صفحة الكاتب : محمد عبد علي حسين القزاز

ترجمة معاني القرآن الكريم عند الروس
محمد عبد علي حسين القزاز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   تبارك الله تعالى خالق معجزته الكبرى للناس أجمعين، إنه القرآن الكريم كتاب الله تبارك وتعالى، إنه المعجزة العظيمة فيه نبأُ ماقبلنا، وخبُر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه قصمهُ الله، إنه القرآن الكريم أنزله الله على رسوله الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) هدى للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان.
  كما نعلم أن البشر يتكلمون لغات مختلفة، لهذا احتاج الإنسان إلى الترجمة والمترجم للتفاهم مع بعضهم البعض، ولقضاء حاجياتهم المعيشية والحياتية اليومية والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وهذه الظاهرة شيء طبيعي في تنوع اللغات؛ لأن من صفات البشر أنهم يتكلمون لغات مختلفة، ولكنهم يستطيعون تعلم لغات أُخَر إلى جانب لغتهم الأم.  
     تتطرق هذه المقالة لموضوع يعتبر من المواضيع المهمة في حياتنا كمسلمين بصورة خاصة، وكعرب بصورة عامة، (ترجمة معاني القرآن الكريم عند الروس) يكفي القول أن عدد المسلمين بدأ بالتزايد في الجمهوريات الروسية، وحسب تقديرات الشخصيات الإسلامية القيادية في روسيا فإن(25) مليوناً إلى(28) مليون شخص روسي هم مسلمون.                                                                                                 
      شكلت ترجمة معاني القرآن الكريم مكان الصدارة بين صنوف الترجمات الروسية، وكانت الترجمات الأولى لمعاني القرآن الكريم تتم من خلال لغات أوربية وسيطة، ومن ثم أمكن ترجمة معانيه من الأصل العربي بعد تكوين مترجمين روس درسوا العربية، فأصبح القرآن الكريم عاملاً حيوياً هامّاً لفَهْم مراحل العلاقات بين روسيا من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى. 
    تعتبر اللغة الروسية واحدة من اللغات الحية التي تُرجم إليها القرآن الكريم، حيث ارتبط تطور مراحل ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الروسية بتطور مراحل الاستشراق الروسي، ولعب الدين الإسلامي والمسلمين دوراً كبيراً وبالغا في تاريخ روسيا، وذلك منذ نشأتها مروراً بالإمارات السلافية الأولى، ثم بالإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي، ثم المؤثرات الحضارية العربية الإسلامية الأولى على حياة الروس، وبداية الاستشراق الروسي في عهد (بطرس الأول) وعهد (كاترين الثانية) الذي عرف بداية الاهتمام الفعلي بالثقافة العربية، حين ظهرت العديد من المجلات الثقافية الروسية متضمنة أخبار العلوم والفلسفة والحِكَم والطرائف العربية وقواميس لغوية أدرجت اللغة العربية كإحدى اللغات الرئيسية إلى جانب الفرنسية والانجليزية والألمانية في روسيا.                                                                    
 كان عنوان أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم قام بها المترجم (بوسنكوف عام1716م) باسم (القرآن عن محمد). وقد ظهرت هذه الترجمة نقلاً عن أخرى فرنسية أنجزها المستشرق الفرنسي) ديوري عام 1647م)، لكن كبير المستشرقين الروس (اغناطيوس كراتشكوفسكي 1883-1951) قد أثار شكوكاً حول مدى الصدق والدقة والموضوعية في ترجمة (بوسنكوف)، ورأى فيها أخطاء كثيرة جداً، ومع ذلك لا يجب التقليل من شأنها نظراً لأهمية الحدث نفسه.
     أطلق بعد ذلك الكاتب المعروف (كانتيمير 1723م) مبادرته في تأسيس أول مطبعة بالحرف العربي. كما أنشئت بتوجيه من (بطرس الأكبر) أولى مدارس الترجمة للمستعربين. أما في النصف الثاني من القرن الثامن عشر فقد دخلت اللغة العربية في مناهج المدارس الثانوية في بعض المدن الروسية، مثل مدرسة أسترا خان.
 في (بطرسبرج) ظهرت طبعة جديدة للقرآن الكريم باللغة العربية، وقد أشرف على تلك الطبعة وعلّق عليها الملاّ (عثمان إبراهيم), كما أعيدت طباعته في الأعوام(1789م،1790م،1796م،1798م). ظهرت أيضاً ترجمتان جديدتان لمعاني القرآن الكريم بالروسية وحازتا تقدير (كراتشكوفسكي) الذي رأي فيهما حدثا تاريخياً بالغ الأهمية في تاريخ الثقافة الروسية، ومستوى أعلى من الترجمات السابقة.
 ولقد حفزت الترجمات الروسية لمعاني القرآن الكريم في صدور مؤلفات تتناول شرح القرآن الكريم ومن أبرزها كتاب المترجم (بوجدانيفيتش) بعنوان (محمد والقرآن) وقد لاقى نجاحاً كبيراً، وأعيد طبعه مرات عديدة.  لقد تركت ترجمة (فيرفكين) لمعاني القرآن سنة(1790م) أثراً كبـيراً في تاريخ الأدب الروسي، وكانت هذه الترجمة مأخوذة أيضاً عن الترجمة الفرنسية.
في(5 كانون الأول 1800م) رفعت القيود التي كانت مفروضة على طبع الأدبيات الدينية الإسلامية، وافتتحت في (قازان في العام 1802م) أول مطبعة عربية إسلامية تم بها إعداد (82300) نسخة من المصحف الشريف، واعتمدت جميعها نص طبعة(بطرسبرج لعام 1787م)، وحظيت باهتمام واسع في روسيا وفي خارجها في آن معاً. ومع ازدهار حركة الإستشراق، تمكن العديد من المستشرقين بترجمة معاني القرآن الكريم عن اللغة العربية، ومع ولادة أول مطبعة عربية كانت ولاد  المستشرق (ميرزا محمد كاظم بك 1802م) الذي كان يعد من أكبر المستشرقين في تلك الفترة.                                                
      في سنة(1859م) ظهر كتابه (الفهرس الكامل للقرآن أو مدخل إلى كلماته وعباراته)، وهو عبارة عن دليل لدراسة مبادئ القرآن الكريم الدينية والشرعية والتاريخية والأدبية. وكان من أهم عيوبه أنه لم يعتمد نص القرآن الكريم، بل اعتمد على مصحف المستشرق الألماني "جوستاف فليوجل". 

أشرف المترجم "نيقولاييف" عام "1864"م، على ترجمة معاني القرآن، وكانت مأخوذة عن الترجمة الفرنسية للمستشرق"بيبيرشتين كازميرسكي". وقد تكررت طباعة ترجمة "نيقولاييف" في موسكو خمس مرات، وفي سنة (2001م) أعيدت طباعتها في دار "إليبرون كلا سيك". يعتقد بعض النقاد أن وضع النقد الترجمي سيء، لاسيما إذا عرفنا انه لايوجد اتفاق مشترك عام على معايير النقد الترجمي والتقويم، وإن للنقد الترجمي علاقة واضحة بالأدب.
   وكانت الطبعة الثالثة المنقحة لهذه الترجمة قد ظهرت في كازاخستان عام (1998م). وترجمة (نيقولاييف) لمعاني بعض السور نشرت في (مجلة الخزر) ترجمة معاني "سورة النساء" في العددين (3،4) عام (1990م)، وترجمة معاني "سورة المائدة" في العددين (4،5) عام (1990م)، وترجمة معاني "سورة الأنعام" في العددين (1،5) عام 1919م. نقدها المستشرق السوفيتي (كليموفيتش) مشيراً إلى أن هذه الترجمة كانت محررة إلى حدٍ ما، وفي مواضع كثيرة بصورة غير حسنةٍ، ومع ذلك اعترف (كراتشكوفسكي) أن ترجمة معاني القرآن لـ(نيقولاييف) أغنت الناسَ عن الرجوع إلى الترجمات السابقة التي تعود إلى القرن الثامن عشر على الرغم من أنها منقولة عن الفرنسية.
     في عام (1878م) ظهرت ترجمة للمستشرق الشهير(جوردي سابلوكوف). ثم بعد عام واحد من طباعتها أول مرة في مدينة قازان نشر كتاب (الملحقات)، وهو فهرس موضوعات القرآن للمستشرق نفسه. وفي عام (1884م) طبع كتابه (الأخبار عن القرآن)، وهو عبارة عن كتاب تشريعي، وتكررت طباعة ترجمة (سابلوكوف)، لكن الطبعة الصادرة عام (1907م) كانت قد أضافت النص العربي.
      لكن كثيراً من المختصين والمستشرقين الروس قد انتقدوا منـهجَ (سابلوكوف) وترجمته لمعاني القرآن، فقد أشار المستشرق كريمسكي في كتابه (تاريخ الإسلام) إن ترجمة سابلوكوف ترجمة حرفية ميتة، ولا يمكن فهمها في كثير من المواضع؛ إلا بعد الرجوع إلى الأصل العربي، فضلاً عن أنها تحتوي على عدد كبير من الأخطاء التي لا مراء فيها.
    كذلك انتقدها المستشرقان) بيلايف وجريزنيفيتش (مع مرور الزمن تظهر سلبيات هذه الترجمة لكل من يرجع إليها، فأما المستشرق المتخصص في اللغة العربية فيجد فيها أخطاء كثيرة، وأما غير المتخصص فلا يفهم أحياناً خصائص نص الترجمة المليئة بالكلمات القديمة والعبارات المبهمة، التي منعت من فهم المعنى الظاهر لها. كما وُجِد في ترجمته كلمات خاصة تستخدم عند ترجمة التوراة والإنجيل إلى اللغة الروسية، وبسبب هذه الكلمات يكون القارئ العامي قد أخذ فكرة خاطئة عن العقيدة الإسلامية والمعنى الحقيقي لهذا الأثر، وعلى الرغم من ذلك فقد أشبعت ترجمة )سابلوكوف( لمعاني القرآن حاجة الكثيرين في المجتمع الروسي على مدى مائة عام، وعُدت من أهم المراجع عن الدين الإسلامي. واستحق صاحبها مدح كثيرين منهم )كراتشكوفسكي( بقوله) :لم يتمكن أحد في أكاديمية قازان من تأسيس منهج للاستعراب ودراسة الإسلام إلا  جوردي سابلوكوف(. 
كان لترجمة القرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغة الروسية دور حيوي هام وبارز لفَهْم وتطور مراحل العلاقات بين الجمهوريات الروسية والعالم الإسلامي. 

المصادر والمراجع
1- القرآن في روسيا في كتاب "أبحاث جديدة للمستعربين السوفييت"، الكتاب الأول، موسكو 1986م . 
2- بوشكن، الكسندر، المؤلفات الكاملة، بونين، موسكو، 1956م، ج2.
3-  ريكول، بول،عن الترجمة، ترجمة حسين خمري، الجزائر، ط1، مطابع الدار العربية للعلوم (من منشورات الاختلاف)، 2008.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد علي حسين القزاز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/09



كتابة تعليق لموضوع : ترجمة معاني القرآن الكريم عند الروس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net