صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

الحب في وجوداته الثلاثة
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الحب : عرّفه القدماء بأنّه ميلُ القلب أو النّفس إلى أمر ملذ ّ، وعرّفه المتأخّرون بالانفعال النّفساني ، والإنجذاب المخصوص بين المرء وكماله ..

وللحب ( مطلق الحب ) وجودات ومراتب ، أمّا وجوداته فيمكننا حصرها بثلاثة :

الأول : حبُّ الخالق للمخلوق
الثاني : حبُّ المخلوق للخالق
الثالث : حبُّ المخلوق للمخلوق

+ فالوجود الأول : يمكننا الإحساس به وكذلك نستطيع اثباته نقلاً وعقلاً ووجدانا ، وكذا نستطيع تحسس آثاره ونتائجه ..

أما نقلاً / فيكفينا كمسلمين القرآن الكريم الذي صرّح بقائمة الذين يحبُّهم اللهُ ، كالمتقين والتوّابين ..الخ ، وقائمة الذين لا يحبّهم اللهُ تعالى كالمعتدين ..

وأمّا عقلاً / فالإنجذاب نحو الكمال الذي عرّفنا به الحب هو أمر راجح عقلاً ، ولمّا كان الله تعالى هو الكامل المطلق فحبّه لخلقه هو من تحصيل الحاصل ، وكذلك يمكن الإعتماد على استحسان العقل لبعض أشكاله ..

وامّا وجداناً / فيمكن القياس والمماثلة بيننا نحن البشر وبين ما نصنع ونبدع وندبر ونربي وكيف تتعلق شغاف قلوبنا به ..

واما الإحساس بآثاره / فنقول :

حبُّ الله لعبده مرتبة قربية يحصل عليها كنتيجةٍ لأعمال قام بها ، كما في النص الوارد ( وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه ) .. وعندما يحبُّ الله عبده فسيكون كما يقول الله تعالى ( فَأَكونَ أنَا سَمعَهُ الَّذي يَسمَعُ بِهِ ، وبَصَرَهُ الَّذي يُبصِرُ بِهِ ، ولِسانَهُ الَّذي يَنطِقُ بِهِ ، وقَلبَهُ الَّذي يَعقِلُ بِهِ ، فَإِذا دَعا أجَبتُهُ ، وإذا سَأَلَني أعطَيتُهُ ) ..

يبقى الكلام في كيفية حب الله .. فهو بلا شك غير خاضع لتعريف الحب المخلوقي - اذا جاز التعبير - وأنّ الله سبحانه وتعالى ليس كمثلهِ شيء .

+ الوجود الثاني : حبُّ المخلوق للخالق

وهو أعلى واكمل وألذّ وأشرف عمل قلبي جوانحي يصدر من المخلوق ( الإنسان خاصة ) إتجاه خالقهِ ، وهو من علل الوجود حيث جاء في الدعاء ( وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ ) .

ويقع هذا الحبّ مقدمةً لعدّة أعمال عبادية ،
ونتيجةً لأعمال أخرى ، ومادةً لإستمرار جميع الأعمال ، بل هو الدين كلّه كما في حديث الفضيل بن يسار ، وهو أحد أصحاب الإمام الصّادق(ع) ، أنّه سأل الإمام : "هل الحبّ من الإيمان؟ "، قال له الإمام الصَّادق(ع) : "وهل الإيمان إلا الحب ّ؟ " ..

ونحن مدعوون الى حبِّ الله وأن يكون هذا الحبّ اخعلى وأولى من سائر علاقات الحبّ الأخرى بل في الدقة وفي درجاته العليا ينبغي أن تكون تلك العلاقات هي أشكال حب الله تعالى .. قال تعالى ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) .

ونحن نحب الله لأننا فطرنا على حبّه ، وأقول فطرنا على حبّه كوننا مفطورين على حبّ الكمال وأن الله ربّ الكمال ، وعلى حبّ الجمال وأن الله اله الجمال ، وهكذا باقي الصفات المحبّبة إلينا ستجد أن الله تعالى هو إلهها وربها ..

ولهذا فإن إدراك علل الحب من جهة ومعرفة أن تلك العلل كلّها متوفرة في الخالق عز وجل وبأعلى صورها ومصاديقها هو الطريق الى خلق هذا الحب المقدس بنا ..

فاذا احبننا اي مخلوق لجماله أو كماله أو إحسانه أو قدرته .. الخ فالأولى أن نحب خالقه ومُدبّره ..

ولمن يحب الله علامات يعرف بها قد ذكرتها النصوص الشريفة ، ولمن أراد معرفتها فليراجعها ولكن نذكر ما جاء في حديث المعراج : في حديث المعراج ـ قالَ اللهُ تعالى ـ : يا أحمَدُ ، لَيسَ كُلُّ مَن قالَ : «اُحِبُّ اللهَ» أحَبَّني ، حَتّى يَأخُذَ قوتاً ، ويَلبَسَ دوناً ، ويَنامَ سُجوداً ، ويُطيلَ قِياماً ، ويَلزَمَ صَمتاً ، ويَتَوَكَّلَ عَلَيَّ ، ويَبكِيَ كَثيراً ، ويُقِلَّ ضِحكاً ، ويُخالِفَ هَواهُ ، ويَتَّخِذَ المَسجِدَ بَيتاً ، وَالعِلمَ صاحِباً ، وَالزُّهدَ جَليساً ، وَالعُلَماءَ أحِبّاءَ ، وَالفُقَراءَ رُفَقاءَ ، ويَطلُبَ رِضايَ ، ويَفِرَّ مِنَ العاصينَ فِراراً ، ويَشغَلَ بِذِكرِي اشتِغالاً ، ويُكثِرَ التَّسبيحَ دائِماً ، ويَكونَ بِالعَهدِ صادِقاً ، وبِالوَعدِ وافِياً ، ويَكونَ قَلبُهُ طاهِراً، وفِي الصَّلاةِ ذاكِياً ، وفِي الفَرائِضِ مُجتَهِداً ، وفيما عِندي مِنَ الثَّوابِ راغِباً ، ومِن عَذابي راهِباً ، ولِأَحِبّائي قَريباً وجَليساً .

+ الوجود الثالث : الحبّ بين المخلوق والمخلوق

وهذا أشهر أنواع الحبّ عند عامة الناس وأعرفهم به ، وهو إما فطري ( كحب الأب لولده ) او كسبي ( كحبّ الرجل للمرأة ) .. وحتى الكسبي منه فهو في أصوله فطرية من حيث حب الانسان للكمال والجمال .. الخ

وهذا الحبّ من النظرة الإسلامية بعضه غير جائز وبعضه جائز في تفصيل ليس هنا محلّه ..

وهذا النوع من الحب في صوره الجائزة ضروري لحياة الإنسان في هذه النشأة ، كونه يمثل سبباً لنسيج إجتماعي مُحكم ويولّد علاقات إجتماعية رصينة ، وكذا حب الانسان لبعض المخلوقات الأخرى أو الحب الغريزي بين بعض المخلوقات الأخرى يشكل حلقة مهمة من حلقات الحياة على هذه البسيطة ..

وقد يُفرّق بين ( الحب ) و ( الهوى ) .. فالهوى يُطلق على ميل الإنسان لغريزة او شهوة معيّنه واتّباعه لها وإن كانت شرّا ..

الحبُّ سلاح ذو حدين ، فهو طاقة بشرية ينبغي أن نوجهها بما ينفعنا في هذه الحياة وما بعد الممات ، من الظلم أن نجعلها مغطّاة بدون إصحار ، ومن الظلم أن نستعملها في غير مواطنها الصحيحة والحقيقية ، ومن الظلم أن نستعملها بإفراط وخارج حدودها الطبيعية المرسومة لها لأنها ستكون وبالاً علينا ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/02/13



كتابة تعليق لموضوع : الحب في وجوداته الثلاثة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net