صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٢٦)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}.
   هَذِهِ هي، إِذن، طبيعة ذيُول الطَّاغوت وأَبواقهُ يلتفُّون حولهُ ويحرصُون على حجزِ أَماكنهِم ومقاعدهِم بالقربِ مِنْهُ ليسَ من أَجلِ الخدمةِ العامَّة وإِنَّما لتحقيقِ رغباتهِم وأَهدافهِم الخاصَّة، فلا يقدِّمُوا مَشورةً له إِلّا إِذا تُحقِّق رغباتهُم ولا يقدِّمُوا على فعلِ شَيْءٍ إِلّا إِذا يُحقِّق أَمنياتهم! فعندما طلبَ فرعَون من السَّحرة أَن يُثبِتوا للنَّاسِ [ربوبيَّتهُ] مُقابل ما يدَّعيه ويدعُو إِليهِ نبيَّ الله موسى (ع) من تَوحيدِ الله تعالى تأَكَّدوا قبلَ أَن يفعلُوا شيئاً ما إِذا كانُوا سيحصلُونَ على أَجرٍ ما ويقبضُونَ الثَّمن عندما يُثبِتُوا للنَّاسِ ذَلِكَ ويحقِّقُوا رغبتهُ؟!.
   ولقد كانَ فرعَون كريماً معهم عندما أَجابهُم {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ليطمعُوا أَكثر فيتحمَّسُوا أَكثر فيبذلُوا جُهداً أَكبر لتحقيقِ رغبتهِ!.
   يَقُولُ اميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يصفُ بَيعة عمرُو بن العاص لطاغيةِ الشَّام مُعاوية إِبنُ آكِلة الأَكباد [هِند] بقولهِ {إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَةً}.
   إِنَّها، إِذن، مصالح مُتبادَلة بين الطَّاغوتِ والملإِ الذين حولهُ؛ فالطَّاغوت يبذل لهم كلَّ ما مِن شأنهِ أَن يحثَّهم ويحرِّضهم على خدمتهِ وتحقيقِ رغباتهِ بغضِّ النَّظر عن الحقِّ والباطِل! أَمّا الملأُ فسيبذلُونَ لَهُ كلَّ شَيْءٍ من أَجلِ إِرضائهِ وتحقيقِ رغباتهِ وحمايةِ سُلطتهِ وإِمتيازاتهِ! كَذَلِكَ بغضِّ النَّظر عن الحقِِّ والباطلِ!.
   والطَّاغوتُ يبحثُ عن مواصفاتٍ خاصَّةٍ في ذيولهِ وأَبواقهِ وعلى رأسِها الولاء المُطلقِ والطَّاعةِ العمياءَ! فلا يعترضُوا على شَيْءٍ يقولهُ ويفعلهُ حتَّى إِذا كانَ خطأً فيلزمهُم تبريرهُ والدِّفاع عَنْهُ بآيةٍ أَو روايةٍ! أَمّا إِذا اعترضُوا أَو تجاوزُوا أَو تسرَّعوا فسبقوهُ برأيٍ فإِنَّ مصيرهُم كما قال فرعَون لِمن آمن منهُم عندما شاهدُوا عصا موسى (ع) تسعى وتلقفُ ما صنعُوا {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.
   أَمَّا المَلأُ من أَبواقِ وذيُول [العِجل السَّمين] فلا يهمَّهم إِلّا أَمراً واحداً فقط وهوَ؛ ما الذي ينبغي عليهِم فعلهُ لإِرضائهِ وبالتَّالي للبقاءِ مع حلقتهِ الضيِّقةِ الخاصَّة والمُقرَّبة! يستفيدُون من عطاياهُ ويتمتَّعونَ بالامتيازاتِ ويحصِّنونَ أَنفُسهم بحمايتهِ!.
   ولذلكَ نلاحظُ كيف أَنَّ [المُستشار] و [الخبير] القريب جدّاً من السياسيِّين والمسؤُولين يُبدي استعداداً مُنقطع النَّظير لتكذيبِ نفسهِ والضِّحك على ذقنهِ والدِّفاع عن الباطل ودفع التُّهم حتى إِذا كانت حقائق وكلُّ ذَلِكَ من أَجلِ أَن يحمي نَفْسَهُ فيبقى جزءً من الحلَقةِ الضيِّقةِ للمسؤُول!.
   إِنَّ أَسوأ النَّاس هم الملأُ الذين يتحلَّقون حَول المسؤُولينَ لأَداءِ هذا الدَّور فقط! إِرضاءهُ بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكالِ على حسابِ الحقيقةِ!.
   ولذلكَ ينبغي على المسؤُول الحريص على نفسهِ وسمعتهِ أَوَّلاً وعلى عملهِ وموقعهِ ثانياً وعلى النَّجاح والإِنجاز والأَداء ثالثاً وعلى البلدِ والشَّعبِ ومصالحهُ، وهو أَهمُّ شَيْءٍ في كلِّ ذلك! عليهِ أَن يحذر من تقريبِ مثلِ هذه النَّماذج التي تبحث عن أَجرٍ قبل أَن تبحثَ في حقيقةِ ونوعيَّة العمل الذي ستُؤدِّيهِ!.
   وصدقَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الذي يَقُولُ {لَا تَصْحَبِ الْمَائِقَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَهُ وَيَوَدُّ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ}.
   إِنَّ مُستشاراً واحداً سيِّئاً وفاسداً يتحلَّق حَول المسؤُول يكفي لتدميرهِ وتدميرِ مَوقعهِ! ولذلك قال الشَّاعر؛
   لا تربط الجَرباءَ قُربَ صَحيحةٍ
              خَوفاً على تِلكَ الصَّحيحةِ تَجرَبُ
   إِنَّ المسؤُول العاقل يحرص جدّاً على إِنتقاءِ واختيارِ المستشارينَ والعناصر القريبةَ مِنْهُ أَشدَّ الحرصِ لتكون عَوناً وَزيناً لَهُ وليس شَيناً! شُجاعةٌ في قولِ ما ينبغي قولهُ وليس في قَولِ ما يحبُّ أَن يسمعه المسؤُول! وأَمينةٌ في تقديمِ أَفضل الإِستشارات على قاعدةِ {المُستَشارُ مُؤتَمَنٌ} ولقد قيلَ أَنَّ مُهمَّة المُستشار هي تَوسيع آفاق خَيارات المسؤُول وليسَ تَوسيع نُفوذهُ!. 
   إِنَّ طبيعة وعقليَّة وطريقة تفكير المُستشارين تتناغم عادةً مع طبيعةِ وعقليَّةِ وطريقةِ تفكير المسؤُول [فالطُّيور على أَشكالِها تقعُ] ولذلكَ قيل [قُل لي مَن هُم مُستشارُوك أَقل لَكَ مَن أَنت] فإِذا رأَيتَ مُستشاراً ذَيلاً فتأَكَّد بأَنَّ المسؤُولَ [عِجلٌ سمينٌ]! وإِذا رأَيتَ مُستشاراً بوقاً فتأَكَّد بأَنَّ المسؤُولَ مُهرِّجٌ يُحِبُّ إِستعراضات السِّيرك! ويُحبُّ الصُّراخ والضَّوضاء! وهكذا!.    
   


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/11



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٢٦)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net