وقفت على محيط معرفتك.. فعقلت قارب قلبي بشراع ولائي؛ لأبحر في معنى جواهرك العالية المضامين ..
إنها الزهراء جهلوها وهي بين ظهرانيهم، فأنَّا لمعرفتها وقد غاب شخصها وعفي قبرها..
كيف للمحاط أن يدرك المحيط، وكيف للذرة أن تستوعب المجرة..ولكننا نقحم أنفسنا بين طيات عباراتك، علنا نفقه ونترجم آهاتك التي بثثتها وانفجرت كالبراكين التي أخرجت كنوزها ..
لكي نعرف المعادن النفيسة التي نطقت بها شفاه النبوة ..
فاسمحي لنا مولاتي أن نقترب من عطرك الفواح، لنستنشق بعض شذاه، وامنحينا هذا الشرف لمعرفة مكنونات حروفك المضيئة..
في خطبتك ذات الحجة الواضحة والبراهين القاطعة، التي دلت على عذوبة المنطق ومتانة الدليل.
وإليكم قبسًا من نور خطبتها المباركة في فلسفة الأحكام .
قالت " فجعل الله الإيمان تطهيرًا لكم من الشرك"(1)
هل يستحب تطهير الباطن عن النوايا الخبيثة ؟؟
الجواب : نعم يستحب ذلك، كما يستحب تطهيره من الملكات الرذيلة ويجب تطهيره عن العقائد المنحرفة، فالقلب يتنجس كما يتنجس البدن ..ونجاسة الباطن .
فلو تنجس البدن بالقاذورات الظاهرية، كان تطهيره بالماء وشبهه، كما أن بعض القاذورات يكون تطهيرها وتنظيفها من الميكروبات بالمعقمات المادية.
أما القلب والباطن فتطهيره يتم بشكل آخر فلو أغتسل من يحمل قلبه الحقد أو الحسد، بكل مياه الدنيا لم يطهر.
فلا بد من استخدام مطهر خاص، ومن نمط معين، لكل واحد من نجاسات الباطن، ولذا كان مرض القلب أعضل، وعلاجه أعسر، ودواؤه أعز، وأطباؤه اقل.
قال أمير المؤمنين: (أشد من مرض البدن مرض القلب) (2)
لذلك كان قول الله سبحانه وتعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ/ (الحج:الآية30)
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ/ (التوبة: آية 28) والظاهر إن المراد بالإيمان : هو الإيمان بأصول الدين كلها التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد إذ كل من لم يؤمن بأحد هذه الأصول يكون نجسًا نفسًا أو جسمًا أيضًا .
فمن لم يؤمن بالله يكن كافرًا، وكذا من لم يعتقد بالنبوة والمعاد، أما من لا يعتقد بالولاية، فلا يقبل الإيمان منه، إذ قال رسول الله:( علي أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وإمام المسلمين، لا يقبل الله الإيمان إلا بطاعته وولايته)(3)
وقالت: (والصلاة تنزيها عن الكبر )
فما معنى كلمة الصلاة ؟؟
الجواب: للصلاة معنى اصطلاحي ومعنى عام.
فالأول: هي الصلاة المفروضة ذات الأركان الخمسة، والثاني: دعاء وطلب نزول الرحمة الإلهية؛ فإن الصلاة عطف وميل وتوجه لله ، فما المقصود من تشريع الصلاة؟
يكون الجواب: أن المقصود من تشريع الصلاة، هو القضاء على رذيلة الكبر؛ لأن الصلاة خضوع وخشوع لله.
ركوع وسجود وتذلل.. وترى أن أكثر المصابين بداء الكبر هم تاركون للصلاة؛ فينبغي تنزيه النفس من الرذائل، وبعض مراتبها التي لا تخفى .
قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)( الشمس: آية 7-10)
أما الكبر فقد قال رسول: (إياكم والكبر، فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم)(4) والكبر هي صفة من صفات الجمال لله قال تعالى : هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ /(الحشر: آية23).
............................................
(1) بحار الأنوار،ج29:ص223.
(2)غرر الحكم ودرر الكلم، ج67: ص61.
(3)بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، ج20:ص1.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat