مقال بعنوان : أين أنا في زمن كورونا ؟
د . عاطف عبد علي دريع الصالحي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عاطف عبد علي دريع الصالحي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أقترب عمري من منتصف الأربعين عاما ولم أعش زمنا يُشبه زمن كورونا , كنت أستمع الى أبي رحمه الله وهو يروي لنا حكايات وقصص عن الحرب العالمية الثانية والأمراض والأوبئة التي رافقتها والانقلابات السياسية التي حدثت ولم أتخيل الموقف آنذاك ، كانت قصصاً غريبة ومؤلمة عما حصدته الحروب والكوليرا والملاريا والجدري من أرواح أولئك المساكين ومع تسليمي بقساوة ما حدث معهم وما واجهوه فإن زمن كورونا لم أشهد له مثيل في القرن الماضي وربما يستحق رواية تحت عنوان الحجر في زمن كورونا.
أتذكر في مسيرة حياتي القصيرة حالات كثيرة من الرعب والهلع والمحن كالذي شاهدته في أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي وبداية عقد التسعينيات من القرن نفسه أو كالذي شاهدته مع مطلع القرن الحالي من تغيير في أنظمة الحكم السياسية على مستوى الأرض العربية , إلا إن ما حدث في العالم من انتشار عدو مجهول لا يرى بالعين المجردة ولا يميز بين كبير وصغير أو بين غني وفقير أو بين دولة متطورة ونامية جعلني أعيد حساباتِ لأفهم أين أنا ؟ ربما لأنني لم أعش زمن الأوبئة ولم أعرف ما فعل الطاعون أو غيره من الأمراض , بل وأكثر ما يؤرقني وأخشاه هو مرض السرطان الذي لا يجرؤ بعضهم على ذكر أسمه خوفا وتشاؤما.
نعم حين أُعلن عن ظهور كورونا كان الاعتقاد أنه حالة عابرة وأزمة محدودة ثم اشتعلت سجالات ذات طبيعة سياسية تكتنفها نظرية المؤامرة مفادها أن هذا العدو الصغير غير المرئي مُصنّع وجزء من صراع اقتصادي سياسي بين الدول العظمى , وما لبث أن سقطت سريعاً تلك النظرية وخرج من أسوار المدينة ليغزو أعتى دول القارة القديمة في براثنه وأفاقَ العالم على خطره الذي لا يمكن تجاهله ليسارع الجميع بحثا عن حلول وعلاجات آمنة منه , وتغير العالم بعده وأصبحت المدن الكبيرة التي كانت تضج بالأحضان والقبلات وتناول العشاء مع الأصدقاء واحتساء الشراب مع الأصحاب مدن أشباح والتزمت تلك الشعوب رغم ما تمتلكه من تطور تكنولوجي وعلمي وطبي منازلها خوفاً من ذاك العدو الصغير الذي سُلطَ لسبب ما , واصبحت الحياة في زمنه صعبة لا تطاق والمطلوب أن تتخلَ طوعاً أو كرهاً عن حريتك وتُبدل طقوس حياتك وتنعزل تحسبا من خطر داهم لا يرى بالعين المجردة قد يفاجئك أو يصل لمن تُحبهم واصبحت البشرية مُهددة في معركة لم ولن تنتهِ إلا بإذنه تعالى .
نعم سيذكر التاريخ إن هذا العدو الصغير غير كثير من مفاهيم العالم أكثر من الحروب والمجاعات وأنه اجتاح مدن العالم المتقدمة بكل ما تمتلكه من إمكانات تكنولوجية هائلة وأصبح عابراً للقارات والمحيطات والبحار متحديا لغطرستها وجبروتها ومُرغماً شعوبها على التقوقع والانعزال ووضع قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يدعونها في إدارة مجتمعاتهم جانبا واللجوء إلى قوانين الطوارئ وتقييد الحريات الشخصية والعامة رغم أنف الجميع , والسؤال المهم الذي أستوقفني هنا : أين أنا في زمن كورونا ؟
هل تعلمت واستفدت واتعظت من التجربة لتكون درساً لي ولأبنائي في الحاضر والمستقبل ؟ ؟ ؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat