صفحة الكاتب : فاروق الجنابي

العاشر من محرم سورً للتلاحم الوطني وعنواناً لوحدة الصف
فاروق الجنابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اغلب المدن في كوكبنا الارضي لها من الدلالات مايقترن بتاريخ نشاتها ومن المظمون ما يميزها عن غيرها من المدن الاخرى ،لانها ستكون جزءا من هذا التاريخ ،وكربلاء واحدة من تلك المدن التي اقترن اسمها بملحمة وجدانية امتزجت مع واقع مفروض لتكون احد شواهد التاريخ ، تلك الملحمة التي يهزت الضمير الانساني ، ذكرى استشهاد سبط الرسول الكريم (ص)الامام الحسين واخيه العباس ( عليهم السلام) وذريته الميامين في واقعة لم يشهد التاريخ لهامثيلا ،لكونها لم تتمحور في الاطارالمحلي او الاقليمي ،مثلما هي ليست رواية أوقصة ينسجها عالم الخيال ،لكنها كانت واقعة مادية انسجتها خيوط السماوات العلا ، صحيح ان المعارك تشتد ضراوتها لكنها تبقى في حدود المفاهيم الانسانية التي يترفع من خلالها المقاتلون الى الانحدارباتجاه مقاتلة المدبر او التمثيل بجثث القتلى من الاعداء اوالتعدي على النساء والاطفال لانها تتقاطع ونواميس الشجاعة،ففي الجانب الاسلامي كانت المعارك التي تخوضها الجيوش الاسلامية في حروبها وفتوحاتها ضد المشركين تتسم بثوابت الشجاعة ومكارم الاخلاق المجردة من الانتقام والانحطاط السلوكي ،كما كانت تتوخى ايقاع الضرر بالناس العزل ،مثلما كانت تحرم مقاتلة المدبر من جيوش الاعداء ،وتحريم قتل الشيوخ ( العجَز)من الرجال والنساء وكذلك الاطفال ،وامتدت الحرمات لحدود قلع الشجر سواء كان الامر من باب العبث او لإيقاع الضرر بالعدو،،فواقعة الطف اهتزت لها ضمائر البشرية ليكون التاريخ خير شاهد على بشاعتها وهمجية سلطة الحكم التي سارت باتجاه تتري وبربري لايتماشى مع ادنى نواميس الاعراف الانسانية والاسلامية ،والاكيف يتم التعاطي مع الحسين وذريته بهذه الصورة التي لاتمت للاسلام بصلة لامن قريب ولامن بعيد فاذا كانت مفاهيم الاسلام تجرم قتال الفئات التي اوردناها من المشركين وتحرمه، فكيف هو الحال اذا كان الطرف المراد قتله سيد شباب اهل الجنة وابن بنت نبي الامة وابن خليفتهم الرابع وناصر ضعيفهم ،انها نكبة ابكت ملائكة السماء قبل اناس الارض واحزنت الاعراق الضالة قبل ان تحزن الموحدين ،مثلما احزنت اهل الكتاب قبل ان تحزن المسلمون ،فكانت ثورة كربلاء حاضرة في وجدان الانسانية من مشارق الارض حتى مغاربها ،فهي خير مثال لتعايش اهل الارض بشتى مشاربها ومواردها ،تلك الواقعة التي من خلالها نالت القارة الهندية شرف كراماتها ورفعة استقلالها ،لان المهاتما غاندي محرر الهند من عبودية الاستعمار البريطاني اتخذ من ثورة كربلاء الحسين (عليه السلام )غاية سامية في معاني المظلومية التي اقترنت بثبات الموقف والاستعانة بالصبر وشدة العزيمة في شدائد الامور والتغاضي عن عبثيات الحياة الدنيا الهالكة والاستعداد للبذل الروحي والمالي من اجل ان يبقى الانسان خالدا وحرا، لان الله خلقه حرا فكيف لاحد ان يستعبده او يلقيه الى الذل ،فلم تكن تلك الواقعة شخصية  ببعدهاالعائلي والاسري ،ولامجتمعية ببعدها القبلي او المناطقي ،ولاعرقية ببعدها القومي ،ولااثنية ببعدها الديني او المذهبي والطائفي ،ولم تكن نكبة سياسية تبتغي الحكم والتشهي لقوة السلطة والنفوذ،اوتتحصن في قلاع الاموال القارونية ،ولم تقترب من الكنوز الهارونية ،لكنها كانت ربانية التكوين ومحمدية النشاة ومسارآ للخلافة الراشدة0 كانت صرخات الاحرار قد دوت في سماء النخوة العربية وفضاء المروءة الاسلامية مستغيثة من عبث العابثين بارواح الناس واموالهم ،لان الكيل قد طفح ،والعسرقد بانت ملامحه،فتشابكة حلقات الفرج ،واختلط الحابل بالنابل،فانطلقت ثورة العدل على الظلم لتنقذ عباد الله من جور ولاة امره 0فكانت كربلاء على موعد مع القدر، بيوم لاشبيه له في مديات القياس الإنسية منها والملائكية ،يوما شهد ابشع مايمكن ان يصفه التاريخ بحوادث القتل الجماعي والابادة الانسانية ،،يوما انقلبت موازين الحياة من بداية ابجدياتها الى تمام فنائها ،يوما عادت النفس البشرية الى بارئها راضية مرضية ،لتحتفي بها ملائكة الله في علاها ، ولتلقى ربها الذي زكَاها،نفسا طهورة فسبحان من سواها والهمها تقواها ،نفسا عصمها الله من الرجس وكان الطهر مرساها ،نفسا ثارت على الزيف وتدري ان الله يلقاها، نفسا ابت ان تغرها الدنيا باهواها ، ذلك اليوم الذي نقشت حروفه في وجدان الانسانية وتاطر في خلدها ،وتناسلت منه ثوابت تستوقف الامم عند حدودها ،لعظمة دلالاته التي تؤكد انهم احبة الله واوليائه ،انهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،فصدق الله معهم ،ونحر كيد الكائدين الى يوم لاينفع مال ولاذلك السلطان البائس الذي اغواهم ،فعصوا فزلَهم الله عن رحمته ،كربلاء اليوم تحتاج الى همة الوطنيين الاحرار عربا وكردا ،مسلمون ومسيحيون وايزيدية واعراقاً اخرى ،تحتاج الى ابناء العراق كافة من علماء وادباء وكتاب وصحفيون ورجال قانون ومهندسون وعمال في شتى ظروب المهنية والتخصص  ،والى حماة الوطن من الجيش والساهرون من رجال الامن الداخلي الشجعان ،الى جهدا تتعاضد القلوب وتشحذ فيه الهمم ،لتكون هذه المدينة منبراً لوحدةً الصف ،ومستوطناً يلتقي عندها الجميع بمشترك الخليقة وعوامل التعايش السلمي ولتنسلخ في اعتابها سبغة العنصرية ،وتنخلع بفضاءاتها جلابيب الطائفية ،ولندع الماضي البليد خلف بصائرنا ،ولنعمل بعقلية الحاضر المشرق ،بعد ان دحر الله عنا غمة الجور ومظلمة الانفس ،فتحية من اعماق القلوب الطهورة والانفس الزكية الى السيد محمد الموسوي رئيس مجلس محافظة كربلاء الذي غارة في وجدانه نصرت عوائل شهداء النخيب متعانقا مع دجى الليل في وحشته ممتطيا شجاعته لينتشل نسوتنا من غدر الذين ارتضوا لانفسهم التجرد من شرف الانتماء للدين والوطن والمجتمع الذين سيلقيهم التاريخ الى مزابله النتنة ،ومثلها الى السيد محافظ كربلاء الذي تواصل مع الزائرين وتحية الى السيد عباس الموسوي الذي  تراه يتفاعل مع الاحداث بروح مشذوة بنبل التقوى ورفعة التواضع معطرة بعبير المشاعر الحسينية الثرَةالباحث بين اشواك المفسدين عن سوط يقطع فيه اياديهم التي سرقت اموال الجياع والمفسدين ، فسعى جاهدا لمساعدة من ضاقت بهم سبل الحياة وانقطع عنهم الرجاء ،فاننا وبذات الانفس المستضعفة في الحياة والاجساد الهالكة في الارض والقلوب الحائرة التي ندعوا الله بها في شدائد امورنا وقضاء حوائجنا ،ان يحشره مع من يبتغون حسن الختام ،كمانخص بالذكر من تتداولهم السن الناس الذين تعاضدت عليهم ويلات الحروب  وما تناسل عنها من ظنك العيش وفاقة الفقر ،كالاساتذة نائب رئيس المجلس  نصيف الخطابي (ابو حمزة )الذي لم تستغفله مناضد السلطة ونعومة كواليسها، والاساتذة االسيد ستار العرداوي وزهير صامت وهاني عبود وحسين شدهان ،وتحية مفعمة بدعاء الأمهات الثكالى ولوعة الاطفال اليتامى الذين كدرتهم ويلات المفخخات ،واحزان الاحزمة الناسفة ،الرافعين اكفهم للدعاء والمفتوحة لهم  ابواب السماء ،الى الاستاذ المقدم عبدالله الوائلي مدير مكتب السيد محافظ كربلاء الذي لم تستغفله لجة الحياة ولابريق زيفها الزائل المبتذل ،فكان يعلم باليقين ان رضى الله غاية المؤمنين ،وتحية مقرونة بحب الحسين من رحاب فناءه الطاهرة الى السيدمازن الياسري مدير بلدية كربلاء والسيد كريم محمد داوود (ابو رافد )مسؤول الخدمات لمابذلوه من جهد يستحق الثناء خلال العاشر من محرم الحرام والاستاذ كطران العرداوي عضو الهيئة الادارية لجمعية التصوير العراقية في كربلاء ،وتحية الى السيد اللواء احمد زويني قائد شرطة كربلاء ،والى نائبه العميد حامد هويرومن خلالهم لبقية كوادر الشرطة المتفانين بانجاح هذه الزيارة المباركة ،وتحية الى اهالي كربلاء الذين كانوا مثالا للكرم العربي الذين تعاضدوا جميعا وجادوابما غلى من طيبات اموالهم باقامت سرادق العزاء معبرين عن اصالة ذاتهم البشرية وانتمائهم لهذا الدين الحنيف وهذه المدينة المقدسة ،وختاما نتمنى من اعماقنا وبروح مجردة من التصنع ومشذبة بينابيع الوفاء ان تكون ذكرى استشهاد الحسين منعطفا في حياة الجميع ،كونها متجذرة من وجدان الامة الاسلامية ولنجعلها منارا لنا في عفة الانفس وطهارة القلوب                                                           


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فاروق الجنابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/15



كتابة تعليق لموضوع : العاشر من محرم سورً للتلاحم الوطني وعنواناً لوحدة الصف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net