صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.
   إِنَّ أَسوء وأَخطر أَسباب الفشل في المجتمع هو الإِرهاب الفكري وتحديداً [إِرهاب الخلفيَّة] فأَنت مُتَّهم لأَنَّك تُخالفني في الرَّأي، وأَنت مُحاصر لأَنَّنا لم ننتمِ إِلى خلفيَّةٍ دينيَّةٍ أَو مذهبيَّةٍ واحدةٍ، وأَنت مشكوكٌ في أَمرِكَ لأَنَّك لم تنحدر من نفسِ الخلفيَّة المرجعيَّة أَو السياسيَّة والحزبيَّة، وأَنتَ مشبوهٌ لأَنَّك خرجتَ في طريقةِ تفكيرِكَ وفِي طرحِكَ للأَسئلةِ والشُّبهاتِ عَنِ المشهور، وأَنت مُراقب إِذا خِضتَ في اللامُفكَّر فيه، وأَنتَ غير مرضيٍّ عنكَ إِذا توقَّفت عن التَّصفيق للزَّعيم الأَوحدِ قَبْلَ أَن يلوِّح لَكَ بعصاه! وهكذا!.
   وللآيةِ مصاديقَ في العلاقاتِ الدَّوليَّةِ وفِي السُّلوكِ الفردي والمُجتمعي.
   إِنَّ التنوُّع الثَّقافي والتعدديَّة الفكريَّة أَحد أَهم مقوِّمات التَّنمية البشريَّة وهي دليلُ الإِنفتاح الذي يقودُ إِلى الإِستيعابِ، أَمَّا الشموليَّة في الفكر والثَّقافة والإِنغلاق والأُحاديَّة في الرَّأي فطريقٌ إِلى التخلُّف والتقهقر!.  
   فبينما يلزم أَن تكونَ القاعدة الحاكِمة في المُجتمع تعتمد التنوُّع والتعدديَّة في إِطارِ قولِ الله عزَّ وجلَّ {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} و {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} وهي القاعِدة التي تُكرِّس النَّجاح في المُجتمعات التي تأخذ بها وتعتمدَها، نجد أَنَّ مُجتمعاتِنا لازالت تتمسَّك بقاعدةِ إِلغاء الآخر بسببِ إِختلاف الخلفيَّة وهي القاعِدة السيِّئة التي أَشار إِليها القرآن الكريم متحِّدثاً عن المنهج الفرعوني الأَعوج بقولهِ تعالى {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.
   إِنَّها قاعدة إِحتكار الحقيقة، على قاعدة [مَن ليسَ معنا فهوَ علينا] وحمَلات التَّشهير والتَّسقيط والإِغتيال السِّياسي جاهزةٌ على قدمٍ وساقٍ!.
   وَلَو تصفَّحنا كلَّ تجارب الأُمم والشُّعوب قديماً وحديثاً لوجدنا أَنَّ الإِعتراف بالتنوُّع والتَّعايش معهُ هو أَحد أَهمِّ أَسباب النَّجاح، وهو أَحد أَهم أَسباب الإِستقرار السِّياسي والأَمني لأَنَّ التفرُّد يُنمِّي ظاهرة الإِستعلاء التي تُنتج العُنصريَّة التي تقودُ إِلى العُنفِ والارهاب!.
   ورُبما لهذا السَّبب إِختار رَسُولُ الله (ص) الهجرة إِلى المدينة وتركَ مسقط رأسهِ مكَّة التي كانت مجتمعاً مُنغلقاً على نفسهِ يرفض الأخر حتَّى إِذا كانَ من صُلبهِ! ويُحارب أَيَّ شَكلٍ من أَشكال التنوُّع، ليذهبَ إِلى المدينةِ التي كانت مُنفتحة على التنوُّع وتقبل التعدديَّة ومُتعايشةً مع التنوُّع الذي أَقرَّهُ رَسُولُ الله (ص) في نصِّ [وثيقة المدينة].
   إِنَّ الإِنغلاق يتعارض مع طبيعةِ خلقِ الله تعالى الذي يصفهُ بقولهِ {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} وقولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ}.
   وهو الواقع الْيَوْم، فلولا قَبول الشُّعوب المُتحضِّرة بالتنوُّع والتعدديَّة واستيعابها لمُختلفِ المِلل والنِّحل والثَّقافات والخلفيَّات لما نجحت في البِناء والتَّنمية، طبعاً من دونِ أَن يعني ذَلِكَ أَنَّها قضت نهائيّاً على التَّمييز والعُنصريَّة! فلازالت منها آثارُ بقيَّةٍ يُثيرها بين الفينةِ والأُخرى زُعماء أَحزاب أَو دُول عنصريُّون يتمكَّنونَ من السُّلطة كما هو الحال الآن مع [النَّهج الترامبي] الذي انتشرَ في العالَم بشَكلٍ بات يهدِّد إِستقرار البشريَّة.
   أَمَّا عندنا فلازالَ التَّمييزُ في المُجتمع أَصلٌ من أُصولِ العلاقةِ مع بعضِنا البعض الآخر!.
   رُبما نحاولُ أَن نُخفيهِ بشَكلٍ أَو بآخر إِلَّا أَنَّهُ يفلت من عقالهِ في لحظةِ خلافٍ أَو غضبٍ بين اثنينِ أَو في لحظةِ تفاضُلٍ [جاهليٍّ] أَو عِنْدَ عتبةِ مَوقعِ مسؤُوليَّةٍ، وهكذا!.
   ٥ مايس [أَيَّار] ٢٠١٩
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/06



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net