صفحة الكاتب : ناديه الحيدري

معكم
ناديه الحيدري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  كالحمامة تقدمت نحوي بخطوات خفيفة ملؤها الخجل والترقب والخوف, دست وحشرت نفسها بي, وهمست بأذني: 
خالة أريد أن اكون معكم في خدمة الزوار بهذا العاشور.. قلت: هذا رائع. ولكن يجب أن تأخذي موافقة امك، واعلمي أن في طريقنا المخاطر الكثيرة. 
قالت: والدتي هي التي ارسلتني اليك, ونحن لا نخاف التفجيرات ولا الإرهاب. 
فقلت لسارة: اهلا بكم, ان الحسين (عليه السلام) لكل العالم. 
وسط خيمة النساء تتنقل الحمامة البيضاء (سارة), وقد ارتدت الحجاب الأسود الكامل, ترش الأرض وتكنسها, ترتب الفرش والوسادات, صارت النساء ترد على الخيمة لغرض الاستراحة او الأكل, وأنا وسارة نستقبلهم, ايام مرت ونحن نشاهد الصور تلو الصور, اهلا بك زايرة حياك الله, امر خدمة؟ تغديتي..! (اجيبلج جاي؟)
قلت هذا وأنا بدأت بتضميد قدميها من جروح المسير. 
قالت: لا يا اختي.. بس اريد اصلي واكمل المشي. 
قلت: ان انفجارا قد حدث قبل قليل, استريحي الان حتى تهدأ الأوضاع. 
قالت:ـ (انا امك يا محمد, مو بالحيف استراح والوادم تمشي, شنهو انفجار شنهي داعش). 
انتفضت كاللبوة, جددت الوضوء لتصلي, وتحزمت بحزام اخضر ورفعت الراية ومضت كالطود, وهي تردد:ـ (جيتك يا حسين, جيتك يابو فاضل). 
الخيمة امتلأت بالنساء بين من تصلي، ومن تأكل، ومن تأخذ قسطا من الراحة لتعاود المسير, ومن مختلف اعمار النساء, ارى سارة تتبسم مرة واخرى عيناها تلمع من الدمع, هل تعبت يا سارة؟ 
ابدا يا خالتي. انا فرحة وحزينة بذات الوقت.. 
- طيب اسمعي: 
حدث ويومك بالبرية شامخ * أفأنت عيد الهدى ام انت مأتم 
عجبا ولم أر مثل يومـك في * الورى دمعا يسيل على فم يتبسم 
هذا مصداق لحالك, فأجهشت بالبكاء اكثر وقطع ذلك سقوط امرأة بباب الخيمة, يبدو انها عثرت بشيء.. اسرعت وسارة لرفعها من الأرض, لكن المرأة ترفض ذلك, اتركوني اشم تراب ارض الحسين.. يا حسين يا حسين يا ابا عبد الله.. 
شكرا لك سيدي ولم تقصر معي.. 
رفعنا الزائرة من الأرض, وصرت اغسل وجهها من التراب وأسرعت سارة الى قدميها لتنظفها وتعالجها كما تعلمت, واجهشت الزائرة في البكاء ثانية, قلت: 
من اين انت يا زائرة؟ هل من .... ؟
نعم انا من الكويت.. سارة تتقافز كالحمامة البيضاء لتضع امامها الطعام والماء في صينية, وترجع تحاكي تراب قدميها. تنفست الزائرة الكويتية نفسا عميقا, يحمل الما وحزنا وحنينا وشيئا من الفرحة, قائلة: 
اسمعوا حكايتي: ذهبت لشركة الطيران لغرض الحجز لأحضر الأربعينية، وقال الموظف: نأسف الطائرة مكتملة العدد, ولا يوجد حجز لغاية عشرة ايام قادمة لكثرة من يريد السفر للعراق, فحزنت وقلت: 
استطيع ان ادفع المبلغ اضعافا, فضحك الموظف: اختي لا يمكن ذلك, نحن في مطار دولي وليس سوقا للخضرة. 
فخرجت من المكان وأنا ابكي واندب الزهراء وام البنين لعدم حضوري عزاء ولدهما الشهيد. 
وصلت البيت وقلبي يتفطر من الحزن, رميت حقيبتي جانبا ونزعت ساعتي من يدي, وما كدت ان انزع خاتمي الذهبي من اصبعي حتى رنّ جهاز الموبايل: اختي ان احد المسافرين تعذر عن السفر لطارئ, جهزي نفسك غدا عند الساعة ...... فصحت: السلام عليكم يا اهل بيت النبوة .
هذا الخاتم الذهبي سأهديه لامرأة في طريقي الى كربلاء, شرط ان تحدثني نفسي اليها, فخلعت خاتمها, وسحبت سارة لتلبسها اياه وتقبلها, استمري في خدمتك للحسين ابنتي فهذا شرف كبير.
جن الليل, حيث امتلأت الخيمة بالنساء, واستسلمت وخلدت الأجساد المتعبة من السير الى النوم, سارة هل انت متعبة؟ وبماذا تفكرين؟ 
قالت سارة: نعم متعبة، ولكنني سعيدة بهذا التعب, وافكر في نفسي وأسالك: لماذا قتلوا الحسين وأمه بنت النبي (ص)؟ 
قلت: سنتكلم عن ذلك في الغد, ولندع النساء يهنأن بنومهن. 
خالة انا اشعر بسعادة بهذا الخاتم الذي أهدتنيه الزائرة. 
قلت: اخلدي الى النوم.. فغدا عندنا عمل كثير. 
فردت: انا اشعر بروحي تطير مع الملائكة، واشعر انني ....
الشارع يكتظ بالزوار, دوي الصوت يدخل للخيمة ما بين هاتف ومردد (يا حسين), وما بين نادب وباك, خيمتنا كذلك شديدة الإزدحام... انا اعالج قدمي امرأة كبيرة شيخة ذات مهابة, تلبس على رأسها ما اشبه بالعمامة التي تلبسها كبيرات السن من الجنوبيات وعلى وجهها ويديها اثار للوشم, وتلبس بإصبعها خاتما كبيرا بفص ازرق كبير, ويبدو انها مشت كثيرا لما اراه من جروح وتجمع الماء بين اصابع قدميها, وعلمت انها قدمت من محافظة العمارة مشيا, وعجبت لشجاعتها وصبرها وتحملها على الطريق الطويل. 
قالت: (إي بعد خالتج هنا هنا الوجع, شنهي خالة انتي تختورة)؟ 
فسمعنا من نهاية الخيمة صلوات عالية وصوت شابة فرحة تضع وشاحا اصفر على كتفها وعلى ما يبدو انها من جنوب لبنان, كانت تدور بين النساء وتوزع "جكليت" عليهن ولمحتها تتنقل بصعوبة بينهن.
تقدمت نحونا قائلة: تفضلي يا حاجة, فردت الشيخة الزائرة: (بعد خالتج شني هاي جكليت !! خالة احنة بعزة ولطم موش بعرس..!)
فردت الزائرة اللبنانية: يا حاجة يا امي العزيزة, وهي تقبل رأسها, هذا يعني ان الحسين منتصر يا حاجة.. 
لقد انتصر الحسين, فهزت الشيخة يدها وهي تقوم للمسير.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ناديه الحيدري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/28



كتابة تعليق لموضوع : معكم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net