تعليقات على "الرسالة إلى ديوجينيتُس" - 3 / 3
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الفصل الثامن: سوء الحالة البشرية قبل مجىء الكلمة
ترجمة السيدة بولين تُدري أسعد:
"من من الناس يملك القدرة على ادراك الله قبل مجيئه؟ هل سلمت بغرور وسخافة افكار الذين يثقون الفلاسفة؟ فمن هؤلاء من قال ان النار هى الله، الذى به خُلقوا واتوا الى الوجود. والبعض الاخر يقول ان الماء هو الله. واخرون منهم يعتبرون اشياء خلقها الله انها هى الله. ولكن لو ان اي نظرية من هذه النظريات تستحق الاستحسان، فبالتبعية لابد ان نقر ان بقية الاشياء المخلوقة هى اّلهة. ولكن هذا الاقرار مرعب وخاطىء وكلام غش. وايضا الله لم يره احد قط ولا عرفه، بل هو الذى اعلن ذاته. لقد اظهر ذاته بالايمان للذين اُعطى لهم فقط. الله هو رب كل الاشياء وصانعها، وهو الذى وضعها فى اماكنها المختلفة. وهو اظهر ذاته ليس كمجرد صديق للبشرية فقط بل اظهر ذاته مشتركا فى معاناتهم. الله كان دائما محباً ويبقى محباً. ويبقى كذلك على الدوام، وهو خال من اى ميل للأنتقام. هو أله حقيقى، وهو الوحيد الصالح. وله اتحاد عظيم يفوق الادراك مع ابنه وحده. وكما حفظ سر حكمته مكتوماً لدرجة انه يبدو كأنه يهملنا، وكأنه لا يعتنى بنا. ولكن بعد ذلك كشف عن الاشياء المُعدة لنا منذ البداية عن طريق ابنه الحبيب. فقد انعم علينا بكل البركات مرة واحدة، ولذلك يجب علينا نحن ايضا ان نشاركه فى العطاء ونكون جادين فى خدمته. مَن منا كان يتوقع هذه الاشياء؟ هو الذى كان يهتم بكل هذه الامور فى عقله، ومن خلال ابنه على اساس العلاقة الازلية بينهما.
ترجمة انطون فهمي جورج:
"ذلك لأنه من من الناس على الإطلاق فهم من هو الله قبل مجيء الرب؟ هو تقبل التعاليم الباطلة والخرافات التي ينادى بها هؤلاء الذين يعتبرون فلاسفة جديرين بالثقة؟ الذين قال بعضهم أن النار هو الله، وبعض آخر أن الله هو الماء، وآخرون أن عنصر من العناصر الأخرى التي صنعها الله. ولكن إن كان احد هذه الآراء جديرًا بالقبول، لكان من الممكن أن نسمى أي شيء من الأشياء المخلوقة الأخرى أنه (إله) ولكن هذه الأقوال هي ببساطة أقوال أناس مخادعين خاطئة ومروعة. فلا يوجد إنسان رأى الله أو عرف الناس به، ولكن الله أعلن عن نفسه إذ استعلن عن طريق الإيمان الذي به وحده يمكن أن نرى الله، لأن الله الرب مبدع كل الأشياء والذي عين لها مواضعها المتعددة، اثبت انه ليس فقط محب للبشر بل وأيضًا طويل الأناة. نعم لقد كان دائمًا هكذا ولا يزال وسوف يكون دائمًا وفي انتظار تحقيق التدبير الذي احتفظ به سرًا مخفيًا لنفسه بدا لنا كأنه قد تركنا غير مكترث بنا. إذ أنه كشف لنا عن مقصده، في شخص ابنه الحبيب وأعلن لنا إرادة لنا منذ البدء وأعطانا دفعة واحدة كل شيء، وأعطانا أن نشترك في إحساناته إلينا وان ندرك ما إرادة لنا ونفهمه.. وهكذا يبدو أننا جميعًا كنا نجهل ما أعده لنا".
التعليق:
قال كاتب الرسالة: (ذلك لأنه من من الناس على الإطلاق فهم من هو الله قبل مجيء الرب؟) والنص اليوناني لا يحتوي على لفظ الجلالة (الله) بل المكتوب هو لفظ (الإله) فيكون النص: " ذلك لأنه من من الناس على الإطلاق فهم من هو الله قبل مجيء الرب؟"، فالنص يميّز بين الإله والرب، وهذا يدخل المتلقي في فوضى فكرية بين معنى الإله ومعنى الرب، ولذلك نجد الترجمة الأولى، ترجمة بولين تُدري أسعد، كتبت العبارة بطريقة أدبية تجاوزت فيها هذه الاشكالية حيث حذفت الاشارة الى الرب وكتبت العبارة هكذا: (من من الناس يملك القدرة على ادراك الله قبل مجيئه؟)! وهذا يكشف لنا عن غخفاق الترجمة في نقل الفكرة الاصلية للكاتب! وهو نوع من انواع التغيير والتحريف! فأين هي الامانة العلمية للترجمة!
والسؤال الهام: لماذا لم يفهم الناس من هو الإله قبل مجيء المسيح؟! هل هذا حدث فعلاً أم هو من توهم كاتب الراسالة! فهل فعلاً لم تكشف التوراة وسلسلة الانبياء الطويلة الذين جاؤا الى بني اسرائيل قبل المسيح هذا الفهم! وحتى يوحنا المعمدان المعاصر للمسيح لم يكشف للبشر فهم الإله بحسب إدعاء كاتب الرسالة! ألا يمكن والحال هذه ان كاتب الرسالة نفسه، والمحتمل انه كان من اصول وثنية، لم يكن يفهم من هو الإله وما هي صفاته وأفعاله! فإذا كان شخص واحد يدّعي ان التوراة، وهي كلام الإله، وبقية اسفار الانبياء والأنبياء الذين ارسلهم الإله، لم يفهموا من هو الإله، فأما ان يكون كاتب الرسالة على خطأ او ان كلام الإله في التوراة والانبياء ليس بالوضوح الكافي الذي يمكِّن الناس من فهم الإله!! وبما ان المسيح قال انه جاء ليكمل التوراة وكلام الانبياء وليس لينقضها، فهذا معناه ان التوراة وكلام الانبياء الموجودة عنده هي تامة في المعنى والوضوح والفهم. فالمشكلة إذت في فهم كاتب الرسالة وانه لم يكن مطّلعاً على التوراة وما تحتويه من معارف دينية!
ومما يعزز ما ذكرناه آنفاً قول كاتب الرسالة: (فلا يوجد إنسان رأى الله أو عرف الناس به)! وهو مخالف لما ورد في سفر الخروج (24: 1 و10 و11) ان موسى وهارون وشيوخ اسرائيل رأوا الإله!
وكذلك قول كاتب الرسالة انه لا يوجد إنسان عرّف الناس بالإله فيه غمط لدور الانبياء وجهودهم العظيمة!
*****
والملاحظ ان هناك اختلافاً بين الترجمتين يرقى الى مستوى الاختلاف في النص وليس مجرد اختلاف في ترجمة معنى او اختلاف في تعبير ادبي!
أ. ففي الترجمة الاولى: (وهو اظهر ذاته ليس كمجرد صديق للبشرية فقط بل اظهر ذاته مشتركا فى معاناتهم).
بينما في الترجمة الثانية: (اثبت انه ليس فقط محب للبشر بل وأيضًا طويل الأناة)!
وشتّان بين المعنيين! فالترجمة الاولى ادخلت في النص فكرة ان الإله اظهر ذاته للبشر مشتركاً معهم في معاناتهم، ويقصد المسيح ومعاناته على الصليب! بينما الترجمة الثانية خالية من هذا المعنى! وتركز الترجمة الثانية على ان الإله طويل الأناة أي صبور.
ب. وكذلك نقرأ في الترجمة الأولى: (الله كان دائما محباً ويبقى محباً. ويبقى كذلك على الدوام، وهو خال من اى ميل للأنتقام. هو أله حقيقى، وهو الوحيد الصالح. وله اتحاد عظيم يفوق الادراك مع ابنه وحده. وكما حفظ سر حكمته مكتوماً لدرجة انه يبدو كأنه يهملنا، وكأنه لا يعتنى بنا).
بينما في الترجمة الثانية: (نعم لقد كان دائمًا هكذا ولا يزال وسوف يكون دائمًا وفي انتظار تحقيق التدبير الذي احتفظ به سرًا مخفيًا لنفسه بدا لنا كأنه قد تركنا غير مكترث بنا)!
فالترجمة الاولى تنفي اي ميل في الإله للانتقام، وهذا الامر لا يظهر في الترجمة الثانية، مع ان الترجمة الاولى تتعارض مع نصوص العهد القديم المليء بنصوص عن ان الإله منتقم من اعدائه.
كما ان الترجمة الاولى تتحدث عن اتحاد بين الله وأبنه، وهو الامر الذي تخلو منه الترجمة الثانية!
جـ. نقرأ في نهاية النص في ترجمة (بولين تُدري أسعد) هذه العبارة: (مَن منا كان يتوقع هذه الاشياء؟) وتليها عبارة: (هو الذى كان يهتم بكل هذه الامور فى عقله، ومن خلال ابنه على اساس العلاقة الازلية بينهما)! وهذه العبارة الثانية غير موجودة في ترجمة (انطون فهمي جورج) حيث نجد هذه الترجمة تختم الفصل بعبارة : (وهكذا يبدو أننا جميعًا كنا نجهل ما أعده لنا)، ولكن لا يتلوها العبارة التي تتحدث عن العلاقة الازلية والتي خُتِمَتْ بها الترجمة الأولى!! ولا أي عبارة مقاربة لها في المعنى، فهذه العبارة في نهاية الفصل لترجمة (بولين تُدري أسعد) والتي تتحدث عن العلاقة الأزلية بين الله وابنه اختفت من الترجمة الثانية!!
وايضاً هناك ترجمة روبرت-دونالدسون (Roberts-Donaldson) الانجليزية[1] كتبت نهاية هذا الفصل بالعبارة التالية:
"Who of us would ever have expected these things? He was aware, then, of all things in His own mind, along with His Son, according to the relation subsisting between them"!
" من منا كان يتوقع هذه الأشياء؟ كان يعلم إذن بكل شيء في عقله مع ابنه بحسب العلاقة القائمة بينهما"!
وأيضاً في ترجمة بول بافاو (Paul Pavao) الانجليزية كتب هذه العبارة كالآتي:
"Which of us could have ever expected these things? So, he was aware of all things in his own mind, along with his Son, according to the relation that subsisted between them"[2]!
" من منا كان يتوقع هذه الأشياء؟ لذلك، كان يدرك كل شيء في عقله، مع ابنه، وفقًا للعلاقة القائمة بينهما"!
فقد وردت فيها العبارة ولكن دون لفظ (الأزلية) الذي اوردته بولين تُدري في ترجمتها!!
بينما في ترجمة انجليزية اخرى قام بها كيرسوب لاك (Kirsopp Lake)[3]، نقرأ نهاية هذا الفصل بالعبارة:
"and which of us would ever have expected these things?"
" ومن منا كان يتوقع هذه الأشياء؟"! بدوت اضافة العبارة المشار اليها آنفاً!
إذن هناك جملة مضافة الى النص في بعض الترجمات، والظاهر ان هذا نتيجة اختلاف مخطوطات هذه الرسالة!
فإذا كانت الترجمات لرسالة واحدة وفي موضع واحد تُظهِر بينها هذه الاختلافات والاضافات، فكيف لو تتبعنا بقية المواضع في نفس هذه الرسالة! وبذلك يمكن ان ندرك لماذا احتوت مخطوطات اسفار الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد) على مئات بل آلاف الاختلافات بين مخطوطاتها!
فهل بعد هذا يمكن أن يطمئن المسيحي لصحة ما مكتوب في الترجمات الحالية للكتاب المقدس بمختلف اللغات أم أن عليه ان يغض النظر وكأنَّ شيئاً لم يحدث ويستمر بإيمانه الموروث؟!!
الفصل التاسع: لماذا اُرسل الابن متأخرا؟
ترجمة السيدة بولين تُدري أسعد:
"فى سالف الزمان، ولدنا بدوافع عديدة ولنا شهوات عديدة مبتعدين عن كل الرغبات الصالحة. وليس معنى هذا ان الله كان مسروراً بخطايانا، او كان يسمح لنا بفرصة لعمل الشر، بل كان ببساطة يحتملنا. وكان يفتش عن عقل متيقظ وواعى لصلاحه وبره، حتى اذا اقتنعنا اثناء حياتنا بعدم استحقاقنا لنوال الحياة بأعمالنا الخاصة، عندئذ كان لابد ان يمنح الله لنا الحياة بسبب شفقته علينا. واذ صار امراً واضحا لنا اننا لا نستطيع ان ندخل الى ملكوت الله بذواتنا فأننا نصير قادرين بقوة الله ان ندخل الى ملكوته. ولكن حينما وصل شرنا الى اقصاه واصبح وضاحا اننا مستحقون للعقاب والموت، وحينما جاء الوقت المعين من الله لأظهار قوته وصلاحه فأن حب الله الفائق جعله لا ينظر الينا بكراهية، ولا ان يطردنا بعيداً، كما انه لم يذكر شرنا ويقيمه ضدنا، بل اظهر طول اناة عظيم جداً واحتملنا حتى انه حمل نفسه ثقل خطايانا اذ بذل ابنه الوحيد كفدية لأجلنا، القدوس من اجل العُصاة، والذى بلا لوم من اجل الاشرار، والبار من اجل الاّثمة، وغير الفاسد من اجل الفاسدين، وغير المائت من اجل المائتين، فأى شىء اخر كان يمكن ان يستر خطايانا سوى بره؟ بأى شخص اخر كان يمكن تبريرنا نحن الاشرار وعديمى التقوى الا بخص ابن الله الوحيد؟ ما اجمل هذه المبادلة! ما هذا الفعل الذى يفوق الفحص، يا للبركات التى تفوق التوقعات! ان شر الكثيريين يوضع على بار واحد، وبر واحد يبرر عُصاة كثيريين! لذلك اذ قد اقتنعنا فى الزمان السابق على مجىء المخلص ان طبيعتنا كانت عاجزة عن البلوغ الى الحياة، والان اذ قد اعلن المخلص القادر ان ينقذ اولئك الذين كان من غير الممكن انقاذهم فيما سبق. بهاتين الحقيقتين اراد هو ان يقودنا لكى نثق فى لطفه وصلاحه ولكى نعتبره مصدر حياتنا وابانا ومعلمنا ومرشدنا وشافينا وحكمتنا ونورنا ومجدنا وكرامتنا وقوتنا وحياتنا، حتى اننا لا نقلق او نهتم من جهة الملبس والمأكل.
ترجمة انطون فهمي جورج:
"لقد سبق الله ورتب كل شيء بنفسه ومع ابنه إلا أنه انتظر حتى هذه الأزمة الأخيرة وسمح أن تجرفنا إرادتنا إلى الأهواء، وتغرينا الشهوات بنشوة لذاتها، ليس لأنه يسر بأن يرانا نغوص في الشر ونتمادى فيه، وليس لأنه يقبل الشر، بل لأنه احتمل الوقت الذي ساد فيه الشر من اجل الوقت الذي سيعلن فيه الحق وهو الآن، لكي نتأكد من البراهين التي تقدمها أعمالنا على عدم استحقاقنا للحياة التي انعم الله بها علينا الآن من قبل صلاحه، وبعدما ظهر لنا بوضوح انه من المستحيل أن ندخل ملكوته، أصبحنا الآن قادرين على دخول الملكوت بقوة الله. لقد تفاقم شرنا وبات من المحتم أن المصير الذي ينتظرنا هو الموت جزاء فسادنا، جاء الزمان الذي حدده الله ليعلن فيه غنى وجوده وعظمة قدرته، وما أعظم رفق الله ومحبته، لآن الله لم يبغضنا ولم ينبذنا، ولم يتذكر شرورنا، بل صبر واحتمل، وتحنن علينا وهو نفسه رفع خطايانا، عندما اسلم ابنه الوحيد فدية عنا. اجل لقد اسلم القدوس عوضًا عن المجرمين، والبريء بدلا من المذنبين والبار لأجل الأثمة وغير الفاسد من اجل الفاسدين والخالد من اجل المائتين. وماذا كان يمكن أن يستر خطايانا غير بره؟ بمن نتبرر نحن الأثمة، إن لم يكن ببر ابنه الوحيد فقط؟ كم حلو هو هذا التبادل، بل كم يفوق الوصف هذا الوضع الجديد، وكم هي غير موصوفة عطاياه. وقد اختفت شرور الكثيرين ببر الواحد وببر الواحد صار الكثيرون من الأثمة أبرارًا. لقد أقنعنا بعجز طبيعتنا في الماضي عن نوال الحياة، وارانا اليوم المخلص الذي له وحده القدرة أن يخلص من كانوا عن الخلاص عاجزين؟ وهكذا بعجزنا نحن وبقدرته هو أراد أن نؤمن بصلاحه، ونرى فيه من يعتني بنا، لأنه هو الآب والمربى، وهو وحده صاحب المشورة بل والطبيب، والحكمة، والنور، والكرامة، والمجد، والقوة، والحياة. وبعد كل هذا أراد أن لا يكون لنا الاهتمام بالطعام والملبس".
التعليق:
جاء في الرسالة: (حينما وصل شرنا الى اقصاه واصبح وضاحا اننا مستحقون للعقاب والموت، وحينما جاء الوقت المعين من الله لأظهار قوته وصلاحه)! ولو رجعنا الى تاريخ بدء المسيح ببشارته وفق ما ورد في الاناجيل الأربعة، لوجدنا ان المسيح قد عاصر نبوة يوحنا المعمدان ونجاحه في نشر مفاهيم التوبة وطلب المغفرة بين جميع سكان اليهودية وأورشليم، كما بيناه آنفاً في تعليقنا على الفصل السابع، فقَبِلَ سكانها دعوته وتعمدوا على يديه في نهر الاردن. فلم يكن البشر في تلك المعمورة آنذاك مستحقون للوصف الذي وصفهم به كاتب الرسالة.
*****
كما لفت نظري قول كاتب الرسالة: (لآن الله لم يبغضنا ولم ينبذنا، ولم يتذكر شرورنا، بل صبر واحتمل، وتحنن علينا وهو نفسه رفع خطايانا، عندما اسلم ابنه الوحيد فدية عنا. اجل لقد اسلم القدوس عوضًا عن المجرمين، والبريء بدلا من المذنبين والبار لأجل الأثمة وغير الفاسد من اجل الفاسدين والخالد من اجل المائتين. وماذا كان يمكن أن يستر خطايانا غير بره؟ بمن نتبرر نحن الأثمة، إن لم يكن ببر ابنه الوحيد فقط؟ كم حلو هو هذا التبادل، بل كم يفوق الوصف هذا الوضع الجديد، وكم هي غير موصوفة عطاياه. وقد اختفت شرور الكثيرين ببر الواحد وببر الواحد صار الكثيرون من الأثمة أبرارًا)!
1. هل المسيح هو الأبن الوحيد لله؟! نعم يقول المسيحيون ان المسيح مولود من الأب، ولكنهم أيضاً يقولون بأن الروح القدس انبثق أيضاً من الأب، ولا يعرفون الفرق بين الولادة والإنبثاق! فما ادراهم ان الانبثاق ليس اكثر اهمية من الولادة؟ مع ان المسيح كان له دور محدد وهو الموت على الصليب بينما الروح القدس يقولون بأنه سيبقى مع الناس يعزيهم ويعينهم الى انقضاء الدهر!!
2. لماذا اسلم القدوس عوضاً عن المجرمين! هل هذا المقياس عادل ان يتم التضحية بالقدوس بدلاً من المجرم لكي يتم انقاذ المجرم!!
3. سؤاله: (بمن نتبرر نحن الأثمة، إن لم يكن ببر ابنه الوحيد فقط)! اليس البر ناله سكان اليهودية واورشليم على يد يوحنا المعمدان ونجح بما لم ينجح به المسيح حيث قام بتعميد جميع سكان اليهودية واورشليم[4]!
4. يقول: (وببر الواحد صار الكثيرون من الأثمة أبرارًا) اليس ايضاً صار الكثيرون من الابرار اثمة لعدم ايمانهم بصحة الفداء بحسب عقيدتك! إذن ما فائدة عقيدة تجعل الأثمة ابراراً والأبرار أثمة! هذه العقيدة لم تنجح في جذب جميع البشر بل اصبحت عاملاً آخر من عوامل النفرة والرفض! وهي كسائر عقائد الانبياء في العهد القديم حيث إن من يؤمن بهم ينال البر ومن يجحدهم ينال الإثم! فليس لهذه العقيدة ميزة عن اي عقيدة أخرى.
الفصل العاشر: بركات الايمان
ترجمة السيدة بولين تُدري أسعد:
"اذا كنت ترغب ان تقتنى هذا الايمان فيجب ان تحصل اولا على معرفة الاّب، لأن الله قد احب البشر، الذين من اجلهم خلق العالم، واخضع كل شىء فيه لهم، وقد اعطاهم العقل والادراك، واعطى للأنسان وحده امتياز ان ينظر الله. وهو الذى خلق الانسان على صورته، ومن اجل الانسان ارسل ابنه الوحيد، واعطاه وعد ملكوت السماوات التى سوف يعطيها للذين احبوه. وعندما تدرك هذه المعرفة فأنك سوف تشعر بسعادة عظيمة جداً، وتمتلىء بفرح فائق، وهكذا فأنك ستحب من احبك اولاً. واذا احببته فانك سوف تقتدي بصلاحه، ولا تدهش من كون ان الانسان يمكن ان يتشبه بالله. هو يستطيع ذلك اذا اراد. ولذلك فهذا الانسان لا يتسلط على جيرانه ولا يسعى للأرتفاع فوق الضعفاء، ولا يسعى ان يكون غنيا، ولا يكون غنياً، وهو لا يكون عنيفاً تجاه من هم اقل منه. فمثل هذه الامور لا توفر السعادة ولا يستطيع الانسان بمثل هذه الامور ان يكون متشبهاً بالله، فهذه الامور لا تشكل عظمة الله. بل بالعكس فأن الانسان الذى يحمل اثقال جيرانه ومهما كان اعلى من غيره يكون مستعداً ان يتنازل للاّخرين الذين هم اقل منه، وكل شىء يناله من الله يوزعه على المحتاجين. بهذه الامور يصبح هذا الانسان الهاً بالنسبة للذين يساعدهم، وبذلك يكون متشبها بالله. وعندئذ سترى وانت لا تزال على الارض ان الله الذى فى السماء يحكم الكون كله، وعندئذ سوف تبدأ بأن تتكلم عن اسرار الله، عندئذ سنجد نفسك تحب الذين يعانون الاّلام والضيقات بسبب عدم انكارهم لله وسوف تُعجب بهم، وسوف تستنكر الغش والضلال الذى فى العالم حينما تعرف ما معنى ان تعيش حقا فى السماء. وسوف تحتقر ما يُعتبر هنا انه موت، وذلك حينما تتعلم ان تخاف من الموت الحقيقى المحفوظ لأولئك الذين يُوضعون فيها الى الابد. وسوف تُعجب بأولئك الذين يحتملون النار للحظة من اجل البر، وسوف تحسبهم سعداء حينما تعرف طبيعة تلك النار.
ترجمة انطون فهمي جورج:
"إن رغبت أن يكون لك مثل هذا الإيمان.. أولًا عليك أن تعرف الآب معرفة كاملة. لقد أحب الله البشر ولأجلهم خلق العالم، ولسلطانهم اخضع الأرض وما عليها، ومنحهم العقل والإدراك وسمح لهم وحدهم أن ينظروا إلى السماء، لأنه خلقهم على صورته، وأرسل إليهم ابنه الوحيد ووعد من أحبه بالملكوت السماوي. تصور أي فرح سيتدفق في قلبك وإذا عرفت هذا معرفة حقة فكم ستكون محبتك عظيمة، إذا أحببت من احبك أولًا. وبحبك له تتشبه بصلاحه، ولا تتعجب من أن بشرًا يتشبه بالله. لا ظلم لقريب، ولا السيادة على الضعفاء، ولا كثرة المال، ولا اللجوء إلى الإكراه في معاملة الذين لا مركز لهم، يمكن أن يوفر السعادة ويساعد الإنسان بأي شكل من الإشكال على إمكانية التشبه بالله، لان كل ما ذكرت من أعمال ينافى السعادة وغريب عن (طبيعة) القوة الإلهية. أما من يشترك في مشقات قريبه، وإذا تفوق في شيء، ساعد الذي لا يتفوق، وأعطى المحتاجين من العطايا التي قبلها من الله، فانه يصبح إلهًا بالنسبة للبشر، ومثل هذا الإنسان هو من يتشبه بالله. ومع انك ستكون قاطنًا في الأرض إلا انك سوف تتمتع برؤية الله الكائن في السماء وتبدأ بالحديث عن أسرار الله، وسوف تكون الذين يقاسون العذاب وتحبهم، لا نهم لم ينكروا الأيمان بالله بل سترذل خداع العالم وضلاله، وعندما تعي حقيقة الحياة السمائية، سوف تزدرى بموت الجسد، وترهب الموت الحقيقي الذي ينتظر الذين سيطرحون نهائيًا إلى النار الأبدية. وسوف تنحني إجلالًا وتعظيمًا لمن قاسوا عذاب النار، مؤقتا على الأرض، وتطوبهم لأنك ستعلم حقيقة النار الأخرى".
التعليق:
هذا النص فيه عدّة إثارات:
· يستخدم المسيحيون الناطقون باللغة العربية كلمة (الآب) بالألف الممدودة (آ)، وليس كلمة (الأب) بالألف المهموز (أ)! مع أن كلمة (الآب) ليست كلمة عربية، ولا يوجد في قواميس اللغة العربية كلمة (آب)، عدا ما يستعمله العرب اليوم من تسمية الشهر الثامن من شهور السنة بأسم (آب) ومعناه مختلف وغير مقصود كما هو معلوم! ومع ان نفس المواضع التي يستخدمون فيها كلمة (الآب) في العهد الجديد يكتبونها (Father) باللغة الانجليزية، أي كلمة (أب) بالألف المهموز! ولكنهم لا يكتبونها (أب) أو (الأب) باللغة العربية!
· غالباً ما يتكلم المسيحيون عن أقنوم الأب فيسمونه (الله) أو (الإله) بينما هم يقصدونه الأقنوم الأول وحده، ولذلك يقولون (المسيح إبن الله) بينما يقصدون (المسيح أبن الأب). وليس كل المسيحيين يدرك هذا الامر ولذلك تجد اغلب المسيحيين من عامة الناس يخلطون بين المنفاهيم اللاهوتية، فتارة يقولون الله ثلاثة أب وابن وروح قدس، وتارة يقولون ان المسيح هو الله، وتارة يقولون ان المسيح ابن الله، وتارة يقولون ان الب ولد الأبن! في فوضى عقائدية واضحة!
· يتبادر الى ذهننا سؤال: حيث يقول المسيحيون ان الذي خلق هو المسيح المولود من الأب، فلماذا لم يشارك الروح القدس في عملية الخلق أيضاً؟! هل يعجز أقنوم الروح القدس عن الخلق كما عجز أقنوم الأب أيضاً عن الخلق! بإعتبار انّ الأب لم يخلق أقنوم "الأبن" وإنما ولده؟!! الجواب الوحيد لهذا التساؤل المشروع هو الايمان المسيحي المبني على نظرية الصادر الاول والوحيد الفلسفية اليونانية، التي سنناقشها في تعليقنا على الفصل الثاني عشر، والتي سننوه عنها أيضاً بعد قليل.
*****
وقال كاتب الرسالة: (لأن الله قد احب البشر، الذين من اجلهم خلق العالم)! وهي عبارة مربكة!، فخلق العالم كان قبل خلق البشر، فهل مقصود كاتب الرسالة ان الله احب البشر جميعهم حينما كانوا في علمه الأزلي! وهل يحب الله جميع البشر ام الصالحين فقط! فهل يحب الله هتلر وستالين وصدام ويزيد وفرعون (لعنهم الله) وبقية المجرمين والسفاحين! بالطبع لا.
*****
يقول: (ومنحهم العقل والإدراك) فهل منحهم الإلهُ العقلَ والادراكَ عبثاً! ام ان عليهم ان يستخدموا عقلهم وادراكهم من اجل استخدامه في تعقل دينهم، وأن يكون دينهم قابلاً للتعقل والإدراك. والمقصود بالعقل هو القضايا الفطرية التي خلقها الله سبحانه في جميع عقول البشر، فهم متساوون فيها، وهي التي يسميها البعض أيضاً بالبديهيات، من قبيل الواحد نصف الاثنين وثلث الثلاثة، والجزء اصغر من الكل، والنقيضان لا يجتمعان، وكل معلول يحتاج الى علّة، والتسلسل والدور في القضايا العقلية ممتنعان، وكل مركّب فهو مُحدَث (مخلوق)، ولا يجوز تعدد القدماء، وغيرها.
وهناك في المسيحية عدّة قضايا أساسية في الإيمان نجدها تتعارض مع العقل والإدراك، نستعرض اهمها:
ـ حينما نقول أن الإله لا يمكن أن يتجسد، فذلك لأن العقل يحكم بإستحالة ذلك ذاتياً. وقد بيّنا ذلك في تعليقنا آنفاً على الفصل السابع، من حيث ان اتجسد يجعل الغله فقيراص لنه يحتاج الى الجسد ليتجسد كما انه سيكون محتاجاً للحد والجهة. ولا يمكن أن يكون الإله فقيراً لأنه بذلك يصبح محدثاً لا قديماً. وفضلاً عن ذلك يقولون بأنَّ الإله قدَّم أبنه "القنوم الثاني" قرباناً ليتمكن من غفران خطايا البشر المؤمنين به! وبذلك يكون محتاجاً لخشبة الصليب المخلوقة أيضاً، لتحقيق اهدافه!!
ـ نجد بعض المسيحيين يتباهون بأن عقيدتهم المسيحية غير معقولة ولا يدركها العقل والمنطق!! فيقولون – على سبيل المثال – عن عقيدة "طبيعة المسيح الواحدة": "ولكن كيف صار هذا الاتحاد، أو كيف يكون لطبيعة السيد المسيح الواحدة صفات اللاهوت وصفات الناسوت معاً بدون اختلاط وبدون امتزاج وبدون تغيير، أو كيف يكون للسيد المسيح صفات الطبيعتين ولا تكون له الطبيعتان، هذا ما لا نعرفه!! إنه سر من الأسرار الالهية، لا يمكن أن نفهمه أو نعيه أو نحتويه في عقولنا. من هنا سمي في الاصطلاح الكنسي بسر التجسد الالهي. فنحن نؤمن بنوع من الاتحاد يفوق كل فهم بشري وكل تصور. قد تكون هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للعقل الفلسفي أو للعقل المادي، وقد يكون فيها تناقض، وقد يكون فيها ما يتعارض مع قوانين العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية. كل هذا قد يكون صحيحاً، ولكننا نصدق ونؤمن بتجربة باطنية روحية صوفية عالية على كل منطق وعقل. أن هذا أمر ممكن ، ذلك لأن الله أراده، وإذا أراد الله شيئاً فهو ممكن، وحتى لو كان هذا غير معقول للعقل فإنه معقول للعقل الروحاني الذي لا يعرف لقدرة الله حدوداً. وهذا هو ((الايمان الذي بلا فحص)) الذي يصرخ من أجله الكاهن القبطي في القداس الالهي"[5]. وهذا اعتراف لأحج علماء المسيحية.
ـ العقيدة المسيحية غير معقولة وهي تظهر الله حريصاً على ان يتجسد "ابنه" "الاقنوم الثاني" بهذه الطريقة الاعجازية الفريدة، من غير أب، ولا ندري لماذا خلقه من غير أب اذا كانوا يقولون ان المسيح وحيد الجنس!! فما ضره ان يكون له أب من حيث الناسوت، زوج لمريم وتحمل هي من الروح القدس!! ثم جعلوا "الإله" بجسد طفل رضيع ثم ينمو وينمو، لثلاثين سنة، وهو "إله متجسد"! ألم يكن الإله قادراً على ان يتجسد بجسد انسان بالغ منذ البداية بدون هذا اللف والدوران، وبدون هذا المكر! فيظهر مباشرة للبشر بجسد بشري ويعلن عن نفسه ويجري المعجزات التي تثبت انه الإله!! لماذا لم يحدث ذلك واختار الإله طريق المكر والاستخفاء بجسد طفل صغير واب بالتبني حتى انهم كانوا يقولون عن المسيح انه ابن يوسف النجار كما ورد في الاناجيل!! ثم يتصنع الضعف ويسلم نفسه لليهود والرومان ليصلبوه ويتصنع انه مظلوم ومعذب ومهان بحيث جلدوه ووضعوا اكليل الشوك على رأسه ووجهوا له الكلام القبيح، كل هذا وهو متصنع للضعف مع انه الإله القدير خالق السموات والارض بحسب عقيدتهم!! اليس هذا مكر يا رشيد حمامي؟!!
ـ من جوانب العقيدة المسيحية غير المعقولة ما يقوله المسيحيون من أنَّهم ينسبون للذات الإلهية التغيير والحدوث، فيقولون الأب والإبن والروح القدس هم جوهر الذات الإلهية، ويقولون ان الإبن مولود من الأب والروح القدس منبثق من الأب أو من الأب والإبن معاً – بحسب الاختلاف بين الكنيستين الآرثوذكسية البيزنطية (الشرقية) والكاثوليكية – وهذا مخالف للعقل لأن القديم لا يمكن عليه التغيير.
ـ من الادعاءات غير المعقولة في المسيحية، أيضاً، انهم لا يعرفون كيف ولد الابن من الأب ولا كيف انبثق الروح القدس من الأب ولا يعرفون الفرق بين الولادة والانبثاق! ولا كيف يكون الثلاثة (الأب والأبن والروح القدس) إلهاً واحداً وهم ثلاثة أقانيم لكل منهم صفته ودوره وطريقة وجوده المختلفة[6]ولكل منهم شخصيته المستقله!! فينسبون مع الله تعالى الذي يسمونه "أقنوم الأب" كائنات أزلية ثم يقولون لا نعلم كيف وُجِدَت! ولا يعلمون كيف تتعدد الكائنات الأزلية وتتعدد شخصيات الأقانيم، وهو الأمر الممتنع في حكم العقل البشري.
وجانب آخر من امثال العلاقة المرتبكة بين الأقانيم الثلاثة ما نقرأه في الأناجيل ان المسيح الذي يفترض انه الأقنوم الثاني وان الأقانيم ثلاثتها متساوية في الجوهر والقيمة والقدرة، نجده يقول انه ليس لديه قدرة ذاتية لفعل الامور بل القدرة هي قدرة "الأب"، ففي انجيل يوحنا (5: 30): (أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا. كما أسمع أدين، ودينونتي عادلة، لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني). فما هي مشيئة الاقنوم الثاني إذن؟ اليست لديه مشيئة؟!!
ـ ولو تسائلنا عن أدلة المسيحية حول تكوّن الإله من ثلاثة اقانيم فربما يكون مفيداً أن نطّلع على هذا النص من موقع البابا فرانسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية وهو لا يذكر أي دليل عقلي بل مجرّد تسويق لنصوص بطريقة انتقائية، فيقول: (يؤمن الكاثوليّك بوحدانيّة الله، فالله قطعًا واحدٌ، والوحدة في الله لا تلغي كونه مثلث الأقانيم، كما أنَّ ثلاثتهم مساوٍ للآخر تمام المساواة: الآب، والابن، والرّوح القدس، وذلك لأنّ الله نفسه ظهر لنا هكذا في تاريخ الخلاص. أوّلاً: العهد القديم: تشير الاستشهادات الكتابيّة إلى أن هناك تعدّد الأقانيم في الله. في( تك 1 : 26) “وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا “. وفي (أش 9 :6-7 ) كشف الله الآب عن رغبته في تجسّد الله الابن في العالم ” لأنه يُولد لنا ولدٌ ونُعطى ابنًا وتكون الرّئاسة على كتفه ويدُعى اسمه عجيباً مُشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًّا رئيس السّلام “. كما نقرأ في ( مز 2 : 7 ) “إني أخبر من جهة قضاء الرّبّ. قال لي أنت ابني. أنا اليوم ولدتك “. ثانيّا في العهد الجديد: يكشف الله هذا الإيمان بصورة أكثر وضوحاً. على سبيل المثال، في معمودية الرّبّ يسوع المسيح، حيث ظهر الرّوح القدس على شكل حمامة، وسمُع صوت الله الآب: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرّرت”. (مت 3:16-17). وأيضًا (مت 28 : 19 )، “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”)[7]!!
إذا كان هذا النص يعبّر عن جميع ادلة المسيحية حول تكون الذات الإلهية من ثلاثة اقانيم فمن العجيب ان ينقاد المسيحيون بالملايين وراء هذا السراب! نعم هو سراب، فحينما استدلوا من العهد القديم على ادلة الثالوث مارسوا الانتقائية فاخذوا نصاً من سفر التكوين الذي يفترض انه كتِبَ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ونصّاً آخر من سفر أشعياء الذي يفترض انه كُتِبَ في القرن السابع قبل الميلاد، أي هناك ستة قرون بين النصّين! فلماذا أخفى الإله ثالوثه طيلة تلك القرون، بل وحتى بعد ظهور النص في القرن السابع ق.م لم يفهم اليهود هذا الثالوث ولم يخبر أشعياء ان هذا النص متعلق بـ "ثالوث إلهي"!! ولم يظهر الثالوث الى الوجود الا في مجمع القسطنطينية سنة 381م الذي اعلن ألوهية الروح القدس! أي في نهاية القرن الرابع الميلادي!!
واما من ناحية أدلة العهد الجديد فليس لديهم سوى صوت ينادي: هذا ابني الحبيب!! اتلاحظون في المسيحية دائماً هناك أصوات غامضة، صوت ينادي ابني الحبيب وصوت ينادي بولس: لماذا تضطهدني!! ووافق وجود حمامة تطير فقالوا عنها الروح القدس!! ولا ندري لماذا نزل الروح القدس هذه المرّة الوحيدة متجسداً ولم ينزل بهيئته الاصلية، مع ان احداً من الحاضرين لم يعرف انه "أقنوم الروح القدس"، لأن اليهود لا يعرفون للروح القدس شكلاً، سواء كان حمامة ام بلبلاً ام ببغاءً أم غير ذلك!! وربما كان اكثر اقناعاً لو صاحبت تلك الحمامة المسيح دائما في تنقلاته وظهوره امام اليهود لقلنا ربما هي فعلا "أقنوم الروح القدس" متجسداً، ولكن ان تظهر حمامة في موقف تعميد مع صوت مجهول، فلماذا لا يقال انه صوت ابليس نفسه الذي اراد ان يكيد للمسيح ويجربه في البرّية وفشل ذلك فكانت هذه محاولة من محاولاته!؟
ـ ويقول علماء المسيحية أنَّ فهم تركيب ذات الله من أب وأبن وروح قدس والعلاقة بينهم من ولادة وانبثاق غير معقولة للانسان ولا يمكنه ادراك كيفيتها! فبخصوص هذا السؤال: (ما هو الفرق بين الولادة والأنبثاق؟) سُئِل "البابا أثناسيوس الرسولي" هذا السؤال فقال: "لا أعرف، لأن الكتاب المقدس لم يوضح الفرق بين الولادة والانبثاق[8]! أقول: إذا كانت العقيدة المسيحية تبشرنا بالغموض وبما لا دليل عليه وبما لا يقبله عقلنا، فكيف يطلبون منا "الايمان غير المعقول"؟!!!
ـ وليس الفرق بين الولادة والانبثاق هو فقط غير المعقول في المسيحية، بل يشمل هذا الامر حصول المسيح على صفات إلهية وبشرية في نفس الوقت بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير على حد تعبيرهم!! فيقولون: "ولكن كيف صار هذا الاتحاد، أو كيف يكون لطبيعة السيد المسيح الواحدة صفات اللاهوت وصفات الناسوت معاً بدون اختلاط وبدون امتزاج وبدون تغيير، أو كيف يكون للسيد المسيح صفات الطبيعتين ولا تكون له الطبيعتان، هذا ما لا نعرفه!! إنه سر من الأسرار الالهية، لا يمكن أن نفهمه أو نعيه أو نحتويه في عقولنا. من هنا سمي في الاصطلاح الكنسي بسر التجسد الالهي. فنحن نؤمن بنوع من الاتحاد يفوق كل فهم بشري وكل تصور. قد تكون هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للعقل الفلسفي أو للعقل المادي، وقد يكون فيها تناقض، وقد يكون فيها ما يتعارض مع قوانين العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية. كل هذا قد يكون صحيحاً، ولكننا نصدق ونؤمن بتجربة باطنية روحية صوفية عالية على كل منطق وعقل. أن هذا أمر ممكن، ذلك لأن الله أراده، وإذا أراد الله شيئاً فهو ممكن، وحتى لو كان هذا غير معقول للعقل فإنه معقول للعقل الروحاني الذي لا يعرف لقدرة الله حدوداً. وهذا هو (( الايمان الذي بلا فحص )) الذي يصرخ من أجله الكاهن القبطي في القداس الالهي"[9]!! (الايمان بلا فحص)!! هل هذا ما يبشّر به المسيحيون العالم!!؟ الايمان بلا فحص يعني الايمان غير المعقول!! نعم للعقل حدود لا يتمكن ان يتخطاها لأنه ليس مؤهلاً لتعقلها، مثل البحث في كنه الذات الإلهية المقدسة، فالعقل قاصر بحواسه الخمسة المادية عن إدراك كنه الذات الإلهية الأزلية. أما القضايا التي يفهمها الانسان من قبيل الاتحاد والاختلاط والامتزاج والتغيير فلا يصح ان نقول انه غير مختلط بطريقة لا نفهم كيفيتها، ولا انه غير ممتزج بطريقة لا نفهمها! ولا ان لشخص واحد طبيعتين إلهية وبشرية في نفس الوقت، ولا تفارقه هاتان الطبيعتان حتى في الموت مع ان احداهما هي نقيض الاخرى، فالطبيعة البشرية تموت وتفنى والطبيعة الالهية دائمة الحياة وغير فانية بل ازلية، فكيف يموت المسيح على الصليب ويموت لاهوته وناسوته معاً!! ثم يقولون ان هذا هو "الايمان بلا فحص"!! وكيف سيحاسبنا الإله بعد الموت وفق أي معيار؟! إذا لم يكن وفق معيار العقل والمواهب العقلية التي انعم بها علينا، فأي معيار سيكون هو الحكم لكيلا يكون هناك ظلم في الحساب؟! - وحاشا لله سبحانه من الظلم - هل من المعقول أن يرسل الإله رسولاً هو أبنه لينشر بيننا ديناً لا يمكن تعقله ولكي نؤمن إيماناً بإله مركّب من جوهر وروح وثلاثة اقانيم بطريقة ليست غير معقولة فحسب بل وتخالف القواعد العقلية البديهية التي انعم الله علينا بها ووضعها في عقولنا منذ ولادتنا ونمونا!! ثم يحاسبنا يوم القيامة لماذا لم تؤمنوا به!! فما هي فائدة وجود العقل في الانسان إذا كان المطلوب هو الايمان بأمور غير عقلائية أي لا يدركها العقل ويدرك صوابها وحقانيتها من عدمها؟! وإذا لم يكن لإدراك ومعرفة الخطأ والصواب والحق والباطل بالرجوع الى القضايا البديهية والمكتسبات المعرفية المنطقية، فلأي شيء نستعمل العقل إذن؟!
فما هذه العقيدة الغامضة التي لم يعرفها المسيحيون الأوائل طيلة القرون الأربعة الأولى!
ولذلك "ظهر عدد من المذاهب والفلسفات المسيحية التي ترفض التثليث، أشهرها الإبيونية والمرقيونية والموناركية والآريوسية التي ظهرت سنة 315؛ قبل تأكيد عقيدة الثالوث في مجمع نيقية عام 325 للميلاد، ومجمع القسطنطينية الأول عام 381، ومجمع أفسس عام 431. وتجدد إحياء الحركات الرافضة لعقيدة التثليث لاحقاً في إطار جماعة الكاثار في القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر، ومع ظهور حركة التوحيدية في بولندا وترانسيلفانيا خلال عصر الإصلاح البروتستانتي من خلال تعاليم سرفيتوس وفاويستوس سوسينوس، وفي عصر التنوير في القرن الثامن عشر، ومن خلال بعض المجموعات التي نشأت خلال الصحوى الكبرى الثانية في القرن التاسع عشر"[10].
فلا تستغرب ايها القاريء اذا ما وجدت مسيحياً لا يؤمن بالثالوث، فهو بلا شك من غير هذه الكنائس الثالوثية الكبرى: الكاثوليكية والآرثوذكسية الخلقيدونية والآرثوذكسية غير الخلقيدونية والبروتستانتية والنسطوريّة!
وبالمناسبة فإن المسيحيين اتباع كنيسة شهود يهوه لا يؤمنون بالثالوث ولا يعترفون بإلوهية الروح القدس، ولا يعترفون بأن المسيح أزلي بل هو مخلوق من قبل "الأب". فهم أقرب للتوحيد من هؤلاء المسيحيين اصحاب عقيدة الثالوث.
أمّا في الاسلام، فقد روى الشيخ الصدوق في أماليه عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال: (لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، ولا اكملك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أثيب).
لقد غفل المسيحيون عن إنَّ الانسان الذي لا يتعبد بما يعقله يصبح كالمجنون الذي لا تكليف له! لأن الفرق بين العاقل والمجنون هو العقل الذي من خلاله يثيبُ اللهُ الإنسانَ ويحاسبه، فإذا كانت العقيدة الايمانية غير معقولة تساوى امامها العقلاء والمجانين!!
المسيحية دين سفسطة!
وبعض الأفكار المسيحية الرئيسية لها شبه بالسفسطة التي كانت سائدة بين اليونانيين الوثنيين قبل شيوع الفلسفة فيهم!
كتب عدنان ملحم: (اليونان كانوا يستقبحون أن يباع العلم ويشترى، وكانوا يفهمون المدرسة على أن التلاميذ يفدون على المعلم يقيم في مكان دائم، ولا يبذلون من المال إلا الضروري لحاجات المدرسة، فعكس السوفسطائيون الآية وتنزلوا بالعلم إلى مستوى الحرف والصنائع، فلحقتهم الزراية، لم يأخذوا بالعلم على أنه معرفة الحقيقة، ولم يكترثوا لقيمته الذاتية ولا لفطرة العقل التي تدفعه لطلب الحق، بل استعملوا العلم وسيلة لجر منفعة غريبة عن العلم، وهزءوا من العقل، فكانوا معلمين وخطباء ولم يكونوا حكماء، هذا هو الموقف الشاذ الأثيم الذي جعل اسمهم سبة على مر الأجيال)[11].
وابرز ميزة للسفسطائيين كانت هي إبرازهم الإيمان بقضايا متناقضة في نفس الوقت، أي تأييد فكرة ما ثم تأييد نقيضها على السواء! وهذا الأمر نجده بوضوح في المسيحية، فعلى سبيل المثال نجد ان المسيحية تقول أن الإله قدير ثم تقول انه قدّم ابنه قرباناً ليتمكن من محو خطايا المؤمنين به! فكيف هو قدير وكيف يقدم قربان طلباً لتحقيق مراده! ويدافعون عن كلا الأمرين!!
وأيضاً في المسيحية يقولون ان الله سبحانه لا يحده حد ولا يكون في جهة بل هو في كل مكان[12]، ثم يقولون ان الإله تجسد بجسد بشري وبتجسده اصبح له حد وجهة، فكلا الأمرين متناقضان وهم يدافعون عنهما معاً!!
وفي المسيحية يقولون إنَّ الله غني ثم يقولون انه تجسد بجسد بشري وقُتِلَ على الصليب من اجل فداء البشر! فكيف يكون غنيّاً وهو محتاج للجسد لكي يتجسّد ومحتاج لخشبة الصليب لكي يتحقق الصلب والفداء!!
وفي المسيحية نجد الفيلسوف الشهير اوغسطين الذي اجمع المسيحيون على علو مكانته وشأنه يقول انه لا يصح ان يقال عن الله انه جوهر بل يقال عنه انه ذات، قال: (وإذا قلنا إن الله محل المعاني، وإذا أضفنا إليه صفاتٍ، فليس يعني هذا أن في الله كثرة، وأن الصفات متحققة فيه على نحو تحققها في المخلوقات، فإن الله بسيط كل البساطة، وما نتصوره فيه هو عين الجوهر الإلهي، بل يجب الاحتراز من تسميته جوهرًا، لئلا يذهب الفكر إلى أن الله موضوع لصفات أو أعراض متمايزة منه، والأليق أن نقول «الذات»؛ لأن هذا اللفظ لا يتضمن سوى معنى الوجود، والله هو الموجود إلى أعظم حد)[13]. بينما نقرأ في الرسالة الى العبرانيين: (1: 1-3): (الله، بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما، بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه، الذي جعله وارثا لكل شيء، الذي به أيضا عمل العالمين،الذي، وهو بهاء مجده، ورسم جوهره)! والمسيحيون يحترمون ويعتبرون كِلا القولين على حد سواء! أي يقولون ان لله جوهر وانه لا يصح ان نقول لله جوهر بل هو ذات! ألم نقل إنَّه دين سفسطائي!!
*****
يتحدث كاتب الرسالة أيضاً عن التشبه بالله سبحانه ويظن ان هذا التشبه يكون مصدراً لسعادة الانسان! هي الفكرة جميلة ولكن تعبيره عنها سيء! فمن الجميل والجيد ان يقوم الإنسان بالامتناع عن الظلم للغريب والقريب معاً وليس للقريب فقط كما يذكر النص، فالإنسان العادل يكون في طريقه نحو الكمال، وكذلك عدم التسلّط على الضعفاء بالظلم وسلب الحقوق، وإذا جمع مالاً كثيراً أعطى حقه من الصدقات ومن الضرائب المالية التي فرضها الله سبحانه، كما في الاسلام هناك الزكاة والخمس، وأيضاً مساعدة الآخرين والتخفيف عن همومهم وقضاء حوائجهم والتصدق على المحتاجين ومساعدتهم كلها تجعل الانسان سائراً في طريقه نحو الكمال والتكامل ليصل الى شوط ما من اشواطه ومراحله، ويبلغ بحسب همته جزءاً قليلاً أو كبيراً من طريق هذا السير نحو التكامل، وهو ما يجلب السعادة الحقيقية للإنسان. ولكن كاتب الرسالة أخطأ في التعبير عندما قال ان على الانسان لكي يبلغ السعادة عن طريق ما ذكرناه من عدالة ومساعدة المحتاجين والشفقة عليهم، أن يتشبّه بالإله! فلا يمكن للإنسان ان يتشبه بالإله ولا يصلح هذا له، لأن هذا التشبّه يولِّد داخل نفس الانسان شعوراً بالتفوّق والغرور والكِبَرْ والفخر والتعالي أن يظن الانسان انه قام بشيء عظيم حينما ينعم على الناس بما لديه من خيرات هي أصلاً من نعم الله تبارك وتعالى، فالفضل اولاً وآخراً لله سبحانه. فهو أمر غير ممدوح أن يتشبه الإنسان بالإله. بل الأصح ان يتشبه الإنسان بالأنبياء والصالحين والتخلِّق بأخلاقهم.
ونظراً لقلة إطلاع كاتب الرسالة على اسفار العهد القديم لكونه ينتمي الى اصول وثنية، فهو لا يعلم صفات الإله فيها وأنَّه لا يمكن ان يشبهه شيء من مخلوقاته. فالإله المنعم هو نفسه المنتقم، وهو نفسه الجبار والعظيم والمتعالي. ففي الكتاب المقدس نقرأ من صفات الله سبحانه:
(المضلّ): في سفر حزقيال (14: 9): (فإذا ضل النبي وتكلم كلاما، فأنا الرب قد أضللت ذلك النبي، وسأمد يدي عليه وأبيده من وسط شعبي إسرائيل).
في سفر ايوب (12: 24): (ينزع عقول رؤساء شعب الأرض، ويضلهم في تيه بلا طريق).
اشعياء (63: 17): (لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك، قسيت قلوبنا عن مخافتك؟ ارجع من أجل عبيدك، أسباط ميراثك).
في رسالة بولس الثانية الى اهل تسالونيكي (2: 11): (ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يصدقوا الكذب).
(الضارّ): حيث وردت نصوص عديدة تبين ان الإله هو خالق الشر والضر، فهو الضارّ.
في سفر اشعيار (45: 7) ترجمة التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: (انا مبدع النور وخالق الظُلْمَة، انا صانع الخير وخالق الضُّر، أنا هو الرب فاعل كل هذه).
وفي سفر أرميا (21: 10): (لاني قد جعلت وجهي على هذه المدينة للشر لا للخير يقول الرب. ليد ملك بابل تدفع فيحرقها بالنار).
وفي سفر الملوك الأول (17: 20): (وصرخ الى الرب وقال ايها الرب الهي أأيضا الى الارملة التي انا نازل عندها قد اسأت بإماتتك ابنها).
وفي سفر العدد (11: 11): (فقال موسى للرب لماذا اسأت الى عبدك ولماذا لم اجد نعمة في عينيك حتى انك وضعت ثقل جميع هذا الشعب عليّ).
وفي سفر مراثى إرميا (3: 38): (من فم العلي ألا تخرج الشرور والخير).
في سفر الملوك الأول (21: 29): (هل رأيت كيف اتضع اخآب امامي.فمن اجل انه قد اتضع امامي لا اجلب الشر في ايامه بل في ايام ابنه اجلب الشر على بيته).
في اخبار الأيام الثاني (7: 22): (فيقولون من اجل انهم تركوا الرب اله آبائهم الذي اخرجهم من ارض مصر وتمسكوا بآلهة اخرى وسجدوا لها وعبدوها لذلك جلب عليهم كل هذا الشر).
وفي ميخا (4: 6) الله يضرّ: (في ذلك اليوم، يقول الرب، أجمع الظالعة، وأضم المطرودة، والتي أضررت بها).
والاله يعمل الشر كما في ميخا (2: 3): (لذلك هكذا قال الرب: «هأنذا أفتكر على هذه العشيرة بشرٍّ لا تزيلون منه أعناقكم، ولا تسلكون بالتشامخ لأنه زمان رديء).
وفي ميخا (1: 12) أيضاً الرب يعمل الشر: (لأن شرا قد نزل من عند الرب إلى باب أورشليم)!
(المنتقم): في سفر ميخا (5: 10-15): (ويكون في ذلك اليوم، يقول الرب، أني أقطع خيلك من وسطك، وأبيد مركباتك. وأقطع مدن أرضك، وأهدم كل حصونك. وأقطع السحر من يدك، ولا يكون لك عائفون. وأقطع تماثيلك المنحوتة وأنصابك من وسطك، فلا تسجد لعمل يديك في ما بعد. وأقلع سواريك من وسطك وأبيد مدنك. وبغضب وغيظ أنتقم من الأمم الذين لم يسمعوا). فالرب يغضب وينتقم ويبيد.
في سفر ناحوم (1: 2): (الرب إله غيور ومنتقم. الرب منتقم وذو سخط. الرب منتقم من مبغضيه وحافظ غضبه على أعدائه).
في رسالة بولس الاولى الى أهل تسالونيكي (4: 6): (أن لا يتطاول أحد ويطمع على أخيه في هذا الأمر، لأن الرب منتقم لهذه كلها كما قلنا لكم قبلا وشهدنا).
في سفر صموئيل الثاني (22: 48): (الإله المنتقم لي، والمخضع شعوبا تحتي).
(المُذِلّ): في سفر التثنية (9: 3): (فاعلم اليوم أن الرب إلهك هو العابر أمامك نارا آكلة. هو يبيدهم ويذلهم أمامك، فتطردهم وتهلكهم سريعا كما كلمك الرب).
في المزامير (55: 19): (يسمع الله فيذلهم، والجالس منذ القدم. سلاه. الذين ليس لهم تغير، ولا يخافون الله).
(المتكبِّر): يقول رشيد حمامي: {الله في الاسلام هو المتكبّر الذي لا علاقة له بنا! تخيل ان الله في الاسلام كلّما تكبّر كلما زاد مجده، وكلما ابتعد عن الانسان كلما زاد مجده، عكس فكرة المسيحية}! أي إنَّ الإله في المسيحية بالضد من صفة التكبّر أي إنَّهُ متواضع! طبعاً هو يظن انَّ أسم الله (المتكبِّر) في الاسلام يحمل نفس معنى التكبّر البشري!! ولا يدري ان الله سبحانه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، والتكبر عند الإله ليس كالتكبّر عند الإنسان، وهو في وصف الإله صفة مدح وكمال بخلاف صفة التكبّر عند البشر، وسنشرح ذلك بالتفصيل حينما نتناول الاسماء الحسنى في الاسلام بعد قليل إنْ شاء الله. والان سنستعرض وصف الإله في الكتاب المقدس هل كان متواضعاً أم جباراً متعالياً منتقماً ضاراً، فهل يصح عقلاً ومنطقاً أن يوصف الإله الجبار المتعالي المنتقم الضار بأنه متواضع ولم يكن متكبّراً!!
وأيضاً فلنقرأ ما جاء في حبقوق (1: 2): (حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟ أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص؟). فهل هذه صفات إله متواضع أم متكبِّر؟!
وفي المزامير (68: 34 و35): (أعطوا عزا لله. على إسرائيل جلاله، وقوته في الغمام. مخوف أنت يا الله من مقادسك. إله إسرائيل هو المعطي قوة وشدة للشعب. مبارك الله).
ارميا (10: 6و7): (لا مثل لك يا رب! عظيم أنت، وعظيم اسمك في الجبروت. من لا يخافك يا ملك الشعوب؟ لأنه بك يليق. لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك).
وفي ارميا (10: 10): (أما الرب الإله فحق. هو إله حي وملك أبدي. من سخطه ترتعد الأرض، ولا تطيق الأمم غضبه).
المكر من صفات الإله في الكتاب المقدس: ارميا (4: 10): (فقلت: «آه، يا سيد الرب، حقا إنك خداعا خادعت هذا الشعب وأورشليم، قائلا: يكون لكم سلام وقد بلغ السيف النفس»).
صفة (المستهزيء) في الكتاب المقدس: المزامير (2: 4): (الساكن في السماوات يضحك. الرب يستهزئ بهم).
فهذه الصفات تصلح للإله وحده وهي بحسب شأنه المقدّس، اما البشر فشأنهم أدنى من ذلك، ولا تصلح لهم الحياة الا وفق المعايير التي وضعها الله سبحانه لهم في شريعته التي انزلها لهم، من قبيل المحبة والتعاطف والسخاء والصبر وكظم الغيظ والتواضع والتراحم، بحسب شأنهم وقابلياتهم المجبولين عليها. فقدرة الإله غير المحدودة لا يمكن مقارنتها او التمثل بها من قبل الانسان بقابليته المحدودة.
*****
وجاء في الرسالة: (ومن اجل الانسان ارسل ابنه الوحيد)، ولنا أن نتسائل لماذا للأب أي الأقنوم الأول، ابن وحيد! لماذا لم يكن لأقنوم الأب أكثر من أبن! والجواب الوحيد هو تبعية المسيحية للفلسفة اليونانية الوثنية التي تقول بأن (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد)، يقول يحيى محمد: (فهناك الإله (بتاح) الذي هو بمثابة القلب واللسان للآلهة جميعاً، ويحمل في قلبه كل موجود، وبكلمته خلقهم جميعاً. ومع الإله بتاح هناك الإله (آتوم) وهو الوسيط بين الإله الأول وسائر الخلق، فهو الإله الصانع الموظف للخلق والإبداع، وهو بمثابة الصادر الأول لدى الفلسفة اليونانية، أو ما يسمى بالعقل الأول)[14]. وتقول هذه الفلسفة - كما سنبينه بشيء من التفصيل في تعليقنا على الفصل الثاني عشر – بأن الإله لا يمكن ان يصدر عنه سوى صادر واحد ووحيد، وهذا الصادر الوحيد هو الذي يخلق الكون وتخرج منه الكثرة! وهي نفس العقيدة المسيحية التي تقول بأنَّ الأب الأقنوم الأول لم يصدر عنه سوى صادر وحيد هو الأقنوم الثاني الذي يسمونه الأبن والذي يقولون عنه انه الإبن الوحيد!
الفصل الحادى عشر: هذه الاشياء جديرة بالمعرفة والتصديق
ترجمة السيدة بولين تُدري أسعد:
"انا لا اتكلم عن امور غريبة عنى، ولا اهدف لأى شىء يتعارض مع التفكير السليم. بل كتلميذ للرسل اصير معلماً للوثنيين، انا انقل الاشياء التى استلمتها لكى اوصلها للتلاميذ الجديرين بالحق. لأن من يتعلم تعليماً صحيحاً ويُولد من الكلمة المُحب، فأنه لن يسعى ان يفحص بتدقيق فى الامور التى اظهرها الكلمة لتلاميذه بوضوح، هؤلاء (التلاميذ) الذين عرفوا الكلمة الذى ظهر لهم، فأنه كشف لهم بوضوح معرفة اسرار الاّب، هذه التى لا يمكن ان يفهمها غير المؤمنين بل التلاميذ الذين حسبهم امناء على اسراره. لذلك ارسل الله الكلمة لكى يظهر للعالم، هذا الذى احتقره اليهود، ولكن الوثنيين اّمنوا به حينما بشرهم الرسل. هذا الذى كان من البدء، والذى ظهر الاّن كأنه جديد، مع انه موجود من القدم، ولكنه مازال يولد من جديد فى قلوب القديسين. هذا الذى هو بلا بداية ولا نهاية، وهو الذى ندعوه اليوم الابن، الذى منه تغتنى الكنيسة وتمتلىء نعمة وتنتشر بكثرة وتزداد فى عدد القديسين. والنعمة تعطى الفهم، وتكشف الاسرار، وتعلن الازمنة، مبتهجة بالمؤمنين، معطية للذين يطلبون (الرب). فالرب يحفظ الايمان بغير انكسار، كما ان الحدود التى وضعها الاباء الاولون لا يتجاوزها احد. وعندئذ فان مخافة الناموس يُرنم بها، ونعمة الانبياء تُعرف، وايمان الانجيل يتأسس، وتقليد الرسل يُحفظ، ونعمة الكنيسة ترتفع. أيّ نعمة تكون لك اذا كنت لا تتردد، بل انك ستعرف تلك الاشياء التى يعلمنا اياها الكلمة بارادته وفى الوقت الذى يستحسنه هو. فكل الاشياء التى ننطق بها بارادة الكلمة الذى يوصينا، نحن ننقلها أليك بكل مشاعرنا، ومن محبتنا للأشياء التى قد كُشفت لنا.
ترجمة انطون فهمي جورج:
"كلماتي ليست صعبة ولا ما كتبته لك غير معقول بل كتلميذ للرسل، صرت معلمًا للأمم، وما تسلمته من السابقين انقله بدقة وأمانة، لمن تتلمذوا للحق. لان من تعلم جيدًا، وأحب اللوغوس، كيف لا يسرع إلى تعلم كل ما أعلنه اللوغوس إلى تلاميذه الذين عرفهم ونالوا منه أسرار الأب. لان الآن أرسله لكي يعلن ذاته للعالم، ولما رفضته خاصته حمل الرسل بشارته للأمم فآمنوا به. في البدء كان، ولكنه اعلم عن نفسه من جديد، وهو القديم ولكن ميلاده دائم في قلوب قديسيه. انه الأبدي، ولكننا نحتفل به كمولود، وبه اغتنت الكنيسة واستعلنت النعمة وتكاثرت في قديسيه، هو الذي يمنح الفهم والإدراك، ويعلن عن الأسرار، وعن الأزمنة، ويفرح يمن يؤمن به، ويعطى لمن يطلبه أي أذى يحفظ عربون الإيمان، والذي لا يتعدى تعاليم الآباء. بهذا صار الخوف من الناموس أنشودة وطهرت نعمة الأنبياء والإيمان بالإنجيل صار ثابتًا وتم تسليم الرسل ونعمة الكنيسة لا يفوقها شيء. وأنت إذا لم ترفض هذه النعمة سوف تطلع على الأسرار التي يعلنها اللوغوس بواسطة من يشاء. لأنه بإرادته يحرك كل الأشياء ويأمرنا أن نتكلم بكل اجتهاد، وبالمحبة نصبح مشتركين معك في كل ما يعلنه لنا".
التعليق:
لم تكن مفاهيم (اللاهوت) و(الناسوت) واضحة في زمن كتابة الرسالة، ولذلك لا نجد لها أثراً فيها، في حين نجد الكاتب يتحدث عن الأزلي رغم انه مولود ايضاً! وهما صفتان متضادتان!
وواضح ان عقيدة كاتب الرسالة لم تكن تعرف الأقانيم الثلاثة ولا المساواة في الجوهر بين الأب والإبن، فهو يقول ان المسيح هو اللوغوس وهو الذي اعلن اسرار الأب، فالأسرار هي اسرار الأب، والإبن فقط يعلنها! ولم يعرف كاتب الرسالة الأقنوم الثالث أي الروح القدس بحسب عقيدة مسيحية أتباع بولس، ولم يرد ذكر الروح القدس ولا مرّة في هذه الرسالة.
فهذه الرسالة تشكل نموذجاً بدائياً للعقيدة المسيحية قبل تشكلها بصورتها النهائية بعد ذلك بقرون من خلال المجامع المسيحية.
الفصل الثانى عشر: اهمية المعرفة للحياة الروحية الحقيقية:
ترجمة السيدة بولين تُدري أسعد:
"عندما تقرأ وتسمع بعناية هذه الامور، سوف تعرف ما الذى اغدق الله به على الذين يحبونه بحق، اذ جعلهم فردوساً للفرح (مثلكم)، اذ انه انشأ فى داخلكم شجرة تثمر كل انواع الثمر الجيد وميزنة بالفواكه المتنوعة، وفى هذا الفردوس وضع شجرة المعرفة وشجرة الحياة، ولكن ليست شجرة المعرفة التى تهلك، فالعصيان هو الذى يؤدى الى الهلاك. والكلمات المكتوبة ليست عديمة الاهمية، كيف ان الله منذ البداية وضع شجرة الحياة فى وسط الفردوس، كاشفا لنا من خلال المعرفة، الطريق الى الحياة. وحينما لم يستخدم ابوانا الاولان (اّدم وحواء) هذه المعرفة بطريقة سليمة، فانهما بغواية الحية تعريا. لأن الحياة لا يمكن ان توجد بدون معرفة، وكذلك المعرفة لا تكون فى اّمان بدون الحياة. ولذلك غُرس الاثنان (الشجرتان) بجوار بعضهما. وقد ادرك الرسول قوة هذا الارتباط بين المعرفة والحياة، ووجه اللوم على المعرفة التى بدون تعليم صحيح وكيف انها تؤثر على الحياة وذلك بقوله: "العلم ينفخ لكن المحبة تتأنى "(1 كو 8: 1). لهذا فالذى يظن انه يعرف اى شىء بدون معرفة حقيقية اى بدون ان تشهد حياته لكلامه، فهو لا يعرف شيئا، بل هو مخدوع من الحية وليس محباً للحياة. ولكن الذى يجمع بين المعرفة والمخافة ويبحث عن الحياة فهو يزرع على الرجاء منتظرا الثمر. اجعل قلبك يحكمك، واجعل حياتك تكون معرفة حقيقية تمتلىء بها فى داخلك. فاذ تحمل هذه الشجرة وتظهر ثمرها بها فى داخلك فأنك سوف تحصل على الاشياء التى يحبها الله، والتى لا تستطيع ان تصل اليها، ولا الخداع ان يقترب منها، وعندئذ فأن حواء لن تفسد، بل ستكون موضع ثقة كعذراء، وعندئذ يظهر الخلاص، ويمتلىء الرسل بالمعرفة، وفصح الرب سيتقدم، وخوارس الخدام والشعب تجتمع معاً، بترتيب لائق، والكلمة يفرح بتعليم القديسين، الذى به يتمجد الاّب له المجد الى الابد، اّمين".
ترجمة انطون فهمي جورج:
"وإذا قبلت وسمعت بكل اشتياق للحقائق، سوف تعرف ما يهبه الله لمحبيه، لأنهم يصبحون فردوس النعيم وفيهم تنبت شجرة مثمرة بكل أنواع الثمار. وفي هذا الفردوس غرست شجرة المعرفة وشجرة الحياة وسط الجنة، ولكن شجرة المعرفة ليست هي التي تميت بل المعصية. وما كتب ظاهر معناه، وهو أن الله غرس في البدء شجرة المعرفة والحياة وسط الجنة ليرينا أن الحياة هي بالمعرفة، ولكن في البدء لم يطلب الإنسان الأول المعرفة النقية (من الله) فتعرى من المعرفة بواسطة غواية الحية.
لا حياة بدون معرفة، وما من معرفة حقيقية بدون حياة حقة، لذلك الشجرتان غرستا معًا في مكان واحد (وسط الجنة). وقد أدرك الرسول قوة التصاق الحياة والمعرفة، فشجب المعرفة المتحررة من الحق ومن الطاعة لوصايا الحياة التي يمنحها الحق، ولذلك قال (العلم ينفخ، والمحبة تبنى) (1كو 1:8). وكل من يعتقد انه يعرف شيئًا بمعزل عن المعرفة الحقة التي تشهد لها الحياة، فذاك لا يعرف شيئًا، والحية تغويه، لأنه لم يحب الحياة، أما من كانت المعرفة عنده مرتبطة بالخشية، مستمرة في طلب الحياة، فذالك يغرس في الرجاء، ويطلب طلوع الثمر. ليكن قلبك وعاء المعرفة، ولتصبح الكلمة فيك شهادة حياة، واذا ما نمت الشجرة فيك، ورغبت أن تأكل من ثمارها فإنك بذلك تنال ما ترجوه من الله وهو ما لا تقوى الحية حتى على لمسه، ولا أن يناله الفساد. وها كل شيء قد تغير، وحتى حواء لم تبق بعد ضحية الإغواء والفساد، بل هي عذراء تؤمن. الخلاص قد ظهر، والرسل يفهمون، وفصح الرب يقترب والأزمنة اكتملت، وصارت منسجمة تمامًا مع ترتيب الكون، واللوغوس يفرح عندما يعلم به القديسون، وبه يتمجد الآب الذي له المجد إلى أبد الدهور. آمين)".
التعليق:
يتحدث في الفصل الاخير عن المعرفة الحقة ويميزها عن المعرفة الباطلة.
المعرفة الحقة هي التي تشهد لها الحياة الحقة، وبهما تتم نجاة الانسان، هكذا يقول. باعتبار ان شجرة المعرفة الحقة غرست في داخل الجنة الحقة. فإذا قبل الانسان الحق يصبح هو الجنة التي تغرس فيها شجرة المعرفة، ويتنعم لذلك بأنواع النِعَم. وهو تعبير لطيف، ولكن تنقصه الواقعية. فالمسيحية لا يمكن ان تكون تلك الشجرة التي تغرس في الانسان لتحوله الى جنّة.
ولكن ما الذي قدمه كانب الرسالة من ادلة الى الشخص الوثني المقصود بكتابة الرسالة لكي يستدل بها على صحة المسيحية؟! لم نجده يقدم شيئاً سوى كلام إنشائي، وعمدة ادلته انه ينقل قصة المسيح عن الرسل – كما في الفصل 11 آنفاً - والذين هم بدورهم عاصروا المسيح! فهو من الجيل الثاني المسيحي، ومع ذلك لم يصرّح برؤيته لبولس، بل تحدث عن الرسل بنحو عام!
*****
وقال في الرسالة: (ولكن ليست شجرة المعرفة التى تهلك، فالعصيان هو الذى يؤدى الى الهلاك)، وهذا بخلاف كلام بولس في رسائله حيث كتب قائلا ان الشريعة هي السبيل الى الخطيئة لأنه إذا لا شريعة فلا خطيئة!! ففي رسالة بولس الى اهل رومية (15:4) نقرأ في ترجمة سميث-فاندايك: (لأن الناموس ينشئ غضبا، إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تَعَدٍّ)! وفي ترجمة دار المشرق (بولس باسيم): (لأن الشريعة تجلب الغضب، وحيث لا تكون شريعة لا تكون معصية)!
فهل كان كاتب الرسالة مطلعاً على رسالة بولس الى اهل رومية؟! الظاهر انه لم يكن مطّلعاً عليها!
فهل كان الايمان المسيحي الذي يتم عرضه في تلك الفترة كاملاً ام انه يتم وفق ما هو موجود فقط من رسائل واسفار وتعاليم، ولذلك نجد – على سبيل المثال – ان كاتب الرسالة قد هاجم في الفصول السابقة عقيدة اليهود وجانب من شريعتهم وكأنها ليست شريعة موحى بها من قبل الإله الذي يفترض انه هو نفسه (المسيح)! بحسب عقيدتهم.
إنَّ كاتب الرسالة يمثل إتجاهاً في المسيحية آنذاك لم يكن يعتبر المسيحية مولودةً من رحم التراث اليهودي ويظن انه لا تربطها معه اية رابطة!
وبذلك يتضح خطأ ما كتبه الأنبا موسى قائلاً عن هذه الرسالة: (إنَّ الرسالة مملوءة من روح بولس)[15]! فهنا يتبين لنا الخلاف بين تعاليم بولس وبين ما ورد من تعاليم في هذه الرسالة فيما يخص ثمرة الأعمال. ومن الجدير بالذكر أنَّه لم يرد ذكر "الروح القدس" ولا مرّة في هذه الرسالة بخلاف وروده عدّة مرات في رسائل بولس، كما إنَّ أسم بولس لم يرد فيها ولا مرّة.
*****
وبخصوص ما جاء في الجمل الستة الاولى من هذا الفصل وهي: (إذا قبلـت وسمعـت الحقـائق بكـل غـيرة، فسـوف تعـرف مـا يهبـه االله لمحبيـه لأنهم يصـبحون فـردوس النعـيم وفـيهم تنبـت شـجرة مثمـرة بكـل ثمـار متنوعـة، وفي هـذا الفـردوس غرِسَـت شـجرة المعرفـة وشـجرة الحيـاة، ولكـن شـجرة المعرفـة ليسـت هـي الـتي تميتُ بل المعصية. ما كُتِبَ ظاهرُ معناه أن الله غرس في البدء شجرة المعرفة والحياة وسط الجنة ليرينـا أن الحيـاة هي بالمعرفة، ولكن في البدء الـذي لم يستحسـن المعرفـة بطهـارة ٍ تعرّى من جماله. لا حياة بدون معرفة، وما من معرفة حقيقية بدون حياة حق. لذا فالشـجرتان غرسـتا معـا الواحدة إزاء الأخـرى، وقـد أدرك الرسـول قـوة التصـاق الحيـاة والمعرفـة، فشـجب العلـم المتحـرر مـن الحـق لطاعـة وصـايا الحيـاة الـتي يمنحهـا الحـق فقـال: "العلـم يـنفخ والمحبـة تبـني" (١كورنثـوس ٨ :١) مَن يعتقـد أنـه يعـرف شـيئا بمعزل عن المعرفة الحق التي تشهد لها الحياة، فذاك لا يعرف شيئاً والحيــة تغويــه لأنــه لم يحــب الحيــاة. أمــا مــن كــان العلــم عنــده مرفقــا بالخشية مستمراً في طلب الحياة، فذاك يغرس بالرجاء ويطلب طلوع الثمر ١٢ :١-٦)[16]، يعلق د. جورج حبيب بباوي بقوله: (الحياة تســبق المعرفــة، ومــاذا كانــت خطيــة آدم ســوى أنــه طلــب المعرفــة دون أن يمارس الحياة بكل ما فيها من متطلبات. وهل يتعلم الإنسان بشـكل أفضـل مـن الممارسـة؟ هـذه هـي مأسـاة الإنسـان، هـو يحــاول أن يـتعلم قبـل أن يمـارس، فـلا يـتعلم إلا أفكاراً لا تصلح للتطبيق، أو أفكاراً مخلوطـة بالأنانيـة والغـش والأطمـاع؛ لأن الممارسـة تكشـف عـن أطمـاع النـاس وحقيقـة نوايـاهم مهمـا طـال إخفـاء الـدوافع الحقيقيـة. ومـا حقيقـة العقيــدة إلا أنها إختبار وتذوُّق يســبق التــدوين والكــلام والشــرح، فــإذا تعــذَّر الأختبار تحولت الصيغ إلى طلاسم عسرة ومبهمة)[17]! وقال ايضاً قبل ذلك: (يمتاز اللاهوت المسيحي بأنه اختبار لحقيقة يتذوقها الانسان، وليست نظريات مطروحة للبحث والتأمل العقلي. ولذلك يقول الرب يسوع: "الكلام الذي اكلمكم به هو روح وحياة"، فهو لم يأتِ بفكرة عن الله، أو نظرية عن نظام المجتمع وتوزيع الثروة، والملكية الخاصة أو العامة ... كل هذه لا مكان لها في اللاهوت المسيحي مطلقاً)[18]. ويقول أيضاً: (فليست دعوة المسيحية للإنسان بعيدة عن القدرات التي اودعها الله في الإنسان، خاصةً وأن الله ساند هذه القدرات ودعَّمها بنعمته ... إن الدعوة المسيحية ليست خيالية أو سراب، ولا هي إقليم في جمهورية أفلاطون، ولكنها منهج حياة. ومادة هذا المنهج تتناول واقع الإنسان وخبرته ومصيره ومستقبله الأبدي)[19].
وهذا الذي ذكره د. جورج حبيب بباوي هو للنظرية أقرب منه للواقع! فإذا تفحصنا المسيحية لوجدناها أقرب الى "الحلم الجميل" و"القصص الخيالية" منها الى "الواقع" و"الحقيقة"!
فمن القصص المسيحية الخيالية:
ü فالقصة المسيحية التي تتحدث عن الإله الذي تأنسن وانقذ البشرية من خطاياها هي قصة خيالية في مقابل حقيقة وجود إله واحد لا إله إلا هو لا شريك له.
ü والقصة المسيحية عن وجود مولود للإله هو أبنه الوحيد وأن هذا الإبن الوحيد هو الذي خلق الكون، تقابلها قصة ان الإله هو الخالق وحده لا شريك له.
ü والقصة المسيحية عن إنَّ الإله ولد ابناً وانبثق منه روح هو الروح القدس، وان هذه الولادة والانبثاق ازلية! تقابلها حقيقة ان الإله لا يمكن ان يكون مركبّاً سواء من اجزاء او شخصيات.
ü والقصة المسيحية التي تقول بأن الإله ثلاثة شخصيات وحوهر واحد ويسمونها الأقانيم الثلاثة، تقابلها حقيقة ان الإله احد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
ü والقصة المسيحية عن إنَّ الإله قدم ابنه ليقتل على الصليب ليتمكن من غفران خطايا البشر تقابلها حقيقة ان الإله على كل شيء قدير ولا يحتاج لمبرر لإصدار مغفرته ، فهو الرحمن الرحيم القدير.
امّا لماذا تلك قصص والأخرى حقائق، فلأنها قصص غير متلائمة مع المنطق و العقل ولا دليل على صحتها، بخلاف الجانب الآخر المنسجم مع المنطق والعقل، ولديه دليل إعجازي دائم هو كتاب أنزله الله سبحانه للبشر ليكون حجة عليهم الى يوم القيامة، وهو القرآن الكريم. فهي مجرّد قصص لا ترقى الى درجة العقيدة الحقيقية للأسباب التالية:
§ فالقصة المسيحية التي تتحدث عن الإله الذي تأنسن وانقذ البشرية من خطاياها هي قصة خيالية لأن الإله إذا تانسن معناه انه يتلبّس بجسد مادي خلقه، فيصبح محتاجاً لذلك الجسد لكي يتجسّد، كما يكون محتاجاً لجهة يكون فيها الجسد، ويكون محتاجاً للحد الذي هو حدود الجسد! والمحتاج لا يكون قديماً او أزليّاً. فالله سبحانه هو الغني الجسد والحد والجهة وعن جميع عن مخلوقاته.
§ والقصة المسيحية عن وجود مولود للإله هو أبنه الوحيد وأن هذا الإبن الوحيد هو الذي خلق الكون، فلماذا يكون الإبن هو خالق الكون وليس الإله اباه الا إقتباساً من فلسفة الصادر الاول اليونانية الوثنية التي تقول ان الإله الواحد لا يصدر عنه الا واحد هو العقل الاول، وهذا الصادر الوحيد هو الذي صدرت منه العقول الاخرى وبقية الكون المادي! يقول يحيى محمد : (فهناك الإله (بتاح) الذي هو بمثابة القلب واللسان للآلهة جميعاً، ويحمل في قلبه كل موجود، وبكلمته خلقهم جميعاً. ومع الإله بتاح هناك الإله (آتوم) وهو الوسيط بين الإله الأول وسائر الخلق، فهو الإله الصانع الموظف للخلق والإبداع، وهو بمثابة الصادر الأول لدى الفلسفة اليونانية، أو ما يسمى بالعقل الأول)[20].
ويقول الشيخ جعفر سبحاني: (أثبتت البراهين الفلسفيّة أنّه سبحانه واحد، بسيط من جميع الجهات، لا كثرةَ فيه، لا خارجاً ولا عقلاً، ولا وهماً ثمّ إنّهم بعد البرهنة على تلك القاعدة، وقعوا في مأزق وهو أنّه كيف صدرت من الواحد البسيط ـ الذي لا يصدر عنه إلاّ الواحد ـ هذه الكثرات في عالم العقول، والاَفلاك، والاَجسام؟ ذهب أرسطو وتلاميذه، ومن تبعهم من المسلمين كالفارابي والشيخ الرئيس، إلى أنّ الصادر منه سبحانه واحد، وهو: العقل الاَوّل، وهو مشتمل على جهتين: جهة لعقله لمبدئه ، وجهة إضافته إلى ماهيته. فبالنظر إلى الجهة الاَولى صدر العقل الثاني، وبالنظر إلى الجهة الثانية صدر الفلك الاَوّل ونفسه، الذي هو الفلك الاَقصى. وصدر من العقل الثاني لهاتين الجهتين، العقل الثالث ، والفلك الثاني مع نفسه، الذي هو فلك الثوابت. ثمّ صدر من العقل الثالث لهاتين الجهتين ، العقل الرابع ، والفلك الثالث مع نفسه، الذي هو فلك زحل. وبهذا الترتيب ، صدر العقل الخامس والفلك الرابع ، الذي هو فلك المشتري، إلى أن وصل عدد العقول إلى عشرة، وعدد الاَفلاك مع نفوسها تسعة)[21].
هذه النظرية الفلسفية انتقلت الى الفكر المسيحي فجعلت من الإله: "أقنوم الأب" الذي صدر عنه "أقنوم الأبن" تحت عنوان (الولادة) وليس (الخلق)، وزعموا انها ولادة ازلية! ثم من الأب انبثق أقنوم الروح القدس عن طريق الأبن إنبثاقاً ازلياً كما يزعمون، ولا يعرفون الفرق بين الولادة والانبثاق! ثم ان الابن خلق الكون كلّه!
§ والقصة المسيحية عن إنَّ الإله ولد ابناً وانبثق منه روح هو الروح القدس، وان هذه الولادة والانبثاق ازلية! لأن الإله لا يمكن ان يكون مركبّاً سواء من اجزاء او شخصيات، لأن كل جزء بحاجة الى الآخر، وكل شخصية منفصلة عن الأخرى فهو إله مركب من شخصيات! والمركب لا يكون إلهاً ولا شخصيات متعددة!
§ والقصة المسيحية التي تقول بأن الإله ثلاثة شخصيات وجوهر واحد يسمونها الأقانيم الثلاثة، لأنها مأخوذة من أساطير سابقة عليها. يقول يحيى محمد: (وﻓﻲ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻧﺠﺪ ﺛﺎﻟﻮﺛﺎً ﻣﺼﺮﻳﺎً ﻳﺘﺄﻟﻒﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ آﻟﻬﺔ ﻣﺘﺤﺪﻳﻦ ﺑﻮاﺣﺪ، ﻛﺎﻟﺜﺎﻟﻮث اﻟﻤﺴﻴﺤﻲ اﻟﺬي ﻇﻬﺮ ﺑﻌﺪ ﻗﺮون ﻃﻮﻳﻠﺔ. ﻓﻔﻲ اﻟﻨﺺ أن ﻛﻞ اﻵﻟﻬﺔ ﺛﻼﺛﺔ، ﻫﻢ آﻣﻮن ورع وﺑﺘﺎح، ﻓﺈﺳﻢ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻷﺣﺪ ﻫﻮ آﻣﻮن، رأﺳﻪ رع، وﺟﺴﻤﻪ ﺑﺘﺎح، وﺛﻼﺛﺘﻬﻢ واﺣﺪ، وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻫﻮﻳﺔ ﻣﻨﻔﺮدة)[22].
§ والقصة المسيحية عن إنَّ الإله قدم ابنه ليقتل على الصليب ليتمكن من غفران خطايا البشر لا يمكن قبولها لأن الإله على كل شيء قدير ولا يحتاج لمبرر لإصدار مغفرته ، فهو الرحمن الرحيم القدير.
