صفحة الكاتب : ثامر الحجامي

الخروج من النفق المظلم
ثامر الحجامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إحتفل العراقيون بمرور عام على نصرهم الكبير، بعد أن خاضوا حربا مريرة إستمرت أربع سنوات، قدموا فيها دماء طاهرة ملأ عبيطها صحراء الأنبار، وجبال مكحول وحمرين وأودية حوران وكركوك وهضاب ديالى والموصل وجبال سنجار، وشوارع تكريت والفلوجة وتلعفر، فكانت معركة لم يشهد التاريخ لها مثيلا.

إجتمعت عوامل عدة؛ خارجية وداخلية، في أن يكون العراق جزءا من منظومة التغيير الجيوسياسية في الشرق الأوسط، الذي عصف به أعصار سياسي - إرهابي أدى الى تغيرات كبرى، في شكل الأنظمة السياسية الحاكمة في هذه المنطقة، صاحبها ظهور حركات متطرفة، إستخدمت العنف والإرهاب في فرض سيطرتها وبسط نفوذها، في بعض الدول التي أصابها التغيير، فكان نتيجة ذلك فوضى ودمار وقتل وتشريد، وعدم الإستقرار الى يومنا هذا.

دخل العراق دوامة الإرهاب منذ وقت مبكر، فالتغيير السياسي بعد عام 2003 والطبيعة الإجتماعية المتنوعة، والفشل في إدارة الدولة العراقية، والتعامل مع الظروف السياسية العاصفة التي كانت تحيط بها، إضافة الى إن العراق أصبح مسرحا للصراع الدولي، كل هذه العوامل وفرت أرضا خصبة لزراعة التطرف والصراعات الطائفية، التي كان يخمد جمرها في فترة، ثم يتطاير شررها في فترة أخرى، وصولا لعام 2014 ودخول العراق في نفق مظلم لا تعرف نهايته، بعد أن إجتاحته رياح سوداء عاتية.

ضربت صواعق الإرهاب بكل قوة، فأصبحت مدن كبرى تحت سيطرة زمر داعش، فالموصل صارت عاصمة لدولتهم الإسلامية المزعومة، تبعتها مدن صلاح الدين والرمادي، وقسم من مناطق ديالى وكركوك، وأصبح الإرهابيون على أطراف بغداد مهددين قلبها في أي لحظة، وإستعانت هذه المجاميع الإرهابية بدعم خارجي وفر لها الأموال والأسلحة والدعم الإعلامي، فيما وفرت لها البيئة الحاضنة - المهيأة سلفا - آلاف المقاتلين المتمرسين ودعم لوجستي منقطع النظير.

منظومة سياسية متصارعة فيما بينها، مؤسسة عسكرية مفككة، تركت أسلحتها نهبا لعصابات داعش، منظومة دولية إما داعمة للإرهاب، أو غضت الطرف عما يجري، تمهيدا للتغييرات السياسية التي ستحدث، شعب فقد الثقة بالمتصدين وربما حتى في نفسه، فلم يحرك ساكنا تجاه الخطر المحدق به، فكان الأمر يحتاج الى صدمة كبرى، تجعل الجميع يفيقون من الغفلة التي هم فيها وينتبهون لأنفسهم، يتداركون أوضاعهم يلملمون شتاتهم، على أمل تقليل الأضرار الحاصلة الى أقل ما يمكن.

جاءت اللحظة الحاسمة التي إستنفرت الطاقات الكامنة، وجعلت الجماهير تنفض الغبار عنها وتقف بوجه الإعصار القادم، تتحد فيما بينها بعيدا عن الحسابات الطائفية والقومية، ترد الشر القادم بكل قوة وتنازله منازلة كبرى، كانت هي الأشرس والأصعب على مر التاريخ، بأهدافها وإمكاناتها المادية والمعنوية، وحجم الجرائم التي إرتكبتها بين قتل وتهجير وتهديم وسبي وقطع رؤوس، لكن إرادة العراقيين قالت قولتها، وأنتصر العراقيون على أعداء الحياة والحرية والسلام، وسطرت القوات العراقية والحشد الشعبي بطولات قل نظيرها، لم يشهد العالم مثيلا لها في الإيثار والفداء والتضحية.

عوامل عدة إجتمعت؛ جعلت النصر العراقي باهرا على عصابات داعش، وحررت أراضيه ومدنه، كان في مقدمتها فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيد السيستاني، والتلبية الكبيرة لها من العراقيين بأعداد مليونية، من مختلف الطوائف والمكونات، وتغير الروح المعنوية والأسلوب القتالي للقوات العسكرية العراقية بمختلف فصائلها، والإشراف المباشر من قبل قيادات جديدة متمرسة على مجرى العمليات على الأرض، والطابع الإنساني الذي حملته معارك التحرير.

لا ننسى أن الدور الأبرز كان للشعب العراقي، الذي توحد بكافة مكوناته وطوائفه، مؤمنا بالقضية التي يقاتل من أجلها، موفرا كافة وسائل الدعم للقوات المقاتلة، وللعوائل النازحة التي شردها الارهاب، فتجسدت ملحمة كبرى أجهضت مخططات عالمية، وجعلت العراق موطنا للشمس وبلادا للحرية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ثامر الحجامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/16



كتابة تعليق لموضوع : الخروج من النفق المظلم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net