صفحة الكاتب : صالح الطائي

التهييج الغربي الممنهج ومرحلية مشروع التدمير
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعض القضايا الصغيرة قد تكون مقدمات لقضايا غاية في الأهمية والخطورة فنواة الذرة ممكن أن تحرق الكون
أي مكسب حققه الإسلاميون السياسيون رغم خلو شرعية تمثيلهم للدين الإسلامي من الحرفية بمعناها الكلي يجابه عادة بردود فعل يصل بعضها إلى حد الخروج على المتعارفات والقيم المعمول بها دوليا، ثم لما يرتكب الحمقى المتطرفون أعمالا همجية يوصم الإسلام كله بالهمجية والتخلف والعدوانية والشراسة، حتى أصبحت المعادلة تمثل على الدوام (فعل) إسلاموي يقابله (رد فعل) غربي معاكس له بالاتجاه وغير مساو له بالمقدار. ولكي لا أظلم الغرب أقول: إن رد الفعل العربي يأتي  أحيانا أشد قسوة من رد فعل الآخرين كما حدث مع الإسلاميين في الجزائر ومع حماس في فلسطين، حيث جوبه الفوز الديمقراطي برد فعل دكتاتوري دموي لا زالت تداعياته فاعلة إلى الآن.
وطبقا للعرف السائد لا غرو أن يقابل الغرب (فعل) فوز حزب النهضة الإسلامي في الانتخابات التونسية بـ(رد فعل) مثلا عن طريق ضجة صاخبة تتبناها واحدة من المجلات الفرنسية التافهة كمجلة (تشارلي إبدو) الكوميدية الساخرة التي اعتقد القائمون عليها أن نشر اسم النبي محمد (ص) كرئيس للتحرير هو رد الفعل المناسب حيال فوز حزب النهضة الإسلامي، أو كما في قول المجلة الساخر: "بهدف الاحتفال بفوز حزب النهضة الإسلامي في تونس طلبت مجلة تشارلي إبدو من (محمد) أن يكون رئيس تحريرها بصفة استثنائية، وإن نبي الإسلام لم يتردد في قبول الدعوة ونحن نشكره على ذلك" وحينما طرح عدد المجلة في الأسواق ظهرت صورة مفترضة للنبي (ص) على الغلاف وهو يقول "مئة جلدة لكل منكم إذا لم تموتوا من الضحك" علما أن عدد المجلة إيغالا منه في الحقد والسخرية تضمن مقالا افتتاحيا نسبوه إلى النبي (ص) تحت عنوان "مشروب أبرتيف حلال" وملحقا للمرأة تحت عنوان "مدام شريعة". وهذه المجلة ضمن سياقات التهييج الدائم المفتعل سبق لها وأن قامت عام 2007 بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة التي نشرتها صحيفة دنمركية في عام 2006  وأثارت ضجة في العالم الإسلامي لكي تسهم بإذكاء روح النزاع بين البشر الذين تدعي أنها تريد إضحاكهم.
ولا غرو أن يكون رد الفعل على هذه السخرية المسخرة تخريبيا وبمواصفات إسلاموية، كأن يقوم البعض بحرق مقر المجلة بما يبدو كرد فعل (همجي) على فعل(حضاري) حيث ذكر راديو أوروبا 1 في موقعه الرسمي أن مقر المجلة تعرض للاعتداء بالزجاجات الحارقة ليلة الأربعاء 2 نوفمبر 2011 كما تم قرصنة الموقع الرسمي للمجلة على الانترنت وذلك إثر خروج عدد خاص بعد فوز حزب النهضة في الانتخابات التونسية وإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية  في ليبيا. وبالتأكيد ترى كل الأصابع تشير إلى المسلمين كمجرمين محتملين لأن الموضوع يمس عقيدتهم.
وما أريد قوله بهذا الصدد: إن الإسلام لا يعترض على سلوك الآخرين ولا يطلب منهم الالتزام بتعاليمه أو بشريعته ما داموا بعيدين عن الإساءة إلى العقيدة أو إلى المسلمين ورموزهم، وما دام ما يناسبهم يحدث بعيدا عن أرض الإسلام وحدوده، ولكنه حدي مع من يتجاوز الخطوط الحمراء ومع من يعلن الحرب على الوجود الإسلامي حتى ولو كان ذلك من خلال الرسوم الكاريكاتيرية، وحتى ولو كان الفاعل بعيدا عن جغرافية الإسلام وحدوده، ومجرد حرق مقر المجلة بتفاهته لا يتساوق مع هذه الحدية مطلقا.
نحن كمسلمين نؤمن بالنسبية ونعتقد أن ما هو صحيح عند أمة من الأمم ليس شرطا أن يكون صحيحا أو حتى مقبولا لدى أمم أخرى، وعليه عملا بمبدأ الحريات والاحترام المتبادل بين الأمم حسبما جاء بميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والعهد الدولي يجب تقنين هذه النسبية إذا ما كان في إطلاقها وعموميتها مساسا بعقيدة أو حرية أو رمزية إنسان آخر في أي جزء من الكرة الأرضية.
وانْ تنشر مجلة ساخرة صورا مسيئة للسيد المسيح عليه السلام أو لأمه الصديقة الطاهرة العذراء مريم (ع) فذاك من شأن المسيحيين بالتأكيد، ولكننا كمسلمين معنيون به حرفيا لأنه يمس عقيدتنا المتعلقة بطهارة السيد المسيح وأمه، أما أن تنشر المجلة صورا مسيئة لنبينا الأكرم محمد (ص) فالأمر يعنينا حرفيا ويهمنا كليا بما يستوجب أن نتماهى معه وفق الطرائق الإنسانية المستقيمة التي يقرها الإسلام، بمعنى أن نتعامل معه من خلال القنوات المقبولة والشرعية الإنسانية، أما أن نجابهه بقنابل المولوتوف والحرق والتهديد بالقتل فذلك معناه أننا نحرضهم على السدور في غيهم وندفعهم لتطوير وسائل تطاولهم على رموزنا وديننا في الوقت الذي نعجز فيه عن الرد عليهم بوسائلنا البدائية وذلك لأنهم يمسكون بزمام المبادرة.
وأنا حينما أتحدث عن عملية حرق مقر المجلة لا أؤكد أو أرجح قيام المسلمين المسالمين ولا حتى المتعصبين والمتطرفين بذلك العمل القبيح، وأقف ضد هذا الرأي تماما، فالعمل التخريبي ـ بعيدا عن نظرية المؤامرة ـ قد يكون مفتعلا من قبل المشرفين على المجلة أنفسهم كعمل دعائي ليزيد من مبيعاتها ومكاسبها وشهرتها. وقد تكون الجهات المعادية للإسلام هي التي قامت به لتعصبه برأس المسلمين لتزيد من تهميشهم في المجتمع الفرنسي وتؤلب الغرب عليهم. وقد تكون المخابرات الفرنسية مسؤولة عنه لتتخذه ذريعة وعملا استباقيا للتشديد على المسلمين المقيمين في فرنسا خوفا من ردود فعلهم على تداعيات ضرب إيران المحتمل أو دفاعا عن إسرائيل التي تهدد بتوجيه الضربة الموعودة لإيران، وذلك بعد أن أعلنت فرنسا عن تأييدها الكامل للجانب الإسرائيلي كما في تصريحات الرئيس "ساركوزي" التي نقلتها صحيفة "لوموند" الفرنسية عنه في اختتام فعاليات قمة مجموعة الـعشرين والتي قال فيها حرفيا: "فرنسا لن تقف مكتوفة الأيدي حيال حدوث خطر يهدد وجود إسرائيل وذلك لأن فرنسا تعتبر وجود إسرائيل بعدما حدث إبان الحرب العالمية الثانية أحد عوامل القرن العشرين السياسية الهامة"
والذي أراه أن عملية الحرق على بساطتها وسذاجتها تأتي كواحدة من خطوات تمهيدية عديدة يقوم بها الغرب بحث ودعم إسرائيلي تمهيدا لضرب إيران وسوريا وحزب الله وحماس. وحرق مقر المجلة على بساطته وتفاهته لا يقل خطورة عن تعجل الأمريكيين بالانسحاب من العراق بعد أن كانوا مصرين على البقاء بشدة لمجرد أن إيران هددت بالانتقام منهم إذا ما هوجمت، ولا يقل خطورة عن موقف الغرب من ثورة الشعب السوري، وموقف الجامعة العربية من القطر العربي السوري. فهذه المواقف تأتي مجتمعة متساوقة بشكل كبير لتنفيذ مخطط كبير يبغي حرق وتدمير المنطقة العربية وسحبها من شاربها لتركع تحت أقدام الصهاينة، ولكن العرب والمسلمين شغلهم نزاعهم الطائفي وحقدهم العقائدي عن الانتباه إلى هذه الحقائق بما جعلهم غافلين عن الخطر الحقيقي المحيق بهم والنار التي ستمتد لتحرق بلدانهم، فاستعاضوا عن طلب النصر من الله سبحانه بطلب النصر من إسرائيل وأمريكا لضرب إيران وسوريا وحزب الله وحماس وكل قوى الرفض الإسلامي.
فقط اذكر بعض الدول العربية الإسلامية التي تحولت إلى عصا ضاربة بيد الصهيونية والغرب، وبقرة حلوبا تدر مليارات الدولارات لتغطية مصاريف جهدهم التخريبي، أذكرهم أن دورهم أقرب مما يعتقدون، وسكوت الغرب القبيح عما يحدث في اليمن إنما هو واحد من فقرات المشروع لكي يبقى الحال على ما هو عليه إلى أن يتم إنجاز القسم المستعجل من المخطط ثم يتفرغون لهذا القسم الحيوي لينجزوه على هواهم ووفقا لمصالحهم التي تقضي بإعادة رسم خارطة الخليج بالدمج والتغييب والإلغاء والتوحيد تمهيدا لإعادة رسم خارطة العالم.
أما حرق مقر المجلة أو قرصنة موقعها على الانترنيت وحتى اغتيال المشرفين عليها بالمسدسات الكاتمة أو بالتفخيخ وغيره فهي أعمال تافهة لا ترقى لأن تكون رد فعل إسلامي على ما حدث ويحدث من أفعال. وما دمنا نعيش حالة التباغض والشتات ستبقى أيامنا حبلى بالمفاجئات، ولكنها عندما تتمخض لن تلد لنا سوى فأرا قميئا سيكون مقدمة لميلاد عصر الانحطاط الكبير!
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/19



كتابة تعليق لموضوع : التهييج الغربي الممنهج ومرحلية مشروع التدمير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net