بعد أن ذهب لزيارة صديقه المريض، ولم يثقل عليه الزيارة، حيث لم يطل المكوث عنده، خرج من بيت صديقه القديم الذي تربطه به ذكريات الطفولة والصبا والشباب، ولم يفترقا يوماً؛ لأن صداقتهما بُنيت على الأخوّة في الله والصدق ومراعاة أحدهما الآخر، بل في بعض الأحيان يلتمس أحدهما للآخر العذر إن حصلت هفوة أو زلل.
وهو يسير في طريقه نظر إلى ساعته القديمة التي يعتز بها كثيراً لما تحمله من ذكرى جميلة في حياته، نظر إليها فرأى أن وقت الصلاة قد اقترب، لم يبق للقاء بالله إلا عشرون دقيقة، وقد دأب من أول تكليفه الشرعي على المحافظة على الصلاة في أول وقتها، لما سمع من أبيه من الروايات التي كان أبوه يسمعها إياه في فضل الصلاة في أول وقتها، ومن حسن حظه كان المسجد قريباً من بيت صديقه، فدخل إليه وهو يلهج بذكر الله ويسبحه ويحمده
دخل، وأثناء مسيره لكي يكون في الصفوف الأولى من المصلين الذين لم يتواجد منهم إلّا القليل، أثار انتباهه ثلاثة شبان في مقتبل العمر، وهم يتهامسون فيما بينهم في مسألة ما! فوقف قريباً منهم ليسمع ما يقولون، لعله يسمع ما ينفعه من شباب مؤمنين، سمع أحدهم يقول للآخر:
أنا سمعت ذلك من أبي.
فردّ عليه الآخر: نعم، نعم، اعتقد أن ما قلته هو الصواب.
فيما أبدى الثالث استغرابه وهو يقول لهما:
بل نية الوضوء ما ذكرته لكما وقد قرأت ذلك.
فوقف لعله يستطيع أن يحل النزاع بينهم .
التفت إليهم وقال لهم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أبنائي.
ردوا جميعاً وبأدب وصوت رفيع:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أتسمحون لي بأن أجلس معكم لعلي أسمع ما ينفعني؟
نهضوا جميعاً وقد علا وجوههم الحياء وقالوا جميعا:
تفضل، تفضل يا عم.
جلس جلسة التلميذ بين أستاذه والتفت إليهم:
هيا، هيا أكملوا حديثكم.
فقال أحدهم: عذراً أيها العم العزيز، كيف نتكلم في حضرتك.
-لا عليكم يا أبنائي.
-فقال الآخر: بل نحن كلنا آذان صاغية لك.
فبادرهم بالسؤال:
ما هو موضع الخلاف بينكم؟
فأجاب أكبرهم: كنا نتباحث في موضوع نية الوضوء...
-إذن استمروا.
- قالوا: لا، لا... بصوت واحد.
-اسمعوا يا احبائي، لكي نخرج من كل هذه الإشكالات فقد سمعت من العلماء أن أفضل نية من الناحية العملية للوضوء هي أن أتوضأ للكون على الطهارة قربة لله تعالى، فبهذه النية تستطيع أن تفعل كل ما تشترط فيه الطهارة، وتغنيكم عن تخصيص النية.
-شكرا لك أيها العم العزيز.
-بل الشكر لكم أحبتي
-إذن هيا بنا لنتنفل إلى الله ركعات، وبورك بكم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat