أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١٩)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.
وعلى رأسِها نِعمةُ الهدايةِ والولايةِ! كما يصفُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الرَّسول الكريم (ص) بقولهِ {فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَبَعِيثُكَ نِعْمَةً وَرَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً}.
وهل هناكَ نعمةٌ أَعظم من الإِمام عليِّ بن أَبي طالبٍ (ع) بعد رَسُولِ الله (ص) [تُصادف اللَّيلة (١٩ رمضان المُبارك ٤٠ للهجرةِ) تعرُّضهُ عندَ صلاةِ الفجر لضربةِ المُجرم الخارجي (التَّكفيري) إِبن مُلجم بسيفهِ المسمُوم في محرابِ الصَّلاة في مسجدِ الكُوفةِ].
الإِمامُ الذي اجتمعت عليهِ كلِّ الأَقلام الأَمويَّة المسمُومة وفتاوى فُقهاء البِلاط الأَموي وخُطباء منابر الجُمعة على مدى [٨٠] عاماً سبّاً ولعناً وطعناً وتشكيكاً! حتَّى تساءلَ أَهلُ الشّامِ عندما وصلهُم خبر إِستشهادهِ في المِحْراب [أَوَ يُصلِّي عليٌّ؟!] إِلّا أَنَّهُ بقيَ إِلى الْيَوْم الأَوَّل بعدَ رَسُولِ الله (ص) في كلِّ شَيْءٍ حتى لقد سُئِلَ الخليلُ بن أَحمد الفراهيدي [البصري اللُّغَوي والنَّحوي الشَّهير المولُود سنة (١٠٠ هـ) بالبصرةِ] عن أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فقال؛ ماذا أَقولُ في رجُلٍ أَخفى أَعداؤُهُ فضائلهُ حسداً، وأَخفاها محبُّوه خوفاً، وظهرَ من بينِ ذَين وذَين ما ملأَ الخافِقَين!.
لقد كتب الإِمامُ (ع) إِلى طاغية الشَّام جواباً طويلاً يصفهُ الشَّريفُ الرَّضيِّ أَنَّهُ من محاسنِ الكُتُبِ {أَلَا تَرَى غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ وَلَكِنْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وَخَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ! أَوَلَا تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ قِيلَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ! وَلَوْلَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ}.
فكيفَ نتحدَّثُ عن هَذِهِ النِّعمة؟ ومتى؟! ولِماذا؟!.
ليسَ المقصودُ بالتحدُّث عن النعمةِ هُنا الكلام والكِتابة والخِطابة عن علومِ الإِمامِ ومناقبيَّاتهِ وفضائلهِ وفضلهِ في الإِسلامِ فقط على الرَّغمِ مِن أَنَّ كلَّ ذلك شيءٌ مهمٌّ جدّاً لا ينبغي أَن نغفلَ عَنْهُ فهوَ من مصاديقِ قولِ الله تعالى {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} وأَنَّ كُتمانهُ يصدق عليهِ قولَ الله تعالى {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} فالبشريَّة بحاجةٍ إِلى الإِمام (ع) بشَكل واسعٍ! إِلّا أَنَّ ما هُوَ أَهمّ من ذلك هو أَن نُقدِّم نماذجَ عمليَّة مُلتزمةً بنهجهِ وسِيَر واقعيَّة تهتدي بعلمهِ!.
فعلى الرَّغمِ من أَهميَّة تقديم الإِمام [النَّظريَّة] إِلّا أَنَّ الأَهم من ذلك هو أَن نقدِّمَهُ [التَّطبيق] والنُّموذج وإِن كانَ صغيراً جدّاً ورُبما مجهريّاً! فنموذجٌ عمليٌّ واحدٌ يعادلُ مليون نموذجٍ نظريٍّ في التَّأثير!.
أَوَلسنا ندَّعي أَنَّ الإِمام (ع) منهجٌ كاملٌ وعلى مُختلفِ الأَصعدة؟ السِّياسة والإِقتصاد والأَخلاق والإِدارة والحقُوق والسُّلوك والحُكم والإِنسانيَّة والحرب والسِّلم والتَّربية والأُسرة وغيرَ ذلك؟! فلماذا لا نلمِس هذا المَنهج في حياتِنا اليوميَّة وسلوكيَّاتِنا الفرديَّة؟!.
لا في السِّياسة نلمس هذا المَنهج ولا في الإِدارة ولا في علاقاتِنا مع بعضٍ ولا في خُططِنا ومناهجِنا التربويَّة! لماذا؟!.
لقد ابتُلي الإِمامُ بنوعَين من النَّاس، وهم يشكِّلون بمجموعهِم الأَغلبيَّة [المُهرِّجة] للأَسف الشَّديد! هذان النَّوعان يذكرهُم بقولهِ (ع) {يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وَبَاهِتٌ مُفْتَرٍ} [قال الرَّضيُّ؛ وَهذا مِثل قولهِ (ع) {هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالٍ وَمُبْغِضٌ قَالٍ}].
لا أَتحدَّث هُنا عن النَّوع الثَّاني الذي يكرهُ الإِمام (ع) أَكثر من كراهيتهِ للمَوت! فهو لا يطيقُ أَن يسمعَ بإِسمهِ فضلاً عن فضائلهِ وعلومهِ ومواقفهِ ومناقبيَّاتهِ وسيرتهِ وكلُّ ما يتعلَّق بهِ.
وهذا النَّوع من النَّاس موجودٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ منذُ صدرِ الإِسلام وإِلى يَوْمِ يُبعَثون! ولقد أَخبرَ رَسُولُ الله (ص) أَلإِمام عن هذا الصِّنفِ بقولِ الإِمام (ع) {لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي وَذَلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ (ص) أَنَّهُ قَالَ؛ يَا عَلِيُّ لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ}.
أَمّا الصِّنفُ الأَوَّل فلأَنَّهُ يُغالي في حبِّ الإِمام (ع) ولذلكَ ينشغلُ في الدِّفاعِ عَنْهُ بوجهِ حمَلات الكراهيَّة والتَّضليل التي يتعرَّض لها الإِمامُ من قِبَل الصِّنف الثَّاني! عن جهلٍ ومِن دونِ أَن يتعلَّم! فيضرُّ الحقَّ ولا ينفعُ الإِمام! بدلاً من أَن ينشغلَ بتعلُّمِ علُومِهِ (ع) وسلوكيَّاتهِ ومنهجيَّتهِ في الحياة! ولذلكَ فهو يهلَكُ بهِ كما يهلَكُ بهِ الآخر!.
ينبغي أَن ننتبهَ جيِّداً لحالِ علاقتِنا بالإِمام (ع) حتَّى نكونَ منصفِين مع أَنفسِنا في وعيهِ وفهمهِ فلا نتطرَّف في فهمِنا لَهُ ولا نتكاسلَ عن وعيِنا لَهُ! فـ [لا إِفراطَ وَلا تَفرِيط].
إِنَّ الإِمام (ع) لا يحتاجُ إِلى مَن يدافعُ عَنْهُ بمقدارِ حاجتِنا الماسَّة لوعيهِ واستيعابِ منهجهِ! لنُغيِّر حالِنا التَّعيسة ونُقدِّم نموذجاً! فهوَ (ع) ليسَ مُتَّهماً لنُدافعَ عَنْهُ أَو مُقصِّراً لنُبرِّرَ لَهُ!.
٣ حُزَيران ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat