعة سينما، واكثر من جيل لم يقض ايام العيد في شارع الرشيد اويدخل سينما الوطني وسينما الشعب وسينما الرشيد وسينما ريكس او سينما روكسي اوسينما الخيام. او يقضي ايام العيد في الباب الشرقي يدخل سينما غرناطة او سينما ميامي او في شارع السعدون يدخل سينما النصر او سينما النجوم او سينما سميرا اميس او سينما بابل ،او يثرثر بفرح مع اصدقائه واقاربه وهو يأكل ويضحك ويعود الى البيت سعيدا وطليقا، ولدينا على الاقل جيل لايعرف باصات مصلحة نقل الركاب ذات الطابقين
ولو كنت رئيسا للوزراء لما امضيت مشروع طبعة دولية تنوي شبكة الاعلام العراقية اصدارها من لندن لجريدة الصباح لانها لن تكون سوى نشرة بائسة تهدر عليها ملايين الدولارات وربما تتحول الى فرصة لتهريب الاموال رسميا من قبل البعض، خاصة وان الطبعات الدولية لصحف عريقة ومهنية لصحف مثل(الاهرام)  قد فشلت ولم تضف شيئا، فكيف بجريدة عراقية ستكون بالتاكيد تكرارا مرارا وتكرارا بعض المقالات والاعمدة والكتاب دون جدوى ودون ان يكون لها دور اعلامي لا على الصعيد العراقي ولا على الصعيد الدولي.
ولو كنت وزيرا للاسكان لدعوت عشرات الشركات الخاصة بالنقل من مختلف دول العالم (وليس من تركيا فقط ببلوكاتها الحمراء والخضراء والبنفسجية المضحكة) ولطلبت منها بالاشتراك مع المعماريين والخبراء العراقيين وضع تصاميم لمدن العراق كلها تضع المعايير الخدمية والصحية والجمالية في قالب واحد وليس في قوالب ومقالب ستجعل من العراق ورق(الآبرو) الملون الذي كنا نرسم عليه تفاحة او موزة او برتقاله او باذنجانة حسب الالوان لنلصقها  في دفتر الاشياء والصحة في الابتدائية. ولاشترطت بناء الاسواق والمستوصفات والمخازن الكبرى والشوارع ومواقف السيارات ومد الكهرباء والمجاري وملاعب الاطفال والتشجير كجزء اساس من التصاميم.
وسيقولون ستنهبنا الشركات الاجنبية وساقول لا. الشركات العراقية الوهمية والكاذبة في العراق وخارج العراق نهبت مليارات دون ان تبلط شارعا او تزرع شجرة او تزيد الكهرباء كيلوواط واحدا بينما الشركات الاجنبية ستاخذ 15 او 20 بالمائة ارباحا وتترك لنا منشأت وبنية تحتية. وطالما هي اموالنا فلنا شروطنا من تشغيل العراقيين الى تدريبهم الى الالتزام بالمقاييس العالمية التي لم يلتزم بها اصحاب الشركات الوهمية. ان الوطنية ليس ان تموت من الضما والماء مخزون في ثلاجتك.
ولو كنت مكان رئيس الوزراء لطلبت من وزرائي، قبل استيزارهم تقديم خطة لكل وزارة خلال السنوات الاربع التي سيقضيها الوزير لاوحد برنامجي واقف مدافعا عنه ضد كل من يخطب ويشطب ،وسيدافع عني المجتمع لان البرنامج لخدمة هذا المجتمع وبضمنه طلب اعداد فرص عمل لمئات الالاف من العاطلين الجامعيين.ولكنت وحّدت عمل الوزرات طلبا للتكامل ولا اترك كل وزير او كل محافظ او كل مجلس محافظة يخطط ويمطط العراق حسب هواه ورغباته وفرص نهبه فلايكمل مشروع(هذا اذا اكتمل) حتى يفسده مشروع آخر من مقاول اخر فتذهب مليارات العراق هدرااو شذرا مذرا كما كان المرحوم عبد الكريم قاسم قد قال .
واذا صح هذا الخبر فستكون الشركات الاجنبية ارحم على العراق من فساد العملية التربوية التي ستطيح بالعراق لمائة سنة قادمة. فقد كشفت لجنة النزاهة البرلمانية عن ان تعيين مدراء المدارس  يتم مقابل 3000 دولار.) وقال احد النواب ( أن هذه الظاهرة ستنعكس سلباً على واقع التربوي سواء للبلاد او الطالب) وانا ارد على ما قاله النائب واقول ان الظاهرة لن تنعكس سلبا على الواقع التربوي لان الواقع التربوي قد نسف في هذه العملية. فسوف يسترد المدير اضعاف امواله من الطلبة الذين سينجحهم دون استحقاق ليكونوا نوابا ووزراء ومدراء وسفراء ومحاسبين ومدراء مصارف وامناء صناديق المال والحلال.
2اهل هذه الامة يكيلون ناسهم بالاطنان بينما يكيل بقية خلق الله ناسهم بالمثاقيل. ومع هذا نعتبر انفسنا ذوي كرامة ويظهر الخطباء ليقولوا استرجعنا كرامتنا والسبب اننا قايضا جنديا اسرائليا واحدا  ب 1027عربيا فقط. فياللرخص  وانخفاض الاسعار. وذكرني ذلك بما قاله صدام حسين بعد غزو الكويت للصحفية الامريكية التي رفعت عينيها مذهولة وهي تسمع جواب(السيد الرئيس بطل الامة وفارسها المغوار) بعد ان سآلته عن تصوره لاختلاف ميزان القوى العسكرية بين العراق والولايات المتحدة وحلفائها قبيل حرب الخليج 1991( هل تستطيع الولايات المتحدة الامريكية ان تعطي عشرة الاف قتيل في معركة واحدة؟) وحين صعقت الصحفية من الرقم ردت نيابة عن امريكا كلها بثقة: لا. فقال صدام مبتسما : اما نحن فنستطيع).
نعم يستطيع صدام ان يقدم شعبه ضحية بين قتيل وجريح.كان صدام آنذاك قادرا على اخفاء الحقائق في البيانات العسكرية ولكنه لم يستطع اخفاء الحقائق على الارض. ولايستطيع احدٌ اليوم ، في اية حكومة عربية، ان يقف ضد عواصف الاعلام والرؤية المباشرة، فحتى كاميرات الهواتف المحمولة اصبحت وسائل اعلام ونقد واحتجاج وفضح، ومع الانترنيت اصبحت هذه الوسائل من اقوى اسلحة الاحجتاجات السياسية. ولذلك لن تفيد ترقيعات الانظمة العربية وغير العربية في اخفاء الحقيقة وتزييف الواقع.كان صدام يعمل على اخفاء الاف الجنائز الذاهبة الى مقابرها والآتية من جبهات القتال. ويوم امس رأيت  تسجيلا قديما يظهر فيه المذيع المشهور رشدي عبد الصاحب الذي اشتهر بقوله (الا دقيقتين اثنتين) وهو يعلن عن الوقت في تلفزيون بغداد الاسود والابيض، وكانت لغته العربية سليمة مائة بالمائة وليس مثل لغة مذيعي اليوم المريضة مائة بالمئة، وهو يقرأ بيانا عسكريا من سنوات الحرب مع ايران ويعلن البيان عن (سقوط اربعة شهداء) بينما العدد الفعلي اكثر من اربعة الاف.
كان حذف(آلاف) هو قاعدة اعلام صدام ، ولذلك لم يكن هناك ضحايا. واليوم اصبح كل اؤلئك الذين حذفوا(آلاف) مناضلين وقادة في الحكومة والبرلمان والمؤسسات والهيئات. واذكر بعضا من اخبار نكسة حزيران عام1967. كنا طلابا نخوض امتحانات الاعدادية وكان الراديو العراقي يذيع اخبارا ملفقة عن اسقاط جيشنا الباسل اكثر من خمسين طائرة حزبية للعدو الاسرائيلي.كانت القطعات العراقية لم تصل بعد منطقةH3 على الحدود مع الاردن وتم قصفها من قبل الطائرات الاسرائيلة ، واتضح فيما بعد ان قواتنا لم تكن مهيئة للقتال ولم تصل ارض المعركة ولم تسقط قطعة حديد واحدة من اية طائرة اسرائلية. وكان صوت المذيع العربي احمد سعيد صاحب المدرسة الغوغائية في الاعلام العربي يصرخ من اذاعة صوت العرب الناصرية وهو يعلن تحطيم اسرائيل بينما كانت اسرائيل قد حطمت جميع طائرات الميغ المصرية وهي رابضة في مطاراتها لم تقلع بعد.وحين ظهرت الحقيقة ظهر الكذب كله مقابل الواقع كله.كما برز الايمان كله على الشرك كله. وقيلت هذه في مناسبة احدى المعارك بين المسلمين والمشركين لن اشرحها فمن الافضل تركها لكم ايها الاعزاء فقد قالها النبي في تلك المناسبة.اليوم ، وبعد خمسين عاما تقريبا ، ويعد سقوط الغوغائية الاعلامية وظهور حقائق الاعلام المعولم صوتا وصورة مايزال بعض من يحكم يطمح الى تزوير الواقع وتقديم الوهم.وقد كذبت ثلاث روايات من اربع قدمها اعضاء في المجلس الانتقالي الليبي حول كيفية مقتل القذافي رغم اننا رأينا الصور الحية تقريبا من مكان الحدث. وبالتاكيد تكذب رواية من روايتين في كل مرة. ولذلك كان تاريخنا مكذوبا في رواية من الروايتين اللتين وصلتنا من ذلك التاريخ. واذا كان احد ما يريد ان يقول( سيدنا يزيد بن معاوية  رضي الله عنه قتل سيدنا الحسين رضي الله عنه) فهناك رواية مكذوبة اذن.وانصح جميع من يحكم اليوم في العراق ان لايؤلف روايات من هذا النوع ايا كان مصدرها المذهبي والقومي والسياسي.ويتذكر كثير من العراقيين نكتة الصعقة الكهربائية، حين اراد قارئ من قراء المنبر الحسيني ان يقرأ مقتل الحسين في مدينة ليست شيعية فنصحوه ان لايذكر ان يزيدا قد قتل الحسين فماكان منه الا وان قال: وماذا اقول، هل اقول ان الامام الحسين مات بصعقة كهربائية؟. ومايزال كثير من السياسيين حتى الان يريدون ان نصدق ان القاتل والمقتول في الجنة او في البرلمان او في الحكومة او في الهيئات المستقلة استقلالا مشكوكا فيه، ومايزال كثير منهم ينصحوننا ان لانذكر التاريخ ولا الحقائق ولا مانعانيه جسديا ونفسيا . ومايزال كثير من السياسيين يستخدمون (التماس الكهربائي)ويتهمونه بانه هو المجرم ، ولكن كيف نستطيع ان نحاكم تماسا كهربيا وكيف نسترجع منه مليارات الدولارات المسروقة وكيف يشهد لنا على الفاعل؟
3وكنت اتمنى انني لم اشاهد صورتين. الاولى صورة صدام وهم يقودونه الى المشنقة والثانية صورة القذافي حيا بين يدي الثوار الليبيين. فمثل هاتين الصورتين تجعل قلوبنا( تنكسر) على اعدائنا. فهم اذلوا البشر ولا اتمنى ان اراهم مذلين مهانين وانما يواجهون العدالة والقصاص بعيدا عن اعيننا.والوم كثيرا من الكتاب العرب الذين بدأوا يقرنون (ولايقارنون) بين مصير صدام ومصير القذافي ويتهمون العراقيين بالوحشية في حين ان صدام قبض عليه وسجن وقدم الى المحاكمة وكان حقه في ان يسب ويشتم واسعا اوسع من صبر العراقيين عليه. واتعجب من هؤلاء الدكتاتوريين الذين يعيشون في (صورتهم) ولايعيشون في الواقع. فهم حريصون على التعلق بالحياة حتى لو اذلوا واهينوا. واعتقد ان القذافي كان مثل صدام يريد ان يخطب امام(التاريخ) ويقول لقضاته انتم تخرجتم من (جامعاتي ومدارسي).ولانهم يحبون(صورتهم) فانهم يطمحون الى البقاء في هذه الصورة حتى وهم يهانون ويذلون ويحاكمون او يقتلون.
ويطبق اللصوص في العراق قاعدة جديدة غير القاعدة الاساسية في حرب العصابات والتي هي اضرب واهرب، وقاعدة اللصوص في العراق هي (اسرق واحرق) فقد شهدت اقسام ومديريات العقود والبيع والشراء في كثير من الوزارات تطبيق هذه القاعدة. فلكي لايبقى اثر للسرقات ويضيع الحق يأتي (التماس الكهربائي) ليحرق الملفات والاوراق. ولعل للكهرباء فائدة حكومية واحدة هي احداث تماس كهربائي ليحرق الطوابق والاقسام الخاصة باللصوصية. فالتماس الكهربائي فاعل مجهول تقيد الجريمة ضده. وقد اعجبني مقال عبارة عن فكرة للكاتب عدنان الصالحي يتحدث عن(ارهاب الحرائق وتآبيد مسلسل الفساد)عدد فيه جرائم حرق في وزارات النفط والصحة والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية ووزارة التجارة ووزارة التعليم العالي والحرائق في السجون. اي ان التماس الكهربائي حليف قوي للصوص والمجرمين حتى وهم في سجونهم.
واقرأ الان تقريرا بعنوان(الجريمة المنظمة في العراق: الميليشيات. المسلحون، المجرمون) وهو دراسة ميدانية قام بها البروفيسور فيل وبيمس لصالح معهد الدراسات الاستراتيجية في الجيش الامريكي. وهو تقرير مخيف فعلا حول الجرائم التي حدثت في العراق منذ 2003 وربما اتناوله في مقال قادم او يترجم لنشره في المواطن لانه يلقي الضوء(بدون ضوء التماس الكهربائي) على الجرائم المنظمة التي دمرت العراق وحولته الى اكبر ساحة نهب في العالم.
ومن يقرأ القوانين او مسودات مشروعات القوانين المقدمة الى البرلمان العراقي سيصاب بالفزع من كثرة العقوبات . فلكل قانون احكامه الجزائية وكأن لاقانون عقوبات في العراق ولا دستور . فلقانون الاحزاب احكامه الجزائية ولقانون التعبير احكام جزائية اخرى.وهكذا تتعدد الاحكام الجزاذية وتتعدد الاجتهاداتوالاختلافات والخروقات.
كثرة هذه الاحكام يوضح انه ليس هناك رؤية قانونية للقوانين في العراق وانما رؤية سياسية وحزبية، وهذه التجزئة تساعد على التعسف واستخدام الاحكام الجزائية استخداما سياسيا.واتعجب لماذا لايكون قانون العقوبات البغدادي الساري المفعول هو المصدر للاحكام الجزائية، او الدستور هو المصدر لسن القوانين.
4تمضي السعودة لتكون مظلة لجميع العرب. ففنان العرب سعودي، وشاعر العرب سعودي، وروائي العرب سعودي، ومفكر العرب سعودي ،وكاتب العرب سعودي، وصحفي العرب سعودي. وهكذا يصنع المال السعودي من ارقام متواضعة وهشة ارقاما صعبة بينما الارقام العراقية الصعبة تتقلص بفعل العراقيين انفسهم، اي بفعل الاحزاب والايديولوجيا السياسية المتخلفة المعادية لكل ماهو عراقي وطني، وتصبح منسية او غير ذات قيمة. فبينما يشعر اللبناني انه لبناني سواء كان في الحركة الوطنية او في الكتائب، وسواء كان يحمل بندقيته في المنطقة الشرقية او يحمل بندقيته في المنطقة الغربية(وهي مصطلحات الحرب الاهلية بين 1975 و1990)، ويقاتل خصمه تحت نفس العلم وينشد نفس النشيد. وبينما يشعر المصري بمصريته كذلك ،ويبالغ بها حين يعرفك على طالب مصري بلقب الدكتور وهو لم يسجل دراسته الا منذ يومين ،وبلقب الشاعر الكبير وهو لم ينشر بعد قصيدته التي كتبها يوم امس، وبلقب الاستاذ الكبير وهو لم يلق محاضرة واحدة بعد، فان العراقي ينزل اكبر اسم من عليائه لانه ليس من ايديولوجيته ، ويمسح  تاريخ اكبر مناضل واكبر مفكر واكبر مثقف اذا لم يكن من حزبه، ولذلك ليس لنا وطن وليس لنا احزاب وطنية ولا علم وطني ولانشيد وطني( نشيدنا الحالي نشيد طلاب المدارس الابتدائية). وكنا في سنوات المعارضة العراقية بلا علم ولانشيد وطني. وكنت اطالب الاحزاب العراقية بوضع العلم العراقي وراء المنصة التي نتحدث منها وكانت الاحزاب العراقية تقول انه علم صدام. وهذا صحيح ايضا. وكنت اذكر لهم ان المعارضة التشيلية، التي كنا نحضر بعض نشاطاتها في بعض الدول (الاشتراكية) السابقة كانت تضع نفس العلم الذي يضعه الدكتاتور بينوشيت وان المعارضة الكوبية في اوروبا تضع نفس العلم الذي يضعه كاسترو بجانبه ، وان اللبناني الذي يقاتل اللبناني في الحرب الاهلية كان يضع نفس العلم الابيض بشجرة الارز الخضراء والخطين الاحمرين. والسبب لكل ذلك هو واحد، هو ان هناك دولة ووطن مشترك يختلف تحت علمه المتخاصمون. اما في العراق فلكل حزب علمه وشعاره ولكل ايديولوجيا الوانها وشعراؤها وكتابها واعلاميوها، والسبب ان العراقي لايشعر بالوطن ولايؤمن بالدولة. فالحزب هو الوطن والتنظيم هو الدولة. ،لذلك تؤسس الاحزاب العراقية حكومات ولاتؤسس دولة. وترفع ايديولوجيات ولاترفع علما. وتصنع عضوا حزبيا ولاتصنع مواطنا.وتصيح بشعارتها كالباعة المتجولين ولا تنشد نشيدا.
واذا كان كثير من ماركسيي العراق اليوم يلهج باسم علي الوردي، فان هذا المفكر الاجتماعي كان ملعونا طوال الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات( ونحن شهود على الاقل بين نهاية الستينات وطوال السبعينات والثمانينات) وكان يوصف بالرجعي وبخريج الجامعة الامريكية وبالاستاذ الذي تعلم في الولايات الامريكية المتحدة وبمروج الفكر البرجوازي ، فاذا به بعد سقوط الاتحاد السوفياتي واحدا من الذين لايكتب احد دون ان يستشهد به حتى لو لم يكن قرأه بعد.وصرت اكتب دراسة بعنوان المجتمع العراقي بعد علي الوردي، لان علي الوردي توقف عند المجتمع العراقي العثماني وصاغ تحليلاته ونتائجه على فترة قديمة . وقد شهد المجتمع العراقي تطورات مربعة غيرت من طبيعته بعد السبعينات. وانا اسجل هنا هذه الفكرة وارجو ان لايدعيها او يسرقها احد كما حدث مع الكثير من افكاري. فقد قامت اطروحتي للدكتوراه على افكار رفضت من قبل كثير من الاحزاب والشخصيات السياسية ومنها ان الريف والبادية قد نقلت طبيعتها الى المدينة في اغلب البلدان العربية مثل العراق وسوريا وليبيا وغيرها لسبب ان القيادات الحاكمة انحدرت من هناك واستولت على المدينة لصالح قيم واعراف الريف والبادية ومنها ان البرجوازية العربية ليست صناعية وانما كومبرادورية وتجارية وعقارية لاتستطيع بناء طبقات صافية. وان تطور اشكال ملكية الارض في الاسلام  لعب دورا في تأسيس انماط اقتصادية من قبل الدولة وليس العكس. اي ان الابنية الفوقية لبلدان الشرق الاوسط لعبت دورا في التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية (البنية التحتية) وليس العكس . وبينما لايؤمن الماركسيون بنمط الانتاج الاسيوي الذي الغاه ستالين من انماط الاناج( ستالين الامي الجاهل الدكتاتورالذي ادخل نفسه في صياغات فلسفية منحطة، وقلده صدام حسين بذلك) فان هذا النمط وحده يستطيع تفسير وتحليل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للعالم الاسلامي والعالم العربي. فمن خلاله نستطيع ان نتبين دور الهويات ودور الثقافة ودور العقيدة ودور القبيلة ودور السلطة السياسية.
رفض كثير من الماركسيين اطروحتي هذه واليوم يتبنونها دون ان يشيروا اليها، وكأنهم هم الذين اكتشفوها. ولدي رسائل من بعضهم منذ عام 1984 تقول انهم لن ينشروا شيئا من دراساتي هذه لانها ضد ماتعلمناه وعلمناه منذ خمسين سنة من اصول ماركسية. وفي عام 1986 كان المرحوم حسين مروة، صاحب (النزعات المادية في الاسلام) هو الوحيد الذي تحمس لهذه الافكار واراد نشرها لكن الاغتيال كان له بالمرصاد في بيروت.
وفي عام 1994 نشرت فصولا من كتابي(الاصول الاجتماعية والفكرية للتيارات الاسلامية المعاصرة) درست فيه التاريخ الاجتماعي لهذه التيارات وكانت هناك فصول عن المثقف في الاسلام.كانت نظريتي تقوم على التناقض بين المثقف وبين السلطة التي اعتبرها المثقف في الاسلام(ملكا عضوضا) وتجنب العمل معها وصارت هناك محنة للمثقف عرفت باسم محنة القضاء حين رفض المثقفون تولي منصب القضاء للسلطة الاموية. واعدت نشر احصائية قام بها المستشرق كلود كاهن عن عدد المثقفين الذين عملوا مع السلطة في الاسلام فاتضح ان %6 فقط عمل لصالح الدولة مثل الكتاب والخطاطين والوزراء. وقمت بتتبع القاب المثقفين في الاسلام فوجدت ان اغلبها القاب مهن مثل الزّجاج والبزاز والماوردي(الذي يبيع ماء الورد)والتوحيدي(الذي يبيع صنفا من التمر باسم التوحيدي) والخباز والعطار والصائغ والرفاء وغيرها. فسرق محمد عابد الجابري فكرتي ولكنه قلبها رأسا على عقب وكتب عن محنة المثقف باتجاه اخر اعتبر اخمد بن حنبل الممثل الوحيد للمثقف في الاسلام. وحين اردت نقد كتابه رفض محرر الصحيفة اللندنية العربية ورجاني التخلي عن فكرة النقد لان للجابري عصابة قومية ستقطع رزقه سواء في لندن او في العالم العربي. وكان الجابري قد اعتبر ميشيل عفلق وصدام حسين افضل ممثلين للفكر العربي في محاضراته في العراق عام 1989 بعد موت عفلق.
ولو كانت في ليبيا دولة في عهد القذافي لما وصل الحال الى ان يلقى القبض على زعيمها بهذه الطريقة. تماما فلو كانت هناك دولة في العراق لما اضطر صدام الى ان يلقى عليه القبض بالطريقة التي تمت.
ورغم ان موضوع الدولة والسلطة من المواضيع الهامة في الفكر الماركسي، وان الفرق بين الدولة والسلطة واضح، الا ان مفهوم(الثورة) اللينيني لعطى السلطة ايديولوجيتها التي اضعفت الدولة، واتذكر الان كيف ان ثقافة نوفوستي (وهي وكالة الانباء السوفيتية الرسمية) ومنشوراتها وكراريسها في الستينات والسبعينات قد زرعت ثقافة سطحية دعائية اخفت الحقائق والوقائع واظهرت الاماني والاوهام وكأنها الواقع المقدس ، بحيث ان شعراء الايديولوجيا كانوا يستخدمون كاتيوشا وكلاششينكوف في قصائدهم الثورية والعاطفية على حد سواء. ولم يكن هناك عبد العزيز الدوري الذي اتهم بانه عميل حلف بغداد ولم يكن هناك جواد علي ولا مصطفى جواد ولاطه باقر كما لم يكن احمد سوسة مهما، فالايديولوجيا ، وليس الوطنية، هي التي تقرر من هو المهم للوطن ومن هو الذي ينبذه الوطن. فطالب بعثي واحد ، على سبيل المثال، كان اهم من فكر علي الوردي واطروحات عبد العزيز الدوري ، وتاريخيانة مصطفى جواد وترجمات وابحاث طه باقر عن ميثولوجيا بلاد الرافدين.
اليوم نشهد ماهو اسوأ مع الاسف. فرغهم ان وعي العراقيين قد شهد نموا واضحا( وربما لايتفق معي كثيرون بذلك) واستطاع هذا الوعي ان يفرز ثقافة تقييم وتقدير، الا ان هذا لم ينعكس بعد على تقييم وتقدير الاحزاب الحاكمة. ان صناعة الرأي العام تتم منذ اكثر من نصف قرن من خلال الاحزاب وايديولوجياتها. وعمق سلبيات هذه الصياغة وجود وسائل الثقافة والاعلام بيد الاحزاب وليس بيد قوى مهنية مستقلة.واذا بدأ الليبيون، في تجربتهم الجديدة بعد ان تحرروا من الدكتاتور، هدم المقابر وتفجيرالاضرحة، وقتل الموتى ، فانهم على خطى القاعدة سائرون، وفي تخريب نظامهم الجديد متورطون.فقد ذكرت الانباء ان مالايقل عن قبة وقبر خمسين ميتا من الزهاد والصوفية والنساك قد هدمت واحرقت كتب دينية في مدن ليبية متعددة مثل درنة وزليتين وبتغازي وغيرها.
واختم كل ما سلف بطرفة مرة من وقائع الماضي الذي حفظته كتب التاريخ من ان الحجاج بن يوسف الثقفي ارسل رسولا الى المهلب بن ابي صفرة ، قائد حروب الامويين ،فلما وصل الرسول واراد تسليم رسالة الحجاج ضرط ،فاراد المهلب ان يقول للرسول : اجلس ، فغلط وقال : اضرط ، فرد الرسول مستسلما: لقد ضرطت ياسيدي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . نبيل ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/24



كتابة تعليق لموضوع : سرقة التغيير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net