ملاحظات عامّة:
ونلاحظ أنَّ هذه الرسالة لم يرد فيها لقب (المسيح)! بل ورد فيها فقط كلمة (المسيحية) و(المسيحيين)! وكذلك لم يرد فيها أسم (يسوع) ولا أسم (الأب) ولا أسم (الروح القدس)! ولا أسم مريم "والدة الإله" بحسب عقيدتهم!
ولم يرد في الرسالة ان هناك يوم قيامة وان الناس بعد الموت سيبعثون من جديد ليحاسبوا على اعمالهم، بل الرسالة، والعقيدة المسيحية عموماً، تستخدم فكرة ان المسيح سيعود مرة اخرى ليدين العالم، وهذا المفهوم يعطي انطباع ان هذا العالم باقٍ على حاله وسيعود "أقنوم الأبن" إليه ليدين العصاة ويكافيء المؤمنين. بخلاف الاسلام الذي ورد فيه عن تفاصيل يوم القيامة، قوله تعالى: ((يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ))[23].
وورد في الرسالة ان ارسال "أقنوم الابن" هو اعلان للذات الإلهية المقدسة، فيكون الأبن جزءاً من ذات الله! ولكن لم تتطرق الرسالة الى نوع هذه الجزئية، ولم تتطرق الى مفهوم الأقانيم التي يبدوا أنها لم تكن قد تشكلت في اذهان المسيحيين آنذاك على النحو الذي هي عليه الان!
فوفق ذهن كاتب الرسالة يكون الأبن جزءاً من ذات الله تعالى عمّا يصفون، وبذلك يكون الإله في مفهوم المسيحيين الأوائل مركباً من جزئين! مع انهم يقولون بإنّ كِلا الجزئين قديمان! والعقل يحكم بأنَّ ما يكون مركباً لا يمكن أن يكون قديماً لإحتياج كل جزء منه في وجوده الى الآخر. وحتى بناءاً على نظرية الأقانيم يبقى الإشكال قائماً نظراً الى ان معنى الأقنوم هو ان يكون كل اقنوم شخصية مستقلة مع اشتراكه في الجوهر مع بقية الأقانيم!
والرسالة تتضمن افكاراً قريبة للآريوسية حيث يقول كاتبها: (الله غير المنظور الذي وهب الحق من السماء للبشر، باللوغوس القدوس غير المدرك، الذي يثبت الحق في القلوب ... أرسل الله خالق كل الأشياء، أي الكلمة خالق الكون، ذاك الذي به خلق السموات ووضع للبحر حدًا لا يتجاوزه، وتطيع كل عناصر الكون نواميسه العجيبة، ومنه تسلمت الشمس النظام الذي تسير عليه في النهار، يطيعه القمر الناشر نوره في ظلمة الليل، تمتثل لأوامره الكواكب التي تدور في فلك القمر، منه استمدت جميع الأجرام ترتيبها وخدودها والسموات وما فيها، الأرض وما عليها البحر وما يحويه، النار الهواء، اللجة، العالم العلوي، والعالم السفلى، وما بينهما. هذا هو الكلمة المرسل إلى العالم)!
وهي نفس فكرة الصادر الأول الفلسفية حيث يقول بعض قدماء فلاسفة اليونان ان الواحد لا يصدر عنه الإ واحد، فالإله صدر عنه صادر وحيد وهذا الصادر الوحيد هو الذي صدر عنه كل الكون! ولذلك يقولون ان المسيح هو الأبن الوحيد لله! وبهذا اضاف الكاثوليك الى قانون الإيمان ان الروح القدس انبثق من الأب والإبن معاً، فهو عندهم انبثق من الأب بواسطة الإبن! وهذا ما دفعهم الى مخالفة النص الصريح في العهد الجديد وتأويله، وهو ما ورد في إنجيل يوحنا (26:15): (روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق). وينظر اللاهوت الكاثوليكي الى الثالوث من اعتبارين الاول يسمونه (الثالوث الوجودي) والآخر يسمونه (الثالوث التدبيري)، ويقولون: (يدعى الروح القدس في الثالوث التدبيري بالأقنوم الثالث، لأنه يشغل المرتبة الثالثة، كونه خاضعاً للآب والإبن. وتشير الأسفار المقدسة الى خضوعه بعدة طرق. على سبيل المثال، لقد أُرسل أو أُعطيَ من قبل الآب والابن. وتعلّم الأسفار المقدسة هذا في فقرات مثل لوقا (13:11)[24]، يوحنا (26:14)[25]، و(26:15)[26]، وأعمال الرسل (33:2)[27]. وعندما يأتي الروح القدس، فهو يطيع الآب والابن بالقيام بالعمل الذي ارسلاه ليقوم به. ونتعلم هذا في أماكن مثل يوحنا (13:16)[28]، رومية (11:8)[29]، ورسالة بطرس الأولى (2:1)[30]). ثم يقولون: (رغم أننا نقول أن الروح القدس يحتل المرتبة الأدنى من معيار الثالوث التدبيري، مهم أن نشدد على أنّه ما يزال إلهاً بالكامل، وله سلطة سيادية مطلقة على كل جانب الخليقة. علاوة على ذلك يوجد نوع من الاحترام المتبادل ضمن الثالوث، بما أن ما يفعله أقنوم يفعله الجميع. وهكذا لا يعني خضوع الروح القدس للآب والإبن، أنه بطبيعته أدنى منزلة منهما الى حد ما- كلا، ليس هو كذلك. إنّه مساوٍ لهما في الإلوهية بالكامل)[31]، ولذلك فمعنى الثالوث الوجودي أن "أقنوم الروح القدس" مساوٍ لأقنومي الأب والإبن في الوجود، بينما يختلف معهما في التدبير!!
وقد رفض الآرثوذكس هذه الإضافة لقانون الإيمان وتمسكوا بالنص أن الروح القدس منبثق من الأب وحده، وهو ما أدى الى حدوث الإنشقاق العظيم في الكنيسة الواحدة وانشطارها الى الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الارثوذكسية الشرقية سنة 1054م. ومن الجدير بالقول ان الآرثوذكس يتمسكون بالنص لئلا يقال ان الروح القدس أقل مرتبة من مرتبة الأب والإبن في حالة ولادته من الأب والإبن معاً!
غير ان تمسك الآرثوذكس بالنص وان "الروح القدس" منبثق عن الأب وحده لا يخرجهم من الورطة الواقعين فيها، فبناءاً على ذلك يتوجب عليهم أن يفسروا لماذا للأب إبن وحيد، ولم يلد أبناً آخر! وما هو الفرق بين الولادة والإنبثاق في ولادة الأبن وإنبثاق الروح القدس! وهل إنَّ إنبثاق الروح القدس سابق لولادة الأبن أم لاحق له! كما أن عليهم أن يخرجوا انفسهم من مأزق النصوص التي ذكرناها آنفاً والتي تجعل الروح القدس خاضعاً للأب والإبن!
وأيضاً في موردٍ آخر نجدهم تارةً يقولون أنَّ الإبن (كان من البدء)، وتارةً أخرى يقولون عنه انَّه (موجود من القدم) و(بلا بداية ولا نهاية)! وهما أمران متناقضتان، فكل ما له بدء كيف يكون بلا بداية!! وواضح أنهم يقصدون الأبن من حيث اللاهوت، فما هو حاله من حيث الناسوت! فناسوت الإبن له بداية حينما حملت مريم العذراء به، ولكن ناسوت الأبن هل اصبح أزلياً بأزلية لاهوته، أم انه سيتخلى عنه لإنتفاء الحاجة إليه!؟
الهوامش:
[1] تجدونها عبر الرابط: https://bit.ly/3ebBZE6
[2] مقال بعنوان (Letter to Diognetus)، مستل من كتاب (Ante-Nicene Fathers)، بقلم بول بافاو (Paul Pavao)، منشور عبر الرابط: http://bit.ly/3kJ9xdU
انظر ايضاً الرابط: http://bit.ly/3qhsHsr
[3] تجدونها عبر الرابط: https://bit.ly/2O32osT
[4] انجيل مرقس (1: 5).
[5] تعليم كنيسة الاسكندرية فيما يختص بطبيعة السيد المسيح / وهيب عطا الله جرجس/ يونيو1961– ص17 و18.
[6] فعندهم الأب أزلي الوجود، والأبن ازلي ولكن مولود! والروح القدس أزلي ولكن منبثق من الأب؟! والكاثوليك والبروتستانت يقولون منبثق من الأب والأبن كليهما بخلاف نصوص العهد الجديد!! فكيف يتم الجمع بين الأزلية وبين الولادة والانبثاق، وأن ثلاثتهم متساوون في القيمة اللإلهية ولكل منهم خصائصه المتميزة التي تجعله منفرداً عن الأقنوم الآخر!! هذا الامر بخلاف العقل ولا يمكن التعبد بكل ما هو خلاف العقل وبكل ما يحكم العقل ببطلانه.
[7] مقال بعنوان (س2 : لماذا يؤمن الكاثوليّك بالله ثالوثًا، وكيف ؟)، في موقع البابا فرانسيس، عبر الرابط:
http://bit.ly/38dWJqW
[8] مقال بعنوان (80- ما هو الفرق بين الولادة والانبثاق؟ ) مستلّ من كتاب أسئلة حول حتمية التثليث والتوحيد - أ. حلمي القمص يعقوب، منشور في موقع الانبا تكلا هيمانوت، تراث الكنيسة القبطية الآرثوذكسية، عبر الرابط: https://bit.ly/2NUIfW5
[9] تعليم كنيسة الاسكندرية فيما يختص بطبيعة السيد المسيح / وهيب عطا الله جرجس/ يونيو1961م– ص17 و18.
[10] موقع الموسوعة الحرّة، الويكيبيديا، تحت عنوان (لاثالوثية)، عبر الرابط: http://bit.ly/2MLVW8X
[11] تاريخ الفلسفة اليونانية / عدنان ملحم - ص62.
[12] بل الحقيقة كما يقول المسلمون أنه سبحانه هو خالق المكان، وكان إذ لا مكان.
[13] تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط / يوسف كرم، عبر الرابط: http://bit.ly/3rmjhgz
[14] مقال بعنوان (اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﻤﺼﺎدر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ)، بقلم يحيى محمد، في موقع فهم الدين، عبر الرابط: https://bit.ly/3rhjMsc
[15] مدرسة الاسكندرية مع سيرة وكتابات أثيتاغوراس وبنتينوس / الأنبا موسى أسقف الشباب – ص144.
[16] هذا النص هو ترجمة عربية ثالثة خاصة بالمصدر التالي ادناه، ويحمل معنى مماثل للترجمتين اللتين ذكرناهما.
[17] المدخل الى اللاهوت الآرثوذكسي / د. جورج حبيب بباوي / اكتوبر 2012م - ص90.
[18] المصدر السابق – ص83.
[19] المصدر السابق – ص84.
[20] مقال بعنوان (اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﻤﺼﺎدر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ)، بقلم يحيى محمد، في موقع فهم الدين، عبر الرابط: https://bit.ly/3rhjMsc
[21] كتاب بحوث في الملل والنحل / الشيخ جعفر سبحاني / مؤسسة الامام الصادق (ع) في قم المشرّفة - ج8 ص262 و263.
[22] مقال بعنوان (اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﻤﺼﺎدر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ)، بقلم يحيى محمد ، في موقع فهم الدين، عبر الرابط: https://bit.ly/3rhjMsc
[23] الآية (48) من سورة ابراهيم (عليه السلام).
[24] إنجيل لوقا (13:11): (فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء، يعطي الروح القدس للذين يسألونه)!
[25] انجيل يوحنا (26:14): (وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم)!
[26] انجيل يوحنا (26:15): (ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي)!
[27] اعمال الرسل (33:2): (وإذ ارتفع بيمين الله، وأخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه)!
[28] انجيل يوحنا (13:16): (وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية)!
[29] رسالة بولس الى اهل رومية (11:8): (وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم)!
[30] رسالة بطرس الاولى (2:1): (بمقتضى علم الله الآب السابق، في تقديس الروح للطاعة، ورش دم يسوع المسيح: لتكثر لكم النعمة والسلام)!
[31] المنهاج اللاهوتي التعليمي / الدرس الرابع: الروح القدس / صادر عن خدمة الألفية الثالثة - ص19. منشورة عبر الرابط: http://bit.ly/3bfevf5
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat