أحسست فجأة إن العذاب توفيق رباني، فها أنا أسير دون أن ادري خلف ركاب زينب عليها السلام..
أناخوا لي البعير.. أرى حزنا مكتظا بالتواريخ، يعانق السنوات دون تعاقب.. سنوات زاخرة بالألم وبرياح قاسية تهب ساعتها.. قلتُ: يبدو أني سأواري آخر الأطياف بيتي.. مدينتي.. صباي.. شبابي.. ذكرياتي التي تتشظى الآن، كما يتشظى الزجاج بحجر أعمى.. على قرب خطوات من أقدام الجمل، سكن شق حفرته رعونة الأسلحة، وقفت مذعورة: يا إلهي كأنه قبر يقف أمامي وجها لوجه.. وبين الخوف والخوف أشاروا إلي أن اصعدي.. وحين استنجد بهم عطشي، وعطش أطفالي، نظروا إلى باطن الأرض، عساها تنجدنا ببعض ماء.. ماما هذا ما يسمونه الموت البطيء.. قلتُ: لكن هذا الموت لم يعد للبشر وحدهم بل انظر يا بني للزرع الذي مات وللمواشي والطيور الطليقة في السماء، إنها تلوب يا كبدي من العطش.. حين اخبروني بجفاف النهر ضحكتُ وقلتُ: ربما هو الآخر بعثوا له بطاقة تهجير مثلنا فخاف على مائه.. رحل ليترك خلفه ضفافا يابسة، وكتلا طينية، أصبحت كأنها قطع من الكونكريت الصلب، فتوحشت الطحالب والقصب والحشائش لتنقلب إلى سكاكين توخز من يمر بها.. الموت يتشظى فلا مرتكز لنا في الحياة، سوى تلك الأسماك المقتولة التي تمددت ميتة بلا روح.. لا بأس عليكم يا أهلي لنبتدئ بها الحياة.. غذاؤنا سمك، وعشاؤنا سمك.. ولا بأس عليكم يا أهلي ليكن الفطور أيضا سمكا.. الله ما أشهاه سمك مقتول مطعون بالعطش.. وقلت: لا بأس عليكم يا أهلي فالمرض الذي اخذ الكثير منكم من مغص وآلام معدية وقيء وسوء هضم وتسمم ومرض.. مرض يتوزع الأشياء فانتم اكبر من كل داء يا أهلي.. قال احدهم: ضجت الخيام بالعطش يا أم.. يا ناس يا عالم لقد جف نهر خريسان ولا ماء بعد الآن.. انتشروا في الأرض علها تجود لكم بماء.. احفروا بأصابعكم في أخاديدها. وإذا رد الساقي حزينا: يا أم المياه مالحة ومجة ومرة هنا.
وبعد معاناة سار الركب حزينا ويطلق الجمل صرخة هادرة وكأني اسمعه يصيح: يا وطن
قلتُ: الو بعقوبة.. هل أتم قادة ومسؤولو ديالى دفن خريسان حفاظا على صحة الأهالي أم هو الآن ملجأ للسكراب وعتيق الحروب.. أم يا ترى صار مقبرة لشيعة ديالى.. الو.. بعقوبة.. الو.. (طوط.. طوط..) المعذرة بعقوبة خارج التغطية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat