صفحة الكاتب : د . فائق يونس المنصوري

كوارث متلاحقة.. وشعب يسبح في بحر من الحليب
د . فائق يونس المنصوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

" إذا كنت تستطيع ان ترى.. فانظر!

وإذا كنت تستطيع ان تنظر.. فراقب!!" – من كتاب المواعظ - رواية "العمى" لساراماغو

المسجد الحرام وساحة الفاتيكان  خالية تماما من المصلين، بينما يكتظ مسجد الكوفة بالآلاف، رغم تحذيرات مراجع الدين والجهات الصحية وفرض منع التجوال من قبل السلطات المحلية..

المنهوبون:

منذ أكثر من أربعة أشهر والعراق بلا ربان يقود سفينته المتهالكة والمنهوبة وسط بحر إقليمي وعالمي مضطرب، زادته قوات الاحتلال الأجنبي، بشتى صنوفه، والاحتلال الأمريكي خصوصاً اضطراباً وتهيجاً بعملية الاغتيال الغادرة لقادة النصر في حرب الشعب ضد صنيعة سدنة النظام العالمي الجديد. وكذلك انطلاق الاحتجاجات الطلابية مع بداية شهر تشرين من العام المنصرم نتيجة سوء الخدمات ونقص الاحتياجات وتردي حالة الصحة والتعليم وتغييب سلطة القانون وتفشي الفساد ونهب المال العام وانتشار البطالة وعبث قوات الاحتلال بمقدرات البلد وثرواته بصورة مباشرة من قبل الأمريكان او غير مباشرة من قبل عملائهم الداخليين والخارجيين.

الطفيليون:

وكانت شرارة تلك الاحتجاجات السلوك المهين الذي واجهت به قوات الامن احتجاجات حاملي الشهادات العليا والخريجين الأوائل في اقسام الكليات الجامعية ومطالبتهم بالتعيين. ثم ركب الموجة من ركبها لتتحول الى مطالبات اعجازية ومتعددة لا يربط بينها رابط منطقي او منهجية واضحة لتغيير الوضع المتردي للشعب والوطن، وهذا التخبط في المطالبات ان دل على شيء فإنما يدل على تعدد الجهات التي ركبت موجة الاحتجاجات وكلٌ يحاول توجيه طاقة تلك الموجة لتدمير واغراق سفينة هذا البلد المبتلى بالأفاقين واللصوص والجهلة.

الصينيون:     

وأخيرا جاءنا بلاء (اصحاب التنين) ليعم بلدان العالم اجمع وجميع سكان الكرة الأرضية بالوباء الفيروسي التاجي الجديد (او المستجد) والذي يطلق عليه غير المتخصصين (فيروس كورونا)، بينما في الحقيقة تحوي هذه التسمية Coronaviruses عائلة كاملة من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي تشمل فضلا عن الانفلوانزا المسببة لنزلات البرد، فيروسات السارس SARS-CoV-2 ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV). فيما سمته منظمة الصحة العالمية باسم COVID-19.

المحترزون:

واذ اتخذت البلد التي ظهر فيها الوباء والبلدان الأخرى إجراءات احترازية لمواجهة انتشار هذا المرض الفيروسي المستجد الذي لا يوجد له مصل واقٍ حتى اليوم، ولن يوجد إلا بعد اشهر طويلة او سنين، ومن هذه الإجراءات اغلاق مناطق التجمعات كالمدارس والجامعات والاسواق والحد من الحركة لان التجمعات البشرية وتواجد الناس بكثافات عالية سيسهل من عملية انتشاره لكونه مرضاً تنفسياً، ثم تصاعدت عمليات الاغلاق من الحجر الطوعي الى غلق الحدود مع البلدان المجاورة المصابة ومنع حركة وسائل النقل والطيران وإعلان حظر التجوال، وحدث هذا في بلدان عابت على الصين اتخاذ مثل هذه الإجراءات لأنها تحد من حقوق الانسان، حسب ادعائهم، وكان هذا قبل ان يضرب الفيروس بلدانهم ولكن لما وصلهم الوباء ولم يجدوا له علاجاً او معالجة لجأوا الى الاجراء الصيني بعدما ثبت انه الانجع في مكافحة مثل هذا الفيروس الذي يتسلل بشراسة وخفاء، لان اعراض المرض الحادة لا تظهر على المصاب به الا بعد 14-18 يوما، وهو طوال هذه المدة ينشر فيروسات الوباء الى جميع من يخالطهم.

 الحريصون:

ووصل حد منع التجمعات الى اغلاق أكبر تجمعين دينيين في العالم، وهما المسجد الحرام في مكة المكرمة وكاتدرائية وميدان القديس بطرس في حرم الفاتيكان حيث كانت تقام مراسيم الطواف والدعاء والصلاة فيهما يوميا وبكثافات بشرية عالية، كل ذلك من اجل منع الاحتكاك والحد من انتشار الوباء، لان جميع الاديان السماوية، بل وحتى غير السماوية تحث على الحفاظ على حياة الانسان وعدم القائها في مهاوي الردى(1و2). وقد قام البابا فرانسيس بإلقاء عظته، يوم الأحد الماضي، عبر الإنترنت من داخل الفاتيكان بدلا من إلقائها عبر النافذة لمنع احتشاد الناس وسط انتشار فيروس كورونا المستجد في إيطاليا (2).

وفي فلسطين المحتلة شهد المسجد الأقصى في القدس المحتلة انخفاضا كبيرا في اعداد المصلين في صلاة يوم الجمعة الماضي بسبب الاغلاق الجزئي للحرم لمنع انتشار الفيروس. ومع اقتراب حلول عيد قيامة السيد المسيح (ع) وتحضيرات الحجيج المسيحيون لزيارة كنيسة القيامة والاحتفال بسبت النور وزيارة موطئ قدم السيد المسيح(ع) في فلسطين، اوقفت السلطات الرسمية منح تأشيرات الدخول منذ 30 كانون الثاني 2020 نظرا لانتشار هذا الفيروس (2).

وكانت المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف قد أوقفت إقامة شعائر صلاة الجمعة منذ يوم 6 آذار 2020 للمرة الأولى منذ سقوط النظام السابق في عام 2003، خشية انتشار فيروس كورونا المستجد والتزاما منها بتعليمات الجهات الصحية المسؤولة في البلد. وكانت المرجعية قد خصصت جزءاً من خطبة آخر جمعة قبل وقفها للتحذير من الوضع الصحي المتردي في العراق، حيث يعيش حوالي 40 مليون نسمة وسط نقص مزمن في الطبابة والأدوية والمستشفيات (3).

وبعد أربعة أيام من ذلك الإيقاف شدد المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني على ضرورة منع التجمعات والالتزام بالتوجيهات الرسمية لمنع انتشار الفيروس. وذلك تزامناً مع ارتفاع عدد المصابين والوفيات بسببه في العراق، وجاء ذلك التشديد من خلال رد سماحته على استفتاء بشأن المشاركة في صلاة الجماعة في هذه الأيام التي تشهد انتشار فيروس كورونا؟

وجاءت الإجابة كالتالي: حيثما مُنعت (مثل هذه التجمعات) بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا، فيجب الالتزام بهذا المنع وأخذه على محمل الجد.

اللامبالون:

اما العراقيون فقد استقبلوه بالاستهزاء وعدم الالتزام بالوصايا الصحية، بل وحتى بعدم قول الحقيقة عن زيارتهم لدول الجوار عند الذهاب للمراكز الصحية بعد اصابتهم بالأعراض التنفسية (وهي المراحل المتأخرة من المرض التي ليس لها علاج)، ووصل الامر ببعض ضعاف النفوس من أصحاب سيارات الأجرة بنقل زوار العتبات المقدسة من البلدان المجاورة باستخدام الطرق النيسمية لان الطرق العامة صارت مراقبة من قبل الجهات الصحية والامن الداخلي (4). دون ان يعوا ان شخصا واحدا غير ملتزم بالتقييدات الصحية يمكن يسبب العدوى لمدينة كاملة. وكذلك إذا سرت ليلا في احدى المناطق الشعبية فستجدها “عامرة” بشبابها ونراكيلها ومطاعمها الشعبية وغيرها، فيما وقفت القوات الأمنية وخلية الازمة التي شُكلت لمواجهة الوباء عاجزة الا من إطلاق المناشدات وتوجيه الطلبات مشفوعة بالتوسل إلى أهالي تلك المناطق، بضرورة البقاء في المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى (5).

اما إذا سرت (مرتدياً قناعك الواقي وكفوف الوقاية) في أي مدينة عراقية، فستكون عرضة للاستهزاء من قبل أولئك الذين سيسبحون في بحر الحليب لاحقا إذا لم يتعظوا بغيرهم، وسترى تجمعات الأطفال وهي تلعب في الشوارع وكأن تعطيل المدارس أصبح فرصة طويلة للّعب من الصباح الى المساء دون انقطاع، وسترى الشباب يملؤون المقاهي ويتجمعون عند رؤوس الازقة والشوارع. وسترى سرادقات العزاء منصوبة في الشوارع بعدما امتنعت المساجد والحسينيات عن السماح لهم بإقامة هذه المراسم التزاماً بتوجيهات المراجع الصحية. وسترى الأسواق الشعبية (القذرة) عامرة بالباعة والمتبضعين يحاولون شراء كل شيء وكأن يوم الدينونة سيحل غداً.

المحذرون:

وناشدت منظمة الصحة العالمية يوم 7 آذار 2020 العراق عبر ممثلها السيد أدهم إسماعيل بإنهاء التجمعات الدينية لتفادي تفشي الفيروس في البلاد على مستوى واسع. وقال ممثل المنظمة في تصريحات صحفية “نناشد بإنهاء كل التجمعات بالعراق ومنها الدينية، حيث ان العراق سجل ارقاما قليلة مقارنة بما سجل بدول الجوار.. هل تريدون زيادة الإصابات والوفيات كما حدث في إيران”. واضاف أنه “منذ الخامس من الشهر الماضي (شباط) والى اليوم اجتماعاتنا مستمرة مع الجهات الحكومية العراقية حول الوقاية من فايروس كورونا، وكذلك اجتمعنا مع إيران حول اجراءاتهم بما يخص كورونا”. وتابع أن “قرار العراق بغلق حدوده مع إيران قرار مهني وصائب” (6).

الدجالون:

وعلى النقيض من تحذيرات منظمة الصحة الدولية والجهات الصحية المحلية وتوجيهات المرجعيات الدينية في النجف الاشرف بوقف التجمعات والالتزام بتعليمات الجهات الرسمية، أصدر أحد  ( ... )  دعا فيها إلى الاستمرار بزيارة الأماكن الدينية وإقامة صلوات الجماعة والجمعة. وقال ذلك ( .... )  في رد على استفسار أرسل اليه من قبل أحد اتباعه بشأن غلق بعض المراقد المقدسة تحسبا من انتشار الفايروس التاجي المستجد إن "الفيروس لا يصيب المؤمنين" (7). وهناك مواقف مماثلة لموقف هذا المرجع حول عدم موافقتها على منع إقامة صلاة الجمعة او اغلاق المراقد المقدسة في النجف او كربلاء.

وأثار رجل دين (لا يفرق بين الميكروب والفيروس) جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن رفضه الإجراءات المتخذة من الجهات الصحية، لمواجهة انتشار وباء هذا الفيروس الخطير، وتحدث (من منطلق نظرية المؤامرة) عن وجود رغبة متعمدة من بعض الجهات بإنهاء الممارسات الدينية، مثل الزيارات والتجمعات. وقال في إحدى محاضراته في 9 آذار 2020 إني” ذرة.. ولا وواحد بالتريليون لا يرجف قلبي من هذا المرض ولا غير، وأتوني بمريض لأقبله في فمه، إن كان يحب الحسين، ولا أتخوف من نقل العدوى.. لم يتبق لنا إلا التمسك بطريق الحسين، وهم يريدون منا إهمالها”. كما انتقد مطالبات الجهات الصحية، بضرورة الغاء التجمعات، قائلاً: “هل سنترك مجالس الحسين، ونترك دعاء الندبة، وصلاة الجمعة؟”. وتساءل: “هل أجرؤ على عدم تقبيل شباك الإمام بداعي وجود مكروب؟”. (7)

العميان:

ان الظلمة التي يعيشها الاعمى ليست ببساطة أكثر من غياب للضوء، وان ما نسميه عمًى هو ببساطة شيء ما يغطي مظهر وكينونة الأشياء، لكنه يتركها سليمة خلف حجاب اسود من الظلام. (8). ونحن شعب ظل يدعي العَمى منذ ازمان طويلة، وكأنه يعيش حلماً ابدياً فمع كل إغماضة عين وفتحها يجد كل صورة من صور عالمه ثابتة لا تتغير. وربما لأنه يعيش حلما مخادعاً كان عليه إعادة توكيد اليقين من خلال تذمره الواهن من اللايقين، آملاً ان يخرج منه يوماُ دون ان يعلم أيَّ حقيقةٍ سيصطدم بها بعد خروجه من ذلك العَمى Blindness والعَماء Chaos. ولأنه كان من الحماقة البقاء مترددا بين الاستمرار في الحلم او الاستيقاظ، قرر ركوب المخاطرة والاستيقاظ اخيراً، وفي لحظة مغادرته الحلم وعندما قرر فتح عينيه أخيرا وجد انه لا يبصر شيئاً، لأنه اثناء استغراقه في سبات حلم اللايقين وجد انه قد صار اعمى فعلا دون ادعاء، وانه اثناء سباته الطويل لم يفقد بصره فقط، بل انه قد أصبح بلا عينين!! 

لقد سرق الطفيليون والدجالون... عينيه!!

 المصادر:
1- لأول مرة.. الحرم المكي بلا مصلين أو طائفين بعد صلاة العشاء https://www.almasryalyoum.com/news/details/1477961
2- الفاتيكان: قداديس البابا فرنسيس في عيد القيامة دون جمهور          https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN2120A4
3- السيد السيستاني يحسم الجدل بشأن صلاة الجماعة في ظل كورونا          https://bit.ly/3912s0M
4- مستشفيات كربلاء "على قدم واحدة" https://bit.ly/2WvucId
5- صور ليلية من مدينة الصدر https://bit.ly/2QwThyw
6- الصحة العالمية تناشد العراق بإنهاء التجمعات الدينية فوراً          https://bit.ly/2UpWPDZ
7- كورونا لا يصيب المؤمنين..           https://arbne.ws/2Ul92d8
8- رواية العمى. جوزيه ساراماغو- ت: محمد حبيب. دار المدى للثقافة والنشر. ط3- 2013.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فائق يونس المنصوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/03/21



كتابة تعليق لموضوع : كوارث متلاحقة.. وشعب يسبح في بحر من الحليب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net