تستطيع القصيدة الفاعلة من رسم عوالم بوح يسري عبر موجهات سردية حيث يتم تكامل محوري (اخبار ثم شكوى)... ويعني انفتاح على عمق الحدث التاريخي كمحاولة جادة لكسر الحواجز النفسية بين التدوين والتلقي بواسطة مد شعوري:
(يمك هالعشگ يحسين ودّاني...
واريد احچي شعوري بوصف انساني)
فمفردة (ودّاني) دلّت على القرب غير المستكين والعشق هو المرسل، والشاعر الرسالة، والمسافة شعورية تابعة الى الفطرة، ليتوسّد المعنى جوهرة الانصهار الروحي.. والتحرك وفق دلالة العشق الحسيني لايعني المكوث عند المسألة التفسيرية، وانما البحث في فنية القصد الشعري عند الشاعر (محمد جاسم الثابت العزاوي) مواليد 1959م بدأ بكتابة القصيدة الحسينية منذ 1975م ونجد ان قضية اعتقاله عام 1978م في مديرية أمن المسيب، لارتباطاته الحسينية، قد منح قصيدته جوهر التماثل، واقصد ان غالبية ما يكتبه الشاعر (العزاوي) ينصهر في تمثيل (أنا) المتكلم والبوح الشعوري المعبر عن اشراقات نفسية مضمرة في المعنى العام داخل الخطاب الشعري:
(وأحچيلك بعد عن الطغاة *** وشوف ظنوا بالذبح يتغير ايماني
حبك عدنه ثورة والعهد بالدم *** مو بالهينة اجت ليمنه مجاني)
فتداخلت مناخات (أنا) المتكلم ليتجسّد المعنى الإلهي في معاناة الرمز، مما جعل تلك البنى الاسلوبية عبارة عن اضاءات نصية، ستبقى رهينة هذا البوح (الأنا) مهما تنوعت اصواتها بين الغائب والمخاطب، ويبدو ان الشاعر (محمد جاسم العزاوي) يراهن بتمكنه الواضح في مناطق البوح المأهولة بالشعورية:
(چلچل عليه الليل * وين الصبر والحيل * بالطف غريبة)
فقد أسس لنفسه اسلوبا شعريا حرك طاقة التكثيف لينتج لنا اشتغالات رشيقة جسّدت الجوهر القصدي:
(عفت الجثث آنه ورحت *** وما ادري من اسّروني
ظلت على التربان *** لاغسل لادفّان)
وكذلك تجد هناك طاقة استثمار الاستفهامية لتكديس الشعوري.. (وين الصبر والحيل) والتمعن في ماهية (الأين) التي من الممكن انها استبدلت (الراح، او الضاع، او خلص...)
على سبيل المثال (راح الصبر ماظل حيل) وهكذا...
لكن السؤال بـ(أين) يصبح السؤال واعيا ينفتح على عدة تأويلات، وتلك من مساعي الترشيق لتعطي الامنية افقا من التحمل لا الجزع... ولو تأملنا في خضم هذا المقصد نفسه سنجد ان مفهوم الدلالة أعطى القصيدة زخمها الاشراقي عبر اداة البوح ضمير المتكلم (انا) لإقترانها باللازمة (آنه بمصيبة) التي تكررت في جميع المقاطع المعروضة، وقد وحّدها الكد الاستفهامي (وين الصبر والحيل) وهي تدور ضمن المحور الملازم اليه (الصبر والحيل) باتجاه أمنية التحمل والتصابر لا الجزع:
(منهم اريد الثار * گلبي غليل ونار * طفي لهيبة * آنه بمصيبة * وين الصبر والحيل)
فقد حاول السير على نهج رشيق يوحد مسارات (الأنا) عبر توحيد هوية الباث نفسه لتنصهر (انا) الشاعر في (أنوات) الرموز، وهذا الامر سيساعد على اقتصاد اللغة، لترشيق المعنى وابراز المحمول التراثي:
(اسمع عجايب قصتي * حاير ولآه ابدي منين
مادام نبض البلگلب * بالخوّه ينده يحسين)
ثم سرعان ما يتغير هذا الحراك، باتجاه منح الرمز المقدس القيمة التماثلية للفعل الشعري بواسطة متعلقات الضمائر المنفصلة والمتصلة:
(ما همّه آلام العمد * وميرده گطع الچفين)
والرشاقة عبارة عن وسيلة فنية تقدم تجسيدات نصية جميلة، تجعله في غاية الروعة؛ اولا: لبلاغة الصور الشعرية والتي اتخذت طابعا ابداعيا. وثانيا: خلقت عدة تماثلات حية تفاعلت داخل القصيدة. ثالثا: انتهجت منهج السنة الدلالة:
(صاح الفرات لروجته * ماشرب مني المظلوم
وياريتني ابجودة صرت شط واروي المحروم)
واجمل ما في سبيل الترشيق هي محاولة سحب التاريخ الى الواقع المعاش، لتنفتح المساحة السردية:
(آهات صحبه الگلب * ليوم عايش المصاب
رادوا اسمهم يمتحن * ورادونه ننسه الأحباب
لكن هيهات وما گدروا يتغير هالحال)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat