هكذا يُصدّ المخطط الإسلاموي ويُبنى البديل
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الذي يقع الركوب عليه في تونس (وفي الوطن العربي) الآن ركوبان: واحد لاواعٍ وواحد واعٍ. الأول يقع على الثورة من طرف الإسلام السياسي المحلي والعربي بكل أطيافه. أمّا الثاني فيقع من طرف قوى الشر العالمية على ما هو أهم: المشروع العربي الإسلامي التاريخي والمنشود للرقي والنهوض الحضاري. والركوب الثاني يَعرف ذروته الآن بحلول عاهل قطَر، حامية حمى المشروع المهرَّب. فالذي يحز في النفس أنّ الركوب الأول يخدم أجندات الركوب الثاني، ممّا يجعلنا نصنف المشروع العظيم المذكور، بصفته مركوبٌ عليه، في عداد المخططات العدائية. وذلك يجعلنا حريصين لا فقط على صد ذلك المشروع وهدمه وإنما أيضا وعلى الأخص على استبدال المشروع المخترَق بآخر مختلَق. وفي سياق الصد لا يخفى على أحد أنّ القوى التقدمية في تونس وفي الوطن العربي واعية بالخطر، بينما هي مخطئة في المنهاج الذي ينبغي استخدامه. و على خلفية ما يصرح به يوميا الذين ينتقدون مخطط حزب النهضة (وروافدها) من سياسيين وإعلاميين ومفكرين ومثقفين وغيرهم، لا يسع الملاحظ إلا أن يصاب بالذهول المُوَلد للحرمان لمّا يرى تعنتهم في الهدم الخالي من البناء. بينما من المفروض، بعد كل وضع دفاعي، أن يقع تنصيب البديل في الموضع الذي تم تطهيره من الأفكار والتوجهات المحسوبة على الغرابة وعلى عدم الاتساق مع العصر. إن مثل هذه الطريقة في المجابهة النقدية لمخطط فضفاض معركة خاسرة. أمّا ما يضفي عليها هذا الصفة هو أنّ الناقد لا يتكلم نفس "اللغة" التي يتكلمها منافسه ولا يمارس نفس "الرياضة" التي يتعاطاها هذا المنافس. علما وأنّ الدين هو تلك اللغة وتلك "الرياضة" إن صحت الاستعارة. فحزب النهضة ربح الأغلبية (النسبية) لأصوات الناخبين التونسيين بفضل التخاطب إلى الجمهور بلغة الدين وبفضل ممارسة "الرياضة" التي يتقنها هذا الجمهور تاريخيا وثقافيا. على فكرة، ليست تصريحات قادة ونشطاء "النهضة" بأنّ حزبهم "مدني" هي التي ستحمل الباحث على تغيير هذا الرأي؛ فهُم جلبوا الأصوات بالدين كما سنرى، ثم استبدلوه بـ"المدنية". وفي هذا الاستبدال تخلّ واضح عن البُعد الديني، ما يتطلب معالجة فورية واستغلالا نافعا من طرف خصوم هذا الحزب . لنتصور، قبل ذلك، أنّ كلا الفريقين فريق في الرياضة. ولنتصور الفريق الأول (الناقد) في مواجهة مع فريق ثان (المنقود) يمتاز بمهاراته في لعبة كرة القدم بينما الفريق المتحدي اختار مهارات كرة اليد أو السلة أو الطائرة أو أية رياضة أخرى ليقيم ضده مباراة التحدي الأكبر. بأي شكل سيجري "اللعب" حينئذ وهل سيتمكن أي واحد من الفريقين من جلب نقاط الفوز لفائدته؟ في هذه الحالة التي ليست فيها الشروط متكافئة ولا الفرص متعادلة، ليس هنالك أمل في البت بخصوص مواجهة تكون منطقية وآيلة لنيل الرضاء المتبادل عن نتائجها. إذ إنّ الذي سيحدث حتما هو أن يُداوم الفريق المتحدَّى في الحفاظ على تألقٍ لا يروق لخصومه، وأن يستمر الفريق المتحدِّي في دفاعٍ عشوائي، قد يكون ناجعا في الحد من قوة المنافس وضغطه إلا انه لا ينفع في تسجيل نقاط للفوز طالما أنّ المهارات المستعملة لا تسمح إلا بشيء واحد: تباعد الفريقين عن بعضهما البعض بما ينذر بتصادمهما مرات متعددة أخرى، موالية للصدمة الأولى (الانتخابات ونتائجها) لا قدر الله. وللأسف فبوادر التباعد الممهد للصدام حاصلة في تونس وفي بعض أماكن من الوطن العربي والإسلامي اليوم، في مجال الصراع الفكري بين فريق الإسلاموية من جهة وفريق الحداثوية ومشتقاتها من جهة أخرى. مع أنّ "اللعبة" سهلة وقوانينها واضحة للعموم. فما هو المخرج من هذا الانسداد المنهجي والاحتباس التواصلي إذن؟ لمّا تكون اللعبة سهلة والقوانين واضحة لم تبق سوى طريقة تعلمها التي قد تكون مدعاة للمراجعة. لكن هذا أيضا لا يكفي، حيث إنّ الذي يحتاج إلى تعلم وتعليم ودربة وتدريب لا بد أن تتوفر لديه إرادة التعلم في المقام الأول. وهل الحداثيون يريدون أن يتعلموا كيف يُخاطبون الشعب التونسي، والشعب المسلم عموما، أم أنهم مُكتفّون بما ألفَوا عليه آباءهم وأجداهم من قواعد لمجابهة الخصوم في الرأي؟ فلو تعلق الأمر فقط باختلاف في الرأي بين إسلامويين وحداثويين لحُسم الخصام أو على الأقل لبُشّر المجتمع ببوادر تقدمٍ على درب التوافق وبمؤشراتٍ دالة على الاعتلاء لإدراك العلا. لكن لمّا يتعلق الأمر بالفقر في كيفية مخاطبة الشعب فهذا محسوب على كيفية استجابة المثقفين لحاجيات الشعب في الفهم. الشعب يريد فهم مشكلاته بالدين. وهذا ما أكد عليه علماء قدامى مثل ابن خلدون، وما انكب عليه علماء جدد مثل بن نبي وحنفي وسروش والنيفر. ثم إنه يريد فهمها بالدين وحلها بالعلم بينما لا الإسلامويون ولا الحداثيون يُلبون هذه الرغبة لديه. فقط أولئك يمتازون على هؤلاء بتلبيةٍ عاطفية أكثر من أن تكون عقلانية للرغبة الشعبية، مما يفسر فوزهم النسبي بغالبية الأصوات في الانتخابات، ومما ينذر أيضا بتعثرهم كلما حاولوا اقتحام نهج العقلانية، من حكم وحوكمة وقيادة وإدارة وتصرف وغيرها؛كما تدل عليه كل المؤشرات. بينما هؤلاء (الحداثيون) آثروا النزعة العقلانية حتى خسروا على الواجهتين، العاطفية والعقلانية. وأية عقلانية هذه التي يستسيغها شعبٌ عقله في دينه إن لم تكن نتيجة طبيعية لتطبيع علاقته مع الدين الإسلامي، شرعة ومنهاجا؟ أية عقلانية هذه إن لم تكن الاضطلاع بالشريعة الإنسانية كتتويج للاضطلاع المنهجي بالإسلام
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat