يعدكم الله احدى الطائفتين
السيد اسعد القاضي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد اسعد القاضي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جنّ الليل على المسلمين.. أظلّهم الخوف الممتزج بالرجاء.. دبّ في نفوسهم الرعب المشوب بالأمل.. لا يدرون عن ماذا سيسفر صبح السابع عشر من شهر رمضان.. وعدهم الله إحدى الطائفتين.. إبل قريش وما تحمل تلك الإبل من البضائع، أو الحرب.. إنها ليلة غزوة بدر الكبرى..
جمع النبي (ص) أصحابه يستشيرهم.. أمرٌ يبدو غريباً.. المسدّد بالوحي يستشير أصحابه.. يستقرئ رأيهم بالحرب.. لم تكن غايته الاستنارة بآرائهم بعد أن كانت حركاته وسكناته برعاية الجليل.. له غاياته في الاستشاره.. كأنه أراد أن يطّلع الحاضرون على ما في قلوب البعض.. كما أراد أن يغرس في نفوسهم روح الاستعانة بآراء الآخرين وعدم الاستقلال بالرأي والانفراد به.. إذا كان سيد الكونين يستشير فما ظنك بمن هو دونه؟!..
كانت آراء الحضور متباينة جداً.. كلُّ رأي يعبّر عن مدى إيمان صاحبه ورسوخ عقيدته.. بل ومدى شجاعته.. بل وطموحه الذي أخرجه من منزله، تاركاً خلفه عياله وصبيته..
أوّل من تكلم هو أبو بكر.. صرّح بقناعته وطموحه..
ـ يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلّت منذ عزّت، ولم نخرج على هيئة الحرب..
كلام صريح وواضح.. لم يكن أبو بكر على استعداد نفسيّ للحرب.. طموحه نحو الخيار الثاني.. إبل قريش وما تحمله..
بعد أن سمع مقالته.. أمره النبي (ص) بالجلوس.. لم يكن رأي عمر بعيداً عن رأي أبي بكر.. كلاهما لا يرغب في الحرب.. تميل قلوبهما نحو العافية وما تشتمل عليه قافلة قريش.. يأمره النبي (ص) بالجلوس أيضاً..
قام المقداد بن الأسود.. النموذج الأمثل التسليم.. أبدى رأيه لا ليُدلي برأيه.. ولا ليعلّم النبي (ص).. بل ليجسّد الانقياد التامّ للقائد الإلهيّ..
ـ يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، وقد آمنّا بك وصدقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، ولكنّا نقول: امض لأمر ربّك فإنّا معك مقاتلون..
بدوره قام سعد بن معاذ، فقال..
ـ بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، إنّا قد آمنّا بك وصدّقنّاك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله، فمُرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منها ما شئت، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ الله عزّ وجلّ أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله.
شعور الأصحاب الاوفياء تبوح به كلماتهم.. فرح رسول الله (ص) بهذين الموقفين.. خاطب أصحابه..
ـ سيروا على بركة الله، فإن الله عزّ وجلّ قد وعدني إحدى الطائفتين، ولن يُخلف الله وعده، والله كأنّي أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وفلان وفلان..
لقد خاب سعي من أعماه حبّ الدنيا.. وخسر صفقته التي خرج لأجلها.. يريد محتوى القافلة وقد حُرم منها.. يكره الحرب وقد ابتُلي بها..
سبحانك اللهم وبحمدك.. انت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون..
المصدر: مجمع البيان في تفسير القرآن.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat